فهرس الكتاب
فتح البارى لابن رجب - باب سنة الجلوس في التشهد
باب
سنة الجلوس في التشهد
وكانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل، وكانت فقيهة قال حرب الكرماني: نا عمرو بن عثمان: نا الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، أن أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة جلسة الرجل إلا إنها تميل على شقها الأيسر، وكانت فقيهةً.
وهذا قول مالك والاوزاعي والشافعي، وهو رواية عن النخعي وروى عن نافع، أن أبن عمر كان يأمر نساءه أن يتربعن في الصلاة وروي من وجه آخر عن صفية بنت أبي عبيد امرأة عمر، أنها كانت تتربع في الصلاة.
وقال زرعة بن إبراهيم، عن خالد بن اللجلاج، كن النساء يؤمرن بأن يتربعن إذا جلسن في الصلاة، ولا يجلسن جلوس الرجال على أوراكهن، يتقى ذلك عن المرأة، مخافة أن يكون الشيء منها.
خرّجه ابن أبي شيبة.
وقال الإمام أحمد: تتربع في جلوسها أو تسدل رجليها عن يمينها، والسدل عنده أفضل.
وهو قول النخعي والثوري وإسحاق؛ لأنه أشبه بجلسة الرجل، وأبلغ في الاجتماع والضم.
وحمل بعض أصحابنا فعل أم الدرداء على مثل ذلك، وأما الإمام أحمد فصرّح بأنه لا يذهب إلى فعل أم الدرداء.
وروى سعيد بن منصور بإسناده، عن عبد الرحمن بن القاسم، قال كانت عائشة تجلس في الصلاة عن عرقيها وتضم فخذيها، وربما جلست متربعة.
وقال الشعبي: تجلس كما تيسر عليها وقال قتادة: تجلس كما ترى أنه أستر.
وقال عطاء: لا يضرها أي ذلك جلست، إذا اجتمعت.
قال: وجلوسها على شقها الأيسر أحب إلى من الأيمن وقال حماد: تفعل كيف شاءت خرج فيه حديثين:
الحديث الأول:
[ قــ :805 ... غــ :827 ]
- ثنا عبد الله بم مسلمة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم عن
عبد الله بن عبد الله، أنه اخبره أنه كان يرى ابن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس ففعلته وأنا يومئذ حديث السن، فنهاني عبد الله بن عمر، وقال: إنما سنة الصلاةُ أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقالَ أن رجلي لا
تحملاني.
وخرّجه النسائي من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن
عبد الله بن عمر عن أبيه قال: من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى وفي رواية – أيضاً - بهذا إسناد: من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى.
وهذا حكمه حكم المرفوع؛ لقوله: ( ( من سنة الصَّلاة) ) وقد رواه مالك عن يحيى بن سعيد فجعله عن ابن عمر من فعله ولم يذكر: السنة خرّجه أبو داود وذكر فيه الجلوس على وركه الأيسر وسيأتي لفظه فيما بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وظاهر الروايات التي قبل هذه: إنما تدل على الافتراش لا على التورك ورواية النسائي صريحة بذلك.
[ قــ :806 ... غــ :88 ]
- ثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء -.
وثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً في نفر من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرنا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأيته إذا كّبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته.
وسمع الليث بن يزيد بن أبي حبيب ويزيد من محمد بن حلحلة وابن حلحلة من ابن عطاء وقال أبو صالح، عن الليث: كل فقار وقال ابن المبارك عن يحيى بن أيوب حدثني يزيد بن أبي حبيب أن محمد بن عمرو بن حلحلة حدثه: كل فقار مقصود البخاري بما ذكره:
اتصال إسناد هذا الحديث وأن الليث سمع من يزيد بن أبي حبيب وأن يزيد سمع من محمد بن عمرو بن حلحلة وأن ابن حلحلة سمع من محمد بن عمرو بن عطاء.
وفي رواية يحيى بن أيوب التي علقها: التصريح بسماع يزيد من محمد بن عمرو بن حلحلة وأما سماع محمد بن عطاء من أبي حميد والنفر من الصحابة الذين معه ففي هذا رواية أنه كان جالساً معهم وهذا تصريح بالسماع من أبي حميد وقد صّرح البخاري في تأريخه بسماع محمد بن عمرو بن عطاء من أبي حميد كذلك.
