فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

باب
إذا أُقيمَتِ الصَّلاةُ فَلاَ صَلاةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ
بوب عَلَى هذه الترجمة، ولم يخرج الحَدِيْث الَّذِي بلفظها، وقد خرجه مُسْلِم من حَدِيْث عَمْرِو بْن دينار، عَن عَطَاء بْن يسار، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ) .

وخرجه أبو داود موقوفاً.

وقد اختلف فِي رفعه ووقفه، واختلف الأئمة فِي الترجيح، فرجح الترمذي رفعه، وكذلك خرجه مُسْلِم فِي ( ( صحيحه) ) ، وإليه ميل الإمام أحمد، ورجح أبو زُرْعَة وقفه، وتوقف فِيهِ يَحْيَى بْن معين، وإنما لَمْ يخرجه البخاري لتوقفه، أو لترجيحه وقفه.
والله أعلم.
وقد خرجه الطبراني من رِوَايَة زياد بْن عَبْد الله، عَن مُحَمَّد بْن جحادة، عَن عَمْرِو، عَن عَطَاء، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( إذا أخذ المؤذن فِي الإقامة فلا صلاة إلا المكتوبة) ) .

وهذا لفظ غريبٌ.

وقد روي من وجوه أخر عَن أَبِي هُرَيْرَةَ.

وخرجه الإمام أحمد من رِوَايَة ابن لهيعة: ثنا عياش بْن عباسٍ، عَن أَبِي تميم الزُّهْرِيّ، عن أبي هريرة، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا الَّتِيْ أقيمت) ) .

وخرجه الطبراني بهذا اللفظ - أيضا - من رِوَايَة أَبِي صالح: ثنا الليث، عن
عَبْد الله بْن عياش بْن عَبَّاس القتباني، عَن أبيه، عَن أَبِي تميم، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ البخاري:
[ قــ :643 ... غــ :663 ]
- حدثنا عَبْد العزيز بْن عَبْد الله: ثنا إِبْرَاهِيْم بْن سعد، عَن أبيه، عَن حفص بْن عاصم، عَن عَبْد الله بْن مَالِك ابن بحينة، قَالَ: مر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل.

وحدثني عَبْد الرحمان - هو: ابن بشر -: ثنا بهز بْن أسد: ثنا شعبة: أخبرني سعد بْن إِبْرَاهِيْم، قَالَ: سَمِعْت [حفص بْن عاصم، قَالَ: سَمِعْت] رجلاً من الأزد، يقال لَهُ: مَالِك ابن بحينة، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاث بِهِ النَّاس، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( آلصبح أربعاً، آلصبح أربعاً؟) ) .

تابعه: غندر ومعاذ، عَن شعبة، عَن مَالِك.

وَقَالَ ابن إِسْحَاق: عَن سعد، عَن حفصٍ، عَن عَبْد الله ابن بحينة.

وَقَالَ حماد: أنا سعد، عَن حفص، عَن مَالِك.

( ( لاث بِهِ النَّاس) ) - اي: أحدقوا بِهِ، وأحاطوا حوله.

وقوله: ( ( آالصبح أربعاً) ) - مرتين -: إنكار لصلاته وقد أقيمت صلاة الفجر، فكأنه صلى الصبح بعد الإقامة أربعاً.

وخرجه مُسْلِم، ولفظه: مر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل يصلي وقد أقيمت الصلاة، فكلمه بشيء، لا ندري مَا هُوَ، فلما انصرفنا أحطنا بِهِ، نقول: ماذا قَالَ لَكَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: قَالَ لِي: ( ( يوشك أن يصلي احدكم الصبح أربعاً) ) .

وفي رِوَايَة لَهُ - أيضاً -: أقيمت صلاة الصبح، فرأى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلا يصلي والمؤذن يقيم، فَقَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أتصلي الصبح أربعاً؟) ) .

فعلى هذه الرواية ورواية البخاري: الحَدِيْث من رِوَايَة ابن بحينة، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سمعه مِنْهُ، وعلى الرواية الأول لمسلم: الحَدِيْث من رِوَايَة ابن بحينة، عَن رَجُل غير مسمى من الصَّحَابَة، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

لكن؛ قَدْ روي أن الرَّجُلُ المصلي هُوَ ابن القشب، وَهُوَ ابن بحينة راوي الحَدِيْث.

