فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا

باب
ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال
[ قــ :989 ... غــ :1021 ]
- حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: خرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلح بين بني عمرو بن عوف، وحانت الصلاة، فجاء بلال أبا بكر، فقال: حبس النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فتؤم الناس؟ فقالَ: نعم، إن شئتم، فأقام بلال الصَّلاة -، فتقدم أبو بكر فصلى، فجاء النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمشي في الصفوف يشقها شقاً، حتَّى قام في الصف الأول، فأخذ الناس بالتصفيح – قالَ سهل: تدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق -، وكان أبو بكر لايلتفت في صلاته، فلما أكثروا إلتفت، فإذا النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الصف، فأشار إليه مكانك، فرفع أبو بكر يديه، فحمد الله، ثم رجع القهقرى
وراءه، وتقدم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصلى.

التصفيق والتصفيح، من الناس من قال: هما بمعنى واحد -: قاله الأصمعي
وغيره.

وقال الخطابي: التصفيح: التصفيق بصفحتي الكف.
وقيل: التصفيق: ضرب بباطن الراحة على الأخرى.
والتصفيح: الضرب بظاهر الكف على ظهر الأخرى، ويكون المقصود به: الإعلام والإنذار، بخلاف التصفيق؛ فإنه يراد به الطرب واللعب 0 والله أعلم.

وقد سبق هذا الحديث في ( ( أبواب الإمامة) ) ، خرجه البخاري فيها من رواية مالك، عن أبي حازم.

وذكرنا هنالك عامة فوائده، وأشرنا إلى الاختلاف فيمن حمد الله في صلاته أو سبح لحادث حدث له، وهل تبطل بذلك صلاته، أم لا؟
وذكرنا ذَلِكَ – أيضا – في ( ( باب: إجابة المؤذن) ) .

وأكثر العلماء على أنه لا تبطل صلاته بذلك.

فحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور.

وهو – أيضا – قول مالك والشافعي.

وسواء قصد بذلك تنبيه غيره، أم لم يقصد.

قال إسحاق – فيما نقله، عنه حرب -: إن قرأ آية فيها ( ( لا إله إلا الله) ) ، فأعادها لاتفسد صلاته، وإن انقض كوكب، فقال: ( ( لا إله إلا الله) ) ، تعجباً
وتعمداً، فهو كلام يعيد الصلاة، وكذا إذا لدغته عقرب، فقال: ( ( بسم الله) ) .

وقال عبيد الله بن الحسن: فيمن رمي في صلاته، فقال: ( ( بسم الله) ) : لم تنقطع صلاته، هو كمن عطس فحمد الله.
وقال في الذي يذكر النعمة وهو في الصلاة، فيحمد الله عليها، وإن ذلك حسناً.
وقال عطاء: ما جرى على لسان الرجل في الصلاة، فما له أصل في القرآن فليس بكلام.

وقالت طائفة: تبطل صلاته، وهو رواية عن أحمد وإسحاق.

ومذهب أبي حنيفة: إن قاله ابتداء فليس بكلام، وإن قاله جواباً فهو كلام.

قال بعض أصحابنا: هذه الرواية عن أحمد بالبطلان، هي قول أبي حنيفة ومحمد، أنه يبطل الصلاة، فكل ذكر يأتي به المصلي في غير موضعه، إلاّ في تنبيه المأموم على سهوه، وتنبيه المار بين يده ليرجع.

وكذلك الخلاف إذا بشر بما يسره، فقال: ( ( الحمد لله) ) ، أو بما يسوؤه، فقال: ( ( إنا لله وإنا إليه راجعون) ) ، أو عطس، فحمد الله، أو فتح على غير إمامه، أو خاطب إنسانا بشيء من القرآن قاصداً للقراءة والتنبيه.

وأصح الروايتين عن أحمد: أن الصلاة لا تبطل بذلك، كقول جمهور العلماء.

وفي ( ( الصحيحين) ) ، عن عائشة، أن أسماء أختها لما سالتها وهي تصلي صلاة الكسوف، فأشارت برأسها إلى السماء، وقالت: ( ( سبحان الله) ) .

واحتج أحمد بما ذكره عن علي، أنه كان في صلاة الفجر، فمر بعض الخوارج، فناداه: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] ، فأجابه علي وهو في صلاته: { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:60] .

وروي عن ابن مسعود، أنه استأذن عليه رجل وهو يصلي، فقال: { ادْخُلُوا مِصْرَ إن شاء اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] .

وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يفعله.

وخرج الإمام أحمد من حديث علي، قال: كانت لي ساعة من السحر أدخل على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن كان في صلاة سبح، فكان إذنه لي.

ومن حديث أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( إذن الرجل إذا كان في صلاة أن يسبح، وإذن المرأة أن تصفق) ) .
وقد روي، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أن رجلاً عطس وراءه في الصلاة، فحمد الله، فأخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما قضى صلاته بابتدار الملائكة لها، وكتابتها.

وقد خرجه أبو داود والترمذي والنسائي، من حديث رفاعة بن رافع.

وخرجه أبو داود – أيضا – من حديث عامر بن ربيعة – بمعناه.

وحكى الترمذي عن بعض أهل العلم، أنهم حملوا ذلك على التطوع، وقالوا: في المكتوبة يحمد الله في نفسه.

وهذا التفريق، هو قول مكحول، ورواية عن أحمد.

وقولهم: ( ( يحمد الله في نفسه) ) ، ويحتمل أنهم أرادوا أنه يحمده بقلبه ولا يتلفظ به، ويحتمل أنهم أرادوا انه لا يجهر به.

وكذا قال النخعي: في الرجل يعطس في الصلاة: يحمد الله، ولا يجهر.

وقال الحسن: يحمد الله في المكتوبة وغيرها.

وكذا نقله حرب، عن إسحاق.
وروى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: سمعت ابا طلحة: سمعت ابن عمر يقول في العاطس في الصلاة: يجهر بالحمد.

وأما تخصيص البخاري جواز التسبيح والحمد في الصلاة للرجال؛ فلأن المرأة تخالف الرجل في التسبيح للتنبيه، وإنما تنبه بالتصفيح، كما ياتي ذكره، فلا يشرع لها التسبيح والتحميد في غير ذَلِكَ – أيضا.

لكن حكمها حكم الرجل في القول بالإبطال وعدمه، وإنما يختلفان في الكراهة؛ فإن المرأة لايشرع لها رفع صوتها في الصَّلاة بقرآن ولا ذكر.