فهرس الكتاب
فتح البارى لابن رجب - باب بدء الأذان
باب
بدء الأذان
وقول الله عز وجل: { وَإذا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] .
وقول تعالى: { إذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] .
يشير إلى أن الأذان مذكور في القرآن في هاتين الآيتين:
الأولى منهما: تشتمل النداء إلى جميع الصلوات؛ فإن الأفعال نكرات، والنكرة في سياق الشرط تعم كل صلاة.
والثانية منهما: تختص بالنداء إلى صلاة الجمعة.
وقد روى عبد العزيز بن عمران، عن إبراهيم بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الأذان نزل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع فرض الصلاة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} .
هذا إسناد ساقط لا يصح.
وهذه الآية مدنية، والصلاة فرضت بمكة، ولم يصح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بمكة جمعة.
وقوله: { وَإذا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} [المائدة: 58] مدنية - أيضا -، ولم يؤذن للصلاة بمكة.
والحديث الذي روي أن جبريل لما أم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول ما فرضت الصلاة أمره أن يؤذن بالصلاة، قد جاء مفسراً في رواية أخرى، أنه يؤذن: الصلاة جامعة.
وقد سبق ذكره في أول " كتاب الصلاة".
وقد روي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة أسري خرج ملك من وراء الحجاب فأذن، فحدثه ربه عز وجل والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع ذلك، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه فأم أهل السماء، منهم آدم ونوح.
قال أبو جعفر محمد بن علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشرف على أهل السماء وأهل الأرض.
وقد خرجه البزار والهيثم بن كليب في " مسنديهما" بسياق مطول من طريق زياد بن المنذر أبي الجارود، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي.
وهو حديث لا يصح.
وزياد بن المنذر أبو الجارود الكوفي، قال فيه الإمام أحمد: متروك.
وقال ابن معين: كذاب عدو الله، لا يساوي فلساً.
وقال ابن حبان: كان رافضياً يضع الحديث.
وروى طلحة بن زيد الرقي، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أسري به إلى السماء أوحى الله إليه الأذان، فنزل به، فعلمه جبريل.
خرجه الطبراني.
وهو موضوع بهذا الإسناد بغير شك.
وطلحة هذا، كذاب مشهور.
ونبهنا على ذلك لئلا يغتر بشيء منه.
وإنما شرع الأذان بعد هجرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، والأحاديث الصحيحة كلها تدل على ذلك.
والأذان له فوائد:
منها: أنه إعلام بوقت الصلاة أو فعلها.
ومن هذا الوجه هو إخبار بالوقت أو الفعل.
ولهذا كان المؤذن مؤتمنا.
ومنها: أنه إعلام للغائبين عن المسجد؛ فلهذا شرع فيه رفع الصوت، وسمي نداءً؛ فإن النداء هو الصوت الرفيع.
ولهذا المعنى قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن زيد: " قم فألقه على بلال؛ فإنه أندي صوتاً منك".
ومنها: أنه دعاء إلى الصلاة؛ فإنه معنى قوله: " حي على الصلاة، حي على الفلاح".
وقد قيل: إن قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33] الآية: نزلت في المؤذنين، روي عن طائفة من الصحابة.
وقيل في قوله تعالى: { وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43] : إنها الصلوات الخمس حين ينادي بها.
ومنها: أنه إعلان بشرائع الإسلام من التوحيد والتكبير والتهليل والشهادة بالوحدانية والرسالة.
خرج البخاري في هذا الباب حديثين:
الحديث [الأول] :
قال:
[ قــ :587 ... غــ :603 ]
- ثنا عمران بن ميسرة: ثنا عبد الوارث: ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وخرجه البخاري في الباب الآتي، بلفظ آخر، وهو: " قال: لما كثر الناس وانتشروا في المدينة.
قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".
وخرجه مسلم - أيضا.
وهذا يدل على أن الأذان تأخر عن أول قدوم النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة حتى كثر الناس وانتشروا في المدينة ومن حولها، واحتاجوا حينئذ إلى تعليم وقت الصلاة بشيء يعرفونه معرفة تامة.
وقوله في هذه الرواية: " فذكروا اليهود والنصارى" - يعني: أنهم كرهوا النار والناقوس؛ لمشابهة اليهود والنصارى في أفعالهم.
ولا يعرف ذكر " النار" إلا في هذه الرواية، وإنما في أكثر الأحاديث ذكر الناقوس والبوق، وفي بعضها ذكر راية تنصب ليراها الناس.
وقد روي من حديث خالد، عن أبي قلابة ذكر الناقوس والبوق - أيضا.
خرجها ابن خزيمة في " صحيحه" والطبراني من رواية روح بن عطاء بن أبي ميمونة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى رجل إلى الطريق، فنادى: الصلاة الصلاة، فاشتد ذلك على الناس، فقالوا: لو اتخذنا ناقوساً يا رسول الله؟ قال: " ذلك للنصارى".
