فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل عائشة رضي الله عنها

باب فَضْلِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
( باب فضل عائشة) الصديقة بنت الصديق أبي بكر بن أبي قحافة القرشية التيمية، وأمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر، وكنيتها أم عبد الله بعبد الله بن الزبير ابن أختها، وقول أنها أسقطت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقطًا لم يثبت، وولدت في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوهما، ومات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولها نحو ثمانية عشر عامًا، وقد حفظت عنه شيئًا كثيرًا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها.
قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة -رضي الله عنها- أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة.
وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة.
وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلم جميع علم النساء لكان علم عائشة أفضل، ومن خصائصها أنها كانت أحب أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه، وبرأها الله مما رماها به أهل الإفك، وأنزل الله عز وجل في عذرها وبراءتها وحيًا يتلى في محاريب المسلمين إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
وتوفيت سنة ثمان وخمسين من الهجرة في خلافة معاوية، وقد قاربت السبعين وذلك ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة ( -رضي الله عنها-) .


[ قــ :3592 ... غــ : 3768 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا: يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى.
تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا اسم جده وأبو عبد الله المخزومي المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: ( قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( إن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا) :
( يا عائش) بفتح الشين في الفرع مصححًا عليه ويجوز ضمها ككل مرخم ( هذا جبريل يقرئك السلام) أي سلم عليك.
قالت ( فقلت: عليه السلام) ولغير أبي ذر وعليه السلام ( ورحمة الله وبركاته ترى) بتاء الخطاب ( ما لا أرى) بفتح الهمزة ( تريد) عائشة بذلك ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

قال في الفتح: وهذا من قول عائشة -رضي الله عنها- اهـ.

واستنبط منه استحباب بعث السلام وبعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم تخف مفسدة وأنه لو بلغه سلام أحد في ورقة من غائب لزمه الرد عليه باللفظ إذا قرأه.




[ قــ :3593 ... غــ : 3769 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: ( ح) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.
وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( قال) : المؤلّف بالسند السابق ( ح) .

( وحدّثنا عمرو) بفتح العين بن مرزوق الباهلي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين قال: ( أخبرنا شعبة) بن الحجاج ( عن عمرو بن مرة) بالميم المضمومة والراء المشددة وعمرو بفتح العين الهمداني الكوفي ( عن مرة) وسقط عن مرة في الفرع سهوًا وثبت في الأصل ( عن أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( كمل) بفتح الكاف والميم ويجوز كسر الميم وضمها ( من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم ( من النساء إلا مريم بنت عمران) أم عيسى عليه السلام ( وآسية) بوزن فاعلة من الأسى وهي بنت مزاحم ( امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عمه، وقيل غير ذلك.
استدلّ به على نبوة مريم وآسية، لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الصديقون ثم الأولياء والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة.
والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال: لم ينبأ من النساء إلاّ مريم وآسية ولو قال: لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك لغيرهن إلا أن يكون المراد من الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم به الدليل على ذلك لأجل ذلك قاله في الفتح.
واستشهد بعضهم لنبوة مريم بذكرها في سورة مريم مع الأنبياء وهو قرينة، وقد اختلف في نبوة نسوة غير مريم وآسية كحواء وسارة.
قال السبكي: ولم يصح عندنا في ذلك شيء.

( وفضل عائشة) بنت أبي بكر ( على النساء) أي نساء هذه الأمة ( كفضل الثريد) المتخذ من الخبز واللحم ( على سائر الطعام) وهذا لا يلزم منه ثبوت الأفضلية المطلقة بل يخص بنحو نساء هذه الأمة كما مرّ.
وأشار ابن حبان كما أفاده في الفتح إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعًا بينه وبين حديث الحاكم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة.

