فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب القراءة في العشاء

باب
القراءة في العشاء
[ قــ :748 ... غــ :769 ]
- حدثنا خلاد بن يحيى: ثنا مسعر: ثنا عدي بن ثابت: سمع البراء، قالَ: سمعت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العشاء بالتين والزيتون، وما سمعت أحداً أحسن صوتاً منه - أو قراءة.

هذا الحديث، رواه عن عدي بن ثابت: مسعر، ومن طريقه خرجه البخاري هاهنا.

وشعبة، وقد خرجه من حديثه فيما سبق.

ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقد خرجه من طريقه الترمذي وابن ماجه.

وفي أحاديثهم: أن ذَلِكَ كانَ في العشاء.

وخرجه الإمام أحمد، عن أبي خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، وقال في حديثه: ( ( المغرب) ) ، بدل: ( ( العشاء) ) .

رواه كذلك عبد الوهاب، عن شعبة.

خرجه من طريقه ابن أبي داود في ( ( كتاب الصلاة) ) .

وروى ذَلِكَ عن مسعر - أيضاً.

خرجه الإسماعيلي في ( ( جمعه حديث مسعر) ) .

وفي رواية خرجها الإسماعيلي - أيضاً -، عن البراء، قالَ: مشيت إلى مسجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة العشاء - فذكر الحديث.
وزاد في آخره: وكان في قراءته ترسيل، أو ترتيل.

وذكر المشي إلى المسجد غريب لا يثبت، وهو يوهم أنه كانَ بالمدينة، وترده رواية شعبة المتفق عليها في ( ( الصحيحين) ) : أن ذَلِكَ كانَ في سفر.

وهذا الحديث: يدل على القراءة في صلاة العشاء بقصار المفصل.

وقد بوب عليهِ أكثر من صنف في العلم، كالبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه: ( ( القراءة في العشاء) ) .
وظاهر كلامهم: يدل على أنه يستحب القراءة في العشاء بقصار المفصل، ولا يعلم قائل من الفقهاء يقول باستحباب ذَلِكَ مطلقاً.

وبوب عليهِ أبو داود: ( ( قصر القراءة في السفر) ) ، فحمله على الصلاة في السفر خاصة.

وروى عمرو بن ميمون، أنه سمع عمر يقرأ بمكة في العشاء بالتين والزيتون،
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} وهذا - أيضاً - كانَ في سفر.

وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على تقصير القراءة في السفر.

وقال أصحابنا: لا يكره تخفيف القراءة في الصبح وغيرها في السفر دون الحضر.

وقال إبراهيم النخعي: كانَ أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرءون في السفر بالسور القصار.
خرجه ابن أبي شيبة.
وخرج - أيضاً - بإسناده، عن عمرو بن ميمون، قالَ: صلى بنا عمر الفجر بذي الحليفة فقرأ: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} ، { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .

وبإسناده، عن ابن مسعود، أنه صلى بأصحابه الفجر في سفر، فقرأ بآخر بني إسرائيل: { الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} ، ثم ركع.

وروى حرب بإسناده، عن المعرور بن سويد، قالَ: حججت مع عمر، فقرأ بنا في صلاة الصبح بمكة { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} و { لإِيلافِ قُرَيْشٍ} .

ويروى عن أنس أنه كانَ يقرأ في السفر في الفجر بالعاديات وأشباهها.

وروي عن عقبة بن عامر، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى به الفجر في سفر، فقرأ بالمعوذتين.

خرجه وكيع في ( ( كتابه) ) بإسناد منقطع.

وخرجه الإمام أحمد بإسناد متصل، ولم يذكر السفر، لكن ذكر أنه كانَ يقود بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راحلته، ثم ذكر صلاته عقب ذَلِكَ، وهو دليل على السفر.

وخرجه أبو داود والنسائي مختصراً.
وكان الأولى أن يخرج في هذا الباب حديث جابر في أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ أن يقرأ في صلاة العشاء بـ: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، { وَاللَّيْلِ
إِذَا}
وقد خرجه البخاري فيما تقدم في ( ( أبواب: الإمامة) ) .

وفي رواية لهُ - أيضاً - أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره يقرأ سورتين من وسط المفصل.
وعلى هذا جمهور العلماء: أن المستحب أن يقرأ في صلاة العشاء سورتين من أواسط المفصل، وهو قول الشافعي وأحمد.

وقد سبق من حديث أبي هريرة وأنس ما يدل على ذَلِكَ - أيضاً.

وروى ابن لهعية، عن ابن أبي جعفر، عن خلاد بن السائب، عن أبي قتادة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ( ( لا يقرأ في الصبح دون عشرين آية، ولا في العشاء دون عشر آيات) ) .

خرجه أبو الشيخ الأصبهاني.

وهو غريب.

وقد روي عن عمر، أنه كتب إلى أبي موسى أن يقرأ في الفجر بوسط المفصل.

ذكره الترمذي - تعليقاً.

وذكر عن عثمان أنه كانَ يقرأ في العشاء بأوساط المفصل؛ مثل سورة المنافقين ونحوها.

وقد تقدم عن أبي هريرة، أنه قرأ فيها بـ { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وروى مثله عن عمر، وعن ابن مسعود، أنه قرأ في الركعة الأولى من العشاء من أول الأنفال إلى رأس الأربعين { وَنِعْمَ النَّصِيرُ} ثم ركع، ثم قام فقرأ بسورة من المفصل.

وقال النخعي وإسحاق: كانوا يعدلون الظهر في القراءة بالعشاء.

ومن قولهما: إن الظهر يقرأ فيها بنحو ثلاثين آية.

وقد سبق حديث في قراءة سورة الجمعة والمنافقين في صلاة العشاء، وأن من أهل الحديث من كانَ يعمل به حضراً وسفراً.

وروى حرب بإسناده، عن حبيب بن أبي ثابت، قالَ: كانوا يستحبون أن يقرءوا ليلة الجمعة سورة الجمعة، كي يعلم الناس أن الليلة ليلة الجمعة.

قالَ حرب: قلت لأحمد: فنقرأ ليلة الجمعة في العتمة بسورة الجمعة { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} -؟ قالَ: لا؛ لم يبلغني في هذا شيء.
وكأنه كره ذَلِكَ.

وروى الخلال من طريق الحسن بن حسان، قالَ: قلت لأحمد: فنقرأ في ليلة الجمعة بسورة الجمعة؟ قالَ: لا بأس، ما سمعنا بهذا شيئاً أعلمه، ولكن لا يدمن، ولا يجعله حتماً.