فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض

باب
قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض
وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين؛ لتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته.

[ قــ :293 ... غــ :297 ]
- حدثنا أبو نعيم الفضل بنِ دكين: سمع زهيراً، عَن منصور بنِ صفية، أن أمه حدثته، أن عائشة حدثتها، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يتكيء في حجري وأنا حائض، ثُمَّ يقرأ القرآن.

هَذا إسناد كله مصرح فيهِ بالتحديث والسماع، إلا في رواية زهير، - وَهوَ ابن معاوية -، عَن منصور بنِ صفية بنت شيبة.

ومراد البخاري بهذا الباب: أن قرب القاريء مِن الحائض ومن موضع حيضها لا يمنعه مِن القراءة؛ فإنه لَم يكن للحيض تأثير في منع القراءة لَم يكن في إخبار عائشةبقراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القرآن وَهوَ متكيء في حجرها في حال الحيض معنى، فإنها أرادت أن قرب فم القاريء للقرآن مِن محل الحيض لا يمنعه القراءة.

وقد زعم بعضهم: أن في الحديث دلالة على أن الحيض نفسه غير مانع مِن
القراءة، ولا يصح ذَلِكَ، إنما مراد عائشة: أن قرب الطاهر مِن الحائض لا يمنع مِن القراءة.
وقد صرحت ميمونة أم المؤمنين بهذا المعنى، كَما خرجه الإمام أحمد مِن حديث ابن جريج: أخبرني منبوذ، أن أمه أخبرته، أنها بينا هي جالسة عند ميمونة زوج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ دخل عليها ابن عباس، فقالت: مالك شعثاً؟ قالَ: أم عمار مرجلتي حائض.
فقالت: أي بني! وأين الحيضة مِن اليد؟ لقد كانَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل على إحدانا وهي متكئة حائض، قَد علم أنها حائض، فيتكىء عليها فيتلو القرآن وَهوَ متكىء عليها، أو يدخل عليها قاعدة وهي حائض، فيتكىء في حجرها فيتلوا القرآن وَهوَ متكىء في حجرها، وتقوم وهي حائض فتبسط لَهُ خمرة في مصلاه - وفي رواية: فتبسط خمرته - فيصلي عليها في بيتي، أي بني! وأين الحيضة مِن اليد؟
وخرجه النسائي مختصراً، ولم يذكر قصة ابن عباس.

قالَ القرطبي: ويؤخذ مِن هَذا الحديث جواز استناد المريض للحائض في صلاته إذا كانت أثوابها طاهرة.
قالَ: وَهوَ أحد القولين عندنا.

وفي ( ( تهذيب المدونة) ) في صلاة المريض: ولا يستند بحائض ولا جنب.

وقد ألحق البخاري بذلك إمساك الحائض بعلاقة المصحف وحمله كذلك، وقد حكاه عن أبي وائل.

وقد اختلف الفقهاء في حمل المُحدِث المصحف بعلاقة: هل هوَ جائز، أم لا؟ وفيه قولان مشهوران: وممن رخص في ذَلِكَ: عطاء والحسن والأوزاعي والثوري، وكرهه مالك، وحرمه اصحاب الشَافِعي، وعن أحمد روايتان، ومن أصحابنا مِن جزم بجوازه مِن غير خلاف حكاه.

وأصل هَذهِ المسألة: منع المحدث مِن مس المصحف، وسواء كانَ حدثه حدثاً أكبر، وَهوَ مِن يجب عليهِ الغسل، أو أصغر، وَهوَ مِن يجب عليهِ الوضوء.

هَذا قول جماهير العلماء، وروي ذَلِكَ عَن علي وسعد وابن عمر وسلمان، ولا يعرف لَهُم مخالف مِن الصحابة، وفيه أحاديث عَن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متصلة ومرسلة.

وخالف في ذَلِكَ أهل الظاهر.

وأجاز الحكم وحماد للمحدث مسه بظهر الكف دونَ بطنه.

وعن الحسن، قالَ: لابأس أن يأخذ المصحف غير المتوضىء فيضعه مِن مكان إلى
مكان.

وعن سعيد بنِ جبير، أنَّهُ بال، ثُمَّ غسل وجهه ويديه، ثُمَّ أخذ المصحف فقرأ فيهِ.

رواهما عبد الرزاق.

وعن الشعبي، قالَ: مس المصحف مالم تكن جنباً.

ذكره وكيع.

وأما الاستدلال بقولِهِ عز وجل: { لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ففيه كلام ليسَ هَذا موضعه.
والله أعلم.

وإن عدم الماء وتيمم، فله مس المصحف عندنا الشافعية والأكثرين، خلافاً للأوزاعي.
وفي الحديث: دلالة على جواز قراءة القرآن متكئاً، ومضطجعاً، وعلى جنبه، ويدخل ذَلِكَ في قول الله عز وجل: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} ... [آل عمران: 191] .