فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غزوة خيبر

باب غَزْوَةُ خَيْبَرَ
( باب غزوة خيبر) وهي مدينة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وسقط لفظ باب لأبي ذر.


[ قــ :3985 ... غــ : 4195 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ وَهْيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( عن مالك) إمام دار الهجرة ( عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ويسار بالتحتية والمهملة المخففة ( أن سويد بن النعمان أخبره أنه خرج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر) سنة سبع ( حتى إذا كنا بالصهباء) بالصاد المهملة والمد ( وهي من أدنى) أي من أسفل ( خيبر صلّى العصر ثم دعا بالأزواد) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر ( فلم يؤت إلا بالسويق فأمر) عليه الصلاة والسلام ( به فثري) بضم المثلثة وتشديد الراء وتخفف أي بلّ بالماء لما حصل له من اليبس ( فأكل) عليه الصلاة والسلام ( وأكلنا) منه وزاد في الجهاد وشربنا ( ثم قام الى) صلاة ( المغرب فمضمض) قبل أن يدخل في الصلاة ( ومضمضنا) كذلك ( ثم صلّى ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق.

وهذا الحديث سبق في الوضوء ويأتي إن شاء الله تعالى في الطعام.




[ قــ :3986 ... غــ : 4196 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ.
قَالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ»؟ قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ: «مَا لَكَ»؟.

قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ».
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: نَشَأَ بِهَا.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: ( حدّثنا حاتم بن إسماعيل) المدني الحارثي مولاهم ( عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع ( عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-) أنه ( قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من القوم) : هو أسيد بن حضير ( لعامر) عم سلمة بن الأكوع ( يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك) بهاءين أولاهما مضمومة بعدها نون مفتوحة فتحتية ساكنة مصغر هنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: هنياتك بهاء واحدة مضمومة وتشديد التحتية أي من أراجيزك.
وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: "أنزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك" ففيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي أمره بذلك ( وكان عامر رجلاً شاعرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني حدّاء ( فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا)

قال في الفتح: في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثر هذا الرجز قد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة.

