فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب فيه

باب
من دعي لطعام في المسجد ومن أجاب فيه
[ قــ :414 ... غــ :422 ]
- حدثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، سمع أنسا، قال: وجدت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد معه ناس، فقمت، فقال لي: ( ( آرسلك أبو طلحة؟) ) قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: ( ( لطعام؟) ) قلت: نعم.
فقال لمن حوله: ( ( قوموا) ) ، فانطلق وانطلقت بين أيديهم.

هذا مختصر من حديث طويل فيه ذكر معجزة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في تكثيره للطعام القليل حتى شبع منه سبعون أو ثمانون رجلا.

وقد خرج البخاري في موضع آخر من حديث أبي هريرة حديثا طويلا، فيه: أنه دخل مع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيته فوجد لبنا في قدح، فأمره أن يدعو له أهل الصفة - وذكر الحديث بطوله.

والصفة كانت في مؤخر المسجد، فكانوا يأوون إليها ويقيمون بها.

فدلت هذه الأحاديث كلها على جواز أن يدعى من في المسجد إلى الطعام، ويجيب إلى الدعوة إذا دعي فيه.

وقد ورد الرخصة في الأكل في المسجد.

وقد بوب ابن ماجه في ( ( كتابه) ) : ( ( باب: الأكل في المسجد) ) وخرج فيه: من رواية ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: حدثني سليمان بن زياد الحضرمي، أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يقول: كنا نأكل على عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد الخبز واللحم.

وهذا إسناد جيد؛ وسليمان وثقة ابن معين.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث.

وخرج الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي في ( ( الشمائل) ) من رواية ابن لهيعة، عن سلمان بن زياد، عن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال: أكلنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما في المسجد، لحما قد شوي.

وروى الإمام أحمد: ثنا هارون بن معروف: ثنا مسلم، عن عبد الله بن الحارث بن جزء، قال كنا يوما عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصفة، فوضع لنا طعام فأكلنا.
وروى - أيضا - عن وكيع: ثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أتي بفضيخ في مسجد الفضيخ، فشربه، فلذلك سمي.

عبد الله بن نافع، ضعفوه.

وقد اختلف في جواز الأكل في المسجد وكراهته، فأجازه طائفة من أصحابنا وغيرهم؛ لهذا الحديث؛ ولان الظاهر من حال النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اعتكافه أنه كَانَ يفطر فِي المسجد؛ فإن عائشة قالت: كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، إلا أن يقال: أن ذلك داخل في حاجة الإنسان.

والظاهر من أهل الصفة: أنهم كانوا يأكلون في المسجد، وقد سبق حديث البراء بن عازب أنهم كانوا إذا جاعوا ضربوا القنو المعلق في المسجد للصدقة فأكلوا منه.

وذهب طائفة إلى كراهته؛ لأنه دناءة، وحكي عن الشافعي، وهو وجه لأصحابنا.

ومن قال بهذا أجاز للمعتكف أن يدخل بيته للأكل، كما يدخل لقضاء حاجته.

ويعضد هذا: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المساجد: ( ( إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن) ) .

خرجه مسلم.

وقد تقدم في أواخر ( ( أبواب: الوضوء) ) .