فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

باب الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.
وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَققِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ، وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ.

( باب) حكم ( الصلاة في السطوح) بضم السين جمع سطح ( والمنبر) بكسر الميم وفتح الموحدة ( والخشب) بفتحتين أو بضمتين ( قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري: ( ولم ير الحسن) البصري ( بأسًا أن يصلّي) بضم الياء وفتح اللام المشددة ( على الجمد) بفتح الجيم وضمها وسكون الميم ثم دال مهملة، وللأصيلي فيما ذكره ابن قرقول بفتح الميم، وحكى ابن التين ضمها، لكن قال القاضي عياض: الصواب السكون وهو الماء الجامد من شدة البرد، ( والقناطر) وللحموي والمستملي

والقناطير وهو ما ارتفع من البنيان، وفي اليونينية مما لم يرقّم له علامة على الخندق، ( وإن جرى تحتها بول أو فوقها أو أمامها) أي القناطر وهمزة أمامها مفتوحة أي قدّامها ( إذا كان بينهما) أي بين المصليّ وأمام القناطر ( سترة) مانعة من ملاقاة النجاسة.
( وصلّى أبو هريرة) رضي الله عنه، مما وصله ابن أبي شيبة ( على سقف المسجد) ولأبي ذر والأصيلي وأبي الوقت على ظهر المسجد ( بصلاة الإمام) وهو أسفل، لكنه في رواية ابن أبي شيبة صالح مولى التوأمة وتكلم فيه، لكنه تقوّى برواية سعيد بن منصور من وجه آخر، نعم يكره عندنا والحنفية ارتفاع كلٍّ من الإمام والمأموم على الآخر إلاّ لحاجة كتعليم الإمام المأمومين صفة الصلاة، وكتبليغ المأمومين تكبير الإمام فيستحب ارتفاعهما لذلك.

( وصلّى ابن عمر) بن الخطاب ( على الثلج) بالمثلثة والجيم.


[ قــ :373 ... غــ : 377 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ.
فَهَذَا شَأْنُهُ.
قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ.
[الحديث 377 - أطرافه في: 448، 917، 2094، 2569] .


وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني ( قال: حدّثنا سفيان) بن عُيينة ( قال: حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار ( قال) :
( سألوا سهل بن سعد) بسكون العين الساعديّ ( من أي شيء المنبر) النبوي المدني، ولأبي داود: إن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر ممّ عوده ( فقال) سهل: ( ما بقي بالناس) وفي رواية من الناس، ولأبوي ذر والوقت في الناس ( أعلم مني) أي بذلك ( هو من أثل الغابة) بالغين المعجمة والموحدة موضع قرب المدينة من العوالي، والأثل: بفتح الهمزة وسكون المثلثة شجر كالطرفاء لا شوك له، وخشبه جيد يعمل منه القصاع والأواني، وورقه أشنان يغسل به القصارون ( عمله) أي المنبر ( فلان) بالتنوين هو ميمون.
قال الحافظ ابن حجر: وهو الأقرب فيما قاله الصغاني، أو باقوم فيما قاله الغافقي وهو بموحدة فألف فقاف فواو فميم الرومي مولى سعيد بن العاص، أو باقول باللام فيما رواه عبد الرزاق أو قبيصة المخزومي ( مولى فلانة) بعدم الصرف للتأنيث والعلمية أنصارية وهي عائشة فيما قاله البرماوي كالكرماني، ورواه الطبراني بلفظ: وأمرت عائشة فصنعت له منبره، لكن سنده ضعيف، وقيل: مينا بكسر الميم أو هو صالح مولى العباس،

ويحتمل أن يكون الكل اشتركوا في عمله ( لرسول الله) أي لأجله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقام عليه) أي على المنبر ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين عمل ووضع) بالبناء للمفعول فيهما، ( فاستقبل) عليه السلام ( القبلة كبّر) بغير واو جواب عن سؤال كأنه.
قيل: ما عمل به بعد الاستقبال؟ قال: كبّر، وفي بعض الأصول: وكبّر بالواو، وفي أخرى فكبّر بالفاء، ( وقام الناس خلفه فقرأ) عليه السلام ( وركع وركع الناس خلفه ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى) نصب على أنه مفعول مطلق بمعنى الرجوع إلى خلف أي رجع الرجوع الذي يعرف بذلك، وإنما فعل ذلك لئلا يولي ظهره القبلة ( فسجد على الأرض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض فهذا شأنه) .
ولاحظ في قوله على الأرض معنى الاستعلاء، وفي قوله بالأرض معنى الإلصاق.