( فاغفر فداء لك) بكسر الفاء والمد والمخاطب بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي اغفر لنا تقصيرنا في حقك ونصرك إذ لا يتصور أن يقال: مثل هذا الكلام للباري تعالى، وقوله: اللهم لم يقصد بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام ( ما أبقينا ... ) من الإبقاء بالموحدة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبناه من الآثام، ولأبي ذر: ما اتقينا بالفوقية المشدّدة أي ما تركناه من الأوامر ( وألقين) أي وسل ربك أن يلقين ( سكينة علينا ... وثبث الأقدام) أي وأن تثبت الأقدام ( إن لاقينا ... ) العدو ( إنا إذا
صيح)
بكسر الصاد المهملة وتسكين التحتية ( بنا) أي إذا دعينا إلى غير الحق ( أبينا ... ) أي امتنعنا ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أتينا بالفوقية بدل الموحدة أي إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق جئنا ( وبالصياح عوّلوا علينا ... ) أي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا علينا، وفي نسخة بالفرع كأصله أعولوا علينا ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من هذا السائق) ؟ للإبل ( قالوا) : يا رسول الله ( عامر بن الأكوع قال) عليه الصلاة والسلام: ( يرحمه الله) وعند أحمد من رواية إياس بن سلمة فقال: غفر لك ربك قال: وما استغفر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسان يخصه إلا استشهد ( قال رجل من القوم) : هو عمر بن الخطاب كما في مسلم ( وجبت) له الشهادة بدعائك له ( يا نبي الله لولا) أي هلا ( أمتعتنا به) أبقيته لنا لنتمتع به ( فأتينا خيبر) أي أهل خيبر ( فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة) مجاعة ( شديدة ثم إن الله تعالى فتحها عليهم) حصنًا حصنًا وكان أولها فتحًا حصن ناعم ( فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذه النيران على أي شيء توقدونـ) ـها ( قالوا) : نوقدها ( على لحم قال: على أيّ لحم) ؟ أي نوع اللحوم توقدونها ( قالوا: لحم الحمر الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون أو بفتح الهمزة والنون صفة حمر ولحم جر في الفرع كأصله ولأبي ذر بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو لحم حمر ويجوز النصب بنزع الخافض أي على لحم حمر وهو بضمتين جمع حمار ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهريقوها) بهمزة مفتوحة وسكون الهاء ولأبي ذر وابن عساكر هريقوها أي أريقوها والهاء زائدة ( واكسروها فقال رجل) : لم يسم أو هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ( يا رسول الله أو) بسكون الواو ( نهريقها) بضم النون ( ونغسلها قال) عليه الصلاة والسلام: ( أو) بسكون الواو ( ذاك) أي الغسل ( فلما تصافّ القوم) بتشديد الفاء أي للقتال ( كان سيف عامر) أي ابن الأكوع ( قصيرًا فتناول به ساق يهودي ليضربه) به ( ويرجع ذباب سيفه) أي طرفه الأعلى أو حدّه ( فأصاب عين ركبة عامر) أي طرف ركبته الأعلى، وعند أحمد فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه فبرز له عامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب عامر يسفل له أي يضربه من أسفل فرجع سيف عامر على نفسه ( فمات منه قال: فلما قفلوا) رجعوا من خيبر ( قال سلمة) بن الأكوع: ( رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخذ بيدي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يدي بإسقاط الجار ( قال: ما لك) ؟ وعند قتيبة رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاحبًا بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون، ولإياس: فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أبكي ( قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله) لأنه قتل نفسه وفي رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الأدب ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذب من قاله إن) ولأبي ذر: إن ( له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في سبيل الله واللام للتأكيد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أجرين بإسقاطها ( وجمع) عليه الصلاة والسلام ( بين إصبعيه إنه لجاهد) مرتكب للمشقة واللام للتأكيد ( مجاهد) في سبيل الله بكسر الهاء والتنوين فيهما بلفظ اسم الفاعل والأول مرفوع على الخبر والثاني اتباع للتأكيد كقولهم جادّ مجدّ، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي مما ليس في اليونينية جاهد بفتح الهاء والدال بلفظ الماضي.
قال عياض: والأول الوجه.

قال في التنقيح، وتبعه في المصابيح بفتح الهاء في الأول ماضيًا وكسرها في الثاني اسمًا منصوبًا بذلك الفعل جميعًا لمجهد ( قلّ عربي مشى) بالميم والقصر ( بها) بالأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة ( مثله) أي مثل عامر.
قال القاضي عياض: وأثر رواة البخاري عليه، وقال المؤلّف أيضًا.

( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل المذكور في السند السابق و ( قال) : في حديثه ( نشأ) بالنون بدل الميم وبالهمزة آخره نعل ماض أي شب ( بها) وكبر فخالف في هذه اللفظة، وهذه الرواية موصولة عند المؤلّف في الأدب.




[ قــ :3987 ... غــ : 4197 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى خَيْبَرَ لَيْلاً وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى خيبر) أي قريبًا منها ( ليلاً وكان إذا أتى قومًا بليل) ليغزوهم ( لم يُغِز بهم) بكسر الغين المعجمة من الإغارة وللأربعة لم يقربهم بالقاف من القرب ( حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم) بسكون الياء ( ومكاتلهم) قففهم يطلبون زرعهم ( فلما رأوه) عليه الصلاة والسلام ( قالوا) : جاء ( محمد والله محمد والخميس) الجيش ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما علمه من الوحي:
( خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) .

وهذا الحديث سبق في الجهاد في باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام.




[ قــ :3988 ... غــ : 4198 ]
- أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ».

