فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب ما يكره من السمر بعد العشاء

باب
ما يكره من السمر بعد العشاء
( السامر) : من السمر، والجمع: السمار، والسامر هاهنا في موضع الجمع.

( السمر) : هو التحدث بالليل، وقوله تعالى: { مستكبرين به سامراً} [المؤمنون: 67] هو من السمر، ومعناه هنا: الجمع - أي: سماراً.

فسمار جمع، وسامر يكون مفرداً، وقد يراد به الجمع كما في الآية.

[ قــ :583 ... غــ :599 ]
- حدثنا مسدد: ثنا يحيى: ثنا عوف: ثنا أبو المنهال، قال: انطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي، فقال له: حدثنا، كيف كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي المكتوبة؟ قال: كان يصلي الهجير – وهي التي تدعونها الأولى – حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى أهله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب.
قال: وكان يستحب أن يؤخر العشاء.
قال: وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه، ويقرأ من الستين إلى المائة.

قد سبق هذا في مواضع، وشرح ما فيه من مواقيت الصلاة، وذكر النوم قبل العشاء، ولم يبق من أحكامه غير ذكر الحديث بعد العشاء، وهو السمر.

وفي هذا الحديث: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكرهه، وقد ذكرنا فيما سبق حديث عائشة، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما نام قبل العشاء ولا سمر بعدها.

وخرج الإمام أحمد وابن ماجه من حديث عطاء بن السائب، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: جدب لنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السمر بعد العشاء.

ومعنى ( جدبه) : عابه وذمه -: قاله أبو عبيد وغيره.

ووهم من قال: أباحه لهم، كالطحاوي، وهو مخالف لما قاله أهل اللغة.

وهذا الحديث وهم عطاء بن السائب في إسناده؛ فقد رواه الأعمش ومنصور وابو حصين، عن أبي وائل، عن سلمان بن ربيعة، قال: جدب لنا عمر السمر.

وخالفهم عطاء بن السائب وعاصم، فقالا: عن أبي وائل، عن ابن مسعود، ثم اختلفا، فرفعه عطاء، ووقفه عاصم، ووهما في ذلك.

والصحيح: قول منصور والأعمش -: قاله أبو بكر الأثرم.

وذكر مسلم نحوه في ( كتاب التمييز) ، وزاد: أن المغيرة رواه عن أبي وائل، عن حذيفة – من قوله.

قال: ولم يرفعه إلا عطاء بن السائب.

وأشار إلى أن رواية الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وأبي حصين، عن أبي وائل، عن سلمان، عن عمر هي الصحيحة؛ لأنهم أحفظ وأولى بحسن الضبط للحديث.

وقد رويت كراهة السمر بعد العشاء عن عمر وحذيفة وعائشة وغيرهم.

ثم منهم من علل بخشية الامتناع من قيام الليل، روي ذلك عن عمر.

ومنهم من علل بأن الصلاة ينبغي أن تكون خاتمة الأعمال، فيستحب النوم عقيبها، حتى ينام على ذكر، ولا ينام على لغو.

وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يسمر ما لم يوتر، فجعل الختم بالوتر يقوم مقام الختم بالصلاة المكتوبة.

وكانت عائشة تقول لمن يسمر: أريحوا كتابكم.

تعني: الملائكة الكاتبين.

ومتى كان السمر بلغو ورفث وهجاء فإنه مكروه بغير شك.

وفي ( مسند الإمام أحمد) من حديث شداد بن أوس – مرفوعاً -: ( من قرض بيت شعر بعد عشاء الآخرة لم يقبل له صلاة تلك الليلة) .