فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى

باب
إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى؛ لقول النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( هذا عيدنا أهل الإسلام) ) .

وأمر أنس بن مالك مولاهم ابن أبي عتبة بالزاوية، فجمع أهله وبنيه، فصلى بهم كصلاة أهل المصر وتكبيرهم.

وقال عكرمة: أهل السواد يجتمعون في العيد، يصلون ركعتين، كما يصنع الإمام 0
وكان عطاء إذا فاته العيد صلى ركعتين.

ذكر البخاري في هذا الباب مسائل.

أحدها:
من فاته صلاة العيد مع الإمام من أهل المصر، فإنه يصلي ركعتين.

وحكاه عن عطاء.

وحكي - أيضا - عن أبي حنيفة والحسن وابن سيرين ومجاهد وعكرمة والنخعي، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد - في رواية، عنه.

ثم اختلفوا: هل يصلي ركعتين بتكبيركتكبيرالإمام، أم يصلي بغير تكبير؟ فقالَ الحسن والنخعي ومالك والشافعي وأحمد –في رواية -: يصلي بتكبير، كما يصلي الإمام.

واستدلوا بالمروي عن أنس، وأنس لم يفته في المصر بل كان ساكناً خارجاً من المصر بعيداً منه، فهوفي حكم أهل القرى.

وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد –في رواية عنه.

والقول بانه يصلي كما يصلي الإمام قول أبي حنيفة وأبي بكر بن أبي شيبة، حتى قالَ: لايكبر إلا كما يكبر الإمام، لا يزيد عليه ولا ينقص.

وكذا قاله الإمام أحمد –في رواية أبي طالب.

وعن ابن سيرين، قال: كانوا يستحبون إذا فات الرجل العيدان أن يمضي إلى الجبان، فيصنع كما يصنع الإمام.

وقال أحمد –في رواية الأثرم -: أن صليت ذهب إلى الجبان فصلى، وإن شاء صلى مكانه.

وقال - في رواية إسماعيل بن سعيد -: إذا صلى وحده لم يجهربالقراءة، وإن جهر جاز.

وهذا عنده حكم المصلي الصلاة الجهرية مفرداً، فلو صلاها في جماعة جهر بها بغير إشكال، كما فعله الليث بن سعد.

وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الإمام لايجهر بالقرأة في صلاة العيدين إلا بمقدار ما يسمع من يليه، روي ذلك عن علي، وهو قول الحسن والنخعي والثوري.

وذكر الحسن، عن أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر كانوا يسمعون القراءة في العيدين والجمعة من يليهم.

خرجه المروزي في ( ( كتاب العيدين) ) .

وهو قول الثوري في الجمعة والعيدين جميعاً.

وقال عطاء والأوزاعي وأحمد –في الرواية الأخرى -: يصلي من فاته العيد ركعتين بغير تكبير.

هذه الرواية، حكاها أبو بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب ( ( الشافي) ) .

وقال أحمد: إنما التكبير مع الجماعة.

وجعله أبو بكر عبد العزيز كالتكبير خلف المكتوبة في أيام التشريق.

وروى حنبل، عن أحمد، أنه مخير، إن شاء صلى بتكبير، وإن شاء صلى بغير تكبير.

وقالت طائفة: من فاتته صلاة العيد مع الإمام صلى أربع ركعات.

روي ذلك عن ابن مسعود من غير وجه.

وسوى ابن مسعود بين من فاتته الجمعة، ومن فاته العيد، فقال - في كل منهما -: يصلي أربعاً.

واحتج به الإمام أحمد.

ولا عبرة بتضعيف ابن المنذر له؛ فإنه روي بأسانيد صحيحة.
وهذا قول الشعبي والثوري وأحمد –في رواية أخرى، عنه -، وهي اختيار أبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا، بناءً على اختيارهم اشتراط الجماعة للعيد والاستيطان، ويكون الأربع عيداً.

