فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب السواك يوم الجمعة

باب
السواك يوم الجمعة
وقال أبو سعيدٍ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يستن.

حديث أبي سعيدٍ قد خرَّجه فيما سبق في ( ( باب: الطيب للجمعة) ) ولفظه
( ( الغسل يوم الجمعة واجبٍ على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيباً إن وجد) ) .

قال عمروٍ: أما الغسل، فأشهد أنه واجبٌ وأما الطيب وإلاستنان فالله أعلم.

وهذا مما استدل به جمهور العلماء على أن المراد بالوجوب هاهنا: تأكد الاستحباب؛ لأنه قرنه بما ليس بواجبٍ اجماعاً وهو الطيب والسواك.

وخرّج الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة وأبي أمامة بن سهلٍ عن أبي هريرة وأبي سعيدٍ، قالا: سمعنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: ( ( من اغتسل يوم الجمعة، واستن، ومس من طيب – إن كانَ عنده – ولبس أحسن ثيابه ثُمَّ جاء إلى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثُمَّ ركع ما شاء الله أن يركع ثُمَّ انصت إذا خرج إمامه حتَّى يصلي، كانت كفارةً لما بينها وبين الجمعة التي كانت
قبلها)
)
.
يقول أبو هريرة: وثلاثة أيامٍ زيادةً؛ لأن الله قد جعل الحسنة بعشر أمثالها.
وفي إسناده اختلافٌ.

وروى مالكٍ في ( ( الموطإ) ) عن ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن النبي ... - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال – في جمعة من الجمع -: ( ( يا معشر المسلمين، أغتسلوا، ومن كان عنده طيبٌ فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك) ) .

وقد روي عن الزهري، عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

والمرسل: هو الصحيح.

ورواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن ابن
عباسٍ، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

خرَّجه ابن ماجه.

ولا يصح –أيضاً -، والصحيح: رواية مالكٍ.

ويدل عليه: إنكار ابن عباسٍ للطيب، كما سبق عنه.

وخرّج الإمام أحمد من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رجلٍ من الأنصار من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( حقٌ على كل مسلمٍ أن يغتسل يوم الجمعة، ويتسوك، ويمس من طيب أن كان لاهله) ) .
وخرَّجه بهذا إلاسناد موقوفاً –أيضاً.

وروي –أيضاً – عن ثوبان، عن أبي سعيدٍ الخدري – مرفوعاً.

وروي عن ابن ثوبان، عن رجلٌ، عن أبي سعيدٍ الخدري –مرفوعاً وموقوفاً.

وعن أبي زرعة وأبي حاتمٍ: أن الموقوف أصح.

خرّج البخاري في هذا الباب أحاديث ثلاثة، في السواك للصلاة، ولكن لا اختصاص لها بالجمعة:
الحديث الأول:

[ قــ :861 ... غــ :887 ]
- ثنا عبد الله بن يوسف: أنا مالكٌ، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( لولا أن أشق على أمتي –أو على الناس – لأمرتهم بالسواك مع كل صلاةٍ) ) .

وفيه: دليلٌ على أن الحرج والمشقة مرفوعاًن عن هذه الأمة، كما قال تعالى: { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .

وقد سبق ذكر ذلك في تأخير عشاء الآخرة، فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يحب تأخيرها، ولولا المشقة على أمته لجعل وقتها ثلث الليل أو نصفه.

وفيه: دليل على أن السواك ليس بفرض كالوضوء للصلاة، وبذلك قال جمهور العلماء، خلافاً لمن شذ منهم من الظاهرية.
وقد حكي عن إسحاق، أنه لو تركه عمداً اعاد الصلاة.
وقيل: أنه لا يصح عنه.

وهذا الحديث: نص على أنه غير واجبٍ على الأمة؛ فإن المراد: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك أمر فرضٍ وأيجابٍ، لا أمر ندبٍ واستحبابٍ؛ فإنه قد ندب اليه واستحبه، ولكن لم يفرضه، ولم يوجبه.

وقد صرح بذلك في حديث آخر:
خرَّجه الإمام أحمد من حديث تمام بن العباس، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك، كما فرضت عليهم الوضوء) ) .

وخرّج ابن أبي شيبة نحوه من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجلٍ من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ويروى نحوه من حديث أبي هريرة، وأبي سعيدٍ، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وفي الحديث: دليل على استحباب السواك مع كل صلاةٍ، فدخل في ذلك صلاة الجمعة وغيرها.

والسواك مع الصلاة نوعان:
أحدهما: السواك مع الوضوء للصلاة، وقد سبق ذكره في ( ( الطهارة) ) .
والثاني: السواك للصلاة عند القيام إليها.

وقد خرّج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث زيد بن خالدٍ الجهني، عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ( ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
صلاةٍ)
)
فكأن زيد بن خالدٍ يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى صلاةٍ إلا استن، ثم رده إلى موضعه.

وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ.

وهذا مذهب الشافعي وأصحابنا.

وروى أبو يحيى الحماني، عن أبي سعدٍ، عن مكحولٍ، عن واثلة بن الأسقع، قال: كان أناسٌ من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يربطون مساويكهم بذوائب سيوفهم، فاذا حضرت الصلاة استاكوا، ثم صلوا.

خرَّجه البيهقي في ( ( صلاة الخوف) ) من ( ( سننه) ) .

وقال: أبو سعدٍ البقال، غير قوي.

وقد أنكر طائفة من العلماء السواك عند إرادة الصلاة المفروضة في المسجد، وقالوا: ليس فيه نص عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل للتهجد في بيته.

وحكي عن مالكٍ، أنه يكره السواك في المساجد، والذي رأيناه في ( ( تهذيب المدونة) ) : أنه يكره أن يأخذ المعتكف من شعره أو أظفاره في المسجد، وإن جمعه
وألقاه؛ لحرمة المساجد.

وقد روي عن عثمان بن عفان، أنه كانَ يخطب يوم الجمعة، فذكر أنه لم
يستك، فنزل فاستاك.

وهذا يدل على أنه إنما نزل ليستاك خارج المسجد، وأنه رأى السواك في الجمعة عند الوضوء لا عند الصلاة.

وخرج الحاكم في ( ( أماليه) ) من رواية أبي ايوب الأفريقي، عن صالح بن أبي
صالح، أظنه عن أبيه، عن زيد بن خالد الجهني، قال: ما كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج من بيته لشيءٍ من الصلوات حتى يستاك.

وهذا غريبٌ.

ويستدل به: على أنه إنما كان يستاك في بيته قبل خروجه إلى المسجد.





[ قــ :86 ... غــ :888 ]
- نا أبو معمر: نا عبد الوارث: نا شعيب: نا أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( قد أكثرت عليكم في السواك) ) .

المراد بإكثاره عليهم في السواك: كثرة حثهم عليه؛ وترغيبهم فيهِ، بذكر فضله.
وقد روي عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه قالَ: ( ( السواك مطهر للفم، مرضاة للرب) ) .

وقد علقه البخاري في موضع آخر، ويأتي في موضعه –إن شاء الله تعالى.

وقدروي عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه أكثر عليه في امره بالسواك:
ففي ( ( مسند الإمام أحمد) ) من رواية إبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن
عباسٍ.
أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ( ( لقد أمرت بالسواك، حتى خشيت أن يوحى الي فيه) ) .

التميمي، اسمه: أربد، ويقال: أربدة.

ومن حديث واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ( أمرت بالسواك، حتى خشيت أن يكتب علي) ) .

وفي إسناده: ليث بن أبي سليمٍ.

ويستدل به: على أن السواك لم يكن واجباً على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد قيل: إنه كان واجباً عليه.

وخرّج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن حنظلة بن الغسيل، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أمر بالوضوء لكل صلاة، طاهراً كان أو غير طاهرٍ، فلما شق ذلك على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء، إلا من حدثٍ.

وخرَّجه ابن خزيمة وابن حبان في ( ( صحيحهما) ) والحاكم.

وقال: على شرط مسلم.

وليس كما قال.

وخرَّجه البزار في ( ( مسنده) ) ، ولفظه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يأمر بالوضوء عند كل صلاةٍ، فلما شق عليهم أمر بالسواك عند كل صلاة.

وقد روي من حديث عنبسة - مرفوعاً - أن السواك كان عليه فريضةً، وهو لأمته تطوعٌ.

خرَّجه الطبراني.

ولا يصح إسناده.
والله أعلم.





[ قــ :863 ... غــ :889 ]
- نا محمد بن كثير: نا سفيان، عن منصور وحصين، عن أبي وائلٍ، عن حذيفة، قال: كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من الليل يشوص فاه.

قد سبق هذا الحديث في ( ( الطهارة) ) من رواية جريرٍ، عن منصورٍ وحده، وسبق الكلام على معناه مستوفى.

* * *