فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب القراءة في العشاء بالسجدة

باب
القراءة في العشاء بالسجدة
[ قــ :747 ... غــ :768 ]
- حدثنا مسدد: ثنا يزيد بن زريع: ثنا التيمي، عن بكر، عن أبي رافع، قالَ: صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد.
فقلت:
ما هذه؟ قالَ: سجدت بها خلف أبي القاسم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه.

قد ذكرنا أن هذا الحديث إنما فيهِ التصريح بالسجود في صلاة العشاء عن أبي هريرة، وليس فيهِ تصريح برفع ذَلِكَ إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسيأتي في موضع آخر - إن شاء الله تعالى - قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فجر يوم الجمعة بـ { الم تَنْزِيل} ( السجدة) .

والظاهر: أنه كانَ يسجد فيها، ولو لم يكن يسجد فيها لنقل إخلاله بالسجود فيها، فإنه يكون مخالفا لسنته المعروفة في السجود فيها، ولم يكن يهمل نقل ذَلِكَ، فإن هذه السورة تسمى سورة السجدة، وهذا يدل على أن السجود فيها مما استقر عليهِ العمل به عندَ الأمة.

وجمهور العلماء على أن الإمام لا يكره لهُ قراءة سجدة في صلاة الجهر، ولا السجود لها فيها، وروى ذَلِكَ عن ابن عمر وأبي هريرة، وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما.

واختلف فيهِ عن مالك، فروي عنه كراهته، وروي عنه أنه قالَ: لا بأس به إذا لم يخف أن يغلط على من خلفه صلاته.

وكأنه يشير إلى أنه إذا كثر الجمع وأدى السجود إلى تغليط من بعد عن الإمام؛ لضنّه أنه يكبر للركوع فركع.

وأما قراءة الإمام في صلاة السر سورة فيها سجدة، فاختلفوا في ذَلِكَ:
فكرهه كثير من العلماء، منهم: مالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد.

وعللوا الكراهة بتغليط المأمومين، وأنه ربما اعتقدوا أنه سها في صلاته فيتخلف بعضهم عن متابعته وتختبط صلاتهم.

ثم اختلفوا فيما إذا قرأها: هل يسجد، أم لا؟
فقالَ: أكثرهم: يسجد، وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة.

والسجود عندَ مالك مستحب، وعندهما واجب؛ بناء على أصلهما في وجوب سجود التلاوة.

وقالوا: متى سجد لزم المأمومين متابعته في السجود.

وقال أحمد وأصحابه: يكره أن يسجد، فإن فعل لم يلزم المأموم متابعته، بل يخير في ذَلِكَ؛ لأن إمامه فعل مكروها لا يبطل صلاته، فخير في متابعته وترك متابعته.

وكذا قالَ الثوري في إمامٍ سجد، يظن أنه قرأ سجدة فسجد فيها: لا يتبعه من خلفه.

وقالت طائفة: لا يكره قراءة السجدة في صلاة السر ولا السجود لها، وعلى المأموم متابعته، وهو قول الشافعي وإسحاق.

ومن الشافعية من قالَ: يستحب تأخير السجود لها حتى يفرغ من الصلاة، فيسجد حينئذ للتلاوة.

واستدلوا بما روى سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر، فرأى أصحابه أنه قرأ { تَنْزِيلُ} [السجدة] .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود.

ولم يسمعه التيمي عن أبي مجلز.

قالَ الدارقطني: وقيل: عنه، عن أبي أمية، عن أبي مجلز.
قالَ: ويشبه أن يكون: عبد الكريم أبو أمية.
وكذا قاله إبراهيم بن عرعرة.
وقال في موضع آخر: أمية مجهول.

وذكر البيهقي أنه قيل فيهِ: ( ( مية) ) - أيضاً - بغير ألف.

وروى بهذا الإسناد عن أبي مجلز مرسلا.

قالَ الإمام أحمد في هذا الحديث: ليس لهُ إسناد.
وقال - أيضاً -: لم يسمعه سليمان من أبي مجلز، وبعضهم لا يقول فيهِ: عن ابن عمر - يعني: جعله مرسلا.

وخرج أبو يعلى الموصلي في ( ( مسنده) ) من طريق يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن أبي إسحاق، عن البراء، قالَ: سجدنا مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الظهر، فظننا أنه قرأ
{ تَنْزِيلُ} [السجدة] .

ويحيى هذا ضعيف جداً.