فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته

باب
من تمطر [في المطر] حتَّى يتحار على لحيته
خرج فيهِ:
[ قــ :999 ... غــ :1033 ]
- حديث: الأوزاعي: نا إسحاق بن عبد الله: نا أنس، قالَ: أصاب الناس سنة على النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فذكر الحديث، وقد تقدم في ( ( كتاب الجمعة) ) بتمامه، وفيه:
ثُمَّ لم ينزل - يعني: النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن منبره حتَّى رأيت المطر يتحادر على لحيته.

خرجه من طريق ابن المبارك، عن الأوزاعي.

وفي الاستدال بهذا الحديث على التمطر نظر؛ فإن معنى التمطر: أن يقصد المستسقي أو غيره الوقوف في المطر يصيبه، ولم يعلم أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصد الوقوف في ذَلِكَ اليوم على منبره حتَّى يصيبه المطر، فلعله إنما وقف لإتما الخطبة خاصة.

وفي الاستمطار أحاديث أخر، ليست على شرط البخاري:
فخرج مسلم، من رواية جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قالَ - قالَ أنس -: أصابنا ونحن مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مطر، فحسر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثوبه، حتَّى أصابه من المطر، فقلنا: يارسول الله، لم صنعت هذا؟ قالَ ( ( لأنه حديث عهد بربه) ) .

وخرج ابن أبي االدنيا، من رواية الربيع بن صبيح، عن زيد الرقاشي، عن أنس، قالَ: كانَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يلقي ثيابه أول مطره، ويتمطر.

والرقاشي، ضعف جدا.

وروى بإسناده، عن جابر الجعفي، عن عبد الله بن نجي، قالَ: كانَ علي - رضي الله عنه - إذا مطرت السماء خرج فإذا أصاب صلعته الماء مسح رأسه ووجهه وجسده، وقال: ( ( بركة نزلت من السماء لم تمسها يد ولا سقاء) ) .

وبإسناده، عن عبد الله بن مؤمل، عن ابن أبي مليكة، قالَ: كانَ ابن عباس يتمطر، يقول: يا عكرمة، أخرج الرحل، أخرج كذا، أخرج كذا، حتَّى يصيبه
المطر.

وبإسناده، عن وكيع، عن أم غراب، عن نباتةة، قالَ: كانَ عثمان بن عفان يتمطر.

وبإسناده، عن أبي الأشعر، قالَ: رأيت أبا حكيم إذا كانت أول مطر تجرد، ويقول: إن عليا كانَ يفعله، ويقول، أنه حديث عهد بالعرش.

وهذا يدل على أن عليا كانَ يرى أن المطر ينزل من البحر الذي تحت العرش.

وحديث العباس بن عبد المطلب، عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذكر السحاب والمزن
والعنان، وبعد ما بين السماء والأرض، وبعد ما بين السموات بعضهما من بعض، وأن فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله، مثل ما بين سماء إلى سماء - شهد ذَلِكَ.

وقد خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم.

وقال: صحيح الإسناد.

وقال الترمذي: حسن غريب.

وكذلك قاله عكرمة وخالد بن معدان وغيرهما من السلف: أالمطر ينزل من تحت العرش.

وروي عن ابن عباس من وجوه ما يدل عليهِ.

وأما من قالَ: أن المطر كله من ماء البحر؛ فإنه ما لا علم لهُ به.

فإن استدل بإنه يشاهد اغتراف السحاب من البحر، فقد حكم حكما كليا بنظر جزئي، ومن أين لهُ أن كل السحاب كذلك؟
وقد خرج ابن أبي الدنيا بإسناده، عن خالد بن يزيد: منه من السماء، فلا ما يستقيه الغيم من البحر، فيعذبه الرعد والبرق، فإما ما يكون من البحر، فلا يكون لهُ نبات، وأما النبات فما كانَ من ماء السماء، وقال إن شئت أعذبت ماء البحر، فأمر بقلال من ماء، ثُمَّ وصف كيف يصنع حتَّى تعذب.

ونص الشافعي وأصحابنا على استحباب التمطر في أول مطرة تنزل من السماء في السنة.

وحديث أنس الذي خرجه البخاري إنما يدل على التمطر بالمطر النازل
بالاستسقاء، وإن لم يكن أول مطرة في تلك السنة.