فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه

باب
إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه
خرج فيه حديثين:
أحدهما:
قال:
[ قــ :355 ... غــ :359 ]
- ثنا أبو عاصم، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد، ليس على عاتقه شيء) ) .

هكذا الرواية: ( ( لا يصلي) ) بالياء، فيكون إخبارا عن الحكم الشرعي، أو إخبارا يراد به النهي، كما قيل مثله في قول الله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233] .

والثاني:
قال:


[ قــ :356 ... غــ :360 ]
- ثنا أبو نعيم: ثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، سمعته - أو كنت سألته - قال: سمعت أبا هريرة يقول: أشهد أني سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه) ) .
في هذه الرواية تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع لهذا من عكرمة، فزال بذلك ما كان يخشى من تدليسه، والتصريح بسماع عكرمة له من أبي هريرة.

والحديث الأول: نهي لمن صلى في ثوب واحد أن يجرد عاتقيه، والثاني: أمر لمن صلى في ثوب واحد أن يخالف بين طرفية ويضعهما على عاتقيه.

وقد اجمع العلماء على استحباب ذلك وأنه الأفضل، بل كرهوا للمصلي أن يجرد عاتقيه في الصلاة.

قال النخعي: كان الرجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا لم يجد رداء يصلي فيه وضع على عاتقيه عقالا ثم صلى.

وقال النخعي - أيضا -: كانوا يكرهون إعراء المناكب في الصلاة.

خرجهما ابن أبي شيبة في ( ( كتابه) ) .

وقد سبق قول ابن عمر - وروي عنه مرفوعا -: ( ( إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبه؛ فإن الله أحق أن يتزين له) ) .

وفي رواية عنه: ( ( إذا صلى أحدكم فليتزر وليرتد) ) .

ولو صلى مكشوف المنكبين، فقال أكثر الفقهاء: لا إعادة عليه، وحكي رواية عن أحمد.

وقال أبو جعفر محمد بن علي: عليه الإعادة لارتكابه النهي.
والمشهور من مذهب أحمد: أنه أن صلى الفريضة كذلك أعاد، وفي إعادة النفل عنه روايتان.

وقد قيل: أن الشافعي نص على وجوبه في الصلاة، وحكى بعض المالكية عن أبي الفرج من أصحابهم: أن ستر جميع الجسد في الصلاة لازم، وفي صحة هذا نظر.

ونص أحمد على أنه لو ستر احد منكبيه وأعرى الآخر صحت صلاته؛ لأنه لم يرتكب النهي، فإن النهي هو إعراء عاتقيه، ولم يوجد ذلك.

وقال القاضي أبو يعلي: يجب ستر جميع منكبيه كالعورة.
وقال في موضع: يجزئ ستر بعضهما، ولا يجب سترهما بما لا يصف البشرة، كالعورة.

ولأصحابنا وجه: أنه يجزئ أن يضع على عاتقيه ولو حبلا أو خيطا وان لم يستره به.

ولهم وجه آخر: أنه كان ذلك يسمى لباسا أجزأه، وإلا فلا.

وقد سبق أن من ألصحابه من كان يضع على عاتقيه عقالا ثم يصلي.

وقال النخعي: تقليد السيف في الصلاة بمنزلة الرداء.
وكان سعيد بن جبير
يفعله.
وعن الحسن قال: السيوف أردية الغزاة.

وروي عن عمر بن عبد العزيز، أنه صلى بالناس في قوس ليس عليه رداء غيرهما.

وروى أبو نعيم الفضل بن دكين: ثنا مندل، عن الأحوص بن حكيم، عن مكحول، قال: صلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالناس في قوس.

وقال النخعي: كان يكره القوس.


وقال الثوري: القوس والسيف بمنزلة الرداء.
وعن الأوزاعي نحوه.