فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب ميمنة المسجد والإمام

باب
مَيْمَنَةَ المَسْجِدِ واَلإِمامِ
[ قــ :707 ... غــ :728 ]
- حدثنا موسى: ثنا ثابتُ بنِ يزيدَ: ثنا عَاصِمٌ، عَن الشعبي، عَن ابن عبَّاسٍ، قالَ قُمتُ ليلةً أُصلِّي عَن يَسارِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأخذَِ بيدي - أو بعضُدي - حَتَّى أقامَني عَن يمينهِ، وقَالَ بيدهِ مِن ورائِي.

مرادُ البخاري بهذا الحديث في هَذا الباب: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حوَّل ابن عباس مِن عَن يساره إلى يمينه دلَّ على أن موقف المأمومِ عَن يمين الإمام، وأن جهةَ اليمين أشرفُ وأفضل فلذلك يكون موقفُ المأمومِ الواحدِ منها، فيُستدلُ بذلك على أن جهةَ يمين الإمام للمأمومين الذين يقومون خلف الإمام أشرف وأفضلُ مِن جهة يساره.

وقد ورد في هَذا أحاديثٌ مصرحةٌ بذلك:
فخرج ابن ماجه مِن رواية أسامةَ بنِ زيدٍ، عَن عثمان بنِ عروةَ، عَن عروةَ، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ( ( إنَّ الله وملائكتَه يصلُّون على ميامنِ الصفُوفِ) ) .

خرجه مِن رواية معاوية بنِ هشام، عَن سفيان، عَن اسامة، بهِ.

وذكر البيهقي: أنه تفرد به معاوية، عن سفيان.
قالَ: ولا أراه محفوظاً، وإنما المحفوظ بهذا الإسناد: ( ( إن الله وملائكته يصلُّون على الذين يصلون الصفوف) ) .

وخرج النسائيُّ وابن ماجه مِن حديث ثابت بنِ عبيدٍ، عَن ابن البراء بنِ عازب، عَن البراء، قالَ: كنَّا إذا صلينا خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما نحب - أو أحبُّ - أن نقوم عَن
يمينه.

وخرج ابن ماجه مِن رواية ليث بنِ أبي سُليمٍ، عَن نافعٍ، عَن ابن عمرَ قالَ: قيل للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن ميسرةَ المسجد تعطلت.
فقالت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( مِن عمَّر ميسرة المسجد كتب لَهُ كفلان مِن الأجر) ) .

وخرج البيهقي بإسناد فيهِ جهالةٌ، عَن أبي برزة، قالَ لي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إن استطعت أن تكون خلف الإمام، وإلا فعن يمينه) ) .
وقال: هكذا كانَ أبو بكر وعمرُ خلف النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وخرجه الطبراني - أيضاً - وخرج الطبراني والعقيلي وابن عدي مِن حديث ابن عباس مرفوعاً في فضل الوقوف بإزاء الإمام.

وخرجه أبو بكر بن أبي داود - أيضاً - من حديث أنس مرفوعاً.

وكلا الإسسنادين لا يصح.
وروي مرسلاً؛ رواه هشيمٌ، عَن داود بنِ أبي هندٍ أرسله إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وروى وكيع في ( ( كتابه) ) عَن إسرائيل، عَن الحجاج بنِ دينار، يرفعه إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ( ( فضل أهل ميمنة المسجد على أهل المسجد بضعٌ وعشرون درجةً) ) .

وعن سفيان، عَن ابن جريجٍ، عَن عطاء، عَن عبد الله بنِ عمرو، قالَ: أفضلُ المسجد ناحية المقام، ثُمَّ ميامنُه.

وعن الربيع، عَن الحسن، قالَ: أفضل الصفوف الصف المقدمُ، وأفضلهُ مما يلي الإمام.

وكأنه يريد: مقامَ الإمام.
والله أعلم وأكثر العلماء على تفضيل ميمنة الصفوف وخلف الإمام.

وأنكره مالكٌ.

ففي ( ( تهذيب المدونَّةِ) ) : ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوفُ قامَ حيث شاءَ، إن شاء خلف الإمام، وإن شاء عَن يمينه أو عَن يساره.
وتعجب مالك ممن قالَ: يمشي حتى يقف حذوَ الإمام.