فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب ما يجوز من العمل في الصلاة

باب
ما يجوز من العمل في الصلاة

فيه حديثان:
الأول:
[ قــ :1165 ... غــ :1209 ]
- نا عبد الله بن مسلمة: نا مالك، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كنت أمد رجلي في قبلة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهويصلي، فإذا سجد غمزني فرفعتها، فإذا قام مددتها.

قد تقدم هذا الحديث في غير موضع.

والمقصود منه هاهنا: أن غمز المصلي امرأته النائمة بين يديه في صلاته جائز.

وقد روي، أن غمزها كان برجله، وهذا عمل يسير في الصلاة؛ لحاجة إليه، وهو إخلاء موضع السجود؛ ليتمكن من السجود فيهِ.

وقد كانَ النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطيل السجود في صلاة الليل.

وقد تقدم ذكر ذلك كله.

وقولها: ( ( فإذا سجد غمزني) ) يدل على أنه كان يتكرر ذلك منه كلما سجد في كل ركعة، فكان يفعله في كل ركعة مرة عند سجوده، ولم تكن تمدها حتى يقوم إلى الركعة الأخرى، فما دام ساجداً او جالساً بين السجدتين فرجلاها مكفوفة، فإذا قام وقرأ في الركعة الأخرى مدت رجلها في قبلته حتى يسجد.




[ قــ :1166 ... غــ :110 ]
- نا محمود –هو: ابن غيلان -: نا شبابة: نا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه صلى صلاة، فقال: ((إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة، فامكنني الله منه، فذعته، ولقد هممت أن اوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان: { رَبِّ....
هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأحد مِنْ بَعْدِي}
[ص: 35] ، فرده الله خاسئاً.

معنى ((دعته)) : دفعته دفعاً عنيفاً، ومنه قول تعالى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] .

ويقال: ((دعته)) بالدال المهملة وبالذال المعجمة -: ذكره في ((الجمهرة)) .
وفي بعض نسخ ((كتاب الصحيح)) :
قال النضر بن شميل: ((فذعته)) – [بالذال] – أي: خنقته، [و ((فدعته)) ] من قول الله تعالى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ} [الطور: 13] أي: يدفعون، والصواب: ((فدعته)) ، إلا أنه كذا قال بتشديد العين والتاء.

وقال الخطابي: ((الذعت)) : شدة الخنق، ويقال: ذعت وسات إذا خنق، انتهى.
ويقال: لاتصح رواية من رواه ((دعته)) بالدال المهملة وتشديد الدال، فإنه لو كان من الدع كان أصله دعته، وتدغم العين في التاء.

وخرجه مسلم من طريق شعبة، بمعناه - أيضا.

وخرج الإمام أحمد بإسناد جيد، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام فصلى صلاة الصبح، فالتبست عليه القراءة، فلنا فرغ من الصلاة قال: (( [لو] رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين - الإبهام والتي تليها -، ولولا دعوة أخي سليمان، لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة)) .

وفي هذا الحديث من العلم: أن دفع المؤذي في الصلاة جائز، وإن لم يندفع إلا بعنف وشدة دفع جاز دفعه بذلك.

وقد سبق في دفع المار بين يدي المصلي، أنه ((إن أبى فليقاتله؛ فإنه شيطان)) .

وهذا إذا كانَ أذاه يختص بالصلاة كالمار، والشيطان الملهي عن الصَّلاة وكذلك إن كانَ أذاه لايختص بالصلاة كالحية والعقرب.
وروى يحيى بن أبي كثير، عن ضمضم بن جوس، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب.

خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.

وقال: حسن صحيح.

وضمضم هذا، يمامي، قال أحمد: ليس به بأس، ووثقه ابن معين والعجلي.

وأخذ أكثر العلماء بهذا الحديث، ورخصوا في قتل الحية والعقرب في الصلاة، منهم: ابن عمر، والحسن، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم.

وكرهه النخعي خاصة، ولعل السنة لم تبلغه في ذلك.
وقال سفيان: لابأس أن يقتل الرجل – يعني: في صلاته – الحية والعقرب والزنبور والبعوضة والبق والقمل، وكل ما يؤذيه.

وقد سبق القول في قتل القمل في الصلاة وفي المسجد في ((باب: دفن النخامة في المسجد)) وذكرنا هناك الاختلاف في كراهة قتل القمل في المسجد ودفنه فيه، وإلقائه
فيه.

ومذهب مالك: أنه يقتلها في صلاته، بل إن كان في غير المسجد ألقاها، وإن كان في المسجد لم يلقها فيه، ولم يقتلها.

وكذلك كره قتل القملة في الصلاة: الليث وأبو يوسف.

وقال الأوزاعي: تركه احب الي.

ولم يكرهه الحسن وأبو حنيفة ومحمد وإسحاق وأكثر أصحابنا.

وفي الحديث: دليل على إمكان ربط الشيطان وحبسه وإيثاقه، وعلى جواز ربطه في المسجد، كما يربط الأسير فيه، وعلى جواز رؤية غير الأنبياء للجن والشياطين، وتلاعب الصبيان بهم.

وأما قوله تعالى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 7] فإنه خرج على الأعم الأغلب، وليس المراد به نفي إمكان رؤيتهم.

وقد ظن بعض الناس، أنه دال على ذلك، فقال: من ادعى رؤيتهم [فسق] .
وقد رآهم أبو هريرة وغيره من الصحابة، وستأتي الأحاديث بذلك متفرقة في أماكنها – إن شاء الله تعالى.