وقد روى هذا الحديث
عبد الحميد أبن جعفر: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم: أبو قتادة بن ربعي - فذكر الحديث وفي آخره: قالوا: صدقت هكذا صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وسماع محمد بن عمرو بن عطاء من أبي قتادة قد أثبته البخاري والبيهقي ورد على الطحاوي في إنكاره له وبين ذلك بياناً شافياً.
وأنكر آخرون محمد بن عمرو بن عطاء لهذا الحديث من أبي حميد - أيضاً - وقالوا: بينهما رجل وممن قال ذلك: أبو حاتم الرازي والطحاوي وغيرهما.
ولعل مسلماً لم يخّرج في صحيحه الحديث لذلك واستدلوا لذلك بأن عطاف بن خالد روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء: حدثنا رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلوساً - فذكر الحديث.
وروى الحسن بن الحر الحديث بطوله، عن عبد الله بن عيسى بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس - أو عياش - بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيهم أبو هـ وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي - فذكر الحديث
خرّجه أبو داود مختصراً وخرّجه - أيضاً - مختصراً من رواية بقية بن الوليد: حدثني عتبة بن أبي حكيم: حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي - فذكره.. وكذلك رواه إسماعيل بن عياش عن عتبة أيضاً خرّجه من طريقه بقي بن مخلد في مسنده.
وقال إسماعيل: عن عتبة عن عيسى بن عبد الله وهو أصح ورواه ابن المبارك عن عتبة عن عباس بغير واسطة وخرّجه أبو داود - أيضاً - من رواية فليح بن سليمان: حدثني عباس بن سهل، قال أجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أبو وحميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث.
وخّرج بعضه ابن ماجه والترمذي وصّححه.
قال أبو داود: ورواه ابن المبارك: أخبرنا فليح، قال: سمعت عباس بن سهل يحدث فلم أحفظه فحدثنيه أراه عيسى بن
عبد الله أنه سمعه من عباس بن سهل قال: حضرت أبا حميد الساعدي - فذكره.
وخرّجه الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق: حدثني عباس بن سهل بن سعد قال: جلست بسوق المدينة الضحى مع أبي أسيد وأبي حميد وأبي قتادة فذكر الحديث.
قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث إنما يعرف من رواية عباس بن سهل وهو صحيح من حديثه؛ كذا رواه فليح وغيره.
فيتوجه أن يكون محمد بن عمرو إنما أخذه عن عباس فتصير رواية عبد الحميد بن جعفر مرسله، وكذا رواية ابن حلحلة التي خرّجها البخاري ها هنا.
ويجاب عن ذلك:
بأن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي قد روى هذا الحديث عن محمد بن عمر بن عطاء أنه سمع أبا حميد يحدثه فكيف يعارض ذلك برواية عطاف بن خالد عن محمد بن عمرو بن عطاء وعطاف لا يقاوم ابن حلحلة ولا يقاربه.
وقد تابع ابن حلحلة على ذكر سماع ابن عمرو له من أبي حميد: عبد الحميد بن جعفر وهو ثقة جليل مقدم على عطاف وأمثاله.
وأما رواية عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو فعيسى ليس بذلك المشهور فلا يقضي بروايته على رواية الثقات الإثبات؛ فان رواية عيسى كثيرة الاضطراب وإلاكثرون رووه عن عيسى عن عباس بغير واسطة منهم: عتبة بن أبي حكيم وفليح بن سليمان.
واختلف فيه عن الحسن بن الحر: فروي عنه عن عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء: أخبرني مالك عن عباس - أو عياش - بن سهل أنه كان في مجلس فيه أبوه ففي هذه الرواية بين محمد بن عمرو وبين أبي حميد رجلان.
وقد خرّجه البيهقي كذلك ثم قال روي - أيضاً - عن الحسن بن الحر عن عيسى عن محمد بن عمرو بن عطاء: حدثني مالك عن عباس وقوله: عباس أو عياش يدل على عدم ضبطه لهذا الاسم وإنما هو عباس بغير شك.
وفي حديث الحسن بن الحر وهم في هذا الحديث وهو أنه ذكر أنه تورك في جلوسه بين السجدتين دون التشهد وهذا مما لا شك أنه خطأ فتبين أنه لم يحفظ متن هذا الحديث ولا إسناده.
والصحيح في اسم هذا الرجل أنه عيسى بن عبد الله بن مالك الدار وجده مولى عمر بن الخطاب ومن قال فيه: عبد الله بن عيسى - كما وقع في روايتين لأبي داود - فقد وهم.
وزعم الطبراني أنه: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو وهم - أيضاً – وأما هو: عيسى بن عبد الله ابن مالك الدار -: قال البخاري في تأريخه وأبو حاتم الرازي وغيرهما من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين.
وقال ابن المديني فيه: هو مجهول
وحينئذ؛ فلا يعتمد على روايته مع كثرة اضطرابها وتعلل بها رويات الحفاظ الإثبات.
فظهر بهذا: أن أصح روايات هذا الحديث رواية لبن حلحلة عن محمد بن عمرو التي أعتمد عليها البخاري ورواية عبد الحميد المتابعة لها ورواية فليح وغيره عن عباس بن سهل مع أن فليحاً ذكر أنه سمعه من عباس ولم يحفظه عنه إنما حفظه عن عيسى عنه.
وأما ما تضمنه حديث أبي حميد من الفقه في أحكام الصلاة فقد سبق ذكر عامة مافيه من الفوائد مفرقاً في مواضع متعددة وبقي ذكر صفة جلوسه للتشهد وهو مقصود البخاري في هذا الباب.
وقد دل الحديث على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجلس في التشهد الأول مفترشاً، وفي التشهد الثاني متوركاً.
خرّجه أبو داود من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده ولفظه: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة.
ولم يذكر أحد من رواة حديث أبي حميد التشهدين في حديثه سوى ابن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء وقد ذكر غيره من الرواة التشهد الأول خاصة وبعضهم ذكر الأخير خاصة.
ففي رواية فليح عن عباس بن سهل عن أبي حميد - فذكر الحديث وفيه: ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمن على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه.
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصحّحه..
ورواه - أيضاً - عتبة بن أبي حكيم عن عيسى - أو ابن عيسى عن العباس - بمعناه - أيضاً.
ففي هذه الرواية: ذكر التشهد الأول خاصة.
وأما ذكر التشهد الأخيرة ففي رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي حميد - فذكر الحديث وفيه: حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر.
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وصحّحه الترمذي.
وقد خرّجه الجوزجاني في كتابه المترجم عن أبي عاصم عن [ ... .. أنه كانَ] في الثنتين يثني رجله اليسرى فيقعد عليها معتدلاً حتى يقر كل عظم منه موضعه ثم ذكر: توركه في تشهده الأخير وهذه زيادة غريبة.
وقد خرّج أبو داود وابن ماجه الحديث من رواية أبي عاصم وخرّجه الإمام أحمد عن أبي عاصم ولم يذكروا صفة جلوسه في الركعتين إنما ذكروا ذلك في جلوسه بين السجدتين.
وفي حديث عبد الحميد: زيادة ذكر رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول وكذلك في حديث عتبة بن أبي حكيم - أيضاً.
وقد أخذ بهذا الحديث في التفريق بين الجلوس في التشهد الأول وإلاخر في الصلاة فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق.
ثم اختلفوا:
فقال الشافعي: يتورك في التشهد الذي يعقبه السلام بكل حال سواء كانت الصلاة فيها تشهد واحد أو تشهدان؛ لأن التشهد الذي يسلم فيه يطول بالدعاء فيه فيتورك فيه؛ لأن التورك أهون من الافتراش.
وقال أحمد وإسحاق: إن كان فيها تشهدان تورك في الأخير منهما وإن كان فيها تشهد واحد لم يتورك فيه، بل يفترش.
