فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة

باب
إذا انفلتت الدابة في الصلاة

وقال قتادة: إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة.

وروى عبد الرزاق في ( ( كتابه) ) ، عن معمر، عن الحسن وقتادة، في رجل كان يصلي، فأشفق أن تذهب دابته أو أغار عليها السبع؟ قالا: ينصرف.

وعن معمر، عن قتادة، قالَ: سألته، قلت: الرجل يصلي فيرى صبياً على بئر، يتخوف أن يسقط فيها، أفينصرف؟ قال: نعم.
قلت: فيرى سارقاً يريد أن يأخذ
نعليه؟ قال: ينصرف.

ومذهب سفيان: إذا عرض الشيء المتفاقم والرجل في الصلاة ينصرف إليه.

رواه، عنه المعافى.

وكذلك إن خشي على ماشيته السيل، أو على دابته.

ومذهب مالك؛ من انفلتت دابته وهو يصلي مشى فيما قرب، إن كانت بين يديه، أو عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت طلبها وقطع الصَّلاة.

ومذهب أصحابنا: لو رأى غريقاً، أو حريقاً، أو صبيين يقتتلان، ونحو ذلك، وهو يقدر على إزالته قطع الصلاة وأزاله.

ومنهم من قيده بالنافلة.

والأصح: أنه يعم الفرض وغيره.

وقال أحمد – فيمن كان يلازم غريماً له، فدخلا في الصلاة، ثم فر الغريم وهو في الصلاة -: يخرج في طلبه.

وقال أحمد - أيضا -: إذا رأى صبياً يقع في بئر، يقطع صلاته ويأخذه.

قال بعض أصحابنا: إنما يقطع صلاته إذا احتاج إلى عمل كثير في أخذه، فإن كان العمل يسيراً لم تبطل به الصلاة.

وكذا قال أبو بكر في الذي خرج ورأى غريمه: إنه يعود ويبني على صلاته.

وحمله القاضي على أنه كان يسيراً.

ويحتمل أن يقال: هو خائف على ماله، فيغتفر عمله، وإن كثر.

خرج البخاري في هذا الباب حديثين:
الأول - وهو موقوف -:
[ قــ :1167 ... غــ :1211 ]
- ثنا آدم: ثنا شعبة: ثنا الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على حرف نهر، إذا رجل يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها – وقال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي -، فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم، افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ، قال: إني سمعت
قولكم، وإني غزوت مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ست غزوات – أو سبع غزوات أو ثمانياً -، وشهدت تيسيره، وإني إن كنت أرجع مع دابتي أحب الي من أن ادعها ترجع إلى
مألفها، فيشق علي.

فهذا موقوف على أبي برزة، وفيه: ما يشعر [بتوبيخ] من رفع؛ لقوله: ( ( شهدت تسير النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ) .

والمعنى: أنه شاهد من تيسيره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما استدل به على أن هذا العمل في الصلاة غير مضر بالصلاة.

وقد تقدم أن الإمام أحمد قالَ: إذا فعل في صلاته كفعل أبي برزة فصلاته
جائزة.

ومتى كان يخاف من ذهاب دابته على نفسه، فحكمه حكم الخائف، فلا يبطل عمله في الصلاة لتحصيل دابته، وإن كثر.

وقد خرج البخاري حديث أبي برزة في ( ( الأدب) ) من ( ( صحيحه) ) هذا، من طريق حماد بن زيد، عن الأزرق، به، وفي حديثه: فانطلقت الفرس، فخلى صلاته واتبعها، حتى أدركها، فأخذها، ثم جاء فقضى صلاته.

والظاهر: أن المراد بترك صلاته ترك العمل فيها، اشتغالا بطلب الفرس، ثم جاء فبنى على مامضى من صلاته.


الثاني:


[ قــ :1168 ... غــ :11 ]
- نا محمد بن مقاتل: نا عبد الله: أنا يونس، عن الزهري، عن عروة، قال: قالت عائشة: خسفت الشمس، فقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقرأ سورة طويلة، ثم ركع فأطال، ثم رفع رأسه، ثم استفتح سورة أخرى، ثم ركع حين قضاها وسجد، ثم فعل ذلك في الثانية، ثم قال: ( ( إنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا حتى يفرج عنكم، لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدته، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة، حين رأيتموني أتقدم، ولقد رأيت جهنم، يحطم بعضها بعضاً، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها عمرو بن لحي، وهو الذي سيب السوائب) ) .

في هذا السياق: ما يستدل به على أنه لم يقرإ الفاتحة في قيامه الثاني من كل
ركعة.

وفيه: أن الناس في حال الكسوف في كربة وشدة تحتاج إلى التفريج.

وفيه: أنه تقدم وتأخر في صلاته، وأنه أخبر أن سبب تقدمه أنه أراد أن يأخذ قطفاً من الجنة، وأن سبب تأخره قرب جهنم فتباعد عنها.

وقد سبق القول في المشي في الصلاة والتقدم والتأخر.

وأما تناول القطف من الجنة، فليس هو من عمل الدنيا، حتى يستدل به على تناول الحاجات في الصلاة، وإنما هو من أمور الآخرة، وكذلك الاشتغال بالنظر إليه في الصلاة، وقد سبق ذكر هذا المعنى.

ولكن في ( ( مصنف عبد الرزاق) ) عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، أن إنساناً قدم على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهدية، فأخذها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في الصلاة.

وهذا مرسل.