فهرس الكتاب
فتح البارى لابن رجب - باب إذا لم يدر كم صلى ثلاثا أو أربعا، سجد سجدتين وهو جالس
باب
إذا لم يدر كم صلى - ثلاثاً أو أربعا -
سجدة سجدتين وهو جالس.
[ قــ :1187 ... غــ :1231 ]
- ثنا معاذ بن فضالة: ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضى الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: أذكر كذا وكذا – مالم يكن يذكر – حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى – ثلاثا أو أربعا -، فليسجد سجدتين وهو جالس) ) .
( ( يخطر) ) بضم الطاء عند الأكثر، والمراد: أنه يمر، فيحول بين المرء وما يريد من نفسه، من إقباله على صلاته.
وروي ( ( يخطر) ) – بكسر الطاء -، يعني: تحرك، فيكون المعنى: حركته بالوسوسة.
وقوله: ( ( حتى يظل الرجل) ) ، هكذا الرواية المشهورة بالظاء القائمة المفتوحة، والمراد: يصير، كما في قوله تعالى: { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} [النحل: 58] .
وروى بعضهم ( ( يضل) ) بالضاد المكسورة، من الظلال، يعني: انه ينسى ويتحير.
وقوله: ( ( إن يدري) ) ، ( أن) بفتح الهمزة، حكاه ابن عبد البر عن الأكثرين، وقال: معناه: لايدري.
وقال القرطبي: ليست هذه الرواية بشيء، إلا مع رواية: ( ( الضاد) ) ، فتكون: ( ( أن) ) مع الفعل بتأويل المصدر مفعول ( ( ضل) ) إن، بأسقاط حرف الجر، أي يضل عن درايته وينسى عدد ركعاته.
قال: وفيه بعد، ورجح أن الرواية: ( ( إن) ) بكسر الهمزة، يعني: ما يدري.
قلت: أما وقوع ( ( إن) ) المكسورة نافية فظاهر، وأما ( ( أن) ) المفتوحة، فقد ذكر بعضهم أنها تأتى نافية – أيضا -، وأنكره أخرون.
فعلى قول من أثبته، لا فرق بين أن تكون الرواية هاهنا بالفتح أو بالكسر.
وقوله: ( ( فإذا لم يدر أحدكم كم صلى – ثلاثاً أو أربعا -، فليسجد
سجدتين) ) ، ليس في هذا الحديث سوى الأمر بسجود السهو عند الشك، من غير أمر بعمل بيقين أو تحر.
وروي عن أبي هريرة، أنه أفتى بذلك.
قال عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه: سالت أبا هريرة، فقلت: شككت في صلاتي.
قال: يقولون: اسجد سجدتين وأنت جالس.
وهذا كله، ليس فيه بيان انه يتحرى أو يبني على اليقين، ولا بد من العمل بأحد الأمرين، وكلاهما قد ورد في أحاديث أخر، تقضي على هذا الحديث المجمل.
وقد روي من حديث أبي هريرة التحري، بالشك في رفعه ووقفه.
فروى شعبة، عن ابن إدريس الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة – قال شعبة: قلت: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالَ: أحسبه، أكبر علمي، أنه قالَ: عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ: ( ( لا يصلي أحدكم وبه شيء من الخبث) ) ، وقال في الوهم: ( ( يتحرى) ) .
وروي في حديث أبي هريرة ذكر السجود قبل السلام في هذا، من رواية ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
( ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته، فيدخل بينه وبين نفسه، حتى لا يدري زاد أو نقص، فإذا كان ذلك، فليسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم يسلم) ) .
خرجه أبو داود وابن ماجه.
وخرجه ابن ماجه – أيضا – من رواية ابن إسحاق – أيضا -: اخبرني سلمة بن صفوان بن سلمة، [عن أبي سلمة] ، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – بنحوه -، وقال: ( ( فليسجد سجدتين قبل أن يسلم) ) .
وخرجه أبو داود من طريق ابن أخي الزهري، عن الزهري، بهذا الإسناد، ولفظه: ( ( فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) ) .
وخرجه الدارقطني من رواية عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي، - فذكره، وقال: - بعد قوله: ( ( فليسجد سجدتين وهو جالس) ) -: ( ( ثم يسلم) ) .
وذكر في ( ( العلل) ) أن سليمان وعلي بن المبارك وهشاما والأوزاعي وغيرهم رووه، عن يحيى، ولم يذكروا فيه: التسليم قبل ولا بعد.
قال: وكذلك قال الزهري، عن أبي سلمة.
ولم يذكر رواية ابن إسحاق وابن أخي الزهري، عن الزهري، وذكر رواية ابن إسحاق، عن سلمة بن صفوان بن سلمة، كما رواه عكرمة بن عمار، عن يحيى.
قال: وهما ثقتان، وزيادة الثقة مقبولة.
قال: ورواه فليح بن سليمان، عن سلمة بن صفوان، وقال فيه: ( ( وليسلم، ثم ليسجد سجدتين) ) ، بخلاف رواية ابن إسحاق.
قلت: أما ابن إسحاق، فمضطرب في حديث الزهري خصوصاً، وينفرد عنه بما لا يتابع عليه، وروايته عن سلمة بن صفوان، قد خالفه فيها فليح، كما ترى.
ورواية عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، كثيرة الاضطراب عند يحيى القطان وأحمد وغيرهما من الأئمة.
ففي ثبوت هذه الزيادة نظر.
والله تعالى أعلم.
وقد روي من غير حديث أبي هريرة البناء على اليقين والتحري.
فأما الأول:
فخرجه مسلم، من طريق سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا شك أحدكم في
صلاته، فلا يدري كم صلى ثلاثا أو أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فان كان صلى خمساً، شفعن له صلاته، وان كان صلى إتمأما لأربع، كانتا ترغيما للشيطان) ) .
وخرجه – أيضا – من رواية داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، به – بمعناه.
وخرجه الدارقطني من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وهشام بن سعد بن سليمان وغيرهم، عن زيد بن أسلم – كذلك.
وكذلك رويناه من حديث عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم – بهذا الإسناد.