كذلك رواه جَعْفَر بْن مُحَمَّد، عَن أبيه - مرسلاً.

وروي، عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن عَبْد الله بْن مَالِك بْن بحينة.

والصحيح: المرسل -: قاله أبو حاتم الرَّازِي.

وقد أشار البخاري إلى الاختلاف فِي اسم ( ( ابن بحينة) ) ، فخرجه من طريق إبراهيم بْن سعد، عَن أبيه، وسمى الصحابي: ( ( عَبْد الله بْن مَالِك ابن بحينة) ) ، وذكر أن ابن إسحاق قالَ: عن سعد ( ( عن عبد الله بن بحينة) ) ، وخرجه من طريق شعبة، وسماه: ( ( مَالِك ابن بحينة) ) ، وذكر أن حماداً رواه عَن سعد كذلك، وحماد هُوَ: ابن سَلَمَة.

وكذا رواه أبو عوانة، عَن سعد - أيضاً.

وقيل عَنْهُ: ( ( عَن ابن بحينة) ) غير مسمى.

والصحيح من ذَلِكَ: عَبْد الله بْن مَالِك ابن بحينة -: قاله أبو زُرْعَة والنسائي والترمذي والبيهقي وغيرهم.

وَهُوَ عَبْد الله بْن مَالِك ابن القشب من أزد شنوءة، حليف لبني عَبْد المطلب، وبحينة أمه، وهي بحينة بِنْت الحارث بْن عَبْد المطلب -: قاله ابن المديني وابن سعد والترمذي والبيهقي وغيرهم.

وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث القعنبي، عَن إِبْرَاهِيْم بْن سعد، فَقَالَ فِيهِ: عَن عَبْد الله بْن مَالِك ابن بحينة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقوله: ( ( عَن أَبِيه) ) وهم -: قاله الإمام أحمد وابن معين وسليمان بْن داود الهاشمي ومسلم - ذكره فِي ( ( صحيحه) ) - وغيرهم.

وقد روي مثل هَذَا الحَدِيْث عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوهٍ متعددةٍ.

وخرجه مُسْلِم فِي ( ( صحيحه) ) من حَدِيْث عاصم الأحوال، عَن عَبْد الله بْن سرجس، قَالَ: دَخَلَ رَجُل المسجد ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صلاة الغداة، فصلى ركعتين فِي جانب المسجد، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما سلم رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( ( يَا فلان، بأي الصلاتين اعتددت، أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك مَعَنَا؟) ) .

ولا نعلم خلافاً أن إقامة الصلاة تقطع التطوع فيما عدا ركعتي الفجر، واختلفوا فِي ركعتي الفجر: هَلْ تقطعهما الإقامة.

فَقَالَتْ طائفة: تقطعهما الإقامة، لهذه الأحاديث الصحيحة، روي عَن ابن عُمَر وأبي هُرَيْرَةَ.

وروي عَن عُمَر، أنه كَانَ يضرب عَلَى الصلاة بعد الإقامة.

وممن كره ذَلِكَ ونهى عَنْهُ: سَعِيد بْن جبير وميمون بْن مهران وعروة والنخعي.

وَقَالَ ابن سيرين: كانوا يكرهون أن يصلوهما إذا أقيمت الصلاة.
.

     وَقَالَ  مَا يفوته من المكتوبة أحب إلي منهما.

وروى أبو حَمْزَة، قَالَ: قُلتُ لإبراهيم: لأي شيءٍ كرهت الصلاة عِنْدَ الإقامة؟ قَالَ: مخافة التكبيرة الأولى.

قَالَ وكيع: وتدرك فضيلة التكبيرة الأولى بإدراك التأمين مَعَ الإمام، واستدل بحديث بلال، أَنَّهُ قَالَ للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تسبقني بقول آمين.

وروي نحوه عَن أَبِي هُرَيْرَةَ.