وفي الصحيح لما جاءت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "ألست تحبين ما أحب"؟ قالت: بلى.
قال: "فأحبي هذه يعني عائشة".
قال الشيخ تقي الدين السبكي: وهذا الأمر لا صارف لحمله على الوجوب، وحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الواحد حكمه على الجماعة، فيلزم من هذا وجوب محبتها على كل أحد.
وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها ما لا يحصى من الفضل، ونطق القرآن العزيز
في شأنها بما لم ينطق به في غيرها.

وأما بقية أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير خديجة فلا يبلغن هذه المرتبة، لكنا نعلم لحفصة بنت عمر من الفضائل كثيرًا فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة والكلام في التفضيل صعب، ولا ينبغي التكلم إلا بما ورد والسكوت عما سواه.
وحفظ الأدب.
وقال المتولي من أصحابنا: والأولى بالعاقل أن لا يشتغل بمثل ذلك.




[ قــ :3594 ... غــ : 3770 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي ( قال: حدّثنا) بالإفراد ( محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير ( عن عبد الله بن عبد الرحمن) أبي طوالة الأنصاري ( أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام) ولأبي ذر: على سائر الطعام.




[ قــ :3595 ... غــ : 3771 ]
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ "أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ".
[الحديث 3771 - طرفاه في: 4753، 4754] .

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة أبو بكر بندار العبدي قال: ( حدّثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاصي بن بشر الثقفي قال: ( حدّثنا ابن عون) عبد الله البصري ( عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق التيمي أحد الفقهاء بالمدينة ( أن عائشة) -رضي الله عنها- ( اشتكت) أي مرضت ( فجاء ابن عباس) إليها يعودها ( فقال) لها: ( يا أم المؤمنين تقدمين) بفتح الدال ( على فرط صدق) بفتح الفاء والراء أي بإضافته لصدق من إضافة الموصوف لصفته والفرط السابق إلى الماء والمنزل والصدق الصادق ( على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بدل بتكرار العامل ( وعلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه-، والمعنى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر قد سبقاك وأنت تلحقينهما وهم قد هيئا لك المنزل في الجنة فلتقرّ عينك بذلك.

ومطابقته للترجمة بكونه قطع لعائشة بدخول الجنة إذ لا يقول ابن عباس ذلك إلا بتوقيف.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير.




[ قــ :3596 ... غــ : 377 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: "لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ، خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلاَكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا".
[الحديث 377 - طرفاه في: 7100، 7101] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: ( حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن الحكم) بن عتيبة أنه قال: ( سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة ( قال: لما بعث عليّ عمارًا) هو ابن ياسر ( والحسن) بفتح الحاء ابن علي ( إلى) أهل ( الكوفة ليستنفرهم) ليطاب خروجهم إلى علي وإلى نصرته في مقاتلة كانت بينه وبين عائشة بالبصرة في وقعة الجمل وجواب لما قوله ( خطب عمار فقال) في خطبته: ( إني لأعلم أنها) يعني عائشة ( زوجته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في الدنيا والآخرة) وفي حديث ابن حبان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة" ( ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه) سبحانه وتعالى في حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه ( أو) لتتبعوا ( إياها) أي عائشة -رضي الله عنها-.




[ قــ :3597 ... غــ : 3773 ]
- حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ.
فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ بَرَكَةً".

وبه قال: ( حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة التابعي ابن الزبير بن العوّام ( عن عائشة -رضي الله عنها- أنها استعارت من) أختها ( أسماء) بنت أبي بكر الصديق ( قلادة) بكسر القاف قيل كان ثمنها اثني عشر درهمًا ( فهلكت) أي ضاعت ( فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا من أصحابه في طلبها) وفي التيمم رجلاً وفسر بأنه أسيد بن حضير ( فأدركتهم الصلاة فصلّوا بغير وضوء) لم أقف على تعيين هذه الصلاة ( فلما أتوا النبي) ولأبي ذر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شكوا ذلك) الذي وقع لهم من فقد الماء وصلاتهم بغير وضوء ( إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فنزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة ( فقال أسيد بن حضير) : بضم الهمزة والحاء المهملة مصغرين الأنصاري الأوسي الأشهلي، وزاد في التيمم لعائشة -رضي الله عنها- ( جزاك الله خيرًا فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا) من مضايقه وكربه والكاف في الثلاثة مكسورة على ما لا يخفى ( وجعل للمسلمين) كلهم ( فيه بركة) وسبق هذا الحديث في التيمم.