والمعروف من رواية ابن عجلان: أنه لم يذكر في حديثه: ( ( قبل السلام) ) .
وكذا رواه أبو غسان وغيره، عن زيد بن أسلم.
ورواه مالك في ( ( الموطأ) ) والثوري ويعقوب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء – مرسلاً.
ووصله الوليد بن مسلم وغيره، عن مالك.
وليس بمعروف عنه وصله.
ووصله بعضهم عن الثوري – أيضا.
ولعل البخاري ترك تخريجه؛ لإرسال مالك والثوري لهُ.
وحكم جماعة بصحة وصله، منهم: الإمام أحمد والدارقطني.
وقال أحمد: اذهب إليه.
قيل له: إنهم يختلفون في إسناده.
قال: إنما قصر به مالك، وقد أسنده عدة، فذكر منهم: ابن عجلان وعبد العزيز بن أبي سلمة.
ورواه الدراوردي وعبد الله بن جعفر وغيرهما، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ذكره الدارقطني.
وقال: القول قول من قال: عطاء، عن أبي سعيد.
وله شاهد عن أبي سعيد من وجه أخر، من رواية عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير: حدثني هلال بن عياض: حدثني أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا صلى أحدكم، فلا يدري زاد أو نقص، فليسجد سجدتين وهو جالس) ) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي.
وقال: حديث حسن.
وخرجه النسائي، وزاد في رواية له: ( ( ثم يسلم) ) .
وشيخ يحيى بن أبي كثير، مختلف في اسمه، وحاله.
وروى ابن إسحاق، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس، عن
عبد الرحمن بن عوف، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر واحدة صلى أم ثنتين، فليبن على واحدة فان لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثاً، فليبن على ثنتين، فإن لم يدر صلى ثلاثا أو أربعا، فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم) ) .
خرج الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي.
وقال: حسن صحيح.
والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وله علة ذكرها ابن المديني.
قال: وكان عندي حسناً، حتى وقفت على علته، وذلك أن ابن إسحاق سمعه من مكحول مرسلا، وسمع إسناده من حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن مكحول.
قال: يضعف الحديث من هاهنا.
يعني: من جهة حسين الذي يرجع إسناده إليه.
وخرجه الإمام أحمد، عن ابن علية، عن ابن إسحاق – كما ذكره ابن المديني.
وكذا رواه عبد الله بن نمير وعبد الرحمن المحاربي، عن ابن إسحاق، عن مكحول – مرسلاً – وعن حسين عن مكحول – متصلاً.
ورواه حماد بن سلمة وغيره، عن ابن إسحاق، عن مكحول – مرسلاً.
ذكره الدارقطني.
وخرجه الإمام أحمد – أيضا - من رواية إسماعيل بن مسلم، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإسماعيل، هو: المكي، ضعيف جداً.
وقد قيل: إنه توبع عليه، ولا يصح، وإنما مرجعه إلى إسماعيل -: ذكره الدارقطني.
روى أيوب بن سليمان بن بلال، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عمر بن محمد بن زيد، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا لم يدر أحدكم كم صلى – ثلاثا أو أربعا – فليركع ركعتين، يحسن ركوعهما
وسجودهما، ثم ليسجد سجدتين) ) .
خرجه الحاكم.
وقال: صحيح على شرطهما.
والبخاري يخرج من هذه النسخة كثيراً، ولكن هذا رواه مالك في ( ( الموطإ) ) ، عن عمر بن محمد، عن سالم، عن أبيه، - موقوفاً.
قال الدارقطني: رفعه غير ثابت.
وقال ابن عبد البر: لا يصح رفعه.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه قال: إذا شك الرجل في صلاته، فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا، فليبن على أتم ذلك في نفسه، وليس عليه سجود.
قال: فكان الزهري يقول: يسجد سجدتي السهو وهو جالس.
وأما الثاني: وهو التحري:
فقد خرجه البخاري في ( ( أبواب استقبال القبلة) ) ، من رواية جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – فذكر الحديث، وقال في آخره -: ( ( وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحرى الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين) ) .
وخرجه مسلم – أيضا.
وخرجه من طرق أخرى، عن منصور، وفي بعضها: ( ( فلينظر أحرى ذلك للصواب) ) .
وفي رواية: ( ( فليتحرى أقرب ذلك إلى الصواب) ) .
وفي رواية: ( ( فليتحرى الذي يرى أنه صواب) ) .
وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وزادوا فيه: ( ( ثم يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو) ) .
وقد رواه جماعة من ثقات أصحاب منصور، عنه، بهذا الزيادة.
وخرجه ابن ماجه، وعنده: ( ( ويسلم ويسجد سجدتين) ) – بالواو.
قال الإمام أحمد – في رواية الأثرم -: وحديث التحري ليس يرويه غير منصور، إلا أن شعبة روى عن الحكم، عن أبي وائل، عن عبد الله – موقوفاً – نحوه، قال: وإذا شك أحدكم فليتحر.
وخرجه النسائي كذلك.
وقد روي عن الحكم – مرفوعاً.
قال الدارقطني: الموقوف عن الحكم أصح.
وقد روي عن ابن مسعود التحري من وجه آخر، مختلف فيه:
فروى خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا كنت في صلاة، فشككت في ثلاث أو أربع، وأكثر ظنك على أربع، تشهدت، ثم سجدت سجدتين، وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت – أيضا -، ثم تسلم) ) .
وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وذكر أبو داود، أنه اختلف في رفعه ووقفه، وفي لفظه – أيضا.
وقال أحمد: حديث اليقين أصح في الرواية من التحري.
وقال في حديث التحري: هو صحيح، وري من غير وجه.
ويظهر من تصرف البخاري عكس هذا؛ لأنه خرج حديث التحري دون اليقين.
وخرج مسلم الحديثين جميعاً.
وقد دلت هذه الأحاديث على أن من شك في عدد صلاته، فإنه ليس عليه
إعادتها، ولا تبطل صلاته بمجرد شكه، بل يسجد سجدتي السهو بعد بنائه على يقينه أو تحريه، وهو قول جمهور العلماء.
وروي عن طائفة، أن من شك في صلاته فإنه يعيدها.