ونص أحمد فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيْم بْن الحارث عَلَى أَنَّهُ إذا لَمْ يدرك التكبيرة مَعَ الإمام لَمْ يدرك التكبيرة الأولى.

وممن كره الصلاة بعد الإقامة: الشَّافِعِيّ وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو خيثمة وسليمان بْن داود الهاشمي.

ولو خالف وصلى بعد الإقامة صلاةً، فهل تنعقد، أم تقع باطلة؟ فِيهِ لأصحابنا وجهان.

واختلفوا: هَلْ يصليهما وَهُوَ فِي البيت إذا سَمِعَ الإقامة؟
فَقَالَتْ طائفة: يصليهما فِي البيت.

وروى عَن ابن عُمَر، أنَّهُ دَخَلَ المسجد والناس يصلون، فدخل بيت حَفْصَةَ فصلى ركعتين، ثُمَّ خرج إلى المسجد.

وروي عَنْهُ مرفوعاً، خرجه ابن عدي.

ورفعه لا يصح.

وروى أبو إِسْحَاق، عَن الحارث، عَن عَلِيّ، ان النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يصلي الركعتين عِنْدَ الإقامة.

خرجه الإمام أحمد وابن ماجه.

والحارث، فِيهِ ضعف.
وأبو إِسْحَاق، لَمْ يسمعه مِنْهُ.

وخرجه يعقوب بْن شيبة، ولفظه: ( ( مَعَ الإقامة) ) .

ورواه الْحَسَن بْن عمارة - وهو متروك -، عَن أَبِي إِسْحَاق، وزاد فِيهِ: أَنَّهُ صلى فِي ناحية المسجد والمؤذن يقيم.

ولم يتابع عَلَى ذَلِكَ.

ورخص مَالِك فِي الصلاة بعد الإقامة خارج المسجد إذا لَمْ يخش أن تفوته الركعة الأولى.

ونقل ابن منصور، عَن أحمد وإسحاق، أنهما رخصا فيهما فِي البيت.

قَالَ أحمد: وقد كرهه قوم، وتركه أحب إلي.

ونقل الشالنجي عَن أحمد: لا يصليهما فِي المسجد، ولا فِي البيت.

وَهُوَ قَوْلِ الشَّافِعِيّ، [.. ..] الهاشمي.

وقالت طائفة: يصليهما فِي المسجد - أيضاً -، وروي ذَلِكَ عَن ابن مَسْعُود، وأنه فعله بمحضرٍ من حذيفة وأبي موسى الأشعري.

وعن أَبِي الدرداء، قَالَ: إني لأوتر وراء عمودٍ والإمام فِي الصلاة.

وعن الْحَسَن ومسروق ومجاهد ومكحول، وَهُوَ قَوْلِ حمادٍ والحسن بْن حي والأوزاعي وسعيد بْن عَبْد العزيز والثوري وأبي حنيفة وأصحابه.

لكن الأوزاعي وسعيد وأبو حنيفة قالوا: إنما يصليهما إذا رجا إدراك الركعة الأخيرة مَعَ الإمام، وإلا فلا يصليهما.

وروى وكيع، عَن سُفْيَان، أَنَّهُ يعتبر أن يرجو إدراك الركعة الأولى.

وروي ذَلِكَ عَن المقدام بْن معدي كرب الصحابي.

خرجه حرب، عَنْهُ بإسناده.

ونقل حرب، عَن إِسْحَاق، قَالَ: إذا دَخَلَ المسجد وقد أخذ المؤذن فِي الإقامة، فإن كَانَ الإمام افتتح الصلاة دخل معه وأن لم يكن افتتح الصلاة فلا بأس.

هَذَا كله حكم ابتداء التطوع بعد إقامة الصلاة، فإن كَانَ قَدْ ابتدأ بالتطوع قَبْلَ الإقامة، ثُمَّ أقيمت الصلاة، ففيه قولان:
أحدهما: أَنَّهُ يتم، وَهُوَ قَوْلِ الأكثرين، منهم: النخعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، حملاً للنهي عَلَى الابتداء دون الاستدامة.
يقطعها، وَهُوَ قَوْلِ سَعِيد بْن جبير.

