فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء

باب
القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء
[ قــ :415 ... غــ :423 ]
- حدثنا يحيى بن موسى: ثنا عبد الرزاق: ابنا ابن جريج: أخبرني ابن شهاب، عن سهل بن سعد، أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد.

هذا مختصر من حديث سهل في قصة المتلاعنين.

وكان غرض البخاري منه قول سهل: ( ( فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد) ) ، وكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي لا عن بينهما، فدل ذلك على جواز الحكم في المسجد والتلاعن فيه بين الزوجين؛ فإنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم عليهما بالتلاعن ولاعن بينهما.

ولا خلاف نعلمه بين العلماء في جواز الملاعنة في المساجد بين الزوجين المسلمين، وإنما اختلفوا: هل ذلك مستحب أو واجب أو مباح:
فأوجبه الشافعي في قول له، واستحبه في قوله الآخر، وأكثر أصحابنا، ومنهم من قال: هو جائز غير مستحب.
وقال ابن عبد البر: لا يختلفون أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الجامع؛ لان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاعن في مسجده.

وأما القضاء في المسجد، فقد بوب البخاري عليه في آخر ( ( صحيحه) ) في ( ( كتاب: الأحكام) ) ، فقال: ( ( باب: من قضى ولاعن في المسجد) ) .
ولاعن عمر عند منبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقضى مروان على زيد بن ثابت باليمن عند المنبر.
وقضى شريح والشعبي ويحيى بن يعمر في المسجد.
وكان الحسن وزرارة بن أوفى يقضيان في الرحبة خارج المسجد.

ثم خرج حديث سهل في اللعان.

ثم قال: ( ( باب: من حكم في المسجد حتى إذا أتى على حد أمر أن يخرج من المسجد فيقام) ) .
وقال عمر: أخرجاه من المسجد فاضرباه.
ويذكر عن علي نحوه.

ثم خرج فيه من حديث أبي هريرة، قال: أتى رجل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد، فناداه، فقال: يا رسول الله، إني زنيت، فأعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربعا قال: ( ( ابك جنون؟) ) قال: لا.
قال: ( ( اذهبوا به فارجموه) ) – وذكر الحديث.

وذكر غيره ممن كان يقضي في المسجد: شريح، والحسن، والشعبي، ومحارب بن دثار، ويحيى بن يعمر، وابن أبي ليلى، وبه قال أبو حنيفة ومالك واحمد وإسحاق.

قال أحمد: لم يزل الناس يقضون في المساجد.

وقال مالك: هو من أمر الناس القديم.

وكرهه الشافعي.

وحكي عن عمر بن عبد العزيز، ورواية عن أبي حنيفة.

وقال سفيان الثوري: لا باس أن يقضي القاضي في المسجد؛ كان شريح والقضاة يفعلون ذلك، وكان عمر بن عبد العزيز كتب أن لا يقضي القاضي في المسجد.

وكان الشعبي يقضي بين أهل الذمة والنساء إذا لم يصلين على باب داره.

وأما إقامة الحد في المسجد، ففي النهي عنه حديث خرجه الترمذي، وفي إسناده مقال.

وهو قول الجمهور، وكان ابن أبي ليلى يقيم حد الجلد في المسجد
ومذهب مالك: لا باس في المسجد بخفيف الأدب، ولا باس بضرب الخصم فيه إذا تبين لدده -: نقله صاحب ( ( تهذيب المدونة) ) .