رواه همام بن منبه وابن سيرين، عن ابن عمر.
وهو خلاف رواية ابنه سالم ومولاه نافع وعبد الله بن دينار ومحارب بن دثار وغيرهم، كلهم رووا، عن ابن عمر، أنه يسجد ولا يعيد.
وقد سبق عن ابن عمر رواية أخرى، أنه لا يسجد.
وذكر عطاء، انه سمع ابن عباس يقول: إن نسيت الصلاة المكتوبة فعد لصلاتك.
وأنه بلغه عن ابن عمر وابن عباس، أنه إذا شك أعاد مرة واحدة، ثم لا يعيد، ويبني على أحرى ذلك في نفسه، ويسجد سجدتين بعد ما يسلم.
وكذلك قال طاوس: يعيد مرة، ثم لا يعيد.
وقال النخعي: أحب إلي أن أعيد، إلا أن أكون أكثر النسيان، فأسجد للسهو.
وهو قول أبي حنيفة والثوري.
ورويت الإعادة مع الشك مطلقاً عن الشعبي وشريح ومحمد ابن الحنفية.
وأما جمهور العلماء، فعلى أنه لا يعيد الصلاة.
لكن اختلفوا: هل يبني على الأقل – وهو اليقين -، أو يبني على غالب ظنه؟
فقالت طائفة: يبني على غالب ظنه.
روي عن ابن مسعود، وهو قول الكوفيين كالنخعي وأبي حنيفة والثوري – في رواية – والحسن بن حي.
وحكاه ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث.
وحكى ابن عبد البر عن الأوزاعي: يتحرى، فإن قام فلم يدر كم صلى، استأنف.
والتحري قول أحمد – في رواية عنه.
وعلى هذه الرواية، فهل ذلك عام في المنفرد والإمام، أم خاص بالإمام؟ على روايتين فيهِ.
وظاهر مذهبه: أنه يختص بالإمام؛ لأنه يعتمد على غلبة ظنه بإقرار المأمومين ومتابعتهم لهُ من غير نكير، فيقوى الظن بذلك.
واستدل هؤلاء بأحاديث تحري الصواب.
وأما حديث إطراح الشك، والبناء على ما استيقن، فحملوه على الشك
المساوي، أو الأضعف.
فأما غلبة الظن، فقالوا: لا يسمى شكا عند الإطلاق، كما يدعيه أهل الأصول ومن تبعهم، وإن كان الفقهاء يطلقون عليه اسم الشك في مواضع كثيرة.
وقالت طائفة: بل يبني على اليقين، وهو الأقل.
وروي عن عمر وعلي وابن عمر، وعن الحسن والزهري، وهو قول مالك والليث والثوري – في رواية – والشافعي وأحمد – في رواية عنه – وإسحاق.
وعن الثوري، قال: كانوا يقولون: إن كان أول ما شك، فإنه يبني على
اليقين، وإن ابتلي بالشك – يعني: أنه يتحرى -، وإن زاد به الشك ورأى انه من الشيطان، لم يلتفت إليه.
وهؤلاء استدلوا بحديث أبي سعيد الخدري المتقدم في البناء على ما استيقن.
وأما أحاديث التحري، فمنهم من تكلم فيها، حتى اعل حديث ابن مسعود المرفوع المخرج في ( ( الصحيحين) ) ، من رواية منصور، عن إبراهيم، عن علقمة،
عنه، بأنه روي موقوفاً، من طريق الحكم، عن أبي وائل، عنه، كما فعل النسائي وغيره.
وقد رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود – موقوفاً.
وهذا قد يتعلق به من يدعي أن هذه الرواية في أخر الحديث مدرجة من قول ابن مسعود.
ومنهم من حمل تحري الصواب على الرجوع إلى اليقين، ومنهم: الشافعي وأصحابه وسليمان الهاشمي والجوزجاني وابن عبد البر وغيرهم.
وفي بعض ألفاظ الحديث ما يصرح بخلاف ذلك، كما تقدم.
وحمل أحمد – في ظاهر مذهبه –التحري على الإمام؛ لأن عمله بغالب ظنه، مع إقرار المأمومين لهُ واتباعهم إياه يقوي ظنه، فيصير كالعمل باليقين، بخلاف المنفرد، فإنه ليس عنده إمارة تقوي ظنه.
وقد نص أحمد، أنه يجوز للإمام إذا شك أن يلحظ ما يفعله المأمومون خلفه، من قيام أو قعود، وغير ذلك، فيتبعهم فيه.
ومن متأخري أصحابنا من قال: يحمل الأمر بالتحري على من قدر عليه، بوجود إمارات توجب له غلبة الظن، ولا يختص ذلك بالإمام، بل المنفرد إذا كان عنده أمارة يتحرى بها عمل بها، فإن لم يكن عند المصلي أمارة توجب ترجيح أحد الأمرين، فقد استوى عنده الأمران، فيطرح الشك حينئذ، ويعمل باليقين.
وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد.
وهاهنا مسلك أخر: وهو حمل الأمر بالتحري على الرخصة والجواز، وحمل الأمر بإطراح الشك والبناء على [ما] استيقن على الأفضل والاحتياط، فيجوز للمصلي إذا شك العمل بكلا الأمرين، ويكون الأفضل الأخذ بالاحتياط.
وصرح بهذا القاضي أبو يعلى من أصحابنا في كتاب ( ( أحكام القرآن) ) ، وتبعه عليه جماعة من أصحابنا.
وهذه المسألة ترجع إلى قاعدة تعارض الأصل والظاهر، وللمسالة أقسام قد ذكرناها مستوفاة في كتاب ( ( القواعد في الفقه) ) .
وحملت طائفة أحاديث البناء على اليقين على من لم يعتبر الشك، ولم تلزمه أحاديث العمل بغلبة الظن على من لزمه الشك، وصار له عادة ووسواساً، فلا يلتفت إليه حينئذ، بل يجعل وجوده كالعدم، ويبني على غالب ظنه.
وذكر ابن عبد البر أن هذا تفسير الليث وابن وهب للحديث، وأنه مذهب مالك – أيضا.
يعني: أن الشك إذا لزم صاحبه وصار وسواسا، لم يلتفت إليه.