وحكي رِوَايَة عَن أحمد، حكاها أبو حفص، وهي غريبة، وحكاها غيره مقيدةً بما إذا خشي فوات الجماعة بإتمام صلاته، وحكي عَن أحمد فِي إتمامها وقطعها روايتان.

وحكي عَن النخعي وأبي حنيفة وإسحاق الإتمام، وعن الشَّافِعِيّ القطع.

وَقَالَ مَالِك: إن أقيمت وَهُوَ راكع [.. ..] ولم يركع لكنه ممن يخف الركعتين قَبْلَ أن يركع الإمام صلاهما، وإلا قطع وصلى مَعَ لإمام؛ لأنه تحصل لَهُ الجماعة فِي جميع الركعات، ولا يبطل عَلِيهِ من التطوع كبير عملٍ.

وَقَالَ الثوري: إذا كَانَ يتطوع فِي المسجد، ثُمَّ أقيمت الصلاة فليسرع الصلاة حَتَّى يلحق الإمام.
قَالَ: وإن دَخَلَ المسجد والمؤذن يقيم، فظن أَنَّهُ يؤذن، فافتتح تطوعاً، فإن تهيأ لَهُ أن يركع ركعتين خفيفتين فعل، وإلا قطع ودخل فِي الصلاة؛ فإن هذه صلاة ابتدأها بعد الإقامة.

هَذَا كله فِي صلاة التطوع حال إقامة الصلاة.

فأما إن كَانَ يصلي فرضاً وحده، ثُمَّ أقيمت تلك الصلاة، ففيه أربعة أقوال:
أحدها: أَنَّهُ يجوز لَهُ أن يتمه نفلاً، ثُمَّ يصلي مَعَ الجماعة، وهذا ظاهر مذهب أحمد، وأحد قولي الشَّافِعِيّ، ليحصل فضيلة الجماعة.

وعن أحمد رِوَايَة: أَنَّهُ يقطع صلاته ويصلي مَعَ الجماعة.
يتمه فرضاً، وَهُوَ قَوْلِ الْحَسَن، والقول الثاني للشافعي، وَهُوَ رِوَايَة عَن أحمد، نقلها عَنْهُ أبو الحارث،.

     وَقَالَ : إذا أتمها فهو مخير، إن شاء صلى مَعَ القوم، وإن شاء لَمْ يدخل معهم.
قَالَ أبو حفص: وعنه رِوَايَة أخرى: أَنَّهُ يجب أن يصلي معهم إذا حضر فِي مسجد أهله يصلون.
قَالَ: وَهُوَ الأكثر فِي مذهبه.
قَالَ: وبه وردت السنة.

قُلتُ: يشير إلى الإعادة مَعَ الجماعة.

وفي وجوب الإعادة واستحبابها عَنْهُ روايتان، وأكثر الأصحاب عَلَى أن الإعادة مستحبة غير واجبة.
قالوا: وسواء كَانَ صلى منفرداً أو فِي جماعة.

قالوا: وإنما تجب الصلاة فِي جماعة لمن لَمْ يصل، فأما من صلى منفرداً فَقَدْ سقط عَنْهُ الفرض، فلا يجب عَلِيهِ إعادته؛ ولهذا إذا أعاده فِي جماعة كَانَتْ المعادةُ نفلاً، وفرضه الأولى -: نَصَّ عَلِيهِ أحمد.

والثالث: إن كَانَ صلى أكثر الفرض أتمه فرضاً، وإلا أتمه نفلاً، ثُمَّ صلى مَعَ الجماعة فرضه، تنزيلاً للأكثر منزلة الكل، وَهُوَ قَوْلِ النخعي ومالك وأبي حنيفة
والثوري.

وقالوا: إنَّه يصلي بعد ذَلِكَ مَعَ الجماعة مَا يلحق معهم تطوعاً.

والرابع: أَنَّهُ يحتسب بما صلى فريضة، ثُمَّ يتم باقي صلاته مَعَ الجماعة، ويفارقهم إذا تمت صلاته، وَهُوَ قَوْلِ طائفة من السلف، حكاه عنهم الثوري، ونقله حرب عَن إِسْحَاق، وحكاه إِسْحَاق عَن النخعي.