قالوا: فلو اتخذنا بوقاً؟ قال: " ذلك لليهود".
فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وقال الطبراني: لم يروه - بهذا التمام - عن خالد إلا روح.
انتهى.
وروح، متكلم فيه.
وفي حديث عبد الله بن زيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة.
خرجه أبو داود وغيره.
ويعضده: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء.
وفي رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق لحديث عبد الله بن زيد، قال: لما أجمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة، وهو كاره لموافقة النصارى.
وهذا يدل على أن الناس قد اجتمعوا على ذلك، ووافقهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع كراهته له.
وقوله: " فأمر بلال" لا يشك أن الآمر له هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما صرح به ابن عمر في حديثه الآتي.
قال الخطأبي: الأذان شريعة من الشرائع، والأمر المضاف إلى الشريعة في زمان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يضاف إلى غيره.
قال: ومن زعم ان الآمر لبلال به أبو بكر فقد غلط؛ لأن بلالاً لم يقم بالمدينة بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما لحق بالشام أيام أبي بكر.
أنتهى.
ولقد أبطل من زعم أن أمر بلال بالأذان تأخر إلى زمن أبي بكر، وأن مدة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلت عن أذان، وهذا لا يقوله من يعقل ما يقول.
ولعل هذا الزاعم إنما زعم أن أبا بكر أمر بابتار الإقامة بعد أن كانت على غير ذلك في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا في غاية البطلان - أيضا -، وإنما يحمل عليه الهوى والتعصب، وكيف يغير أبو بكر بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شريعته في إقامة الصلاة ويقره الناس على ذلك؟
والحديث صريح في أن أمر بلال بذلك كان في أول أمر الأذان، حيث كانوا يترددون فيما يحصل به إعلام الناس بوقت الصلاة، فيحنئذ أمر بلال بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، لا يحتمل الكلام غير هذا المعنى.
والله اعلم.
وقد خرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
ونقل عباس الدوري، عن ابن معين، قال: لم يرفعه إلا الثقفي.
وقد خرجه الدارقطني من طرق أخرى مصرحاً برفعه - أيضا - كما رواه الثقفي.
[ قــ :588 ... غــ :604 ]
- ثنا محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق: ثنا ابن جريج: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى.
وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود.
فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً منكم ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال، قم فناد بالصلاة".
وخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق وحجاج، كلاهما عن ابن جريج به، بنحوه.
والحديث صريح في أن المسلمين اول ما قدموا المدينة ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معهم لم يكونوا ينادون للصلاة، وإنما كانوا أولاً يتحينون الصلاة - يعني: يقدرون احيانها لياتوا إليها - والحين: الوقت والزمان -، ثم إنهم تشاوروا في ذلك وتكلموا فيه لما شق عليهم التحين، فربما كان منهم من يتقدم قبل الوقت، فيفوته ما كان يعمل، ومنهم من كان يتأخر فتفوته الصلاة.
وقد روى فليح، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ، أن الناس كانوا يتحينون وقت الصلاة، فيصلون بغير أذان، فإذا حضرت الصلاة فمنهم من يدرك، وأكثرهم لا يدرك، فهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك - وذكر حديث عبد الله بن زيد بطوله -، فلما أهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه ذلك اجتمعوا فتشاوروا في امر يعلمون به وقت الصلاة ويجتمعون عليه في المسجد.
وفي هذا: دليل على استحباب التشاور في مصالح الدين والاهتمام بها، فلما تشاوروا أشار بعضهم بالناقوس كفعل النصارى، وأشار بعضهم بالبوق كفعل اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة.
وهذا من إلهام عمر للحق ونطقه به، وقد كان كثيراً ما ينطق بالشيء فينزل الوحي بموافقته، وهذا مما نزل القرآن بتصويب قوله.
وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال، قم فناد بالصلاة" يدل على ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل ما أشار به عمر دون غيره.
وأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنداء بالصلاة، يحتمل انه أمره أن ينادي في الطرقات: " الصلاة، الصلاة" كما تقدم في الحديث الذي خرجه ابن خزيمة، ويكون ذلك قبل ان يشرع الأذان.
ويحتمل أنه أمره بالأذان، وهو اظهر.
ويحتمل أن عمر إنما أشار بذلك بعد أن رآه في منامه، ويدل عليه ما روي عن عمر، وعن ابن عمر –أيضا -:
أماالمروي عن عمر، فمن طريق سفيان بن وكيع: ابنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عمر، قال: ائتمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه حين قدموا المدينة: كيف يجعلون الأذان بالصلاة يجتمعون لها؟ فائتمروا بالناقوس.
قال عمر: فرايت في المنام: لم تجعلون الناقوس بل أذنوا.
فذهب عمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوحي بذلك، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبقك الوحي بذلك يا عمر".
قال: فذهبت إلى الصلاة، فإذا بلال يهتف بالأذان.
