فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع

باب
الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع
وقال أبو حميد: رفع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستوى حتى يعود كل فقار مكانه.

هكذا في كثير من النسخ: ( ( الاطمأنينة) ) .
وفي بعضها ( ( الاطمأنينة) ) وقيل: أنه الصواب، والمراد بها السكون.

وحديث أبي حميد قد خرَّجه فيما بعد، وذكر أن بعضهم رواه ( ( كل قفار) ) بتقديم القاف على الفاء.

والصواب الرواية الأولى بتقديم الفاء.

ومنه: سمي سيف العاص بن منبه السهمي الذي نفله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر لعلي حين قتل صاحبه يومئذٍ.

و ( ( الفقار) ) جمع فقارة، وهو خرزات الصلب، ويقال لها: الفقرة والفَقرة –بالكسر والفتح.

خَّرج البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول:

[ قــ :779 ... غــ :800 ]
- ثنا أبو الوليد: ثنا شعبة، عن ثابت، قال: كان أنس ينعت لنا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فكان يصلي، وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول: قد نسي.

وخَّرجه في موضع آخر من حديث حماد بن زيد، عن ثابت، قال: قال لنا أنس: أني لا ألو أن اصلي بكم كما رأيت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بنا.
قال حماد: قال ثابت: وكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع أنتصب قائماً، حتى يقول القائل: قد نسي.

ففي هذا الحديث: دليل على أن الرفع من الركوع ينتصب فيه حتى يعتدل قائماً، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي علمه الصلاة: ( ( ثم أرفع حتى تعتدل قائماً) ) .

وأكثر العلماء على أن الرفع من الركوع ركن من اركان الصلاة، وهو قول الشافعي وأحمد.

وقال أبو حنيفة ومالك –في رواية عنه -: ليس بركن، فلو ركع ثم سجد
أجزأه.

وهذا يرده فعل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمره بالاعتدال.

والطمأنينة في هذا الاعتدال ركن –أيضاً - عند الشافعي وأحمد وأكثر أصحابهما.

ومن الشافعية من توقف في ذلك؛ لأن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما أمرنا بالاعتدال دون
الطمأنينة.

والصحيح: أن الطمأنينة فيه ركن، وهو قول الأكثرين، منهم: الثوري والأوزعي وأبو يوسف وإسحاق.

وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالطمأنينة في الجلوس بين السجدتين، فالطمأنينة في الرفع من الركوع مثلها.

وقد روي من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم المسئ في صلاته، وأمره أن يرفع حتى يطمئن قائماً.

خرَّجه الإمام أحمد وغيره.

وقد سبق قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود) ) .

وخرَّج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده) ) .

ومن حديث طلق بن علي الحنفي، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معناه.

وحديث طلق أصح من حديث أبي هريرة.

وفيه: دليل على استحباب اطالة ركن الرفع من الركوع، ولا سيما مع إطالة الركوع والسجود، حتى تتناسب أركان الصلاة في القدر.

وذهب بعض الشافعية إلى أن من اطال ذلك فسدت صلاته؛ لأنه غير مقصود لنفسه، بل للفصل بين الركوع والسجود.

وهذا قول مردود؛ لمخالفته السنة.





[ قــ :780 ... غــ :801 ]
- ثنا أبو الوليد: ثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن البراء، قال: كان ركوع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع، وبين السجدتين قريباً من السواء.

هذا الحديث صريح في إطالة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرفع من الركوع والسجود، وأن رفعه منهما كان قريباً من ركوعه وسجوده، فدل على أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يناسب بين أركان الصلاة وهي الركوع والسجود والرفع منهما، ويقارب بين ذلك كله، فإن أطال منها شيئا اطال الباقي، وإن أخف منها شيئاً أخف الباقي.

ويستدل بذلك على تطويل الرفع من الركوع والسجود في صلاة الكسوف، كما سيأتي ذكره في موضعه – إن شاء الله سبحانه وتعالى.





[ قــ :781 ... غــ :80 ]
- ثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: قام مالك بن الحويرث يرينا كيف كان صلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذلك في غير وقت الصلاة، فقام فأمكن القيام، ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فأنصت هنية.
قال: فصلى بنا صلاة شيخنا هذا: أبي بريد، وكان أبو بريد إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة أستوى قاعداً، ثم نهض.

قوله: ( ( فأنصت) ) –يعني من الإنصات، والمعنى: أنه سكت هنية بعد رفع رأسه من الركوع، والمراد بإنصاته: أنه لم يجهر بذكر يسمع منه، لا أنه لم يقل شيئاً في نفسه.

ويروى: ( ( فأنتصب) ) من الإنتصاب، وهو القيام.

وقوله: ( ( هنَّية) ) ، هو بالياء المشددة بغير همز، ويروى بالهمز، ويروى
( ( هنيهة) ) بهاءين، والكل بمعنى، وهو تصغير ( ( هنَّة) ) ، وهي كلمة يكنى بها عن
الشيء، أي: شيئاً قليلاً من الزمان.

وفي هذا الحديث: أن قيامه بعد الركوع كان قليلاً، بخلاف ما دل عليه حيديث أنس، لعل سائر أركان الصلاة كانت خفيفة، فناسب ذلك تقصير القيام من الركوع، ويكون حديث أنس في حالة يطيل فيه الركوع والسجود.

وحديث البراء بن عازب يدل على هذا الجمع؛ فأنه يدل على أن ركوعه واعتداله وسجوده وقعوده من سجوده كان متقاربا.

وقوله: ( ( صلاة شيخنا هذا أبي بريد) ) ، يريد به: عمرو بن سلمة الجرمي، وسلمة بكسر الام.

ووقع في عامة الروايات: ( ( يزيد) ) –بالياء المثناة والزاي المعجمة.

وقال مسلم: إنما هو: أبو بريد –بالباء الموحدة والراء المهملة.

قال عبد الغني بن سعيد: لم أسمع من أحد إلا بالزاي، لكن مسلم أعلم باسماء المحدثين.

وكذا ذكره الدارقطني وأبو ذر الهروي كما ذكره مسلم.

وكذا ضبطه أبو نصر الكلاباذي بخطه.
وذكر ابن ماكولا أنه أبو بريد – بالباء والراء -، ثم قال، وقيل: أبو يزيد.

***