فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه

باب
من صلى في فروج من حرير ثم نزعه
[ قــ :371 ... غــ :375 ]
- حثنا عبد الله بن يوسف: ثنا الليث، عن يزيد، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، قال: أهدي إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فروج حرير، فلبسه فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا، كالكاره له، وقال: ( ( لا ينبغي هذا للمتقين) ) .

( ( يزيد) ) ، هو: ابن أبي حبيب، و ( ( أبو الخير) ) ، هو: مرثد بن عبد الله
اليزني، وهما مصريا جليلان.

و ( ( الفروج) ) : قباء له فرج من ورائه، هكذا قال أبو عبيد وغيره.

وقال يحيى بن بكير: سألت الليث بن سعد عن الفروج؟ فقال: هو القباء.

وفي الحديث: دليل على جواز لبس الأقبية، والصلاة فيها، وهو قول أكثر أهل العلم.

وسئل عطاء: عن القباء يصلي فيه الرجل وحده؟ فقال: أن القباء مفروج، ولكن ليأتزر عليه إزارا تحته.

قال حرب: سئل أحمد عن الصلاة في الدراج؟ فقال: وما بأسه؟ قيل: أنه ذكر عن ابن المبارك ووكيع أنه ما كرهاه، فرخص فيه، وقال: ما أنفعه من ثوب.

وممن كره لبس الدراج: إسحاق -: نقله عنه ابن منصور.
واستدل الخطابي وغيره بهذا الحديث على صحة الصلاة في الحرير مع كراهته.

وهذا غير صحيح؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما لبسه وصلى فيه قبل تحريمه، وهذا أمر لا شك فيه، فكيف يستدل به على صحة الصلاة بعد تحريمه؟!
وقد استدل إسحاق لصحة الصلاة في الحرير بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رخص للزبير وعبد الرحمان في قمص الحرير للحكة.

وهذا - أيضا - لا يصح؛ فإنه من رخص له في الحرير أبيح له لبسه والصلاة فيه كالنساء، وإنما اختلف الناس في صلاة الرجال في الحرير بعد تحريمه.

وأكثر أهل العلم على أن الصلاة فيه تجزئ، وتبرأ بها الذمة، ولا يلزم إعادتها.

وعن أحمد في ذلك روايتان.

ومذهب أهل الظاهر: أن الصلاة فيه غير مجزئة، وتلزم الإعادة، وهو اختيار كثير من أصحابنا، وهو قول إسحاق، إذا كان عالما بالنهي عنه.

وقال ابن القاسم صاحب مالك: يعيد ما دام في الوقت.

وكذا الخلاف في الصلاة في ثوب مغصوب، أو مشترى بعين مال حرام.

وفي ( ( المسند) ) : من حديث ابن عمر – مرفوعا -: ( ( من اشترى ثوبا بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم تقبل له صلاة ما دام عليه) ) .
وقد ضعف الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي طالب، وقال: هذا ليس
بشيء، ليس له إسناد.

يشير إلى ضعف إسناده؛ فإنه من رواية بقية، عن يزيد بن عبد الله الجهني عن هاشم الأوقص، عن نافع.

وقال أحمد – في رواية مهنا -: لا أعرف يزيد بن عبد الله، ولا هاشما
الأوقص.

وقد أشتد نكير عبد الرحمان بن مهدي لقول من قال: أن من اشترى ثوبا بدراهم فيها شيء حرام وصلى فيه أنه يعيد صلاته، وقال: هو قول خبيث، ما سمعت بأخبث منه، نسأل الله السلامة.

ذكره عنه الحافظ أبو نعيم في ( ( الحلية) ) بإسناده.

وعبد الرحمان بن مهدي من أعيان علماء أهل الحديث وفقهائهم المطلعين على أقوال السلف، وقد عد هذا القول من البدع، فدل على أنه لا يعرف بذلك قائل من السلف.

وأكثر العلماء على أن العبادات لا تبطل بارتكاب ما نهي عنه، إذا كان النهي غير مختص بتلك العبادة، وإنما تبطل بما يختص النهي بها.

فالصلاة تبطل بالإخلال بالطهارة فيها، وحمل النجاسة، وكشف العورة ولو في الخلوة، ولا تبطل بالنظر إلى المحرمات فيها، ولا باختلاس مال الغير فيها، ونحو ذلك مما لا يختص النهي عنه بالصلاة.

وكذلك الصيام، إنما يبطل بالأكل والشرب والجماع ونحو ذلك، دون ما لا يختص النهي عنه بالصيام، كقول الزور، والعمل به عند جمهور العلماء.

وكذلك الاعتكاف، لا يبطل إلا بما نهي عنه لخصوص الاعتكاف وهو الجماع، أو ما نهي عنه لحق المساجد كالسكر عند طائفة منهم.
ولا يبطل بسائر المعاصي عند الأكثرين، وأن خالف في ذلك طائفة منهم.

وكذلك الحج، إنما يبطل بارتكاب بعض ما نهي عنه فيه وهو الرفث، دون الفسوق والجدال.
والله أعلم.

وقد روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه علل كراهة لبس الحرير في صلاته، بأنه نظر إليه فألهاه عن صلاته.

خرجه ابن وهب في ( ( مسنده) ) عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية حدير ابن كريب، أن أكيدر أهدى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حلة حرير، فشهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها الصلاة، فسها، فصلى الظهر سبع ركعات، فلما انصرف نزعها، وقال: ( ( إني نظرت إليها، فألهتني عن صلاتي) ) .

وهذا مرسل.