خرجه الإسماعيلي في " مسند عمر".
وسفيان بن وكيع، فيه ضعف.
وهو مرسل.
وخرجه ابو داود في " المراسيل": ثنا أحمد بن إبراهيم: ثنا حجاج، عن ابن جريج: أخبرني عطاء، أنه سمع عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو وأصحابه، كيف يجعلون شيئاً إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها [به] ، فائتمروا بالناقوس، فبينما عمر يريد أن يبتاع خشبتين لناقوس إذ رأى عمر في المنام أن لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا بالصلاة، فذهب عمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخبره بالذي رأى، وقد جاء الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سبقك بذلك الوحي"، حين أخبره عمر بذلك.
وقد روى مالك في " الموطا" عن يحيى بن سعيد، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أراد أن يتخذ خشبتين يضربهما ليجمع الناس للصلاة، فأري عبد الله بن زيد خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين الخشبتين لنحو مما يريده رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقيل: ألا تؤذنون للصلاة، فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين استيقظ، فذكر ذلك له، فأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[بالآذان] .
وأماالمروي عن ابن عمر، فمن طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استشار الناس لما يهمهم للصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود.
ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى، فأري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار - يقال له: عبد الله ابن زيد - وعمر بن الخطاب، فطرق الانصاري رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ليلاً، فأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بلالاً فاذن به.
قال الزهري: وزاد بلال في نداء الغداة: " الصلاة خير من النوم" - مرتين -، فأقرها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال عمر: يا رسول الله؛ قد رأيت مثل الذي رأى، ولكنه سبقني.
خرجه ابن ماجه.
وخرجه ابن سعد من طريق مسلم بن خالد: حدثني عبد الرحيم بن عمر، عن ابن شهاب - بإسناده، ومعناه.
وفي كون هذا الحديث محفوظاً عن الزهري بهذا الإسناد نظر؛ فإن المعروف: رواية الزهري، عن ابن المسيب - مرسلاً.
وروي عن الزهري، عن ابن المسيب، عن عبد الله بن زيد.
وحديث عبد الله بن زيد، قد روي من وجوه:
أحدها: رواية ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه - بسياق مطول -، وفيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما امر بعمل الناقوس طاف بعبد الله وهو نائم رجل يحمل ناقوساً، فقال له: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: فما تصنع به؟ قال: ندعوا به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال: بلى، قال: تقول:
" الله أكبر"، فعلمه الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة.
فما اصبح اتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال له: " الرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت؛ فإنه أندى صوتاً منك".
قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه، وبلال يؤذن به.
قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى.
فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فلله الحمد".
خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه، وابن خريمة وابن حبان في " صحيحهما".
وحكى البيهقي أن الترمذي حكى في " علله" عن البخاري، أنه قال: هو عندي صحيح.
وبه استدل الإمام أحمد، وعليه اعتمد.
وقال الخطأبي: قد روي هذا الحديث والقصة باسانيد مختلفة، وهذا الإسناد أصحها.
وحكى ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي، أنه قال: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبر اصح من هذا؛ لأن محمد بن عبد الله سمعه من أبيه.
قال ابن خزيمة: خبر ابن إسحاق ثابت صحيح؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه، وابن إسحاق سمعه من التيمي.
كذا قال؛ وقد توقف البخاري في " تاريخه" في سماع محمد بن عبد الله ابن زيد من أبيه، فقال: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جده، لم يذكر سماع بعضهم من بعض.
قال الحاكم: إنما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد بهذا الإسناد؛ لتقدم موت عبد الله بن زيد، فقد قيل: إنه [استشهد بأحد] .
وقيل: بعد ذلك بيسير.
انتهى.
وعلى هذا؛ فجميع الروايات عنه مرسلة.
وخرج أبو داود من حديث أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قالوا: اهتم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة كيف يجمع لها الناس؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها أخبر بعضهم بعضاً، فلم يعجبه - وذكر الحديث بطوله، ورؤيا عبد الله بن زيد الأذان في منامه - قال: وكان عمر ابن الخطاب قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً - وذكر بقية الحديث.
وخرج – أيضا - من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: ثنا أصحابنا، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لقد أعجبني ان تكون صلاة المسلمين واحدة، حتى لقد هممت أن أبث رجالاً في الدور، ينادون الناس بحين الصلاة، وحتى هممت أن آمر رجالاً يقومون على الآكام، ينادون المسلمين بحين الصلاة.
قال: فجاء رجل من الانصار، فقال: يا رسول الله، إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كان عليه ثوبان أخضران، فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدةً، ثم قام فقال مثلها، إلا أنه يقول: " قد قامت الصلاة"، ولولا أن يقولوا لقلت إني كنت يقظاناً غير نائم.
فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لقد أراد الله خيراً، فمر بلالاً فيؤذن".
