فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى قال أبو عبد الله: رأيت الحميدي: يحتج بهذا الحديث «أن لا يمسح الجبهة في الصلاة»

باب
من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى
قال أبو عبد الله: رأيت الحميدي يحتج بهذا الحديث أن لا يمسح الجبهة في الصلاة.

[ قــ :813 ... غــ :836 ]
- حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: سألت أبا سعيدٍ الخدري، فقال: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته.

هذا مختصر من الحديث الذي فيه ذكر طلب ليلة القدر، وقد سبق بتمامه في ( ( أبواب السجود) ) ، وسيأتي في آخر ( ( الصيام) ) –إن شاء الله سبحانه وتعالى –بألفاظٍ أخر، وفي بعضها: أانه قال: فبصرت عيني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلىء.

ولا شك أنه لم ينظر إلى وجهه إلا بعد انصرافه من الصلاة، فدل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يمسح أثر الطين من جبهته وأنفه في الصلاة، وهذا هو الذي أشار إليه الحميدي.

وقد اتفقوا على أن تركه في الصلاة أفضل، فإنه يشبه العبث، واختلفوا: هل هو مكروهُ، أم لا؟
قال ابن المنذر: روينا عن ابن مسعودٍ، أنه قال: من الجفاء مسح الرجل أثر سجوده في الصلاة.

وكره ذلك الأوزاعي وأحمد ومالك.

وقال الشافعي: تركه أحب إلي، وإن فعل فلا شيء عليه.

ورخص مالك وأصحاب الرأي فيه.
انتهى.

وروي عن ابن عباس، أنه قال: لا يمسح وجهه من التراب في الصلاة حتى يتشهد ويسلم.

وعن سعيد بن جبير: أنه عدّه من الجفاء.

وعن الحسن: أنه رخص فيه.

وقال سفيان –في نفض التراب عن اليدين في الصلاة -: يُكره.

وأما عن الوجه فهو أيسر، وفي كراهته حديثان مرفوعان:
أحدهما: خرّجه ابن ماجه من روايةٍ هارون بن هارون بن عبد الله بن الهدير، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ من صلاته) ) .

وهارون هذا، قال البخاري: لا يتابع على حديثه.
وضَّعفه النسائي والدارقطني.
من رواية سعيد بن عبيد الله بن زياد بن جبير بن حية، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائماً، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده) ) .

خَّرجه البزار في ( ( مسنده) ) والطبراني والدارقطني وغيرهم.

وسعيد هذا، احتج به البخاري ووثقه أحمد وابن معينٍ وأبو زرعة وغيرهم.

لكنه خولف في إسناد هذا الحديث:
فرواه قتادة والجريري، عن ابن بريدة، عن ابن مسعودٍ من قوله.

ورواه كهمس، عن ابن بريدة، قال: كان يقال ذلك.

وهذا الموقوف أصح.

وحكى البيهقي، عن البخاري، أنه قال في المرفوع: هو حديث منكر يضطربون فيه.
وأشار الترمذي إليه في ( ( باب: البول قائما) ) ، ولم يخرجه، ثم قال: حديث بريدة في هذا غير محفوظٍ.

قال البيهقي: وقد روي فيه من أوجه أخرى، كلها ضعيفة.

فأما مسح الوجه من أثر السجود بعد الصلاة، فمفهوم ما روي عن ابن مسعودٍ وابن عباسٍ يدل على أنه غير مكروهٍ.

وروى الميموني، عن أحمد، أنه كان اذا فرغ من صلاته مسح جبينه.

وقد روي من حديث أنسٍ، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان اذا قضى صلاته مسح جبهته بكفه اليمنى.

وله طرق عن أنس، كلها واهية.

وكرهه طائفة؛ لما فيه من إزالة أثر العبادة، كما كرهوا التنشيف من الوضوء والسواك للصائم.

وقال عبيد بن عميرٍ: لا تزال الملائكة تصلي على إلانسان ما دام أثر السجود في وجهه.

خَّرجه البيهقي بإسنادٍ صحيحٍ.

وحكى القاضي أبو يعلي روايةً عن أحمد، أنه كان في وجهه شيء من أثر السجود فمسحه رجل، فغضب، وقال: قطعت استغفار الملائكة عني.

وذكر إسنادها عنه، وفيه رجل غير مسمىً.
وبوب النسائي ( ( باب: ترك مسح الجبهة بعد التسليم) ) ، ثم خرج حديث أبي سعيد الخدري الذي خَّرجه البخاري هاهنا، وفي آخره: قال ابو سعيدٍ: مطرنا ليلة أحدى وعشرين، فوكف المسجد في مصلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح، ووجهه مبتل طيناً وماءً.

* * *