فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان

باب مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ
( باب من عرف اللقطة ولم يدفعها) بالدال المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم يرفعها بالراء ( إلى السلطان) .


[ قــ :2333 ... غــ : 2438 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ، قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْ بِهَا.
وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ.

     وَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، دَعْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا.
وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ.
فَقَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ».

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي بكسر الفاء قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن ربيعة) الرأي ( عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد) الجهني ( -رضي الله عنه- أن أعرابيًّا) مرّ الخلاف
في اسمه ( سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة) ما حكمها؟ ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( عرفها سنة فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها) وعائها ( ووكائها) فادفعها إليه ( وإلاّ) بأن لم يجيء أحد أو جاء ولم يخبر بعلاماتها ( فاستنفق بها) فإن جاء صاحبها فردّ بدلها.

( وسأله) الأعرابيّ ( عن) حكم ( ضالة الأبل فتمعر) بتشديد العين المهملة أي تغير ( وجهه) عليه الصلاة والسلام من الغضب ( وقال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها) بالذال المعجمة ( ترد الماء وتأكل الشجر) فهي مستغنية بذلك عن الحفظ ( دعها) اتركها ( حتى يجدها ربها) مالكها.
نعم إذا وجد الإبل أو نحوها في العمارة فيجوز له التقاطها للتملك كما مرّ مع غيره في ضالة الإبل.

( وسأله) الأعرابيّ أيضًا ( عن) حكم ( ضالة الغنم.
فقال)
عليه الصلاة والسلام ( هي لك) إن أخذتها ( أو لأخيك) ملتقط آخر ( أو للذئب) يأكلها إن تركتها ولم يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها.


باب
هذا ( باب) بالتنوين بغير ترجمة وسقط لأبي ذر فهو كالفصل من سابقه.


[ قــ :334 ... غــ : 439 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْبَرَاءُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- ح.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ -فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ- فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا -ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى- فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ".
[الحديث 439 - أطرافه 3615، 365، 3908، 3917، 5607]
وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: ( أخبرنا النضر) بسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغرًا قال: ( أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق ( عن) جده ( أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( البراء) بن عازب ( عن أبي بكر) الصديق ( -رضي الله عنهما-) .

وبه قال: ( ح حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين المعجمة والتخفيف البصري وثّقه غير واحد قال: ( حدّثنا إسرائيل) بن يونس ( عن) جدّه ( أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي ( عن

البراء)
بن عازب ( عن أبي بكر) الصديق ( -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: انطلقت) وفي علامات النبوّة من طريق زهير بن معاوية أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمرّ فيه أحد فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس فنزلنا عنده وسويت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه وبسطت فيه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك فنام وخرجت أنفض ما حوله ( فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه فقلت) وسقطت الفاء لغير أبي ذر وثبتت له في نسخة ( لمن) ولأبي ذر ممن بالميم بدل اللام ( أنت؟ قال: لرجل من قريش فسماه فعرفته) ولم يعرف اسم الراعي ولا صاحب الغنم؟ وذكر الحاكم في الإكليل ما يدل على أنه ابن مسعود.
قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم ( فقلت: هل في غنمك من لبن) بفتح اللام والموحدة وحكى عياض أن في رواية لبن بضم اللام وتشديد الموحدة جمع لابن أبي ذوات لبن ( فقال: نعم) فيها ( فقلت: هل أنت حالب لي) ؟ قال في الفتح: الظاهر أن مراده بهذا الاستفهام أي أمعك إذن في الحلب لمن يمرّ بك على سبيل الضيافة، وبهذا يندفع الإشكال وهو كيف استجار أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير إذن مالك الغنم، ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفه عرف رضاه بذلك لصداقته له أو إذنه العام بذلك ( قال) : الراعي ( نعم) أحلب لك.
قال أبو بكر -رضي الله عنه- ( فأمرته فاعتقل شاة من غنمه) أي حبسها والاعتقال أن يضع رجله بين فخذي الشاة ويحلبها ( ثم أمرته أن ينفض ضرعها) أي ثديها ( من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفّيه) من الغبار أيضًا ( فقال) ولأبي الوقت: قال ( هكذا ضرب إحدى كفّيه بالأخرى فحلب كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة أي قدر قدح أو شيئًا قليلاً أو قدر حلبة ( من لبن وقد جعلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إداوة) ركوة ( على فمها) بالميم، ولأبي ذر والأصيلي عن الحموي والمستملي: على فيها ( خرقة) بالرفع ( فصببت على اللبن) من الماء الذي في الإداوة ( حتى برد أسفله) بفتح الموحدة والراء ( فانتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في العلامات فوافقته حين استيقظ ( فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت) الحديث في شأن الهجرة، وقد ساقه بأتم من هذا السياق في العلامات.

قال ابن المنير: أدخل البخاري هذا الحديث في أبواب اللقطة لأن اللبن إذ ذاك في حكم الضائع المستهلك فهو كالسوط الذي اغتفر التقاطه، وأعلى أحواله أن يكون كالشاة الملتقطة في المضيعة، وقد قال فيها: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" وكذا هذا اللبن إن لم يحلب ضاع، وتعقبه في المصابيح بأنه قد يمنع ضياعه مع وجود الراعي بحفظه وهذا يقدح في تشبيهه بالشاة لأنها بمحل مضيعة بخلاف هذا اللبن والله الموفّق والمعين على إتمام هذا الكتاب والنفع به والإخلاص فيه.