وهو قول الثوري، وروي عن القاسم بن محمد، وصرح به أصحابنا – أيضا.
وعلى هذا؛ يحمل حديث الأمر لمن شك في صلاته بان يسجد سجدتين، من غير ذكر تحر ولا يقين.
ولهذا ذكر في أول الحديث تلبيس الشيطان عليه، حتى لا يدري: كم صلى.
وعليه يحمل – أيضا – ما روي عم بعض المتقدمين: أن سجدتي السهو تكفي من شك في صلاته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما محل السجود للشك، فقد تقدم ذكره في الباب الماضي، واختلاف العلماء فيه، وأن أحمد يعمل بالأحاديث كلها في ذلك.
فإن شك وتحرى، سجد بعد السلام، وإن بنى على اليقين سجد قبله.
وهو قول أبي خيثمة زهير بن حرب – أيضا.
وذكرنا المعنى في ذلك فيما تقدم - أيضا.
ومذهب إسحاق، أنه يبني على اليقين، ويسجد بعد السلام -: نقله عنه
حرب.
ولعله حمل تحري الصواب في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين، كما تقدم عن جماعة أنهم قالوه.
وفي ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسوسة الشيطان للمصلى، وأمره بالسجود إذا لم يدر كم صلى، يدل على أنه لا يسجد بمجرد وسوسة الصلاة، إذا لم يشك في عدد صلاته.
وعلى هذا جمهور العلماء، وحكاه بعضهم إجماعا.
وحكى إسحاق، عن الحسن بن علي، أنه سجد في الصلاة عن غير سهو ظهر منه، وقال: إني حدثت نفسي.
وروي عن أحمد، أنه سجد للسهو في صلاته، وقال: إني لحظت ذلك الكتاب.
وهذا خلاف المعروف من مذهبه.
وحكى أحمد، عن ابن عباس، قال: إن استطعت أن لا تصلي صلاة إلا سجدت بعدها سجدتين [فافعل] .
وفي أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسجود السهو في حديث أبي هريرة وابن مسعود المتفق عليهما: دليل على أن سجود السهو واجب، إذا كان لما يبطل الصلاة تعمده.
واختلف العلماء في وجوب سجود السهو:
فذهب إلى وجوبه كثير من العلماء، منهم: الحكم وابن شبرمة وأبو حنيفة – فيما حكاه الكرخي، عنه – والثوري وأحمد وإسحاق.
لكن أحمد إنما يوجبه إذا كان لما يبطل عمدة الصلاة خاصة، فأما ما لا يبطل الصلاة عمده، كترك السنن وزيادة ذكر في غير محله، سوى السلام، فليس بواجب عنده؛ لأن السجود من أجله ليس بواجب فعله أو تركه، فجبرانه أولى، فأما ما يجب فعله أو تركه، فيجب جبرانه بالسجود كجبرانات الحج.
وحكي عن مالك وأبي ثور: إن كان من نقصان وجب؛ لأن محله قبل السلام، فيكون من جملة أجزاء الصَّلاة، بخلاف ما محله بعد السلام؛ لأن محله بعد التحلل من الصلاة.
وقال الشافعي: هو سنة بكل حال.
وحكي رواية عن أحمد، وتأولها بعض أصحابه.
واستدل لذلك، بأنه روي في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم: ( ( فإن كانت صلاته تامة، كانت الركعة نافلة والسجدتان) ) .
وأجيب: بأن المراد بالنافلة الزيادة على آخر الصلاة، كما في حديث عثمان، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه توضأ، وقال: ( ( من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) ) .
خرجه مسلم.
وأراد بالنافلة: زيادة في حسناته؛ حيث كانَ الوضوء مكفرا للذنوب.
فمن قالَ: إن سجود السهو سنة، لم تبطل الصَّلاة بتركه بحال، وهو قول الشافعي وعبد الملك المالكي.
وكذلك مذهب أبي حنيفة، لكنه عنده: إذا فعل وقع موقع الفرض، والتحق
به، وإن كان بعد السلام حين لو أحدث فيه أو خرج الوقت بطلت الصلاة المتقدمة.
واختلفت الرواية عن أحمد: هل تبطل الصلاة بترك السجود للسهو عنه روايتان:
أحدهما: إن تركه عمدا، وكان محله قبل السلام بطلت الصلاة، وإن كان محله بعد السلام لم تبطل، وإن كان تركه نسياناً لم تبطل بكل حال.
وحكي مثله عن أبي ثور.
لأن ما محله قبل السلام – وهو واجب – هو كالجزء من الصلاة، بخلاف ما محله بعد السلام، فإنه خارج عن الصلاة، فهو كالأذان، عند من يقول بوجوبه، لا يبطل الصلاة تركه.
والرواية الثانية: إذا نسيه حتى طال الفصل أعاد الصلاة.
وهذا يدل على أن تركه يبطل الصلاة بكل حال، وهو قول الحكم وابن شبرمة؛ لأنه سجود واجب في الصَّلاة أو لأجلها، فهوَ كسجود صلب الصَّلاة.
وكذلك قال مالك، فيما قبل السلام.
وقال فيما بعده: لايبطل تركه مطلقا.
وروي عن مالك: اختصاص البطلان فينا قبل السلام بترك الأفعال دون الأقوال.
ومذهب الثوري: أن سجود السهو واجب، وليس هو من صلب الصلاة، فمن ضحك فيه أو أحدث، فلا شيء عليه.
ولكنه قال، فيمن سلم وهو يرى أنه ينبغي أن يسجد [في] صلاته: أعاد الصلاة؛ لأنه أدخل في صلاته زيادة.
يعني به: السلام.
وهذا يدل على تفريقه بين سجود السهو الذي قبل السلام وبعده، كقول أحمد.
وكذلك قال الليث، فيمن نسي سجود السهو الذي قبل السلام، فلم يذكره حتى صلى صلاة أخرى، أنه يعيد الصلاة التي نسي سجودها، فإن كان السجود بعد السلام سجد سجدتي السهو، ولم يعد صلاته.
نقله عنه ابن وهب في ( ( كتاب سجود السهو) ) له، ووافقه عليه.
