فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: من الدين الفرار من الفتن

باب مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ.


[ قــ :19 ... غــ : 19 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ».
[الحديث 19 - أطرافه في: 3300، 3600، 6495، 7088] .

هذا ( باب) بالتنوين ( من الدين الفرار من الفتن) .
ولم يقل من الإيمان لمراعاة لفظ الحديث، ولم يرد الحقيقة لأن الفرار ليس بدين، فالتقدير الفرار من الفتن شعبة من شعب الإيمان كما دل عليه أداة التبعيض.


وبالسند المذكور أوّل هذا الشرح إلى البخاري قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام بينهما مهملة ساكنة ابن قعنب الحارثي البصري ذو الدعوة المجابة أحد رواة الموطأ المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائتين، ( عن مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة، ( عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري المازني المدني المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة، ( عن أبيه) عبد الله، ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن ستان الخزرجي الأنصاري ( الخدري) بضم الخاء وسكون المهملة نسبة إلى خدرة جدّه الأعلى أو بطن المتوفى بالمدينة أربع وستين أو أربع وسبعين، وله في البخاري ستة وستون حديثًا زاد في رواية أبي ذر رضي الله عنه، ( أنّه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .


( يوشك) بكسر المعجمة وفتحها لغة رديئة وهي من أفعال المقاربة أي يقرب ( أن يكون خير مال المسلم غنمًا) بالنصب خبر يكون، وفي رواية غير الأصيلي بنصب خير خبرًا مقدمًا ورفع غنم اسمًا مؤخرًا، ولا يضر كونه نكرة لأنه موصوف بجملة يتبع، وجوّز ابن مالك رفعهما على الابتداء والخبر، ويقدر في يكون ضمير الشأن.
قال الفتح: لكن لم تجىء به الرواية، وذكره العيني من غير تنبيه على الرواية فأوهم.
والغنم اسم مؤنث موضوع للجنس ( يتبع بها) بتشديد المثناة الفوقية افتعال من اتبع اتباعًا، ويجوز إسكانها من تبع بكسر الموحدة يتبع بفتحها أي يتبع بالغنم، ( شعف) بمعجمة فمهملة مفتوحتين جمع شعفة بالتحريك وهو بالنصب مفعول يتبع أي رؤوس ( الجبال ومواقع) بكسر القاف وهو بالنصب عطف على شعف أي مواضع نزول ( القطر) أي المطر أي بطون الأودية والصحارى، حال كونه ( يفرّ بدينه) أي يهرب بسببه أو مع دينه ( من الفتن) طلبًا لسلامته لا لقصد دنيوي، فالعزلة عند الفتنة ممدوحة إلا لقادر على إزالتها فتجب الخلطة عينًا أو كفاية بحسب الحال والإمكان، واختلف فيها عند عدمها، فمذهب الشافعي تفضيل الصحبة لتعلمة وتعليمه وعبادته وأدبه وتحسين خلقه بحلم واحتمال وتواضع ومعرفة أحكام لازمة، وتكثير سواد المسلمين وعيادة مريضهم وتشييع جنازتهم وحضور الجمعة والجماعات، واختار آخرون العزلة للسلامة المحققة، وليعمل بما علم ويأنس بدوام ذكره، فبالصحبة والعزلة كمال المرء، نعم تجب العزلة لفقيه لا يسلم دينه بالصحبة، وتجب الصحبة لمن عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه، وتجب على من جهل ذلك ليعلمه فافهم.

ورجال إسناد هذا الحديث كلهم مدنيون وفيه صحابي ابن صحابي وهو من أفراد البخاري عن مسلم، وقد رواه المؤلف أيضًا في الفتن والرقاق وعلامات النبوّة، وأخرجه أبو داود والنسائي.
ولما كان الفرار من الفتن لا يكون إلا على قدر قوّة دين الرجل وهي تدل على قوة المعرفة.
شرع بذكر ذلك فقال: