فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب: في العيدين والتجمل فيه

باب
في العيدين والتجمل فيهما
[ قــ :920 ... غــ :948 ]
- حدثنا أبو اليمان: انا شعيب، عن الزهري، قالَ: أخبرني سالم بن
عبد الله، أن عبد الله بن عمر قالَ: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ? فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود.
فقال لهُ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( إنما يلبس هذه من لا خلاق لهُ) ) .

ثم ذكر بقية الحديث في إرسال النبي ??? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجبة ديباج إلى عمر.

وقد سبق في ( ( كتاب الجمعة) ) من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وفيه: ( ( لو اشتريت هذه للجمعة والوفود؟) ) وهي قضية واحدة والله أعلم.

وقد يكون أريد بالعيد جنس الأعياد، فيدخل فيهِ العيدان والجمعة.

وقد دل هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتادا بينهم.

وقد تقدم حديث لبس النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العيدين برده الأحمر.
وإلى هذا ذهب الأكثرون، وهو قول مالك والشافعي وأصحابنا وغيرهم.

وقال ابن المنذر: كان ابن عمر يصلي الفجر وعليه ثياب العيد.

وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الزينة والطيب في كل عيد.

واستحبه الشافعي.

وخرج البيهقي بإسناد صحيح، عن نافع، أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه.

والمنصوص عن أحمد في المعتكف: أنه يخرج إلى العيد في ثياب اعتكافه، وحكاه عن أبي قلابة.

وأما غير المعتكف، فالمنصوص عن أحمد: أنه يخير بين التزين وتركه.

قال المروذي: قلت لأحمد: أيما أحب إليك: أن تخرج يوم العيد في ثياب جياد أو ثياب رثة؟ قالَ: أما طاوس فكان يأمر بزينة الصبيان حتَّى يخضبوا، وأما عطاء فقالَ: لا، هوَ يوم تخشع.
فقلت لأحمد: فإلى ما تذهب؟ قالَ: قد روي هذا وهذا، واستحسنهما جميعا.

ذكره أبو بكر ابن جعفر في كتابه ( ( الشافي) ) ، عن الخلال، عنه.

وحكاه القاضي في ( ( شرح المذهب) ) مختصرا، وفيه: وقال عطاء: لا، هو يوم تخشع، وهذا أحسن.

ومما يتصل بذلك: الغسل للعيدين، وقد نص أحمد على استحبابه.

وحكى ابن عبد البر الإجماع عليهِ.

وكان ابن عمر يفعله، كذا رواه نافع، عنه، ورواه عن نافع: مالك وعبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة وابن عجلان وابن إسحاق وغيرهم.

وروى أيوب، عن نافع، قالَ: ما رأيت ابن عمر اغتسل للعيد، كان يبيت في المسجد ليلة الفطر، ثم يغدو منه إذا صلى الصبح إلى المصلى.

ذكره عبد الرزاق، عن معمر، عنه.

وعجب ابن عبد البر من رواية أيوب، لمخالفتها رواية مالك وغيره، عن نافع.

ولا عجب من ذلك، فقد يجمع بينهما: بأن ابن عمر كان إذا اعتكف بات ليلة الفطر في المسجد، ثم يخرج إلى العيد على هيئة اعتكافه، كما قاله أحمد ومن قبله من السلف، وهو قول مالك - أيضا - وإن لم يكن معتكفا، اغتسل وخرج إلى المصلى.
وممن روي عنه الغسل للعيد - أيضا - من الصحابة: علي بن أبي طالب، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، والسائب بن يزيد.

وقال ابن المسيب: هو سنة الفطر.

وروى مالك، عن الزهري، عن عبيد بن السباق، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في جمعة من الجمع: ( ( يا معشر المسلمين، إن هذا اليوم جعله الله عيدا، فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك) ) .

وهذا تنبيه على أن ذلك مأمور به في كل عيد للمسلمين.

رواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عبيد، عن ابن عباس.

خرجه ابن ماجه.

ورواية مالك أصح.

ورواه بعضهم، عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرجه كذلك الطبراني وغيره.

وهو وهم على مالك: قاله أبو حاتم الرازي والبيهقي وغيرهما.

وروى صبيح أبو الوسيم: ثنا عقبة بن صهبان، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( الغسل واجب في هذه الأيام: يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم النحر، ويوم عرفة) ) .

غريب جداً.
وصبيح هذا، لايعرف.

وخرج ابن ماجه من رواية الفاكه بن سعد –وله صحبة -، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر، وكان الفاكه يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام.

وفي إسناده: يوسف بن خالد السمتي، وهو ضعيف جداً.
وخرج ابن ماجه عن جبارة بن مغلس، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى.

وحجاج بن تميم وجبارة بن مغلس، ضعيفان.

وروى مندل، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يغتسل للعيدين.

خرجه البزار.

ومحمد هذا، ضعيف جداً.

والغسل للعيد غير واجب.
وقد حكى ابن عبد البر الإجماع عليهِ، ولأصحابنا وجه ضعيف بوجوبه.

وروى الزهري، عن ابن المسيب، قال: الاغتسال للفطر والأضحى قبل أن يخرج إلى الصلاة حقٌ.

وخرج أبوبكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب ( ( الشافي) ) بإسناد ضعيف، عن الحارث، عن علي، قال: كان بعضنا يغتسل وبعضنا يتوضأ، فلا يصلي أحد منا قبلها ولا بعدها حتى يخرج النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ويستحب –أيضاً - التطيب والسواك في العيدين.

وكان ابن عمر يتطيب للعيد.

وروى أبو صالح، عن الليث بن سعد، حدثني إسحاق بن بزرجٍ، عن الحسن بن علي، قال: أمرنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن نلبس أجود ما نجد، ونتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمن ما نجد، وأن نظهر التكبير، وعلمنا السكينة والوقار.

خرجه الطبراني والحاكم.

وقال: لولا جهالة إسحاق بن بزرج لحكمنا للحديث بالصحة.

قلت: ورويناه من وجه آخر، من طريق ابن لهيعة: حدثني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، قالَ: كان رسول الله ? - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا غدا إلي المصلى أمرنا أن نلبس أجود ما نقدر عليه من الثياب، وأن نخرج وعلينا السكينة، وأن نجهر بالتكبير.

وهذا منكر جداً.

ولعله مما وضعه المصلوب، وأسقط أسمه من الإسناد؛ فإنه يروى بهذا الإسناد أحاديث عديدة منكرة ترجع إلى المصلوب، ويسقط اسمه من إسنادها كحديث التنشف بعد الوضوء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة والجالس في بيته، حتى النساء والأطفال.

وقد تقدم ذلك عن طاوس.

وقال الشافعي: تزين الصبيان بالمصبغ والحلي، ذكوراً كانوا أو إناثاً؛ لأنه يوم
زينة، وليس على الصبيان تعبد، فلا يمنعون لبس الذهب.

قال بعض أصحابه: اتفق الأصحاب على إباحة زينة الصبيان يوم العيد بالمصبغ وحلي الذهب والفضة، واختلفوا في غير يوم العيد على وجهين.

وأما أصحابنا، فلم يفرقوا بين عيد وغيره، وحكوا في جواز إلباس الولي الصبي الحرير والذهب روايتين.