وهذا مبني عَلَى القول بجواز الانتقال من الإفراد إلى الائتمام، فأما إن أقيمت الصلاة وعليه فائتة، فمن قَالَ: لا يجب الترتيب بَيْن الفائته والحاضرة، فإنه يرى أن يصلي مَعَ الإمام فريضة الوقت الَّتِيْ يصليها الإمام، ثُمَّ يقضي الفائتة بعدها.
وأما من أوجب الترتيب، فاختلفوا:
فمنهم من أسقط الترتيب فِي هَذَا الحال لخشية فوات الجماعة؛ فإنها واجبة عندنا، والنصوص بإيجاب الجماعة آكد من النصوص فِي الترتيب، وحكي هَذَا رِوَايَة عَن أحمد، ورجحها بعض المتأخرين من أصحابنا.

والمنصوص عَن أحمد: أَنَّهُ يصلي مَعَ الإمام الحاضرة، ثُمَّ يقضي الفائتة، ثُمَّ يعيد الحاضرة؛ فإنه يحصل لَهُ بعد ذَلِكَ الترتيب، ولا يكون مصلياً بعد إقامة الصلاة غير الصلاة الَّتِيْ أقيمت.

ومن النَّاس من قَالَ: يفعل كذلك إذا خشي أن تفوته الجماعة بالكلية، فإن رجا أن يدرك مَعَ الإمام شيئاً من الصلاة فالأولى أن يشتغل بقضاء الفائتة، ثُمَّ يصلي الحاضرة مَعَ الإمام، ويقضي مَا سبقه بِهِ.

وهذا ضَعِيف؛ فإن الَّتِيْ صلاها فِي جماعة لَمْ يعتد بِهَا، بل قضاها، فَهِيَّ فِي معنى النافلة.

ومن أصحابنا من قَالَ: الأولى أن يشتغل بالقضاء وحده، ثُمَّ إن أدرك مَعَ الإمام الحاضرة، وإلا صلاها وحده.

وفي هَذَا مخالفة لقوله: ( ( فإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا الَّتِيْ أقيمت) ) .

ومن أجاز أن يقتدي من يصلي فرضاً خلف من يصلي فرضاً آخر، أجاز أن يقتدي بالإمام فِي الفائتة، ثُمَّ يصلي الحاضرة بعدها، وأمر بذلك عَطَاء بْن أَبِي رباح.

وخرج البيهقي من رِوَايَة يَحْيَى بْن حَمْزَة: ثنا الوضين بْن عَطَاء، عَن محفوظ بْن علقمة، عَن ابن عائذ، قَالَ: دَخَلَ ثَلاَثَة من أصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والناس فِي صلاة العصر، قَدْ فرغوا من صلاة الظهر، فصلوا مَعَ النَّاس، فلما فرغوا قَالَ بعضهم لبعض: كَيْفَ صنعتم؟ قَالَ أحدهم: جعلتها الظهر، ثُمَّ صليت العصر.
.

     وَقَالَ  الآخر: جعلتها العصر، ثُمَّ صليت الظهر.
.

     وَقَالَ  الآخر: جعلتها للمسجد، ثُمَّ جعلتها للظهر والعصر، فَلَمْ يعب بعضهم عَلَى بعضٍ.

وخرجه الجوزجاني: حَدَّثَنَا نعيم بْن حماد: ثنا بقية، عَن الوضين بْن عَطَاء، عَن يزيد بْن مرثد، قَالَ: دَخَلَ مسجد حمص ثَلاَثَة نفر من أصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شداد بْن أوس وعبادة بْن الصَّامِت وواثلة بْن الأسقع، والإمام فِي صلاة العصر، وهم يرون أنها الظهر، فَقَالَ أحدهم: هِيَ العصر، وأصلي الظهر.
.

     وَقَالَ  الآخر: هذه لِي الظهر، وأصلي العصر.
.

     وَقَالَ  الثالث: أصلي الظهر، ثُمَّ العصر، فَلَمْ يعب واحد منهم عَلَى صاحبيه.