فيكون التورك للفرق بين التشهدين ويكون فيه فائدتان: نفي السهو عن المصلي ومعرفة الداخل معه في التشهد: هل هو في الأول أو الثاني.
واتفقوا – أعني: هؤلاء الثلاثة - على أنه يفرش في التشهد الأول الذي لا يسلم فيه.
وقد خرّج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث وائل بن حجر أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فلما جلس أفترش.
لكن اختلفت ألفاظ الروايات فيه:
ففي رواية الترمذي: ((يعني للتشهد)) وهذا التفسير من بعض الرواة وفي رواية للإمام أحمد: أن ذلك كان في جلوسه بين السجدتين.
وفي رواية للنسائي: أنه كان يفعل ذلك إذا جلس في الركعتين وهذه الرواية، إنما تدل على افتراشه في جلوسه، بعد الركعتين وأحمد وإسحاق يقولان بذلك.
وفي ((صحيح مسلم)) عن عائشة قالت: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى.
وهو محمول على صلاة الركعتين، بدلالة سياق أول الكلام.
وخّرج أبو داود من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للمسيء في صلاته: ((إذا قعدت فاقعد على فخذك اليسرى)) .
وفي رواية أخرى له -: ((فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وأفترش فخذك اليسرى، ثم تشهد)) .
وهذه الرواية تدل على أنه إنما أمره بالافتراش في التشهد الأول خاصة.
وفي
((المسند)) من طريق ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: علمني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها.
فكنا نحفظ عن ابن مسعود، حين أخبرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه إياه، فكان يقول: إذا جلس في وسط الصلاة وفي أخرها على وركه اليسرى: ((التحيات لله)) - إلى آخر التشهد.
والظاهرُ: أن قوله ((على وركه)) يعود إلى قوله: ((وفي آخرها خاصة)) .
وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه يفترش في جميع التشهدات، وهو قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم.
وقال طائفة: يتورك في جميعها، وهو قول مالك، وكذا قال في الجلوس بين السجدتين.
وجميع ما سبق ذكره العلماء: أنه يفترش فيه.
وفي ((صحيح مسلم)) عن ابن الزبير، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى وقد فسره بالتورك حرب الكرماني وغيره.
وقد روى التورك في الجلوس في الصلاة عن ابن عمر، ذكره مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه أراهم الجلوس في التشهد منضب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وأخبرني أن أباه كان يفعل ذلك.
وخرّجه أبو داود من طريقه.
وقال ابن جرير الطبري: كل ذلك جائز؛ لأنه يروى على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيخير المصلي بينه، فيفعل منه ما شاء.
ومال إلى قوله ابن عبد البر.
وقد نص أحمد في رواية إلاثرم عل الجواز التورك في التشهد الذي يسلم فيه من ركعتين، مع قوله: إن الافتراش فيه أفضل.
وقد روي النهي عن التورك في الصلاة، ولا يثبت، وفيه حديثان: أحدهما: من رواية يحيى بن إسحاق، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التورك وإلاقعاء في الصلاة خرّجه أبو داود في كتاب التفرد)) .
وقال: هذا الحديث ليس بالمعروف.
وخرّجه البزار في ((مسنده)) .
وقال: لا يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، وأظن يحيى أخطأ فيه.
وقال أبو بكر البرديجي في كتاب ((أصول الحديث)) له: هذا حديث لا يثبت؛ لأن أصحاب حماد لم يجاوزوا به قتادة.
كأنه يشير إلى أن يحيى أخطأ في وصله بذكر انس، وأنما هو مرسل.
وثانيهما: من رواية سعيد بن بشير، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التورك وإلاقعاء، وأن لا نستوفز في صلاتنا.
خرّجه البزار.
وقال: سعيد بن بشير، لا يحتج به.
وخرّجه الإمام أحمد، ولفظه: أمرنا
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نعتدل في الجلوس، وأن لا نستوفز.
* * *
سنة الجلوس في التشهد
وكانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل، وكانت فقيهة قال حرب الكرماني: نا عمرو بن عثمان: نا الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، أن أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة جلسة الرجل إلا إنها تميل على شقها الأيسر، وكانت فقيهةً.
