فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب فضل العشاء في الجماعة

بَابُ
فَضْلِ صلاةِ العشاءِ فِي الجَماعةِ
[ قــ :637 ... غــ :657 ]
- حَدَّثَنَا عُمَر بْن حفص، قَالَ: ثنا أَبِي، ثنا الأعمش: حَدَّثَنِي أبو
صالح، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( ليس صلاة أثقل عَلَى المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون مَا فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثُمَّ آمر رجلاً يؤم النَّاس، ثُمَّ آخذ شعلاً من نارٍ فأحرق عَلَى من لا يخرج إلى الصلاة وَهُوَ يقدر) ) .

قَدْ صرح الأعمش بسماع هَذَا الحَدِيْث من أَبِي صالح، وفي الغالب إنما يخرج البخاري من حَدِيْث الأعمش عَن أَبِي صالح ما صرح فِيهِ بالسماع، كهذا الحَدِيْث، والحديث الَّذِي خرجه قبله فِي فضل الجماعة.

والمراد بثقل هاتين الصلاتين عَلَى المنافقين: ثقل شهودهما فِي المساجد، وباقي الحَدِيْث يدل عَلَى ذَلِكَ.

ويدل عَلِيهِ - أيضا -: حَدِيْث أَبِي بْن كعب، قَالَ: صلى بنا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً الصبح، فَقَالَ: ( ( أشاهد فلان؟) ) قالوا: لا.
قَالَ: ( ( أشاهد فلان؟) ) قالوا: لا.
قَالَ: ( ( إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات عَلَى المنافقين، ولو تعلمون مَا فيهما لأتيتهموهما ولو حبواً عَلَى الركب) ) .

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان فِي
( ( صحيحهما) ) والحاكم.

وروى أبو داود الطيالسي: ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي حميد، عَن أَبِي عَبْد الله القراظ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لا يحافظ المنافق أربعين ليلةً عَلَى صلاة العشاء الآخرة فِي جماعة) ) .

مُحَمَّد بْن أَبِي حميد، فِيهِ ضَعِيف.

وفي ( ( المسند) ) عَن أَبِي بشر، عَن أَبِي عمير بْن أنس، عَن عمومة لَهُ من أصْحَاب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( لا يشهدهما منافق) ) - يعني: صلاة الصبح والعشاء.

قَالَ أبو بشر: يعني لا يواظب عَلَيْهِمَا.

وروى مَالِك من ( ( الموطإ) ) عَن عَبْد الرحمان بْن حرملة، عَن سَعِيد بْن
المُسَيِّب، أن رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( ( بيننا وبين المنافقين شهود صلاة العشاء والصبح، لا يستطيعونهما) ) - أو نحو هَذَا.

وخرج ابن خزيمة والحاكم بإسناد صحيح، عَن ابن عُمَر، قَالَ: كنا إذا فقدنا الإنسان فِي صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا بِهِ الظن.

وإنما ثقلت هاتان الصلاتان فِي المساجد عَلَى المنافقين أكثر من غيرهما من الصلوات لأن المنافين كما وصفهم الله فِي القرآن { إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النِّسَاء: 142] والمرائي إنما ينشط للعمل إذا رآه النَّاس، فإذا لَمْ يشاهدوه ثقل عَلِيهِ العمل.

وقد كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي هاتين الصلاتين فِي الظلام، فإنه كَانَ يغلس بالفجر غالباً ويؤخر العشاء الآخرة، ولم يكن فِي مسجده حينئذ مصباح، فَلَمْ يكن يحضر مَعَهُ هاتين الصلاتين إلا مؤمن يحتسب الأجر فِي شهودهما، فكان المنافقون يتخلفون عنهما ويظنون أن ذَلِكَ يخفى عَلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وأيضاً؛ فالمشي إلى المساجد فِي هذين الوقتين أشق؛ لما فِيهِ من المشي فِي الظلم؛ ولهذا ورد التبشير عَلَى ذَلِكَ، بالنور التام يوم القيامة من وجوه متعددة.

من أجودها: مَا خرجه أبو داود والترمذي من حَدِيْث بريدة، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( بشر المشائين فِي الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ) .

وَقَالَ إبراهيم النخعي: كانوا يرون أن المشي إلى الصلاة فِي الليلة الظلماء موجبة - يعني: توجب لصاحبها الجنة.

وفي ( ( صحيح مُسْلِم) ) عَن عُثْمَان، عَن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: ( ( من صلى العشاء فِي جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح فِي جماعة فكأنما صلى الليل كله) ) .

وخرجه أبو داود والترمذي، وعندهما: ( ( ومن صلى العشاء والفجر فِي جماعة، كَانَ لَهُ كقيام ليلة) ) .

وهذا يبين أن الرواية الَّتِيْ قبلها إنما أريد بِهَا صلاة الصبح مَعَ العشاء فِي الجماعة.

قَالَ الإمام أحمد فِي رِوَايَة المروذي: الأخبار فِي الفجر والعشاء - يعني فِي الجماعة - أوكد وأشد.

وروى وكيع فِي ( ( كتابه) ) بإسناده، عَن عُمَر، قَالَ: لأن أشهد الفجر والعشاء فِي جماعة أحب إلي من أن أحيي مَا بَيْنَهُمَا.

وعن أَبِي الدرداء، قَالَ: اسمعوا وبلغوا من خلفكم، حافظوا عَلَى العشاء والفجر، ولو تعلون مَا فيهما لأتيتموهما ولو حبواً.

وخرجه أبو نعيم الفضل بْن دكين - أيضاً.

وخرج بإسناده، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَوْ يعلم القاعدون مَا للمشائين إلى هاتين الصلاتين: صلاة العشاء الفجر لأتوهما ولو حبواً.

وروى مَالِك فِي ( ( الموطإ) ) بإسناده، عَن عُمَر، قَالَ: لأن أشهد صلاة الصبح - يعني: فِي جماعة - أحب إلي من أن أقوم ليلة.

وروى الحافظ أبو موسى بإسناده عَن عقبة بْن عَبْد الغافر، قَالَ: صلاة العشاء فِي جماعة تعدل حجة، وصلاة الفجر فِي جماعة تعدل عمرة.

ويروى بإسناده منقطع، عَن شداد بْن أوس، قَالَ: من أحب أن يجعله الله من الذين يدفع الله بهم العذاب عَن أهل الأرض فليحافظ عَلَى هاتين الصلاتين فِي جماعة: العشاء الآخرة والصبح.