فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا

باب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا
( باب أخذ الصدقة) المفروضة ( من الأغنياء وترد) بالرفع كما في الفرع وغيره مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة.
وقال العيني بالنصب بتقدير أن فيكون في حكم المصدر ويكون التقدير: وأن تردّ وهو الذي في اليونينية فقط أي والرد ( في الفقراء حيث كانوا) ظاهره أن المؤلّف يختار جواز نقل الزكاة من بلد المال قاله ابن المنير وهو مذهب الحنفية والأصح عند الشافعية والمالكية عدم الجواز.
نعم، لو نقل أجرأ عند المالكية لكن لو نقل لدون أهل بلد الوجوب في الحاجة لم يجزه وهو المشهور عندهم ولم يجز النقل عند الشافعية إلا عند فقد المستحقين.


[ قــ :1437 ... غــ : 1496 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".

وبالسند قال: ( حدّثنا محمد) ولأبي ذر محمد بن مقاتل المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا زكريا بن إسحاق) المكي ( عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الفاء ( عن أبي معبد) نافد بالنون والفاء والدال المهملة أو المعجمة ( مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال:) وفي رواية إسماعيل بن أمية عند المؤلّف في التوحيد عن يحيى أنه سمع أبا معبد يقول، سمعت ابن عباس يقول: ( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) ولمسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع، وقال فيه عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعلى هذا يكون الحديث من مسند معاذ لكنه في جميع الطرق من مسند ابن عباس كما عند المؤلّف وليس حضور ابن عباس لذلك ببعيد لأنه كان في أواخر حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة قاله الحافظ ابن حجر ( لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن) واليًا كما عند العسكري أو قاضيًا كما عند ابن عبد البر.


( إنك ستأتي قومًا أهل كتاب) ، بنصب أهل بدلاً من قوم لا صفة وهذا كالتوطئة للوصية لتقوى همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، ولذا خصهم بالذكر تفضيلاً لهم على غيرهم من عبدة الأوثان، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أهل الكتاب بالتعريف ( فإذا جئتهم) عبر بإذا دون إن تفاؤلاً بالوصول إليهم ( فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) بدأ بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما، واستدلّ به على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله حتى يضيف الشهادة لمحمد بالرسالة وهو قول الجمهور، ( فإن هم أطاعوا) أي شهدوا وانقادوا ( لك بذلك) وعدى أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد، ولابن خزيمة: فإن هم أجابوا لذلك ( فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك) بأن أقروا بوجوب الخمس عليهم وفعلوها ( فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة) في أموالهم ( تؤخذ من أغنيائهم) يأخذها الإمام أو نائبه ( فترد على فقرائهم) خصهم بالذكر وإن كان مستحق الزكاة أصنافًا أخر لمقابلة الأغنياء ولأن الفقراء هم الأغلب، والضمير في فقرائهم يعود على أهل اليمن فلا يجوز النقل لغير فقراء أهل بلد الزكاة كما سبق أول الزكاة، ( فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم) أي نفائس ( أموالهم) بنصب كرائم بفعل مضمر لا يجوز إظهاره للقرينة الدالة عليه.
وقال ابن قتيبة: لا يجوز حذف واو وكرائم اهـ.

وعلل بأنها حرف عطف فيختل الكلام بالحذف.

( واتق دعوة المظلوم) ، أي تجنب جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم وإنما ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم للإشارة إلى أن أخذها ظلم ( فإنه ليس بينه) أي المظنوم، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: فإنها ليس بينها أي دعوة المظلوم ( وبين الله حجاب) وإن كان المظلوم عاصيًا لحديث أحمد عن أبي هريرة بإسناد حسن مرفوعًا: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه.

فإن قلت: إن بعث معاذ كان بعد فرض الصوم والحج فلم لم يذكرهما؟ أجيب: بأنه اختصار من بعض الرواة، وقيل: إن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولذا كررا في القرآن فمن ثم لم يذكرهما في هذا الحديث.

وقال الإمام البلقيني: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منها بشيء كحديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفي بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج لقوله تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5] في، موضعين من براءة مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعًا، والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة: اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، وماليّ وهو الزكاة فاقتصر

في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني ومالي.

وهذا الحديث قد مرّ في أول باب وجوب الزكاة.