نص عليه أحمد في رواية الميموني.

وهذا يشبه قول ابن شاقلا: إن أدرك تشهد الجمعة يصلي أربعاً، وهي جمعة له، كما سبق ذلك.

وعلى هذا، فيصلي وحده من غير جماعة، نص عليه أحمد في رواية محمد بن
الحكم، وكذا ذكره أبو بكر عبد العزيز.

وإنما يصلي في جماعة إذا قلنا: يصلي صلاة العيد على صفتها.

وهل يصلي الأربع بسلام واحد، أو يخير بين ذلك وبين صلاتها بسلامين؟
فيهِ عن أحمد روايتان.

واختار أبو بكر صلاتها بسلام واحد، تشبيهاً لصلاتها بصلاة من تفوته الجمعة.

وعن أحمد: يخير بين أن يصلي ركعتين أو أربعاً.

وهذا مذهب الثوري الذي حكاه أصحابه، عنه.

واستدل أحمد، بأنه روي عن أنس، أنه صلى ركعتين، وعن ابن مسعود أنه صلى أربعاً.

وكذلك روي عن علي، أنه أمر من يصلي بضعفة الناس في المسجد أربعاً، ولا يخطب بهم.

وروي أحمد بن القاسم، عن أحمد الجمع بين فعل أنس وقول ابن مسعود على وجه آخر، وهو: إن صلى من فاته العيد جماعة صلى كصلاة الإمام ركعتين، كما فعل أنس، وإن صلى وحده صلى أربعاً، كما قال ابن مسعود.

وقال إسحاق: إن صلاها في بيته صلاها أربعاً كالظهر، وإن صلاها في المصلى صلاها ركعتين بالتكبير؛ لأن علياً أمر الذي يصلي بضعفة الناس في المسجد أن يصلي
أربعا، ركعتين مكان صلاة العيد، وركعتين مكان خروجهم إلى الجبان، كذا رواه حنش بن المعتمر عن علي.

واعلم؛ أن الاختلاف في هذه المسألة ينبني على أصل، وهو: أن صلاة العيد: هل يشترط لها العدد والاستيطان وإذن الإمام؟
فيهِ قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد.

وأكثر العلماء، على أنه لايشترط لها ذَلِكَ، وهو قول مالك والشافعي.

ومذهب أبي حنيفة وإسحاق: أنه يشترط لها ذلك.

فعلى قول الأولين: يصليها المنفرد لنفسه في السفر والحضر والمرأة والعبد ومن
فاتته، جماعة وفرادى.

لكن لا يخطب لها خطبة الإمام؛ لأن فيهِ افتئاتاً عليهِ، وتفريقاً للكلمة.

وعلى قول الآخرين: لايصليها إلا الإمام أو من أذن لهُ، ولا تصلى إلا كما تصلى الجمعة، ومن فاتته، فإنه لايقضيها على صفتها، كما لايقضي الجمعة على صفتها.

ثم اختلفوا:
فقال أبو حنيفة وأصحابه: لاتقضى بالكلية، بل تسقط، ولا يصلي من فاتته مع الإمام عيدا أصلا، وإنما يصلي تطوعاً مطلقاً، إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى
أربعاً.

وقال أحمد وإسحاق: بل تقضى كما قال ابن مسعود وغيره من الصحابة.

وليست العيد كالجمعة؛ ولهذا يصليها الإمام والناس معه إذا لم يعلموا بالعيد إلا من آخر النهار من غد يوم الفطر، والجمعة لا تقضى بعد خروج وقتها، ولأن الخطبة ليست شرطاً لها، فهي كسائر الصلوات، بخلاف الجمعة.

والذين قالوا: تقضى إذا فاتت مع الإمام، لم يختلفوا أنها تقضى ما دام وقتها باقياً 0
فإن خرج وقتها، فهل تقضى؟
قالَ مالك: لاتقضى.

وعن الشافعي قولان.