وهذا قول مالك والاوزاعي والشافعي، وهو رواية عن النخعي وروى عن نافع، أن أبن عمر كان يأمر نساءه أن يتربعن في الصلاة وروي من وجه آخر عن صفية بنت أبي عبيد امرأة عمر، أنها كانت تتربع في الصلاة.
وقال زرعة بن إبراهيم، عن خالد بن اللجلاج، كن النساء يؤمرن بأن يتربعن إذا جلسن في الصلاة، ولا يجلسن جلوس الرجال على أوراكهن، يتقى ذلك عن المرأة، مخافة أن يكون الشيء منها.
خرّجه ابن أبي شيبة.
وقال الإمام أحمد: تتربع في جلوسها أو تسدل رجليها عن يمينها، والسدل عنده أفضل.
وهو قول النخعي والثوري وإسحاق؛ لأنه أشبه بجلسة الرجل، وأبلغ في الاجتماع والضم.
وحمل بعض أصحابنا فعل أم الدرداء على مثل ذلك، وأما الإمام أحمد فصرّح بأنه لا يذهب إلى فعل أم الدرداء.
وروى سعيد بن منصور بإسناده، عن عبد الرحمن بن القاسم، قال كانت عائشة تجلس في الصلاة عن عرقيها وتضم فخذيها، وربما جلست متربعة.
وقال الشعبي: تجلس كما تيسر عليها وقال قتادة: تجلس كما ترى أنه أستر.
وقال عطاء: لا يضرها أي ذلك جلست، إذا اجتمعت.
قال: وجلوسها على شقها الأيسر أحب إلى من الأيمن وقال حماد: تفعل كيف شاءت خرج فيه حديثين:
الحديث الأول:
[ قــ :805 ... غــ :827 ]
- ثنا عبد الله بم مسلمة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم عن
عبد الله بن عبد الله، أنه اخبره أنه كان يرى ابن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس ففعلته وأنا يومئذ حديث السن، فنهاني عبد الله بن عمر، وقال: إنما سنة الصلاةُ أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقالَ أن رجلي لا
تحملاني.
وخرّجه النسائي من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن
عبد الله بن عمر عن أبيه قال: من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى وفي رواية – أيضاً - بهذا إسناد: من سنة الصلاة أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى.
وهذا حكمه حكم المرفوع؛ لقوله: ( ( من سنة الصَّلاة) ) وقد رواه مالك عن يحيى بن سعيد فجعله عن ابن عمر من فعله ولم يذكر: السنة خرّجه أبو داود وذكر فيه الجلوس على وركه الأيسر وسيأتي لفظه فيما بعد إن شاء الله سبحانه وتعالى.
وظاهر الروايات التي قبل هذه: إنما تدل على الافتراش لا على التورك ورواية النسائي صريحة بذلك.
[ قــ :806 ... غــ :88 ]
- ثنا يحيى بن بكير: ثنا الليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء -.
وثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً في نفر من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرنا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأيته إذا كّبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته.
وسمع الليث بن يزيد بن أبي حبيب ويزيد من محمد بن حلحلة وابن حلحلة من ابن عطاء وقال أبو صالح، عن الليث: كل فقار وقال ابن المبارك عن يحيى بن أيوب حدثني يزيد بن أبي حبيب أن محمد بن عمرو بن حلحلة حدثه: كل فقار مقصود البخاري بما ذكره:
اتصال إسناد هذا الحديث وأن الليث سمع من يزيد بن أبي حبيب وأن يزيد سمع من محمد بن عمرو بن حلحلة وأن ابن حلحلة سمع من محمد بن عمرو بن عطاء.
وفي رواية يحيى بن أيوب التي علقها: التصريح بسماع يزيد من محمد بن عمرو بن حلحلة وأما سماع محمد بن عطاء من أبي حميد والنفر من الصحابة الذين معه ففي هذا رواية أنه كان جالساً معهم وهذا تصريح بالسماع من أبي حميد وقد صّرح البخاري في تأريخه بسماع محمد بن عمرو بن عطاء من أبي حميد كذلك.