إذا لم يدر كم صلى - ثلاثاً أو أربعا -
سجدة سجدتين وهو جالس.
[ قــ :1187 ... غــ :1231 ]
- ثنا معاذ بن فضالة: ثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضى الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: أذكر كذا وكذا – مالم يكن يذكر – حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى – ثلاثا أو أربعا -، فليسجد سجدتين وهو جالس) ) .
( ( يخطر) ) بضم الطاء عند الأكثر، والمراد: أنه يمر، فيحول بين المرء وما يريد من نفسه، من إقباله على صلاته.
وروي ( ( يخطر) ) – بكسر الطاء -، يعني: تحرك، فيكون المعنى: حركته بالوسوسة.
وقوله: ( ( حتى يظل الرجل) ) ، هكذا الرواية المشهورة بالظاء القائمة المفتوحة، والمراد: يصير، كما في قوله تعالى: { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً} [النحل: 58] .
وروى بعضهم ( ( يضل) ) بالضاد المكسورة، من الظلال، يعني: انه ينسى ويتحير.
وقوله: ( ( إن يدري) ) ، ( أن) بفتح الهمزة، حكاه ابن عبد البر عن الأكثرين، وقال: معناه: لايدري.
وقال القرطبي: ليست هذه الرواية بشيء، إلا مع رواية: ( ( الضاد) ) ، فتكون: ( ( أن) ) مع الفعل بتأويل المصدر مفعول ( ( ضل) ) إن، بأسقاط حرف الجر، أي يضل عن درايته وينسى عدد ركعاته.
قال: وفيه بعد، ورجح أن الرواية: ( ( إن) ) بكسر الهمزة، يعني: ما يدري.
قلت: أما وقوع ( ( إن) ) المكسورة نافية فظاهر، وأما ( ( أن) ) المفتوحة، فقد ذكر بعضهم أنها تأتى نافية – أيضا -، وأنكره أخرون.
فعلى قول من أثبته، لا فرق بين أن تكون الرواية هاهنا بالفتح أو بالكسر.
وقوله: ( ( فإذا لم يدر أحدكم كم صلى – ثلاثاً أو أربعا -، فليسجد
سجدتين) ) ، ليس في هذا الحديث سوى الأمر بسجود السهو عند الشك، من غير أمر بعمل بيقين أو تحر.
وروي عن أبي هريرة، أنه أفتى بذلك.
قال عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه: سالت أبا هريرة، فقلت: شككت في صلاتي.
قال: يقولون: اسجد سجدتين وأنت جالس.
وهذا كله، ليس فيه بيان انه يتحرى أو يبني على اليقين، ولا بد من العمل بأحد الأمرين، وكلاهما قد ورد في أحاديث أخر، تقضي على هذا الحديث المجمل.
وقد روي من حديث أبي هريرة التحري، بالشك في رفعه ووقفه.
فروى شعبة، عن ابن إدريس الأودي، عن أبيه، عن أبي هريرة – قال شعبة: قلت: عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالَ: أحسبه، أكبر علمي، أنه قالَ: عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ: ( ( لا يصلي أحدكم وبه شيء من الخبث) ) ، وقال في الوهم: ( ( يتحرى) ) .
وروي في حديث أبي هريرة ذكر السجود قبل السلام في هذا، من رواية ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
( ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته، فيدخل بينه وبين نفسه، حتى لا يدري زاد أو نقص، فإذا كان ذلك، فليسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم يسلم) ) .
خرجه أبو داود وابن ماجه.
وخرجه ابن ماجه – أيضا – من رواية ابن إسحاق – أيضا -: اخبرني سلمة بن صفوان بن سلمة، [عن أبي سلمة] ، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – بنحوه -، وقال: ( ( فليسجد سجدتين قبل أن يسلم) ) .
وخرجه أبو داود من طريق ابن أخي الزهري، عن الزهري، بهذا الإسناد، ولفظه: ( ( فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم) ) .
وخرجه الدارقطني من رواية عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي، - فذكره، وقال: - بعد قوله: ( ( فليسجد سجدتين وهو جالس) ) -: ( ( ثم يسلم) ) .
وذكر في ( ( العلل) ) أن سليمان وعلي بن المبارك وهشاما والأوزاعي وغيرهم رووه، عن يحيى، ولم يذكروا فيه: التسليم قبل ولا بعد.
قال: وكذلك قال الزهري، عن أبي سلمة.
ولم يذكر رواية ابن إسحاق وابن أخي الزهري، عن الزهري، وذكر رواية ابن إسحاق، عن سلمة بن صفوان بن سلمة، كما رواه عكرمة بن عمار، عن يحيى.
قال: وهما ثقتان، وزيادة الثقة مقبولة.
قال: ورواه فليح بن سليمان، عن سلمة بن صفوان، وقال فيه: ( ( وليسلم، ثم ليسجد سجدتين) ) ، بخلاف رواية ابن إسحاق.
قلت: أما ابن إسحاق، فمضطرب في حديث الزهري خصوصاً، وينفرد عنه بما لا يتابع عليه، وروايته عن سلمة بن صفوان، قد خالفه فيها فليح، كما ترى.
ورواية عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، كثيرة الاضطراب عند يحيى القطان وأحمد وغيرهما من الأئمة.
ففي ثبوت هذه الزيادة نظر.
والله تعالى أعلم.
وقد روي من غير حديث أبي هريرة البناء على اليقين والتحري.
فأما الأول:
فخرجه مسلم، من طريق سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا شك أحدكم في
صلاته، فلا يدري كم صلى ثلاثا أو أربعا، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فان كان صلى خمساً، شفعن له صلاته، وان كان صلى إتمأما لأربع، كانتا ترغيما للشيطان) ) .
وخرجه – أيضا – من رواية داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، به – بمعناه.
وخرجه الدارقطني من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، وهشام بن سعد بن سليمان وغيرهم، عن زيد بن أسلم – كذلك.
وكذلك رويناه من حديث عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم – بهذا الإسناد.
والمعروف من رواية ابن عجلان: أنه لم يذكر في حديثه: ( ( قبل السلام) ) .