وبه قال: ( أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا ( صدقة بن الفضل) المروزي قال: ( أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه ( قال: صبحنا خيبر) بتشديد الموحدة وسكون المهملة ( بكرة) استشكل مع الرواية السابقة أنهم قدموها ليلاً.
وأجيب: بالحمل على أنهم لما قدموها وباتوا دونها ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال
والإغارة ( فخرج أهلها) لزروعهم وضروعهم ( بالمساحي) التي هي آلات الحرث ( فلما بصروا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا) : هذا ( محمد والله) هذا ( محمد والخميس) رفع عطفًا على المرفوع أو نصب مفعولاً معه ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( الله أكبر خربت خيبر) تفاؤلاً بآلة الهدم مع لفظ المسحاة المأخوذ من سحوت المأخوذ منه أن مدينتهم ستخرب قاله السهيلي ( إنا إذا نزلنا بساحة قوم) بقربهم وحضرتهم ( فساء صباح المنذرين) أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب ( فأصبنا من لحوم الحمر فنادى منادي النبي) وفي نسخة رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله ورسوله ينهياكم) استدلّ به على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ينهاكم بالإفراد ( عن) أكل ( لحوم الحمر) الأهلية ( فإنها رجس) قذر ونتن.




[ قــ :3989 ... غــ : 4199 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ؟ فَسَكَتَ.
ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ؟ فَسَكَتَ.
ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ؟ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ" فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد ( عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن محمد) أي ابن سيرين ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه جاء) بالهزة منوّنًا لم يسم، ولأبي ذر: جاي بالتحتية منوّنًا بدلاً من الهمز والذي في اليونينية جاءي بهمزة ثم تحتية منوّنة ( فقال) : يا رسول الله ( أكلت الحمر) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ( فسكت) عليه الصلاة والسلام ( ثم أتاه) ولأبي ذر ثم أتى ( الثانية فقال) : يا رسول الله ( أكلت الحمر فسكت) عليه الصلاة والسلام ( ثم أتاه) ولأبي ذر ثم أتى ( الثالثة فقال: أفنيت الحمر فأمر مناديًا) هو أبو طلحة ( فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم) بتثنية الضمير نهي تحريم ( عن لحوم الحمر الأهلية) فإنها رجس ( فأكفئت القدور) بضم الهمزة وسكون الكاف وكسر الفاء وهمزة مفتوحة قيل الصواب فكفئت بإسقاط الهمزة الأولى ( وإنها لتفور باللحم) أي قد اشتد غليانها به.




[ قــ :3990 ... غــ : 400 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ.
وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ.

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم ( عن ثابت) البناني ( عن أنس -رضي الله عنه-) أنه ( قال: صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبح قريبًا من خيبر بغلس) في أول وقتها ذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام لما أشرف على خيبر:
( الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) المخصوص بالذم محذوف أي فساء صباح المنذرين صباحهم ( فخرجوا) أي يهود خيبر حال كونهم ( يسعون في السكك) أي في أزقة خيبر ويقولون: محمد والخميس فقاتلهم عليه الصلاة والسلام حتى ألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم، وعلى أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئًا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكًا لحيي بن أخطب فيه حليهم فقال عليه الصلاة والسلام: "أين مسك حيي بن أخطب" قالوا: أذهبته الحروب والنفقات فوجدوا المسك ( فقتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقاتلة) بكسر التاء الأولى أي الرجال ( وسبى الذرية وكان في السبي صفية) بنت حيي ( فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتزوجها ( فجعل عتقها صداقها) خصوصية له عليه الصلاة والسلام ( فقال عبد العزيز بن هيب لثابت: يا أبا محمد آنت) بمد الهمزة ( قلت لأنس ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام ( فحرّك ثابت رأسه تصديقًا له) .

وهذا الحديث سبق في صلاة الخوف في باب التكبير والغلس.




[ قــ :3991 ... غــ : 401 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا.

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد العزيز بن صهيب) أنه ( قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سبى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) سيدة قريظة والنضير وعند ابن إسحاق أنها سبيت من حصن القموص ( فأعتقها وتزوجها) بغير مهر قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقًا ( فقال) : ولأبي ذر قال: ( ثابث) البناني ( لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها) .
وهذا ظاهر جدًّا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق وهو من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي.




[ قــ :399 ... غــ : 40 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ
مَعَهُ قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن الإسكندراني ( عن أبي حازم) سلمة بن دينار ( عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التقى هو والمشركون) أي في خيبر كما في حديث أبي هريرة اللاحق لهذا الحديث ( فاقتتلوا فلما مال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم ( ومال الآخرون) أهل خيبر ( إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) قيل هو قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بفتح المعجمة والفاء نسبة لبني ظفر بطن من الأنصار، وكنيته أبو الغيداق بغين معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة آخره قاف ( لا يدع لهم) أي لا يترك لليهود نسمة ( شاذة) بثين وذال مشددة معجمتين التي تكون مع الجماعة ثم تفارقهم ( ولا فاذة) بالفاء والمعجمة المشددة أيضًا التي لم تكن اختلطت بهم أصلاً والمعنى أنه لا يرى نفسه نسمة منهم ( إلا اتبعها) بتشديد الفوقية ( يضربها بسيفه) يقتلها ( فقيل) وللأصيلي فقالوا ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال: ولأبي ذر عن الكشميهني فقلت: قال في الفتح: فإن كانت هذه محفوظة فالقائل سهل بن سعد الساعدي ( ما أجزأ) بجيم وزاي أي ما أغنى ( منا اليوم أحد كما أجزأ فلان) هو على سبيل المبالغة فقد كان في القوم من كان فوقه في ذلك ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أما) بالتخفيف استفتاحية فتكسر الهمزة من قوله ( أنه من أهل النار) لنفاقه باطنًا.
وعند الطبراني من حديث أكتم الخزاعي قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "ذلك اخبأت النفاق" ( فقال رجل من القوم) : هو أكتم بن أبي الجون الخزاعي ( أنا صاحبه) أي لأتبعه كما في الرواية الأخرى ( قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل) قزمان ( جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه) بمعجمة مضمومة أي طرفه ( بين ثدييه ثم تحامل) مال ( على سيفه) زاد أكتم حتى خرج من ظهره ( فقتل نفسه فخرج الرجل) الذي اتبعه ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فقال: أشهد أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( وما ذاك) ( قال الرجل الذي ذكرت أنفًا) بمد الهمزة وكسر النون أي الآن: ( أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك) الذي قلته ( فقلت: أنا لكم به) أتبعه حتى أرى ما له ( فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه
بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو)
يظهر ( للناس وهو من أهل النار وأن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) فيه التحذير من الاغترار بالأعمال.

تنبيه:
قال المهلب: هذا الرجل ممن أعلمنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نفذ عليه الوعيد من النفاق، ولا يلزم منه أنه كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار.
وقال السفاقسي: يحتمل أن يكون قوله هو من أهل النار إن لم يغفر الله له.




[ قــ :3993 ... غــ : 403 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: «قُمْ يَا فُلاَنُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ».
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.




[ قــ :3993 ... غــ : 404 ]
- وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ.
.

     وَقَالَ  ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
.

     وَقَالَ  الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: شهدنا خيبر) مجاز عن جنسه من المسلمين لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- إنما جاء بعد فتح خيبر، لكن عند الواقدي أنه حضر بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرجل) أي عن رجل منافق ( ممن معه يدعي الإسلام) :
( هذا من أهل النار) لأنه منافق غير مؤمن أو أنه سيرتد أو يستحل قتل نفسه ( فلما حضر القتال) بالرفع مصححًا عليه في الفرع على الفاعلية ويجوز النصب ( أي فلما حضر الرجل) القتال ( قاتل الرجل أشدّ القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد) أي قارب ( بعض الناس يرتاب) أي يشك في صدقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهمًا) بالهمز أوله
وضم الهاء بلفعل الجمع، ولأبي ذر عن الكشميهني: سهمًا بالإفراد ( فنحر بها نفسه فاشتد) أي أسرع ( رجال من المسلمين) في المشي ( فقالوا: يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( قم يا فلان) هو بلال كما في القدر، أو عمر بن الخطاب كما في مسلم، أو عبد الرحمن بن عوف كما عند البيهقي، ويحتمل أنهم نادوا جميعًا في جهات مختلفة كما قاله في الفتح ( فأذّن) بتشديد الذال المعجمة المكسورة ( أنه) ولأبي ذر أن ( لا يدخل الجنة إلا مؤمن) فيه إشعار بسلب الإيمان عن هذا الرجل ( إن الله يؤيد) ولأبي ذر عن الكشميهني ليؤيد ( الدين بالرجل الفاجر) .
الذي قتل نفسه أو آل للجنس لا للعهد فيعم كل فاجر أيد الدين وساعده بوجه من الوجوه.
وقد صرح في حديث أبي هريرة هذا بما أبهمه في حديث سهل من أن هذه القصة كانت بخيبر وهو ظاهر سياق المؤلّف وأنهما متحدتان عنده، لكن بين السياقين اختلاف كما لا يخفى فلذا جنح السفاقسي إلى التعدد.
نعم يمكن الجمع باحتمال أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالاً للموت وحينئذٍ فلا تعدد ( تابعه) أي تابع شعيبًا ( معمر) هو ابن راشد كما هو موصول في القدر والجهاد عند المؤلّف ( عن الزهري) محمد بن مسلم في هذا الأسناد.