وفي هذا الحديث جواز ارتفاع الإمام على المأمومين، وهو مذهب الحنفية والشافعية وأحمد والليث، لكن مع الكراهة.
وعن مالك المنع، وإليه ذهب الأوزاعي وأن العمل اليسير غير مبطل للصلاة.
قال الخطابي: وكان المنبر ثلاث مراقي فلعله إنما قام على الثانية منها فليس في نزوله وصعوده إلاّ خطوتان، وجواز الصلاة على الخشب، وكرهه الحسن وابن سيرين كما رواه ابن أبي شيبة عنهما وأن ارتفاع الإمام لغرض التعليم غير مكروه.

ورواته ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والسؤال، وأخرجه المؤلّف في الصلاة، وكذا مسلم وابن ماجة.

( قال) وللأصيلي وقال ( أبو عبد الله) أي البخاري، ( قال علي بن عبد الله) ولأبي ذر قال علي بن المديني: ( سألني أحمد بن حنبل) الإمام الجليل الذي وصفه ابن راهويه بأنه حجة بين الله وبين عباده في أرضه، المتوفّى ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين ( رحمه الله عن هذا الحديث.
قال)
وفي رواية فقال: ( فإنما) ولابن عساكر والأصيلي وإنما ( أردت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أعلى من الناس فلا) ولابن عساكر ولا ( بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث) أي بدلالة هذا الحديث.

( قال) أي علي بن المديني ( فقلت) أي لابن حنبل، وفي رواية قلت: ( إن سفيان) وللأصيلي وأبي الوقت: فإن سفيان ( بن عيينة كان يسأل) بالبناء للمفعول ( عن هذا كثيرًا فلم) أي أفلم ( تسمعه منه؟ قال: لا) صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة.




[ قــ :374 ... غــ : 378 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ -أَوْ كَتِفُهُ- وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا».


وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ».
[الحديث أطرافه في: 689، 73، 733، 805، 1114، 1911، 469، 501، 589، 6684] .


وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبد الرحيم.
قال: حدّثنا يزيد بن هارون.
قال: أخبرنا حميد الطويل)
بضم الحاء ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه:
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقط عن فرس) في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة، وفي رواية عن فرسه ( فجحشت ساقه) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة والشين المعجمة أي خدشت أو أشدّ منه قليلاً ( أو) جحشت ( كتفه) شك من الراوي، وفي رواية الزهري عن أنس عند الشيخين فجحش شقّه الأيمن وهو أشمل، وعند الإسماعيلي من رواية بشر بن المفضل عن حميد انفكّت قدمه ( وآلى من نسائه) أي حلف لا يدخل عليهنّ ( شهرًا) لا أنه حلف لا يقربهنّ أربعة أشهر فصاعدًا ( فجلس) عليه الصلاة والسلام ( في مشربة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء وفتحها في غرفة ( له) معلقة ( درجتها من جذوع) بضم الجيم والمعجمة والتنوين بغير إضافة، وللكشميهني من جذوع النخل أي ساقها، ( فأتاه أصحابه يعودونه) بالدال المهملة ( فصلّى بهم) حال كونه ( جالسًا وهم قيام) جملة اسمية حالية، ( فلما سلم) من صلاته ( قال إنما جعل الإمام) إمامًا ( ليؤتم) أي ليقتدي ( به) وتتبع أفعاله والمفعول الأوّل وهو قوله: الإمام قائم مقام الفاعل.
( فإذا كبَّر) الإمام ( فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) بفاء التعقيب المقتضية لمشروعية المأموم الإمام في الأفعال.
( وإن صلّى) وللأصيلي.
وإذا صلّى ( قائمًا فصلّوا قيامًا) مفهومه وإن صلّى قاعدًا فصلّوا قعودًا وهو محمول على العجز أي: إذا كنتم عاجزين عن القيام كالإمام، والصحيح أنه منسوخ بصلاتهم في آخر عمره عليه الصلاة والسلام قيامًا وهو قاعد خلافًا لأحمد في مباحث تأتي إن شاء الله تعالى في موضعها.
( ونزل) عليه الصلاة والسلام من المشربة ( لتسع وعشرين) يومًا ( فقالوا يا رسول الله إنك آليت شهرًا، فقال) عليه الصلاة والسلام: ( إن الشهر) أي المحلوف عليه ( تسع وعشرون) يومًا، وفي رواية تسعة وعشرون، واستنبط منه أنه لو نذر صوم شهر معين أو اعتكافه فجاء تسعًا وعشرين لم يلزمه أكثر من ذلك، بخلاف ما لو قال شهرًا فعليه ثلاثون إن قصد عددًا وإلاّ فشهر بالهلال.

ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بغدادي وواسطي وبصري، وأخرجه المؤلّف في المظالم والصوم والنذور والنكاح والطلاق، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الصلاة.