وكذا رواه أبو غسان وغيره، عن زيد بن أسلم.
ورواه مالك في ( ( الموطأ) ) والثوري ويعقوب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء – مرسلاً.
ووصله الوليد بن مسلم وغيره، عن مالك.
وليس بمعروف عنه وصله.
ووصله بعضهم عن الثوري – أيضا.
ولعل البخاري ترك تخريجه؛ لإرسال مالك والثوري لهُ.
وحكم جماعة بصحة وصله، منهم: الإمام أحمد والدارقطني.
وقال أحمد: اذهب إليه.
قيل له: إنهم يختلفون في إسناده.
قال: إنما قصر به مالك، وقد أسنده عدة، فذكر منهم: ابن عجلان وعبد العزيز بن أبي سلمة.
ورواه الدراوردي وعبد الله بن جعفر وغيرهما، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ذكره الدارقطني.
وقال: القول قول من قال: عطاء، عن أبي سعيد.
وله شاهد عن أبي سعيد من وجه أخر، من رواية عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير: حدثني هلال بن عياض: حدثني أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إذا صلى أحدكم، فلا يدري زاد أو نقص، فليسجد سجدتين وهو جالس) ) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي.
وقال: حديث حسن.
وخرجه النسائي، وزاد في رواية له: ( ( ثم يسلم) ) .
وشيخ يحيى بن أبي كثير، مختلف في اسمه، وحاله.
وروى ابن إسحاق، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس، عن
عبد الرحمن بن عوف، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر واحدة صلى أم ثنتين، فليبن على واحدة فان لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثاً، فليبن على ثنتين، فإن لم يدر صلى ثلاثا أو أربعا، فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم) ) .
خرج الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي.
وقال: حسن صحيح.
والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وله علة ذكرها ابن المديني.
قال: وكان عندي حسناً، حتى وقفت على علته، وذلك أن ابن إسحاق سمعه من مكحول مرسلا، وسمع إسناده من حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن مكحول.
قال: يضعف الحديث من هاهنا.
يعني: من جهة حسين الذي يرجع إسناده إليه.
وخرجه الإمام أحمد، عن ابن علية، عن ابن إسحاق – كما ذكره ابن المديني.
وكذا رواه عبد الله بن نمير وعبد الرحمن المحاربي، عن ابن إسحاق، عن مكحول – مرسلاً – وعن حسين عن مكحول – متصلاً.
ورواه حماد بن سلمة وغيره، عن ابن إسحاق، عن مكحول – مرسلاً.
ذكره الدارقطني.
وخرجه الإمام أحمد – أيضا - من رواية إسماعيل بن مسلم، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وإسماعيل، هو: المكي، ضعيف جداً.
وقد قيل: إنه توبع عليه، ولا يصح، وإنما مرجعه إلى إسماعيل -: ذكره الدارقطني.
روى أيوب بن سليمان بن بلال، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن عمر بن محمد بن زيد، عن سالم، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا لم يدر أحدكم كم صلى – ثلاثا أو أربعا – فليركع ركعتين، يحسن ركوعهما
وسجودهما، ثم ليسجد سجدتين) ) .
خرجه الحاكم.
وقال: صحيح على شرطهما.
والبخاري يخرج من هذه النسخة كثيراً، ولكن هذا رواه مالك في ( ( الموطإ) ) ، عن عمر بن محمد، عن سالم، عن أبيه، - موقوفاً.
قال الدارقطني: رفعه غير ثابت.
وقال ابن عبد البر: لا يصح رفعه.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أنه قال: إذا شك الرجل في صلاته، فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا، فليبن على أتم ذلك في نفسه، وليس عليه سجود.
قال: فكان الزهري يقول: يسجد سجدتي السهو وهو جالس.
وأما الثاني: وهو التحري:
فقد خرجه البخاري في ( ( أبواب استقبال القبلة) ) ، من رواية جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - – فذكر الحديث، وقال في آخره -: ( ( وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحرى الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين) ) .
وخرجه مسلم – أيضا.
وخرجه من طرق أخرى، عن منصور، وفي بعضها: ( ( فلينظر أحرى ذلك للصواب) ) .
وفي رواية: ( ( فليتحرى أقرب ذلك إلى الصواب) ) .
وفي رواية: ( ( فليتحرى الذي يرى أنه صواب) ) .
وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وزادوا فيه: ( ( ثم يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو) ) .
وقد رواه جماعة من ثقات أصحاب منصور، عنه، بهذا الزيادة.
وخرجه ابن ماجه، وعنده: ( ( ويسلم ويسجد سجدتين) ) – بالواو.
قال الإمام أحمد – في رواية الأثرم -: وحديث التحري ليس يرويه غير منصور، إلا أن شعبة روى عن الحكم، عن أبي وائل، عن عبد الله – موقوفاً – نحوه، قال: وإذا شك أحدكم فليتحر.
وخرجه النسائي كذلك.
وقد روي عن الحكم – مرفوعاً.
قال الدارقطني: الموقوف عن الحكم أصح.
وقد روي عن ابن مسعود التحري من وجه آخر، مختلف فيه:
فروى خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( إذا كنت في صلاة، فشككت في ثلاث أو أربع، وأكثر ظنك على أربع، تشهدت، ثم سجدت سجدتين، وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت – أيضا -، ثم تسلم) ) .
وخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.
وذكر أبو داود، أنه اختلف في رفعه ووقفه، وفي لفظه – أيضا.
وقال أحمد: حديث اليقين أصح في الرواية من التحري.
وقال في حديث التحري: هو صحيح، وري من غير وجه.
ويظهر من تصرف البخاري عكس هذا؛ لأنه خرج حديث التحري دون اليقين.
وخرج مسلم الحديثين جميعاً.
وقد دلت هذه الأحاديث على أن من شك في عدد صلاته، فإنه ليس عليه
إعادتها، ولا تبطل صلاته بمجرد شكه، بل يسجد سجدتي السهو بعد بنائه على يقينه أو تحريه، وهو قول جمهور العلماء.
وروي عن طائفة، أن من شك في صلاته فإنه يعيدها.
رواه همام بن منبه وابن سيرين، عن ابن عمر.
