فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الصلاة في النعال

باب
الصلاة في النعال
[ قــ :382 ... غــ :386 ]
- ثنا آدم بن أبي إياس: ثنا شعبة: ابنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي، قال: سالت أنس بن مالك: أكان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في نعليه؟ قال: نعم.

لم يخرج في ( ( الصحيحين) ) من أحاديث الصلاة في النعلين غير حديث سعيد ابن يزيد، عن أنس هذا، وتفرد به البخاري من طريق شعبة، عنه.

وقد رواه سلم بن قتيبة، عن شعبة، عن سعيد وأبي عمران الجوني - كلاهما -، عن أنس.

وأنكر ذلك على سلم يحيى القطان.

وقال الدارقطني: وهم في ذلك.
والصلاة في النعلين جائزة، لا اختلاف بين العلماء في ذلك،
وقد قال أحمد: لا بأس أن يصلي في نعليه إذا كانتا طاهرتين.

وليس مراده: إذا تحقق طهارتهما، بل مراده: إذا لم تتحقق نجاستهما.

يدل على ذلك: أن ابن مسعود قال: كنا لا نتوضأ من موطئ.

خرجه أبو داود.

وخرجه ابن ماجه، ولفظه: أُمرنا أن لا نكفت شعرا ولا ثوبا، ولا نتوضأ من موطئ.

وخرجه وكيع في ( ( كتابه) ) ، ولفظه: لقد رايتنا وما نتوضأ من موطئ، إلا أن يكون رطبا فنغسل أثره.

وروي عن ابن عمر، أنه قال: امرنا أن لا نتوضأ من موطئ.

خرجه الدارقطني في ( ( العلل) ) .
وذكر أن بعضهم لم يرفعه، وجعله من فعل ابن عمر.
والمراد بذلك: أن من مشى حافيا على الأرض النجسة اليابسة أو خاض طين
المطر، فإنه يصلي ولا يغسل رجليه.

وقد ذكر مالك وغيره أن الناس لم يزالوا على ذلك.

وذكره ابن المنذر إجماعا من أهل العلم، إلا عن عطاء، فإنه قال: يغسل
رجليه.
قال: ويشبه أن يكون هذا منه استحبابا لا إيجابا.

قال: وبقول جل أهل العلم نقول.

وهذا يبين أن جمهور العلماء لا يرون غسل ما يصيب الرجل من الأرض، مما لا تتحقق نجاسته، ولا التنزه عنه في الصلاة.

وقد روي الأمر بالصلاة في النعلين، ما خرجه أبو داود وابن حبان في
( ( صحيحه) ) من حديث شداد بن أوس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا في خفافهم) ) .

وروى عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس، قال: لم يخلع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نعله في الصلاة إلا مرة، فخلع القوم نعالهم، فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لم خلعتم نعالكم؟) ) قالوا رأيناك خلعت فخلعنا، قال: ( ( أن جبريل أخبرني أن فيهما قذراً) ) .

قال البيهقي: تفرد عبد الله بن المثنى، ولا بأس بإسناده.

قلت: عبد الله بن المثنى، يخرج له البخاري كما تقدم.

وهذا يدل على أن عادة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المستمرة الصلاة في نعليه، وكلام أكثر السلف يدل على أن الصلاة في النعلين أفضل من الصلاة حافيا.
وقد أنكر ابن مسعود على أبي موسى خلعه نعليه عند إرادة الصلاة، قال لهُ: أبالوادي المقدس أنت؟!
وكان أبو عمرو الشيباني يضرب الناس إذا خلعوا نعالهم في الصلاة.

وأنكر الربيع بن خثيم على من خلع نعليه عند الصلاة، ونسبه إلى أنه أحدث - يريد: أنه ابتدع.

وكان النخعي وأبو جعفر محمد بن على إذا قاما إلى الصلاة لبسا نعالهما وصليا فيها.

وأمر غير واحد منهم بالصلاة في النعال، منهم: أبو هريرة وغيره.

وقال الشافعي - ونقلوه عنه -: أن خلع النعلين في الصلاة أفضل؛ لما فيه من مباشرة المصلي بأطراف القدمين إذا سجد عليهما.

ووافقهم على ذلك القاضي أبو يعلي وغيره من أصحابنا.

ولم يعللوا ذلك باحتمال إصابة النجاسة، مع حكايتهم الخلاف في طين الشوارع: هل هو نجس أو طاهر يعفى عن يسيره؟ فحكى أصحاب الشافعي له في ذَلكَ قولين، وكذلك حكى الخلاف في مذهب أحمد بعض أصحابنا.

والصحيح عند محققيهم: أن المذهب طهارته، وعليه تدل أحوال السلف الصالح وأقوالهم، كما تقدم عنهم في ترك غسل القدمين من الخوض في الطين، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة.

قال الجوزجاني: لم ير المسلمون بطين المطر بأسا.

وقد صرح كثير من السلف بأنه طاهر ولو خالطه بول، منهم: سعيد بن جبير وبكر المزني وغيرهما.

والتحرز من النجاسات إنما يشرع على وجه لا يفضي إلى مخالفة ما كان عليه السلف الصالح، فكيف يشرع مع مخالفتهم ومخالفة السنن الصحيحة؟!
وقد اختلف العلماء: في نجاسة أسفل النعل ونحوه: هل تطهر بدلكها بالأرض، أم لا تطهر بدون غسل، أم يفرق بين أن يكون بول ادمي أو عذرته فلا بد من غسلها وبين غيرها من النجاسات فتطهر بالدلك؟ على ثلاثة أقوال.

وقد حكى عن أحمد ثلاثة روايات كذلك.

والقول بطهارتها بالدلك كثير من أصحابنا، وهو قول قديم للشافعي، وقول ابن أبي شيبة ويحيى بن يحيى النيسابوري.

وقال ابن حامد من أصحابنا: تطهر بذلك.

والقول بالفرق بين البول والعذرة قول أبي خيثمة وسليمان بن داود الهاشمي.

وفي هذا الباب أحاديث متعددة.

وأجودها حديث أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه، وليصل فيه) ) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان ( ( صحيحيهما) ) والحاكم.

وقال: صحيح على شرط مسلم.

يشير إلى أن أبا نعامة وأبا نضرة خرج لهما مسلم، وقد رواه جماعة عن أبي نعامة بهذا الإسناد.

ورواه أيوب، واختلف عليه فيه، فروي عنه كذلك، وروي عنه مرسلاً، وهو أشهر عن أيوب.

قال الدارقطني: الصحيح: عن أيوب سمعه من أبي نعامة، ولم يحفظ إسناده فأرسله، والقول: قول من قال: عن أبي سعيد.

وقال أبو حاتم الرازي: المتصل أشبه.
والله أعلم.