قال: فقال عمر: إني قد رأيت مثل ما رأى، ولكني لما سبقت استحييت.
وخرجه - أيضا - من طريق المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ - فذكره.
ورواه حصين وغيره، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله ابن زيد.
وابن أبي ليلى، لم يسمع من معاذ، ولا من عبد الله بن زيد، فروايته عنهما منقطعة.
ورواية شعبة أصح.
وتابعه الأعمش، فرواه عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: ثنا أصحاب محمد، أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام - فذكره.
وهذا إسناد جيد متصل، وعدم تسمية الصحابة لا يضر؛ فإنهم كلهم عدول - رضي الله عنهم.
لكن اختلف على الأعمش، وروي عنه، عن عمرو، عن ابن أبي ليلى - مرسلاً.
وقال العقيلي: الرواية في هذا الباب فيها لين، وبعضها أفضل من بعض.
يشير إلى حديث عبد الله بن زيد ورؤية الأذان في منامه.
وعبد الله بن زيد هذا، هو: ابن عبد ربه الأنصاري، من الخزوج.
قال الترمذي: لا يصح له غير حديث الأذان.
وزعم ابن عيينة أنه صاحب " حديث الوضوء" عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، أنصاري من بني النجار، وهو عم عباد بن تميم.
وله أحاديث متعددة مرسلة، منها: عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، قالوا: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يؤمر بالأذان ينادي منادي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصلاة جامعة، فيجتمع الناس، فلما صرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أهمه أمر الأذان، وأنهم ذكروا أشياء يجمعون بها الناس للصلاة - وذكر بقية الحديث، ورؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب -، ثم قال: قالوا: [وأذن بالأذان وبقي مناد في الناس: " الصلاة جامعة"، للأمر بحديث] ، وإن كان في غير وقت صلاة.
ففي هذه الرواية: أن الأذان كان بعد صرف القبلة إلى الكعبة، وكان صرف القبلة إلى الكعبة في السنة الثانية.
وقد روي ما يستدل به على أن الأذان إنما شرع بعد غزوة بدر بعد صرف القبلة بيسير.
ففي " المسند" وغيره عن حارثة بن مضرب، عن علي، قال: لما كان ليلة بدر وطلع الفجر نادى: " الصلاة عباد الله "، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد روى وكيع في " كتابه" عن هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بدء الأذان إذا حضرت الصلاة نودي: " الصلاة الجامعة"، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لو اتخذتم ناقوساً أو كبراً" - الكبر - بفتحتين -: الطبل ذو الرأسين.
وقيل: الطبل الذي له وجه واحد - فرأى ابن زيد في المنام رجلاً في يده عود، قال: ما تصنع به؟ قال: نتخذه ناقوساً، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك، إذا حضرت الصلاة قام أحدكم فيشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وقد روي أنه زيد في الأذان كلمات، كما سبق عن الزهري، ان بلالاً زاد في أذان الفجر: "الصلاة خير من النوم" - مرتين -، فأقرها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد خرجه الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن عبد الله بن زيد - في سياق حديثه الطويل -، وقال في آخره: قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
وخرجه ابن أبي شيبة، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن ابن المسيب، ولم يذكر فيه: " عبد الله بن زيد"، وجعله كله من رواية ابن المسيب.
والأشبه: أن ذكر زيادة بلال في آخر الحديث مدرجة من قول الزهري؛ كما سبق.
ورواها معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن بلال.
خرجه من طريقه ابن ماجه.
وابن المسيب، لم يسمع من بلال - أيضا.
ورواها النعمان بن المنذر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
ورواها صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
خرجه الطبراني من الطريقين.
ورواها يونس، عن الزهري، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن، قال: حدثني اهلي، أن بلالاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره.
ورواها شعيب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب - مرسلاً.
خرجه من الطريقين البيهقي.
والمرسل أشبه.
وخرج أبو داود في " مراسيله" من طريق يونس، عن ابن شهاب: أخبرني حفص بن عمر بن سعد المؤذن، أن بلالاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره.
وفي رواية له: عن حفص بن عمر بن سعد: حدثني اهلي، عن بلال.
وروى الحديث بطوله، بدون هذه الزيادة: أبو صالح، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب - فذكره كله مرسلاً.
وكذا رواه معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب - مرسلاً.
وروي: أن عمر أمر بلالاً بزيادة الشهادة بالرسالة في الأذان.
خرجه ابن خزيمة في " صحيحه" والإسماعيلي، من رواية عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن بلالاً كان يقول إذا أذن: " أشهد ان لا إله الله، حي على الصلاة"، فقال عمر: قل في إثرها: " أشهد أن محمداً رسول الله"، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قل ما أمرك عمر".
عبد الله بن نافع، ضعيف جداً.
بدء الأذان
وقول الله عز وجل: { وَإذا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] .
وقول تعالى: { إذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] .
