فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب فضل صلاة الفجر في جماعة

بَابُ
فَضْلِ صَلاةِ الفَجْرِ فِي جَمَاعَةِ
فِيهِ ثَلاَثَة أحاديث:
الأول:
[ قــ :630 ... غــ :648 ]
- حَدَّثَنَا أبو ايمان: أنا شعيب، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: أخبرني سَعِيد بْن المُسَيِّب وأبو سَلَمَة بْن عَبْد الرحمان، أن أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول:
( ( تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءاً، وتجمتع ملائكة النهار فِي صلاة الفجر) ) .
ثُمَّ يَقُول أبو هُرَيْرَةَ: فاقرءوا إن شئتم: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78] .



[ قــ :630 ... غــ :649 ]
- قَالَ شعيب: وحدثني نَافِع عَن عَبْد الله بْن عُمَر، قَالَ: تفضلها بسبعٍ وعشرين درجةً.

قَدْ سبق فِي الباب الماضي أول حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، بلفظ آخر، وبقية الحَدِيْث قَدْ ذكرناه فيما تقدم فِي ( ( بَاب: فضل صلاة العصر) ) ، وذكرنا قول من قَالَ: إن هَذَا الفضل - وَهُوَ اجتماع الملائكة فِي صلاة الفجر، وفي الحَدِيْث الآخر: وفي صلاة العصر - يختص بالجماعات، كما أشار إِلَيْهِ البخاري هاهنا، وَهُوَ الَّذِي رجحه ابن عَبْد البر وغيره.

ويشهد لَهُ: مَا رواه أبو نعيم فِي ( ( كِتَاب الصلاة) ) لَهُ: حَدَّثَنَا هِشَام بْن سعد: ثنا صالح بْن جبير الأزدي، عَن رَجُل من أهل الشام، قَالَ: صليت وراء معاذ ابن جبل الصبح، فلما انصرف قَالَ: إن هذه الصلاة مقبولة مشهودةٌ، يحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار، ويطلع الله فيها عَلَى عباده فيغفر لهم، فارغبوا فيها، واشهدوها، واحضروها.

وحديث ابن عُمَر تقدم فِي الباب الماضي، عَنْهُ مرفوعاً، مَعَ الكلام عَلِيهِ.

الحَدِيْث الثاني:
قَالَ:


[ قــ :631 ... غــ :650 ]
- حَدَّثَنَا عُمَر بْن حفص: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا الأعمش، قَالَ: سَمِعْت سالماً، قَالَ: سَمِعْت أم الدرداء تَقُول: دَخَلَ عَلِيّ أبو الدرداء وَهُوَ مغضب، فَقُلْت: مَا أغضبك؟ فَقَالَ: والله مَا أعرف من أمر مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً، إلا أنهم يصلون جميعاً.

وليس فِي هَذَا الحَدِيْث ذكر للجماعة فِي صلاة الفجر بخصوصها، وإنما فِيهِ أن الصلاة فِي الجماعة من أمر مُحَمَّد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودينه وسرعه، فهو كقول ابن مسعودٍ: إن الله شرع لنبيه سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى.
وقد تقدم ذكره.

وفي رِوَايَة للأمام أحمد فِي هَذَا الحَدِيْث: ( ( إلا الصلاة) ) .
وهذا بخلاف قَوْلِ أَنَس: مَا أعرف شيئاً مِمَّا كَانَ عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قيل الصلاة؟ قَالَ: أليس قَدْ صنعتم ما صنعتم فيها؟
وقد خرجه البخاري فِي موضع آخر.

وخرجه - أيضاً - بلفظ آخر، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ - وَهُوَ يبكي -: لا أعرف شيئاً مِمَّا أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قَدْ ضيعت.

وأشار أَنَس إلى مَا أحدثه بنو أمية من تضييع مواقيت الصلاة، وكان أبو الدرداء قَدْ توفى قَبْلَ ذَلِكَ فِي زمن معاوية.

يبين هَذَا: مَا خرجه الإمام أحمد من رِوَايَة ثابت، عَن أَنَس، قَالَ: مَا أعرف فيكم اليوم شيئاً كُنْتُ أعهده عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ليس قولكم: لا إله إلا الله.
قُلتُ: يَا أَبَا حَمْزَة الصلاة؟ قَالَ: قَدْ صليتم حِينَ تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
وفي رِوَايَة للأمام أحمد من حَدِيْث عُثْمَان بْن سعد، عَن أَنَس، قَالَ: أو ليس قَدْ علمت مَا قَدْ صنع الحجاج فِي الصلاة؟!
وكان هَذَا الإنكار عَلَى الأمراء، كما رَوَى أبو إِسْحَاق، عَن معاوية بْن قرة، قَالَ: دخلت أنا ونفر معي عَلَى أنس بْن مَالِك، فَقَالَ: مَا أمراؤكم هؤلاء عَلَى شيء مِمَّا كَانَ عَلِيهِ مُحَمَّد وأصحابه، إلا أنهم يزعمون أنهم يصلون ويصومون رمضان.
الحَدِيْث الثالث:


[ قــ :63 ... غــ :651 ]
- ثنا مُحَمَّد بْن العلاء: ثنا أبو أسامة، عَن بريد بْن عَبْد الله، عَن أَبِي بردة، عَن أَبِي موسى، قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أعظم النَّاس أجراً فِي الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حَتَّى يصليها مَعَ الإمام أعظم أجراً من الذي يصلي ثُمَّ ينام) ) .

وهذا الحَدِيْث - أيضاً - إنما يدل عَلَى فضل المشي إلى المسجد من المكان البعيد، وأن الأجر يكثر ويعظم بحسب بعد المكان عَن المسجد، وعلى فضل السبق إلى المسجد فِي أول الوقت، وانتظار الصلاة فِيهِ مَعَ الإمام.

وقد ذكرنا فيما سبق: أن هَذَا كله مِمَّا تضاعف بِهِ الصلاة فِي الجماعة، وتزداد بِهِ عَلَى صلاة الفذ فضلاً وأجراً عِنْدَ الله - عز وجل -، وليس يختص ذَلِكَ بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات.