فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء

باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء
وقال أيوب بن سليمان: حدثني أبو بكر بن أبي اويس، عن سلمان بن بلال: قال يحيى بن سعيد: سمعت أنس بن مالك، قال: أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يديه [يدعو] ، ورفع الناس أيديهم مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعون.
قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فاتى الرجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشق المسافر، ومنع الطريق.

وقال الأويسي: حدثني محمد بن جعفر، عن يحيى بن سعيد وشريك، سمعا أنساً، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه.
هكذا ذكر البخاري تعليقاً.
وخرجه البيهقي من رواية أبي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الترمذي: نا أيوب بن سليمان بن بلال –فذكره، إلا أنه قال في آخره: ( ( لثق المسافر، ومنع الطريق) ) .
كذا قرأته بخط البيهقي، وقد ضبب على لفظة ( ( لثق) ) بخطه، ووجدتها –أيضا - ( ( لثق) ) من رواية أبي إسماعيل الترمذي في غير كتاب البيهقي.
وأما الرواية التي في ( ( صحيح البخاري) ) هي ( ( بشق) ) –بالباء.
قال في ( ( المطالع) ) : كذا قيده الاصيلي، وذكر عن بعضهم أنه قال: ( ( بشق) ) –بكسر الباء – تأخر وحبس.
وقال غيره: ملَّ.
وقيل: ضعف.
وقيل: حبسَ.
وقيل: هو مشتق من ( ( الباشق) ) ، وهو طائر لا ينصرف إذا كثر المطر.
وسئل أبو محمد بن حزم الظاهري عن هذه اللفظة، فقال في جوابه: هي لفظة قد أعيتنا قديماً، وما رأيت من يعرفها.
ولقد أخبرني بعض إخواننا، أنه سأل عنها جماعة ممن نظن بهم علم مثل هذا، فما وجد فيه شيئاً، وأكثر ما وجدنا في هذه اللفظة ما ذكره صاحب ( ( العين) ) فقال: وأما ( ( بشق) ) ، فلو أشتق هذا الفعل من اسم ( ( الباشق) ) جاز، و ( ( الباشق) ) طائر، وهذا كلام لا يحصل منه على كثير فائدة.
وذكر أن السائل ذكر في سؤاله أنه قد قيل: إنه ( ( نشق) ) - بالنون -، وأن اللحياني ذكر في ( ( نوادره) ) أن معنى ( ( نشق) ) - بالنون -: كلَّ.
قال ابن حزم: ولقد كان هذا حسناً، إذا صح، لو وافق الرواية، وروايتنا بالباء.
انتهى ما ذكره.
والمنقول عن اللحياني في ( ( نوادره) ) ، أنه قال: قد نشق فلان في حبالي، ونشب، وعلق، واستورط، وارتبط، واستبرق واترنبق وانربق في معنى واحد.
وعن غيره، أنه قال: الصواب ( ( نشق) ) –بالنون - قال: وهو مشتق من النشقة، وهي العقدة التي تكون على يد البعير من الصيد، فكأنه قال: تقيد المسافر.
وقال الخطابي في ( ( الأعلام) ) : ( ( بشق) ) ليس بشيء إنما هو ( ( لثق) ) ، من اللثوق، وهو الوحل، لثق الطريق والثوب: إذا أصابه ندى المطر، وبكى الرجل حتى لثقت لحيته، أي: اخضلت، ويحتمل أن يكون ( ( مشق) ) ، أي: صار منزله زلقاً، ومنه مشق الخط، والميم والباء متقاربان.
انتهى ما ذكره.
والمقصود من هذا الحديث في هذا الباب: أن المأمومين يرفعون أيديهم إذا رفع الإمام يده، ويدعون معه.
وممن قال: إن الناس يدعون ويستسقون من الإمام: مالك وأحمد.
وقال أصحاب الشافعي: إن سمعوا دعاء الإمام أمنوا عليه، وإن لم يسمعوا دعوا.
وكذا قالوا في قنوت المأموم خلف الإمام.
وأما مذهب أحمد، فإن لم يسمع المأموم قنوت إمامه المشروع دعا.
وإن سمع، فهل يؤمن، أو يدعو، أو يخير بينهما، أو يتابعه في الثناء، ويؤمن على دعائه؟ حكي عنه فيهِ روايات.