يشير إلى أن الأذان مذكور في القرآن في هاتين الآيتين:
الأولى منهما: تشتمل النداء إلى جميع الصلوات؛ فإن الأفعال نكرات، والنكرة في سياق الشرط تعم كل صلاة.
والثانية منهما: تختص بالنداء إلى صلاة الجمعة.
وقد روى عبد العزيز بن عمران، عن إبراهيم بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الأذان نزل على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع فرض الصلاة:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ} .
هذا إسناد ساقط لا يصح.
وهذه الآية مدنية، والصلاة فرضت بمكة، ولم يصح أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بمكة جمعة.
وقوله: { وَإذا نَادَيْتُمْ إلى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} [المائدة: 58] مدنية - أيضا -، ولم يؤذن للصلاة بمكة.
والحديث الذي روي أن جبريل لما أم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول ما فرضت الصلاة أمره أن يؤذن بالصلاة، قد جاء مفسراً في رواية أخرى، أنه يؤذن: الصلاة جامعة.
وقد سبق ذكره في أول " كتاب الصلاة".
وقد روي أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلة أسري خرج ملك من وراء الحجاب فأذن، فحدثه ربه عز وجل والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسمع ذلك، ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه فأم أهل السماء، منهم آدم ونوح.
قال أبو جعفر محمد بن علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشرف على أهل السماء وأهل الأرض.
وقد خرجه البزار والهيثم بن كليب في " مسنديهما" بسياق مطول من طريق زياد بن المنذر أبي الجارود، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن علي.
وهو حديث لا يصح.
وزياد بن المنذر أبو الجارود الكوفي، قال فيه الإمام أحمد: متروك.
وقال ابن معين: كذاب عدو الله، لا يساوي فلساً.
وقال ابن حبان: كان رافضياً يضع الحديث.
وروى طلحة بن زيد الرقي، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أسري به إلى السماء أوحى الله إليه الأذان، فنزل به، فعلمه جبريل.
خرجه الطبراني.
وهو موضوع بهذا الإسناد بغير شك.
وطلحة هذا، كذاب مشهور.
ونبهنا على ذلك لئلا يغتر بشيء منه.
وإنما شرع الأذان بعد هجرة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المدينة، والأحاديث الصحيحة كلها تدل على ذلك.
والأذان له فوائد:
منها: أنه إعلام بوقت الصلاة أو فعلها.
ومن هذا الوجه هو إخبار بالوقت أو الفعل.
ولهذا كان المؤذن مؤتمنا.
ومنها: أنه إعلام للغائبين عن المسجد؛ فلهذا شرع فيه رفع الصوت، وسمي نداءً؛ فإن النداء هو الصوت الرفيع.
ولهذا المعنى قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن زيد: " قم فألقه على بلال؛ فإنه أندي صوتاً منك".
ومنها: أنه دعاء إلى الصلاة؛ فإنه معنى قوله: " حي على الصلاة، حي على الفلاح".
وقد قيل: إن قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33] الآية: نزلت في المؤذنين، روي عن طائفة من الصحابة.
وقيل في قوله تعالى: { وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 43] : إنها الصلوات الخمس حين ينادي بها.
ومنها: أنه إعلان بشرائع الإسلام من التوحيد والتكبير والتهليل والشهادة بالوحدانية والرسالة.
خرج البخاري في هذا الباب حديثين:
الحديث [الأول] :
قال:
[ قــ :587 ... غــ :603 ]
- ثنا عمران بن ميسرة: ثنا عبد الوارث: ثنا خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: ذكروا النار والناقوس، فذكروا اليهود والنصارى، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وخرجه البخاري في الباب الآتي، بلفظ آخر، وهو: " قال: لما كثر الناس وانتشروا في المدينة.
قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة".
وخرجه مسلم - أيضا.
وهذا يدل على أن الأذان تأخر عن أول قدوم النبي ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة حتى كثر الناس وانتشروا في المدينة ومن حولها، واحتاجوا حينئذ إلى تعليم وقت الصلاة بشيء يعرفونه معرفة تامة.
وقوله في هذه الرواية: " فذكروا اليهود والنصارى" - يعني: أنهم كرهوا النار والناقوس؛ لمشابهة اليهود والنصارى في أفعالهم.
ولا يعرف ذكر " النار" إلا في هذه الرواية، وإنما في أكثر الأحاديث ذكر الناقوس والبوق، وفي بعضها ذكر راية تنصب ليراها الناس.
وقد روي من حديث خالد، عن أبي قلابة ذكر الناقوس والبوق - أيضا.
خرجها ابن خزيمة في " صحيحه" والطبراني من رواية روح بن عطاء بن أبي ميمونة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سعى رجل إلى الطريق، فنادى: الصلاة الصلاة، فاشتد ذلك على الناس، فقالوا: لو اتخذنا ناقوساً يا رسول الله؟ قال: " ذلك للنصارى".
قالوا: فلو اتخذنا بوقاً؟ قال: " ذلك لليهود".
فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
وقال الطبراني: لم يروه - بهذا التمام - عن خالد إلا روح.
انتهى.
وروح، متكلم فيه.
وفي حديث عبد الله بن زيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة.
خرجه أبو داود وغيره.
ويعضده: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء.
وفي رواية إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق لحديث عبد الله بن زيد، قال: لما أجمع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة، وهو كاره لموافقة النصارى.
وهذا يدل على أن الناس قد اجتمعوا على ذلك، ووافقهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع كراهته له.
وقوله: " فأمر بلال" لا يشك أن الآمر له هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما صرح به ابن عمر في حديثه الآتي.
قال الخطأبي: الأذان شريعة من الشرائع، والأمر المضاف إلى الشريعة في زمان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يضاف إلى غيره.
قال: ومن زعم ان الآمر لبلال به أبو بكر فقد غلط؛ لأن بلالاً لم يقم بالمدينة بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما لحق بالشام أيام أبي بكر.
أنتهى.
ولقد أبطل من زعم أن أمر بلال بالأذان تأخر إلى زمن أبي بكر، وأن مدة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلت عن أذان، وهذا لا يقوله من يعقل ما يقول.
ولعل هذا الزاعم إنما زعم أن أبا بكر أمر بابتار الإقامة بعد أن كانت على غير ذلك في زمن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وهذا في غاية البطلان - أيضا -، وإنما يحمل عليه الهوى والتعصب، وكيف يغير أبو بكر بعد موت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شريعته في إقامة الصلاة ويقره الناس على ذلك؟
والحديث صريح في أن أمر بلال بذلك كان في أول أمر الأذان، حيث كانوا يترددون فيما يحصل به إعلام الناس بوقت الصلاة، فيحنئذ أمر بلال بأن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، لا يحتمل الكلام غير هذا المعنى.
والله اعلم.
وقد خرج النسائي هذا الحديث من رواية عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة.
ونقل عباس الدوري، عن ابن معين، قال: لم يرفعه إلا الثقفي.
وقد خرجه الدارقطني من طرق أخرى مصرحاً برفعه - أيضا - كما رواه الثقفي.
[ قــ :588 ... غــ :604 ]
- ثنا محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق: ثنا ابن جريج: أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى.
وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود.
فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً منكم ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال، قم فناد بالصلاة".
وخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق وحجاج، كلاهما عن ابن جريج به، بنحوه.
والحديث صريح في أن المسلمين اول ما قدموا المدينة ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معهم لم يكونوا ينادون للصلاة، وإنما كانوا أولاً يتحينون الصلاة - يعني: يقدرون احيانها لياتوا إليها - والحين: الوقت والزمان -، ثم إنهم تشاوروا في ذلك وتكلموا فيه لما شق عليهم التحين، فربما كان منهم من يتقدم قبل الوقت، فيفوته ما كان يعمل، ومنهم من كان يتأخر فتفوته الصلاة.
وقد روى فليح، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ، أن الناس كانوا يتحينون وقت الصلاة، فيصلون بغير أذان، فإذا حضرت الصلاة فمنهم من يدرك، وأكثرهم لا يدرك، فهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك - وذكر حديث عبد الله بن زيد بطوله -، فلما أهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه ذلك اجتمعوا فتشاوروا في امر يعلمون به وقت الصلاة ويجتمعون عليه في المسجد.
وفي هذا: دليل على استحباب التشاور في مصالح الدين والاهتمام بها، فلما تشاوروا أشار بعضهم بالناقوس كفعل النصارى، وأشار بعضهم بالبوق كفعل اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة.
وهذا من إلهام عمر للحق ونطقه به، وقد كان كثيراً ما ينطق بالشيء فينزل الوحي بموافقته، وهذا مما نزل القرآن بتصويب قوله.
وقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يا بلال، قم فناد بالصلاة" يدل على ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل ما أشار به عمر دون غيره.
وأمره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالنداء بالصلاة، يحتمل انه أمره أن ينادي في الطرقات: " الصلاة، الصلاة" كما تقدم في الحديث الذي خرجه ابن خزيمة، ويكون ذلك قبل ان يشرع الأذان.
ويحتمل أنه أمره بالأذان، وهو اظهر.
ويحتمل أن عمر إنما أشار بذلك بعد أن رآه في منامه، ويدل عليه ما روي عن عمر، وعن ابن عمر –أيضا -:
أماالمروي عن عمر، فمن طريق سفيان بن وكيع: ابنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عمر، قال: ائتمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه حين قدموا المدينة: كيف يجعلون الأذان بالصلاة يجتمعون لها؟ فائتمروا بالناقوس.
قال عمر: فرايت في المنام: لم تجعلون الناقوس بل أذنوا.
فذهب عمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوحي بذلك، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبقك الوحي بذلك يا عمر".
قال: فذهبت إلى الصلاة، فإذا بلال يهتف بالأذان.
خرجه الإسماعيلي في " مسند عمر".
وسفيان بن وكيع، فيه ضعف.
وهو مرسل.
وخرجه ابو داود في " المراسيل": ثنا أحمد بن إبراهيم: ثنا حجاج، عن ابن جريج: أخبرني عطاء، أنه سمع عبيد بن عمير يقول: ائتمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو وأصحابه، كيف يجعلون شيئاً إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها [به] ، فائتمروا بالناقوس، فبينما عمر يريد أن يبتاع خشبتين لناقوس إذ رأى عمر في المنام أن لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا بالصلاة، فذهب عمر إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليخبره بالذي رأى، وقد جاء الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " سبقك بذلك الوحي"، حين أخبره عمر بذلك.
وقد روى مالك في " الموطا" عن يحيى بن سعيد، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أراد أن يتخذ خشبتين يضربهما ليجمع الناس للصلاة، فأري عبد الله بن زيد خشبتين في النوم، فقال: إن هاتين الخشبتين لنحو مما يريده رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقيل: ألا تؤذنون للصلاة، فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين استيقظ، فذكر ذلك له، فأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[بالآذان] .
وأماالمروي عن ابن عمر، فمن طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استشار الناس لما يهمهم للصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود.
ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى، فأري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار - يقال له: عبد الله ابن زيد - وعمر بن الخطاب، فطرق الانصاري رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[ليلاً، فأمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] بلالاً فاذن به.
قال الزهري: وزاد بلال في نداء الغداة: " الصلاة خير من النوم" - مرتين -، فأقرها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال عمر: يا رسول الله؛ قد رأيت مثل الذي رأى، ولكنه سبقني.
خرجه ابن ماجه.
وخرجه ابن سعد من طريق مسلم بن خالد: حدثني عبد الرحيم بن عمر، عن ابن شهاب - بإسناده، ومعناه.
وفي كون هذا الحديث محفوظاً عن الزهري بهذا الإسناد نظر؛ فإن المعروف: رواية الزهري، عن ابن المسيب - مرسلاً.
وروي عن الزهري، عن ابن المسيب، عن عبد الله بن زيد.
وحديث عبد الله بن زيد، قد روي من وجوه:
أحدها: رواية ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه - بسياق مطول -، وفيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما امر بعمل الناقوس طاف بعبد الله وهو نائم رجل يحمل ناقوساً، فقال له: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: فما تصنع به؟ قال: ندعوا به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ قال: بلى، قال: تقول:
" الله أكبر"، فعلمه الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة.
فما اصبح اتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره، فقال له: " الرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت؛ فإنه أندى صوتاً منك".
قال: فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه، وبلال يؤذن به.
قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى.
فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فلله الحمد".
خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه، وابن خريمة وابن حبان في " صحيحهما".
وحكى البيهقي أن الترمذي حكى في " علله" عن البخاري، أنه قال: هو عندي صحيح.
وبه استدل الإمام أحمد، وعليه اعتمد.
وقال الخطأبي: قد روي هذا الحديث والقصة باسانيد مختلفة، وهذا الإسناد أصحها.
وحكى ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي، أنه قال: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبر اصح من هذا؛ لأن محمد بن عبد الله سمعه من أبيه.
قال ابن خزيمة: خبر ابن إسحاق ثابت صحيح؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه، وابن إسحاق سمعه من التيمي.
كذا قال؛ وقد توقف البخاري في " تاريخه" في سماع محمد بن عبد الله ابن زيد من أبيه، فقال: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن أبيه، عن جده، لم يذكر سماع بعضهم من بعض.
قال الحاكم: إنما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد بهذا الإسناد؛ لتقدم موت عبد الله بن زيد، فقد قيل: إنه [استشهد بأحد] .
وقيل: بعد ذلك بيسير.
انتهى.
وعلى هذا؛ فجميع الروايات عنه مرسلة.
وخرج أبو داود من حديث أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من الأنصار، قالوا: اهتم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة كيف يجمع لها الناس؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها أخبر بعضهم بعضاً، فلم يعجبه - وذكر الحديث بطوله، ورؤيا عبد الله بن زيد الأذان في منامه - قال: وكان عمر ابن الخطاب قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً - وذكر بقية الحديث.
وخرج – أيضا - من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: ثنا أصحابنا، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: لقد أعجبني ان تكون صلاة المسلمين واحدة، حتى لقد هممت أن أبث رجالاً في الدور، ينادون الناس بحين الصلاة، وحتى هممت أن آمر رجالاً يقومون على الآكام، ينادون المسلمين بحين الصلاة.
قال: فجاء رجل من الانصار، فقال: يا رسول الله، إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كان عليه ثوبان أخضران، فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدةً، ثم قام فقال مثلها، إلا أنه يقول: " قد قامت الصلاة"، ولولا أن يقولوا لقلت إني كنت يقظاناً غير نائم.
فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لقد أراد الله خيراً، فمر بلالاً فيؤذن".
قال: فقال عمر: إني قد رأيت مثل ما رأى، ولكني لما سبقت استحييت.
وخرجه - أيضا - من طريق المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ - فذكره.
ورواه حصين وغيره، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله ابن زيد.
وابن أبي ليلى، لم يسمع من معاذ، ولا من عبد الله بن زيد، فروايته عنهما منقطعة.
ورواية شعبة أصح.
وتابعه الأعمش، فرواه عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: ثنا أصحاب محمد، أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام - فذكره.
وهذا إسناد جيد متصل، وعدم تسمية الصحابة لا يضر؛ فإنهم كلهم عدول - رضي الله عنهم.
لكن اختلف على الأعمش، وروي عنه، عن عمرو، عن ابن أبي ليلى - مرسلاً.
وقال العقيلي: الرواية في هذا الباب فيها لين، وبعضها أفضل من بعض.
يشير إلى حديث عبد الله بن زيد ورؤية الأذان في منامه.
وعبد الله بن زيد هذا، هو: ابن عبد ربه الأنصاري، من الخزوج.
قال الترمذي: لا يصح له غير حديث الأذان.
وزعم ابن عيينة أنه صاحب " حديث الوضوء" عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، أنصاري من بني النجار، وهو عم عباد بن تميم.
وله أحاديث متعددة مرسلة، منها: عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، قالوا: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يؤمر بالأذان ينادي منادي النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصلاة جامعة، فيجتمع الناس، فلما صرفت القبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أهمه أمر الأذان، وأنهم ذكروا أشياء يجمعون بها الناس للصلاة - وذكر بقية الحديث، ورؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب -، ثم قال: قالوا: [وأذن بالأذان وبقي مناد في الناس: " الصلاة جامعة"، للأمر بحديث] ، وإن كان في غير وقت صلاة.
ففي هذه الرواية: أن الأذان كان بعد صرف القبلة إلى الكعبة، وكان صرف القبلة إلى الكعبة في السنة الثانية.
وقد روي ما يستدل به على أن الأذان إنما شرع بعد غزوة بدر بعد صرف القبلة بيسير.
ففي " المسند" وغيره عن حارثة بن مضرب، عن علي، قال: لما كان ليلة بدر وطلع الفجر نادى: " الصلاة عباد الله "، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد روى وكيع في " كتابه" عن هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: كان بدء الأذان إذا حضرت الصلاة نودي: " الصلاة الجامعة"، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لو اتخذتم ناقوساً أو كبراً" - الكبر - بفتحتين -: الطبل ذو الرأسين.
وقيل: الطبل الذي له وجه واحد - فرأى ابن زيد في المنام رجلاً في يده عود، قال: ما تصنع به؟ قال: نتخذه ناقوساً، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك، إذا حضرت الصلاة قام أحدكم فيشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وقد روي أنه زيد في الأذان كلمات، كما سبق عن الزهري، ان بلالاً زاد في أذان الفجر: "الصلاة خير من النوم" - مرتين -، فأقرها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد خرجه الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن عبد الله بن زيد - في سياق حديثه الطويل -، وقال في آخره: قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر.
وخرجه ابن أبي شيبة، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن ابن المسيب، ولم يذكر فيه: " عبد الله بن زيد"، وجعله كله من رواية ابن المسيب.
والأشبه: أن ذكر زيادة بلال في آخر الحديث مدرجة من قول الزهري؛ كما سبق.
ورواها معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن بلال.
خرجه من طريقه ابن ماجه.
وابن المسيب، لم يسمع من بلال - أيضا.
ورواها النعمان بن المنذر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
ورواها صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
خرجه الطبراني من الطريقين.
ورواها يونس، عن الزهري، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن، قال: حدثني اهلي، أن بلالاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره.
ورواها شعيب، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب - مرسلاً.
خرجه من الطريقين البيهقي.
والمرسل أشبه.
وخرج أبو داود في " مراسيله" من طريق يونس، عن ابن شهاب: أخبرني حفص بن عمر بن سعد المؤذن، أن بلالاً أتى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره.
وفي رواية له: عن حفص بن عمر بن سعد: حدثني اهلي، عن بلال.
وروى الحديث بطوله، بدون هذه الزيادة: أبو صالح، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب - فذكره كله مرسلاً.
وكذا رواه معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب - مرسلاً.
وروي: أن عمر أمر بلالاً بزيادة الشهادة بالرسالة في الأذان.
خرجه ابن خزيمة في " صحيحه" والإسماعيلي، من رواية عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن بلالاً كان يقول إذا أذن: " أشهد ان لا إله الله، حي على الصلاة"، فقال عمر: قل في إثرها: " أشهد أن محمداً رسول الله"، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قل ما أمرك عمر".
عبد الله بن نافع، ضعيف جداً.