فهرس الكتاب

فتح البارى لابن رجب - باب من قام إلى جنب الإمام لعلة

بَاب
مَنْ قَامَ إلى جَنْبِ الإمَامِ لِعِلَّةٍ
[ قــ :662 ... غــ :683 ]
- حَدَّثَنَا زكريا بْن يَحْيَى: ثنا ابن نمير: ثنا هِشَام بْن عُرْوَةَ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَتْ: أمر رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْر أن يصلي بالناس فِي مرضه، فكان يصلي بهم.

قَالَ عُرْوَةَ: فوجد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نفسه خفة، فخرج، فإذا أبو بَكْر يؤم النَّاس، فلما رآه أبو بَكْر استأخر، فأشار إليه أن كما أنت، فجلس رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حذاء أَبِي بَكْر إلى جنبه، فكان أبو بَكْر يصلي بصلاة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والناس يصلون بصلاة أَبِي بَكْر.

المُتَّصِل من هَذَا الحَدِيْث: هُوَ أمر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْر أن يصلي بالناس فِي مرضه، فكان يصلي بهم، وما بعده مدرج من قَوْلِ عُرْوَةَ، كما خرجه البخاري هاهنا.

وكذا خرجه مُسْلِم عَن جماعة، كلهم عَن ابن نمير، بِهِ.

وكذا رَوَى هَذَا الكلام الآخر مَالِك فِي ( ( موطئه) ) عَن هِشَام، عَن أَبِيه – مرسلاً.

وقد وصله بعض الرواة بحديث عَائِشَة، فمن وصله بحديث عَائِشَة فَقَدْ أدرجه.
ولكن قَدْ روي هَذَا المعنى متصلاً من وجوه أخر، كلها لا تخلو عَن علة، وقد سبق ذكرها والإشارة تعليلها.

ومراد البخاري بهذا الباب: أن أَبَا بَكْر صلى مؤتما بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ قائم إلى جانبه بإشارة النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه فِي ذَلِكَ، ولم يتركه يتأخر إلى الصف، وكان ذَلِكَ لعلة، وهي أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يصلي بالناس جالساً، والناس قيام وراءه، فكان قيام أَبِي بَكْر إلى جانبه، لإسماع النَّاس تكبير النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورؤية النَّاس لَهُ؛ ليتمكنوا من كمال الاقتداء بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث لَمْ يمكنه القيام، ولولا هذه العلة لكانت السنة لأبي بَكْر أن يقوم فِي الصف وراء النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وقد ذكر هَذَا المعنى طائفة من الشافعية.

ونقله الوليد بْن مُسْلِم عَن مَالِك، أَنَّهُ أجاز للمريض أن يصلي بالناس جالساً وهم قيام.
قَالَ: وأحب إلي أن يقوم إلى جنبه من يعلم النَّاس بصلاته.

وهي رِوَايَة غريبة عَن مَالِك، ومذهبه عِنْدَ أصحابه: أَنَّهُ لا يجوز ائتمام القائم بالجالس.

وهذا كله عَلَى قَوْلِ من قَالَ: إن أَبَا بَكْر كَانَ مأموماً، فأما من قَالَ هُوَ الإمام فلا إشكال عنده فِي قيام أَبِي بَكْر إلى جانب النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما أشكل عنده جلوس النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى جنب أَبِي بَكْر، وقد يجاب عَنْهُ بأنه يحتمل أن يكون ذَلِكَ لضيق الصف.
والله أعلم.