وهو خلاف رواية ابنه سالم ومولاه نافع وعبد الله بن دينار ومحارب بن دثار وغيرهم، كلهم رووا، عن ابن عمر، أنه يسجد ولا يعيد.
وقد سبق عن ابن عمر رواية أخرى، أنه لا يسجد.
وذكر عطاء، انه سمع ابن عباس يقول: إن نسيت الصلاة المكتوبة فعد لصلاتك.
وأنه بلغه عن ابن عمر وابن عباس، أنه إذا شك أعاد مرة واحدة، ثم لا يعيد، ويبني على أحرى ذلك في نفسه، ويسجد سجدتين بعد ما يسلم.
وكذلك قال طاوس: يعيد مرة، ثم لا يعيد.
وقال النخعي: أحب إلي أن أعيد، إلا أن أكون أكثر النسيان، فأسجد للسهو.
وهو قول أبي حنيفة والثوري.
ورويت الإعادة مع الشك مطلقاً عن الشعبي وشريح ومحمد ابن الحنفية.
وأما جمهور العلماء، فعلى أنه لا يعيد الصلاة.
لكن اختلفوا: هل يبني على الأقل – وهو اليقين -، أو يبني على غالب ظنه؟
فقالت طائفة: يبني على غالب ظنه.
روي عن ابن مسعود، وهو قول الكوفيين كالنخعي وأبي حنيفة والثوري – في رواية – والحسن بن حي.
وحكاه ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث.
وحكى ابن عبد البر عن الأوزاعي: يتحرى، فإن قام فلم يدر كم صلى، استأنف.
والتحري قول أحمد – في رواية عنه.
وعلى هذه الرواية، فهل ذلك عام في المنفرد والإمام، أم خاص بالإمام؟ على روايتين فيهِ.
وظاهر مذهبه: أنه يختص بالإمام؛ لأنه يعتمد على غلبة ظنه بإقرار المأمومين ومتابعتهم لهُ من غير نكير، فيقوى الظن بذلك.
واستدل هؤلاء بأحاديث تحري الصواب.
وأما حديث إطراح الشك، والبناء على ما استيقن، فحملوه على الشك
المساوي، أو الأضعف.
فأما غلبة الظن، فقالوا: لا يسمى شكا عند الإطلاق، كما يدعيه أهل الأصول ومن تبعهم، وإن كان الفقهاء يطلقون عليه اسم الشك في مواضع كثيرة.
وقالت طائفة: بل يبني على اليقين، وهو الأقل.
وروي عن عمر وعلي وابن عمر، وعن الحسن والزهري، وهو قول مالك والليث والثوري – في رواية – والشافعي وأحمد – في رواية عنه – وإسحاق.
وعن الثوري، قال: كانوا يقولون: إن كان أول ما شك، فإنه يبني على
اليقين، وإن ابتلي بالشك – يعني: أنه يتحرى -، وإن زاد به الشك ورأى انه من الشيطان، لم يلتفت إليه.
وهؤلاء استدلوا بحديث أبي سعيد الخدري المتقدم في البناء على ما استيقن.
وأما أحاديث التحري، فمنهم من تكلم فيها، حتى اعل حديث ابن مسعود المرفوع المخرج في ( ( الصحيحين) ) ، من رواية منصور، عن إبراهيم، عن علقمة،
عنه، بأنه روي موقوفاً، من طريق الحكم، عن أبي وائل، عنه، كما فعل النسائي وغيره.
وقد رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن النخعي، عن علقمة، عن ابن مسعود – موقوفاً.
وهذا قد يتعلق به من يدعي أن هذه الرواية في أخر الحديث مدرجة من قول ابن مسعود.
ومنهم من حمل تحري الصواب على الرجوع إلى اليقين، ومنهم: الشافعي وأصحابه وسليمان الهاشمي والجوزجاني وابن عبد البر وغيرهم.
وفي بعض ألفاظ الحديث ما يصرح بخلاف ذلك، كما تقدم.
وحمل أحمد – في ظاهر مذهبه –التحري على الإمام؛ لأن عمله بغالب ظنه، مع إقرار المأمومين لهُ واتباعهم إياه يقوي ظنه، فيصير كالعمل باليقين، بخلاف المنفرد، فإنه ليس عنده إمارة تقوي ظنه.
وقد نص أحمد، أنه يجوز للإمام إذا شك أن يلحظ ما يفعله المأمومون خلفه، من قيام أو قعود، وغير ذلك، فيتبعهم فيه.
ومن متأخري أصحابنا من قال: يحمل الأمر بالتحري على من قدر عليه، بوجود إمارات توجب له غلبة الظن، ولا يختص ذلك بالإمام، بل المنفرد إذا كان عنده أمارة يتحرى بها عمل بها، فإن لم يكن عند المصلي أمارة توجب ترجيح أحد الأمرين، فقد استوى عنده الأمران، فيطرح الشك حينئذ، ويعمل باليقين.
وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد.
وهاهنا مسلك أخر: وهو حمل الأمر بالتحري على الرخصة والجواز، وحمل الأمر بإطراح الشك والبناء على [ما] استيقن على الأفضل والاحتياط، فيجوز للمصلي إذا شك العمل بكلا الأمرين، ويكون الأفضل الأخذ بالاحتياط.
وصرح بهذا القاضي أبو يعلى من أصحابنا في كتاب ( ( أحكام القرآن) ) ، وتبعه عليه جماعة من أصحابنا.
وهذه المسألة ترجع إلى قاعدة تعارض الأصل والظاهر، وللمسالة أقسام قد ذكرناها مستوفاة في كتاب ( ( القواعد في الفقه) ) .
وحملت طائفة أحاديث البناء على اليقين على من لم يعتبر الشك، ولم تلزمه أحاديث العمل بغلبة الظن على من لزمه الشك، وصار له عادة ووسواساً، فلا يلتفت إليه حينئذ، بل يجعل وجوده كالعدم، ويبني على غالب ظنه.
وذكر ابن عبد البر أن هذا تفسير الليث وابن وهب للحديث، وأنه مذهب مالك – أيضا.
يعني: أن الشك إذا لزم صاحبه وصار وسواسا، لم يلتفت إليه.