وقد روى هذا الحديث
عبد الحميد أبن جعفر: حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم: أبو قتادة بن ربعي - فذكر الحديث وفي آخره: قالوا: صدقت هكذا صلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وسماع محمد بن عمرو بن عطاء من أبي قتادة قد أثبته البخاري والبيهقي ورد على الطحاوي في إنكاره له وبين ذلك بياناً شافياً.
وأنكر آخرون محمد بن عمرو بن عطاء لهذا الحديث من أبي حميد - أيضاً - وقالوا: بينهما رجل وممن قال ذلك: أبو حاتم الرازي والطحاوي وغيرهما.
ولعل مسلماً لم يخّرج في صحيحه الحديث لذلك واستدلوا لذلك بأن عطاف بن خالد روى هذا الحديث عن محمد بن عمرو بن عطاء: حدثنا رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلوساً - فذكر الحديث.
وروى الحسن بن الحر الحديث بطوله، عن عبد الله بن عيسى بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عباس - أو عياش - بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيهم أبو هـ وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفي المجلس أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي - فذكر الحديث
خرّجه أبو داود مختصراً وخرّجه - أيضاً - مختصراً من رواية بقية بن الوليد: حدثني عتبة بن أبي حكيم: حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي - فذكره.. وكذلك رواه إسماعيل بن عياش عن عتبة أيضاً خرّجه من طريقه بقي بن مخلد في مسنده.
وقال إسماعيل: عن عتبة عن عيسى بن عبد الله وهو أصح ورواه ابن المبارك عن عتبة عن عباس بغير واسطة وخرّجه أبو داود - أيضاً - من رواية فليح بن سليمان: حدثني عباس بن سهل، قال أجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال أبو وحميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحديث.
وخّرج بعضه ابن ماجه والترمذي وصّححه.
قال أبو داود: ورواه ابن المبارك: أخبرنا فليح، قال: سمعت عباس بن سهل يحدث فلم أحفظه فحدثنيه أراه عيسى بن
عبد الله أنه سمعه من عباس بن سهل قال: حضرت أبا حميد الساعدي - فذكره.
وخرّجه الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق: حدثني عباس بن سهل بن سعد قال: جلست بسوق المدينة الضحى مع أبي أسيد وأبي حميد وأبي قتادة فذكر الحديث.
قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث إنما يعرف من رواية عباس بن سهل وهو صحيح من حديثه؛ كذا رواه فليح وغيره.
فيتوجه أن يكون محمد بن عمرو إنما أخذه عن عباس فتصير رواية عبد الحميد بن جعفر مرسله، وكذا رواية ابن حلحلة التي خرّجها البخاري ها هنا.
ويجاب عن ذلك:
بأن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي قد روى هذا الحديث عن محمد بن عمر بن عطاء أنه سمع أبا حميد يحدثه فكيف يعارض ذلك برواية عطاف بن خالد عن محمد بن عمرو بن عطاء وعطاف لا يقاوم ابن حلحلة ولا يقاربه.
وقد تابع ابن حلحلة على ذكر سماع ابن عمرو له من أبي حميد: عبد الحميد بن جعفر وهو ثقة جليل مقدم على عطاف وأمثاله.
وأما رواية عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو فعيسى ليس بذلك المشهور فلا يقضي بروايته على رواية الثقات الإثبات؛ فان رواية عيسى كثيرة الاضطراب وإلاكثرون رووه عن عيسى عن عباس بغير واسطة منهم: عتبة بن أبي حكيم وفليح بن سليمان.
واختلف فيه عن الحسن بن الحر: فروي عنه عن عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء: أخبرني مالك عن عباس - أو عياش - بن سهل أنه كان في مجلس فيه أبوه ففي هذه الرواية بين محمد بن عمرو وبين أبي حميد رجلان.
وقد خرّجه البيهقي كذلك ثم قال روي - أيضاً - عن الحسن بن الحر عن عيسى عن محمد بن عمرو بن عطاء: حدثني مالك عن عباس وقوله: عباس أو عياش يدل على عدم ضبطه لهذا الاسم وإنما هو عباس بغير شك.