والمشهور عندنا: إنما تقضى.

وخرجوا فيها رواية اخرى: أنها لاتقضى.

وأصل ذلك: أن السنن الرواتب: هل تقضى في غير وقتها، أم لا؟
وفيه قولان، وروايتان عن أحمد؛ فإن فرض العيد يسقط بفعل الإمام، فيصير في حق من فاتته سنة.

ولو أدرك الإمام وقد صلى وهو يخطب للعيد ففيه أقوال:
أحدها: أنه يجلس فيسمع الخطبة، ثم إذا فرغ الإمام صلى قضاءً، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي ثور، ونص عليه أحمد –أيضا.
والثاني: أنه يصلي والإمام يخطب، كما يصلي الداخل في خطبة الجمعة والإمام يخطب، وهو قول الليث؛ لكن الليث صلى العيد بأصحابه والإمام يخطب.

وقال الشافعية: إن كانَ الإمام يخطب في المصلى، جلس واستمع؛ لأنه مالم يفرغ من الخطبة فهو في شعار اقامة العيد، فيتابع فيما بقي منه، ولا يشغل عنه بالصلاة، وإن كان يخطب في المسجد؛ فإنه يصلي قبل أن يجلس.

ثم لهم وجهان:
أحدهما: يصلي تحية المسجد، كالداخل يوم الجمعة، وهو قول بعض أصحابنا –أيضا.

والثاني: يصلي العيد؛ لأنها آكد، وتدخل التحية ضمنا وتبعاً، كمن دخل المسجد يوم الجمعة وعليه صلاة الفجر؛ فإنه يقضيها وتدخل التحية تبعاً.

ووجه قول الأوزاعي وأحمد: أن استماع الخطبة من كمال متابعة الإمام في هذا اليوم، فإذا فاتت الصَّلاة معه لم يفوت استماع الخطبة، وليس كذلك الداخل في خطبة الجمعة؛ لأن المقصود الاعظم الصلاة، وهي لاتفوت بالتحية.

المسألة الثانية:
صلاة النساء في بيوتهن في المصر، وكذلك المريض ونحوه.

وهذا مبني على أن صلاة العيد: هل يشترط لها العدد والاستيطان وإذن الإمام، أم لا؟
فمن قالَ: لا يشترط ذَلِكَ جوز للمرأة أن تصلي صلاة العيد في بيتها على وجهها، وكذلك المريض، بل يجيز ذَلِكَ لكل من تخلف في بيته، أن يصلي كما يصلي الإمام، ولا سيما إن كانَ يقول مع ذَلِكَ أن صلاة العيدين سنة، كما يقوله الشافعي وغيره.

وقال الحسن – في المسافر يدركه الأضحى -: فإذا طلعت الشمس صلى ركعتين، ويضحي إن شاء.

وأما من يشترط لها العدد وإذن الإمام، فلا يرى لمن تخلف في بيته أن يصلي صلاة العيد على وجهها، بل يصلي ركعتين بغير تكبير –أو أربعاً -، على ما سبق.

قال الثوري وإسحاق –في النساء -: يصلين في بيوتهن أربعاً.

وعند أبي حنيفة وأصحابه: لاتقضي بحال، كما تقدم.

المسألة الثالثة:
أهل القرى: هل يصلون العيد في قراهم كما يصلي الإمام في المصر ونوابه في الأمصار؟
وقد حكى عن عكرمة، أنهم يصلونها كصلاة أهل الأمصار.

قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، في القوم يكونون في السواد في سفرتهم عيد فطر أو أضحى، قال: فيجتمعون، فيصلون، يؤمهم أحدهم.

وقد تقدم أن جمهور العلماء على أن الجمعة تقام في القرى، فالعيد أولى.

لكن من يشترط العدد لصلاة العيد، كأحمد –في رواية - وإسحاق، يقول: لابد أن يكون في القرية أربعون رجلا كالجمعة.

قال إسحاق: وإن لم يخطب بهم صلوا أربعا - أيضا - قال: وإذا لم تكن خطبة فليس بعيد.

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لاعيد إلا في مصر جامع، كقولهم في الجمعة.

ولا خلاف أنه يجب على أهل القرى والمسافرين، وإنما الخلاف في صحة فعلها منهم، والأكثرون على صحته وجوازه.

ويستدل لذلك بفعل أنس بن مالك؛ فإنه كانَ يسكن خارجا من البصرة على أميال منها.

فروى الإمام أحمد –فيما رواه عنه ابنه عبد الله في ( ( مسائله) ) -: ثناهشيم: أنا
عبيد الله بن أبي بكر، عن جده أنس بن مالك، أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الناس بالبصرة، وكان منزله بالطف جمع أهله وولده ومواليه، ثم يامر مولاه عبد الله بن أبي عتبة أن يصلي بهم.
قال: يكبر بهم تسع تكبيرات، خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين.

وروى محمد بن الحكم، عن أحمد –فيمن تفوته صلاة العيد -: يجمع أهله
وولده، كما فعل أنس، ويكبر تسع تكبيرات في الركعتين، ويوالي بين القراءتين.

وهذا يدل على أنه أخذ بجميع ما روي عن أنس فيمن تفوته صلاة العيد مع
الإمام، سواء كان لبعده عن الإمام أو لغير ذَلِكَ، وأنه يكبر تسع تكبيرات في الركعتين، ويوالي بين القراءتين.

وهذا خلاف مذهبه في تكبير الإمام ونوابه في الامصار، فإنه يرى أنهم يكبرون في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات.

وفي موالاته بين القراءتين روايتان عنه:
أشهرهما: أنه يكبر قبل القراءة في الركعتين.

والثانية: أنه يوالي بينهما.
واختارها أبو بكر بن جعفر.

فأما التكبير في الاولى سبعاً وفي الثانية خمساً، وهو قول جمهور العلماء، وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، عن عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير ومجاهد والزهري، وقال: مضت السنة به.

وحكاه ابن أبي الزناد عن فقهاء المدينة السبعة.

وهو قول مكحول وربيعة والليث والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود.

وأكثر أهل الحديث، منهم: ابن المديني وابن أبي شيبة وأبو خثيمة وسليمان بن داود الهاشمي وغيرهم.

ولكن اختلفوا: هل يكبر في الأولى سبعاً غير تكبيرة افتتاح الصلاة، أم بها؟
فقالَ مالك وأحمد: يحسب منها تكبيرة الافتتاح.

وروي ذلك عن ابن عباس صريحاً.

وقال الشافعي: لا يحسب منها.

وعن الليث والأوزاعي قولان، كالمذهبين.

وقالت طائفة: يكبر في الأولى خمساً بتكبيرة الافتتاح، وفي الثانية أربعاً بعد
القراءة، بتكبيرة الركوع.

روى ذلك عن ابن مسعود وإسحاق، وهو قول سفيان وأهل الكوفة.

وروي عن ابن عباس –في رواية عنه.

وفي عدد التكبير أقوال متعددة للسلف، فيه احاديث مرفوعة معددة - أيضا -، لم يخرج منها البخاري شيئاً، وليس منها على شرطه شيء.

وقد روى هارون بن عبد الله، عن أحمد، أنه قالَ: ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ذكره الخلال.

وروى حرب، عن أحمد قريباً من ذلك.

قال حرب: وسألت ابن المديني: هل صح فيه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالَ: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: ويروى عن أبي هريرة –من قوله - صحيح.
انتهى.

وحكى الترمذي في ( ( علله) ) ، عن البخاري، أنه صحح هذا الحديث.

وقال أحمد –في رواية -: أنا اذهب إليه.

وقد خرجه في ( ( المسند) ) وأبو داود وابن ماجة بألفاظ مختلفة، ومعناها واحد: أن التكبير في الأولى سبع، وفي الثانية خمس.