وهو قول الثوري، وروي عن القاسم بن محمد، وصرح به أصحابنا – أيضا.
وعلى هذا؛ يحمل حديث الأمر لمن شك في صلاته بان يسجد سجدتين، من غير ذكر تحر ولا يقين.
ولهذا ذكر في أول الحديث تلبيس الشيطان عليه، حتى لا يدري: كم صلى.
وعليه يحمل – أيضا – ما روي عم بعض المتقدمين: أن سجدتي السهو تكفي من شك في صلاته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما محل السجود للشك، فقد تقدم ذكره في الباب الماضي، واختلاف العلماء فيه، وأن أحمد يعمل بالأحاديث كلها في ذلك.
فإن شك وتحرى، سجد بعد السلام، وإن بنى على اليقين سجد قبله.
وهو قول أبي خيثمة زهير بن حرب – أيضا.
وذكرنا المعنى في ذلك فيما تقدم - أيضا.
ومذهب إسحاق، أنه يبني على اليقين، ويسجد بعد السلام -: نقله عنه
حرب.
ولعله حمل تحري الصواب في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين، كما تقدم عن جماعة أنهم قالوه.
وفي ذكر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسوسة الشيطان للمصلى، وأمره بالسجود إذا لم يدر كم صلى، يدل على أنه لا يسجد بمجرد وسوسة الصلاة، إذا لم يشك في عدد صلاته.
وعلى هذا جمهور العلماء، وحكاه بعضهم إجماعا.
وحكى إسحاق، عن الحسن بن علي، أنه سجد في الصلاة عن غير سهو ظهر منه، وقال: إني حدثت نفسي.
وروي عن أحمد، أنه سجد للسهو في صلاته، وقال: إني لحظت ذلك الكتاب.
وهذا خلاف المعروف من مذهبه.
وحكى أحمد، عن ابن عباس، قال: إن استطعت أن لا تصلي صلاة إلا سجدت بعدها سجدتين [فافعل] .
وفي أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسجود السهو في حديث أبي هريرة وابن مسعود المتفق عليهما: دليل على أن سجود السهو واجب، إذا كان لما يبطل الصلاة تعمده.
واختلف العلماء في وجوب سجود السهو:
فذهب إلى وجوبه كثير من العلماء، منهم: الحكم وابن شبرمة وأبو حنيفة – فيما حكاه الكرخي، عنه – والثوري وأحمد وإسحاق.
لكن أحمد إنما يوجبه إذا كان لما يبطل عمدة الصلاة خاصة، فأما ما لا يبطل الصلاة عمده، كترك السنن وزيادة ذكر في غير محله، سوى السلام، فليس بواجب عنده؛ لأن السجود من أجله ليس بواجب فعله أو تركه، فجبرانه أولى، فأما ما يجب فعله أو تركه، فيجب جبرانه بالسجود كجبرانات الحج.
وحكي عن مالك وأبي ثور: إن كان من نقصان وجب؛ لأن محله قبل السلام، فيكون من جملة أجزاء الصَّلاة، بخلاف ما محله بعد السلام؛ لأن محله بعد التحلل من الصلاة.
وقال الشافعي: هو سنة بكل حال.
وحكي رواية عن أحمد، وتأولها بعض أصحابه.
واستدل لذلك، بأنه روي في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم: ( ( فإن كانت صلاته تامة، كانت الركعة نافلة والسجدتان) ) .
وأجيب: بأن المراد بالنافلة الزيادة على آخر الصلاة، كما في حديث عثمان، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه توضأ، وقال: ( ( من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) ) .
خرجه مسلم.
وأراد بالنافلة: زيادة في حسناته؛ حيث كانَ الوضوء مكفرا للذنوب.
فمن قالَ: إن سجود السهو سنة، لم تبطل الصَّلاة بتركه بحال، وهو قول الشافعي وعبد الملك المالكي.
وكذلك مذهب أبي حنيفة، لكنه عنده: إذا فعل وقع موقع الفرض، والتحق
به، وإن كان بعد السلام حين لو أحدث فيه أو خرج الوقت بطلت الصلاة المتقدمة.
واختلفت الرواية عن أحمد: هل تبطل الصلاة بترك السجود للسهو عنه روايتان:
أحدهما: إن تركه عمدا، وكان محله قبل السلام بطلت الصلاة، وإن كان محله بعد السلام لم تبطل، وإن كان تركه نسياناً لم تبطل بكل حال.
وحكي مثله عن أبي ثور.
لأن ما محله قبل السلام – وهو واجب – هو كالجزء من الصلاة، بخلاف ما محله بعد السلام، فإنه خارج عن الصلاة، فهو كالأذان، عند من يقول بوجوبه، لا يبطل الصلاة تركه.
والرواية الثانية: إذا نسيه حتى طال الفصل أعاد الصلاة.
وهذا يدل على أن تركه يبطل الصلاة بكل حال، وهو قول الحكم وابن شبرمة؛ لأنه سجود واجب في الصَّلاة أو لأجلها، فهوَ كسجود صلب الصَّلاة.
وكذلك قال مالك، فيما قبل السلام.
وقال فيما بعده: لايبطل تركه مطلقا.
وروي عن مالك: اختصاص البطلان فينا قبل السلام بترك الأفعال دون الأقوال.
ومذهب الثوري: أن سجود السهو واجب، وليس هو من صلب الصلاة، فمن ضحك فيه أو أحدث، فلا شيء عليه.
ولكنه قال، فيمن سلم وهو يرى أنه ينبغي أن يسجد [في] صلاته: أعاد الصلاة؛ لأنه أدخل في صلاته زيادة.
يعني به: السلام.
وهذا يدل على تفريقه بين سجود السهو الذي قبل السلام وبعده، كقول أحمد.
وكذلك قال الليث، فيمن نسي سجود السهو الذي قبل السلام، فلم يذكره حتى صلى صلاة أخرى، أنه يعيد الصلاة التي نسي سجودها، فإن كان السجود بعد السلام سجد سجدتي السهو، ولم يعد صلاته.
نقله عنه ابن وهب في ( ( كتاب سجود السهو) ) له، ووافقه عليه.