وفي حديث الحسن بن الحر وهم في هذا الحديث وهو أنه ذكر أنه تورك في جلوسه بين السجدتين دون التشهد وهذا مما لا شك أنه خطأ فتبين أنه لم يحفظ متن هذا الحديث ولا إسناده.
والصحيح في اسم هذا الرجل أنه عيسى بن عبد الله بن مالك الدار وجده مولى عمر بن الخطاب ومن قال فيه: عبد الله بن عيسى - كما وقع في روايتين لأبي داود - فقد وهم.
وزعم الطبراني أنه: عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو وهم - أيضاً – وأما هو: عيسى بن عبد الله ابن مالك الدار -: قال البخاري في تأريخه وأبو حاتم الرازي وغيرهما من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين.
وقال ابن المديني فيه: هو مجهول
وحينئذ؛ فلا يعتمد على روايته مع كثرة اضطرابها وتعلل بها رويات الحفاظ الإثبات.
فظهر بهذا: أن أصح روايات هذا الحديث رواية لبن حلحلة عن محمد بن عمرو التي أعتمد عليها البخاري ورواية عبد الحميد المتابعة لها ورواية فليح وغيره عن عباس بن سهل مع أن فليحاً ذكر أنه سمعه من عباس ولم يحفظه عنه إنما حفظه عن عيسى عنه.
وأما ما تضمنه حديث أبي حميد من الفقه في أحكام الصلاة فقد سبق ذكر عامة مافيه من الفوائد مفرقاً في مواضع متعددة وبقي ذكر صفة جلوسه للتشهد وهو مقصود البخاري في هذا الباب.
وقد دل الحديث على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يجلس في التشهد الأول مفترشاً، وفي التشهد الثاني متوركاً.
خرّجه أبو داود من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده ولفظه: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة.
ولم يذكر أحد من رواة حديث أبي حميد التشهدين في حديثه سوى ابن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء وقد ذكر غيره من الرواة التشهد الأول خاصة وبعضهم ذكر الأخير خاصة.
ففي رواية فليح عن عباس بن سهل عن أبي حميد - فذكر الحديث وفيه: ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته ووضع كفه اليمن على ركبته اليمنى وكفه اليسرى على ركبته اليسرى وأشار بإصبعه.
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصحّحه..
ورواه - أيضاً - عتبة بن أبي حكيم عن عيسى - أو ابن عيسى عن العباس - بمعناه - أيضاً.
ففي هذه الرواية: ذكر التشهد الأول خاصة.
وأما ذكر التشهد الأخيرة ففي رواية عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي حميد - فذكر الحديث وفيه: حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى وقعد متوركاً على شقه الأيسر.
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وصحّحه الترمذي.
وقد خرّجه الجوزجاني في كتابه المترجم عن أبي عاصم عن [ ... .. أنه كانَ] في الثنتين يثني رجله اليسرى فيقعد عليها معتدلاً حتى يقر كل عظم منه موضعه ثم ذكر: توركه في تشهده الأخير وهذه زيادة غريبة.
وقد خرّج أبو داود وابن ماجه الحديث من رواية أبي عاصم وخرّجه الإمام أحمد عن أبي عاصم ولم يذكروا صفة جلوسه في الركعتين إنما ذكروا ذلك في جلوسه بين السجدتين.
وفي حديث عبد الحميد: زيادة ذكر رفع اليدين إذا قام من التشهد الأول وكذلك في حديث عتبة بن أبي حكيم - أيضاً.
وقد أخذ بهذا الحديث في التفريق بين الجلوس في التشهد الأول وإلاخر في الصلاة فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق.
ثم اختلفوا:
فقال الشافعي: يتورك في التشهد الذي يعقبه السلام بكل حال سواء كانت الصلاة فيها تشهد واحد أو تشهدان؛ لأن التشهد الذي يسلم فيه يطول بالدعاء فيه فيتورك فيه؛ لأن التورك أهون من الافتراش.
وقال أحمد وإسحاق: إن كان فيها تشهدان تورك في الأخير منهما وإن كان فيها تشهد واحد لم يتورك فيه، بل يفترش.
