فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى، وفضل الله المجاهدين على القاعدين} [النساء: 95] إلى قوله {غفورا رحيما} [النساء: 23]

باب
قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ -إِلَى قَوْلِهِ- غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 95] .

(باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل: ({ لا يستوي القاعدون} ) عن الجهاد ({ من المؤمنين} ) في موضع الحال من القاعدين أو من الضمير الذي فيه ومن للبيان، والمراد بالجهاد غزوة بدر قاله ابن عباس.
وقال مقاتل: غزوة تبوك.
({ غير أُولي الضرر} ) برفع غير صفة للقاعدين والضرر كالعمى والعرج والمرض، ({ والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} ) عطف على قوله: (القاعدون) أي لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة، وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعًا لرتبته وأنفة عن انحطاط منزلته ({ فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} ) نصب بنزع الخافض أي بدرجة والجملة موضحة للجملة الأولى التي فيها عدم استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل: ما بالهم لا يستوون؟ فأجيب بقوله: فضل الله المجاهدين ({ وكلاًّ} ) من القاعدين والمجاهدين ({ وعد الله الحسنى} ) المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم
وخلوص نيتهم وإنما التفاوت في زياد العمل المقتضي لمزيد الثواب ({ وفضل الله المجاهدين على القاعدين} ) كأنه قيل وأعطاهم زيادة على القاعدين ({ أجرًا عظيمًا} ) وأراد بقوله (إلى قوله: ({ غفورًا رحيمًا} ) [النساء: 95، 96] .
تمام الآية أي غفورًا لما عسى أن يفرط منهم رحيمًا بهم، وقال في رواية أبي ذر بعد قوله: { غير أولي الضرر} إلى قوله: { غفورًا رحيمًا} .


[ قــ :2703 ... غــ : 2831 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "لَمَّا نَزَلَتْ { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا فَجَاءَهُ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا.
وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ: { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} .
[الحديث 2831 - طرفاه في: 4593، 4594، 4990] .

وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: لما نزلت) أي كادت أن تنزل ({ لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) هو ابن ثابت الأنصاري (فجاء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فجاءه (بكتف) بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس (فكتبها) فيه.
وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عند أحمد وأبي داود إني لقاعد إلى جنب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أوحي إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي.
قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئًا قطّ أثقل منها، فصرح خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد فيحتمل قوله في رواية الباب: دعا زيدًا فكتبها على أنه لما كادت أن تنزل كما مرّ.

(وشكا ابن أم مكتوم) عمرو أو عبد الله بن زائدة العامري وأم مكتوم أمه واسمها عاتكة (ضرارته).
بفتح الضاد المعجمة أي ذهاب بصره (فنزلت) { لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أُولي الضرر} .

فإن قلت: لِمَ كرر الراوي { لا يستوي القاعدون من المؤمنين} وهلا اقتصر على قوله: { غير أولي الضرر} ؟ أجاب ابن المنير: بأن الاستثناء والنعت لا يجوز فصلهما عن أصل الكلام فلا بدّ أن تعاد الآية الأولى حتى يتصل بها الاستثناء والنعت.
وقال السفاقسي: إن كان الوحي نزل بقوله: (غير أولي الضرر) فقط فكأن الراوي رأى إعادة الآية من أولها حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه، وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الراوي صورة الحال.
قال ابن حجر: والأول أظهر لرواية سهل بن سعد فأنزل الله تعالى: { غير أولي الضرر} وقال ابن الدماميني متعقبًا لابن المنير في قوله إن الاستثناء والوصف لا يجوز فصلهما إلخ ... ليس هذا فصلاً ولا يضر ذكره مجردًا عما قبله لأن المراد حكاية الزائد على ما نزل أوّلاً فيقتصر عليه لأنه الذي تعلق به الغرض، ولذا قال في الطريق الثانية عن زيد فأنزل الله تعالى { غير أولي الضرر} فماذا يعتذر به عن
زيد بن ثابت مع كونه لم يصل الاستثناء أو النعت بما قبله؟ والحق أن كلاً الأمرين سائغ ثم إن اسثناء أولي الضرر يفهم التسوية بين القاعدين للعذر وبين المجاهدين، إذ الحكم المتقدم عدم الاستواء فيلزم ثبوت الاستواء لمن استثنى ضرورة أنه لا واسطة بين الاستواء وعدمه.

وحديث الباب أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الجهاد.




[ قــ :704 ... غــ : 83 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ , فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْلَى عَلَيْهِ: { لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَىَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي.
فَثَقُلَتْ عَلَىَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي.
ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} .
[الحديث 83 - طرفه في: 459] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ( الزهري قال: حدّثني) بالإفراد ( صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون التحتية ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سهل بن سعد الساعدي) الصحابي -رضي الله عنه-.
وقال الترمذي: لم يسمع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو من التابعين.
قال ابن حجر: لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة ( أنه قال: رأيت مروان بن الحكم) التابعي أمير المدينة زمن معاوية ثم صار خليفة بعد ( جالسًا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت) الأنصاري -رضي الله عنه- ( أخبره) ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أملى عليه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أملى عليّ ( { ولا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} ) [النساء: 95] .
( قال: فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ) بضم المثناة التحتية وكسر الميم وضم اللام مشددة وهو مثل يمليها عليّ ويملي ويملل بمعنى ولعل الياء منقلبة عن إحدى اللامين ( فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت) ؟ أي لو استطعت وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار أو استحضارًا لصورة الحال، ( وكان رجلاً أعمى) وهذا يفسر قوله في الرواية السابقة وشكا ضرارته ( فأنزل الله تعالى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفخذه على فخذي) بالذال المعجمة والواو للحال ( فثقلت عليّ) فخذه الشريفة ثقل الوحي ( حتى خفت أن ترض) بضم المثناة الفوقية وبعد الراء المفتوحة ضاد معجمة مثقلة أي تدق ( فخذي) ولغير أبي ذر أن ترض بفتح أوله ( ثم سري) بضم المهملة وتشديد الراء أي كشف ( عنه فأنزل الله عز وجل: { غير أولي الضرر} ) وفي رواية خارجة بن زيد عند أحمد وأبي داود قال زيد بن ثابت، فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان بالكتف.

وحديث الباب من أفراد البخاري، ومسلم.