( وقال شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى ابن سعيد فيما وصله النسائي ( عن يونس) بن يزيد ( عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: ( أخبرني) بالإفراد ( ابن المسيب) سعيد ( وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- ( قال: شهدنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) وللأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي حنينًا بالحاء المهملة والنون بدل خيبر يعني فخالف يونس معمرًا وشعيبًا.

وقال عياض في شرحه لمسلم في حديث أبي هريرة: شهدنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حنينًا كذا وقعت الرواية فيها عند عبد الرزاق في الأم، ورواه الذهلي خيبر أي بالخاء المعجمة وهو الصواب.
وقال في المشارق: رواه جميع رواة مسلم حنينًا، وكذا بعض رواة البخاري من طريق يونس عن الزهري، وكذا المنذري وصوابه خيبر كما رواه ابن السكن وإحدى الروايتين عن الأصيلي عن المروزي في حديث يونس هذا، وكذا في البخاري في حديث شعيب والزبيدي عن الزهري وكذا قال غندر عن معمر قاله الذهلي قال: وحنين وهم، لكن رواية من رواه عن البخاري في حديث يونس صحيحة الرواية خطأ في نفس الحديث كما عند مسلم لأنه روى الرواية على وجهها وإن كان خطأ في الأصل.
ألا ترى قصد البخاري إلى التنبيه عليه بقوله، وقال شبيب عن يونس إلى قوله خيبر فالوهم من يونس لا ممن دون البخاري ومسلم.

( وقال ابن المبارك) عبد الله المروزي ( عن يونس) بن يزيد ( عن الزهري) ابن شهاب ( عن سعيد) أي ابن المسيب ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يريد بهذا التعليق أن سعيدًا وافق شبيبًا في لفظ حنين بالحاء المهملة وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث وهذا وصله المؤلّف في الجهاد وليس فيه تعيين الغزوة
( تابعه) أي تابع ابن المبارك ( صالح) هو ابن كيسان ( عن الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله المؤلّف في تاريخه.
قال في الفتح: أي في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن والإسناد كما هو ظاهر سياقه في تاريخه.

( وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد أبو الهذيل الشامي الحمصي ( أخبرني) بالإفراد ( الزهري) محمد ( أن عبد الرحمن بن كعب) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله بن كعب ( أخبره أن عبيد الله) بضم العين في اليونينية ( ابن كعب قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت حدثني ( من شهد مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) ولأبي ذر بخيبر بزيادة الجار وهذا وصله المؤلّف في التاريخ.

وقال الزبيدي: ( قال) ولأبي ذر وقال ( الزهري: وأخبرني) بالإفراد ( عبيد الله) بضم العين ( ابن عبد الله) بن عمر بن الخطاب، لكن قال الغساني عبيد الله بالتصغير لا أدري من هو ولعله وهم، والصحيح عبد الرحمن بن عبيد الله بن كعب وكذا عند الذهلي.
قال الزهري: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله.
قال ابن حجر: وهو أصوب من عبيد الله أي بالتصغير ( وسعيد) أي ابن المسيب ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا التعليق مرسل وصله الذهلي في الزهريات.
قال في الفتح: وقد اقتضى صنيع المؤلّف ترجيح رواية شعيب ومعمر وأن بقية الروايات محتملة وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شيء منها.