[ قــ :3598 ... غــ : 3774 ]
- حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا حِرْصًا عَلَى بَيْتِ
عَائِشَةَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا ( عبيد بن إسماعيل) الهباري قال: ( حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة ( عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كان في مرضه) الذي توفي فيه ( جعل يدور في نسائه ويقول) :
( أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرتين حال كون قوله ذلك ( حرصًا على) أن يكون في ( بيت عائشة) -رضي الله عنها-.
قال عروة ( قالت عائشة: فلما كان يومي) يوم نوبتي ( سكن) .
قال الكرماني: أي مات أو سكت عن هذا القول، وتعقبه في الفتح فقال الثاني: أي سكوته هو الصحيح والأول خطأ صريح، وتعقبه في العمدة فقال: الخطأ الصريح تخطئته لأن في رواية مسلم فلما كان يومي قبضه الله عز وجل بين سحري ونحري اهـ.

وهذا لا حجة فيه لأن مرادها أنه قبض يوم نوبتها لا اليوم الذي جاء إليها فيه لأن ذلك كان قبل موته بمدة، وقوله عن هشام عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صورته صورة المرسل لأن عروة تابعي، لكن دل قوله قالت عائشة -رضي الله عنها- أنه موصول عنها، ويأتي إن شاء الله تعالى موصولاً من وجه آخر في باب الوفاة النبوية بعون الله تعالى وقوته.




[ قــ :3599 ... غــ : 3775 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ.
قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي.
فَلَمَّا عَادَ إِلَىَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: ( حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: ( حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه ( قال: كان الناس يتحرون) بالحاء المهملة والراء المشددة المفتوحتين يقصدون ( بهداياهم) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يوم) نوبة ( عائشة) -رضي الله عنها- حين يكون عليه الصلاة والسلام عندها لعلمهم بحبه لها ( قالت عائشة: فاجتمع صواحبي) أمهات المؤمنين ( إلى أم سلمة) هند زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقلن) لها ولأبي ذر فقالوا ( يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير) بنون المتكلم ومعه غيره ( كما تريده عائشة فمري) بفتح الفاء وضم الميم وكسر الراء ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان) من بيوت نسائه ( أو حيثما دار) إليهن يوم نوبتهن ( قالت) : عائشة ( فذكرت ذلك) الذي قلن لها ( أم سلمة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما دار إليها يوم نوبتها ( قالت) أم سلمة: ( فأعرض عني) عليه الصلاة والسلام ( فلما
عاد إليّ)
يوم نوبتي ( ذكرت له ذاك) الذي قلن، ولأبي ذر ذلك باللام ( فأعرض عني فلما كان في) المرة ( الثالثة ذكرت له) ذلك ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها) وكفاها بهذا شرفًا وفخرًا.
ولحاف بكسر اللام هو ما يتغطى به.

وهذا الحديث قد سبق في باب قبول الهدية من كتاب الهبة.

هذا آخر النصف الأول كما نقله الكرماني عن المتقنين المعتنين بالبخارى من الشيوخ، وانتهت كتابته على يد جامعه أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني يوم الخميس حادي عشري رجب الفرد الحرام سنة إحدى عشرة وتسعمائة، والله أسأل بوجهه الكريم ونبيه العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن يعينني على إتمامه وتحريره، وينفعني به والمسلمين في الحال والمآل مع القبول والإقبال، وأن يمن عليّ بالمقام في الحضرة المحمدية مع الرضا في عافية بلا محنة استودعه ذلك فإنه لا تخيب ودائعه، والحمد لله وحده وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه.
يتلوه إن شاء الله تعالى أول النصف الثاني.