فيكون التورك للفرق بين التشهدين ويكون فيه فائدتان: نفي السهو عن المصلي ومعرفة الداخل معه في التشهد: هل هو في الأول أو الثاني.
واتفقوا – أعني: هؤلاء الثلاثة - على أنه يفرش في التشهد الأول الذي لا يسلم فيه.
وقد خرّج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث وائل بن حجر أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي فلما جلس أفترش.
لكن اختلفت ألفاظ الروايات فيه:
ففي رواية الترمذي: ((يعني للتشهد)) وهذا التفسير من بعض الرواة وفي رواية للإمام أحمد: أن ذلك كان في جلوسه بين السجدتين.
وفي رواية للنسائي: أنه كان يفعل ذلك إذا جلس في الركعتين وهذه الرواية، إنما تدل على افتراشه في جلوسه، بعد الركعتين وأحمد وإسحاق يقولان بذلك.
وفي ((صحيح مسلم)) عن عائشة قالت: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى.
وهو محمول على صلاة الركعتين، بدلالة سياق أول الكلام.
وخّرج أبو داود من حديث رفاعة بن رافع، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال للمسيء في صلاته: ((إذا قعدت فاقعد على فخذك اليسرى)) .
وفي رواية أخرى له -: ((فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وأفترش فخذك اليسرى، ثم تشهد)) .
وهذه الرواية تدل على أنه إنما أمره بالافتراش في التشهد الأول خاصة.
وفي
((المسند)) من طريق ابن إسحاق: حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: علمني رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها.
فكنا نحفظ عن ابن مسعود، حين أخبرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علمه إياه، فكان يقول: إذا جلس في وسط الصلاة وفي أخرها على وركه اليسرى: ((التحيات لله)) - إلى آخر التشهد.
والظاهرُ: أن قوله ((على وركه)) يعود إلى قوله: ((وفي آخرها خاصة)) .
وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه يفترش في جميع التشهدات، وهو قول أبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم.
وقال طائفة: يتورك في جميعها، وهو قول مالك، وكذا قال في الجلوس بين السجدتين.
وجميع ما سبق ذكره العلماء: أنه يفترش فيه.
وفي ((صحيح مسلم)) عن ابن الزبير، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى وقد فسره بالتورك حرب الكرماني وغيره.
وقد روى التورك في الجلوس في الصلاة عن ابن عمر، ذكره مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه أراهم الجلوس في التشهد منضب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وأخبرني أن أباه كان يفعل ذلك.
وخرّجه أبو داود من طريقه.
وقال ابن جرير الطبري: كل ذلك جائز؛ لأنه يروى على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيخير المصلي بينه، فيفعل منه ما شاء.
ومال إلى قوله ابن عبد البر.
وقد نص أحمد في رواية إلاثرم عل الجواز التورك في التشهد الذي يسلم فيه من ركعتين، مع قوله: إن الافتراش فيه أفضل.
وقد روي النهي عن التورك في الصلاة، ولا يثبت، وفيه حديثان: أحدهما: من رواية يحيى بن إسحاق، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التورك وإلاقعاء في الصلاة خرّجه أبو داود في كتاب التفرد)) .
وقال: هذا الحديث ليس بالمعروف.
وخرّجه البزار في ((مسنده)) .
وقال: لا يروى عن أنس إلا من هذا الوجه، وأظن يحيى أخطأ فيه.
وقال أبو بكر البرديجي في كتاب ((أصول الحديث)) له: هذا حديث لا يثبت؛ لأن أصحاب حماد لم يجاوزوا به قتادة.
كأنه يشير إلى أن يحيى أخطأ في وصله بذكر انس، وأنما هو مرسل.
وثانيهما: من رواية سعيد بن بشير، عن الحسن، عن سمرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن التورك وإلاقعاء، وأن لا نستوفز في صلاتنا.
خرّجه البزار.
وقال: سعيد بن بشير، لا يحتج به.
وخرّجه الإمام أحمد، ولفظه: أمرنا
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نعتدل في الجلوس، وأن لا نستوفز.
* * *