وفي رواية أحمد وأبي داود: أن القراءة بعدهما.

وقد استوفينا الأحاديث في ذَلِكَ، والكلام عليها في ( ( شرح الترمذي) ) بحمد
الله ومنه.

ونقل الميموني، عن أحمد، قال: التكبير في العيدين سبعاً في الأولى وخمساً، وقد اختلف أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في التكبير، وكله جائز.

وهذا نص منه على أنه يجوز التكبير على كل صفة رويت عن الصحابة من غير كراهة، وإن كانَ الافضل عنده سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية.

ورجح هذا ابن عبد البر، وجعله من الاختلاف المباح، كأنواع الأذان والتشهدات ونحوها.

ثم خرج البخاري في هذا الباب:
[ قــ :958 ... غــ :987 ]
- حديث عائشة في الجاريتين اللتين كانتا عندها تدففان وتغنيان.

وقد ذكرنا لفظه في ( ( باب: سنة العيدين لأهل الإسلام) ) إلى قوله: ( ( دعهما يا أبا بكر؛ فإنها أيام عيد) ) وتلك الأيام أيام منى.

وزاد فيه:


[ قــ :958 ... غــ :988 ]
- وقالت عائشة: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة، وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر، فقال النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( دعهم، أمنا بني أرفدة) ) –يعني: من الأمن.

خرجه عن يحيى بن بكير، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

ولكن؛ ليس فيهِ اللفظ الذي احتج به في أول الباب، وهو قوله: ( ( هذا عيدنا أهل الإسلام) ) ، إنما خرجه بهذا اللفظ في ( ( باب: سنة العيدين) ) كما تقدم.

وليس فيه لفظة: ( ( أهل الإسلام) ) ، ولم أجده بهذه الزيادة في شيء من الكتب الستة، وإنما تعرف هذه اللفظة في حديث عقبة بن عامر، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( يوم عرفة، ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام) ) .

ووجه الاستدلال به على ما بوب عليه البخاري: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل العيد عاما لأهل الإسلام كلهم، فدل على أنهم يشتركون فيمايشرع فيه جميعهم، رجالهم
ونساؤهم، أهل أمصارهم، وأهل قراهم فتكون صلاة العيد مشروعة لجميعهم من غير تخصيص لأحد منهم.

والمنازع في ذلك قد يقول: أنا لا أمنع ذلك، ولا أن يشهد العيد جميع المسلمين إذا صلاها الإمام أو نائبه في المصلى، فأما الإنفراد بصلاتها لآحاد الناس في بيوتهم، فهذا لم ينقل عن أحد من السلف فعله، ولو كان مشروعاً لما تركوه، ولو فعلوه لنقل.
وأيضا؛ فمما يدل عَلَى أن الاستيطان يعتبر لها: أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يفعلها قط فِي اسفاره مَعَ كثرة أسفاره، وقد ادركه عيد النحر بمنى، وأدركه عيد الفطر فِي غزوة الفتح وَهُوَ مسافر، ولم ينقل أنهُ صلى العيدين فِي شيء من أسفاره، ولو فعل ذَلِكَ لما أهمل
نقله؛ لتوفر الدواعي على نقله، وكثرة الحاجة إليه.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم.

وأيضا؛ فالحديث إنما ورد في ايام منى، وظاهره: أنها أيام التشريق.

ولو قيل: إن يوم النحر يدخل فيها، فلا يلزم من كونها عيداً للمسلمين جميعاً أن يشترك المسلمون جميعهم في كل ما يشرع فيها؛ فإنه يشرع فيها للحاج ما لا يشرع لغيرهم من أهل الأمصار، فلا يمتنع أن يشرع لأهل الأمصار الاجتماع على مالا يشرع لغيرهم بإنفرادهم، كالنساء والمسافرين.
والله - سبحانه وتعالى - أعلم.