فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الرجل: جعلني الله فداك

باب قَوْلِ الرَّجُلِ: جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا.

( باب) جواز ( قول الرجل) لمن يحبه من عالم أو غيره ( جعلني الله فداءك) بكسر الفاء والمدّ.
( وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- فيما سبق موصولاً في الهجرة من حديث أبي سعيد
( للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قال: إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله ( فديناك بآبائنا وأمهاتنا) .


[ قــ :5856 ... غــ : 6185 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَرْأَةُ وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: أَحْسِبُ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاءَكَ هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالَ: «لاَ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ.

وبه قال: ( حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا بشر بن المفضل) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة والمفضل بفتح الضاد المعجمة المشددة ابن لاحق البصري قال: ( حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة ( عن أنس بن مالك أنه أقبل هو وأبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري عن عسفان إلى المدينة ( مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) بنت حييّ أم المؤمنين حال كونه ( مردفها) ولأبي ذر مردفها بالرفع خبر مبتدأ محذوف ( على راحلته، فلما كانوا) ولأبي ذر عن الكشميهني كان ( ببعض الطريق عثرث الناقة) بفتح العين المهملة والمثلثة ( فصرع) بضم الصاد المهملة أي سقط ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمرأة) صفية ( وأن) بفتح الهمزة ( أبا طلحة قال) أنس: ( أحسب اقتحم عن بعيره) بالقاف الساكنة والحاء المهملة رمى نفسه من غير روية ( فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا نبي الله جعلني الله فداءك) بكسر الفاء والهمزة ( هل أصابك من شيء؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( لا ولكن عليك بالمرأة) صفية فاحفظها وانظر في أمرها ( فألقى أبو طلحة) -رضي الله عنه- ( ثوبه على وجهه) حتى لا يرى صفية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فألوى بثوبه ( فقصد قصدها) أي نحا نحوها ومشى إلى جهتها ( فألقى ثوبه عليها) ليسترها به ( فقامت المرأة) صفية ( فشدّ لهما على راحلتهما فركبا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفية ( فساروا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ( حتى إذا كانوا بظهر المدينة) أي بظاهرها ( أو قال: أشرفوا) بالشين المعجمة والفاء ( على المدينة قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( آيبون) جمع آيب راجعون إلى الله ( تائبون) راجعون عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود قاله تعليمًا لأمته أو تواضعًا ( عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها) أي هذه الكلمات ( حتى دخل المدينة) .

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: جعلني الله فداءك على ما لا يخفى، وفيه دليل على جواز ذلك إذ لو كان غير سائغ لنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائله ولأعلمه قيل لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسوغ ذلك لغيره لأن نفسه الشريفة أعز من أنفس القائلين وآبائهم.
وأجيب: بأن الأصل عدم الخصوصية.
وفي حديث ابن عمر أنه قال لفاطمة: ( فداك أبوك) .
وفي حديث ابن مسعود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه: ( فداكم أبي وأمي) .
وحديث أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال مثل ذلك للأنصار رواها ابن أبي عاصم، وأما ما رواه مبارك بن فضالة عن الحسن قال: دخل الزبير على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو شاك قال: كيف تجدك جعلني الله فداءك قال ما تركت أعرابيتك بعد؟ فقال الطبري: لا حجة فيه على المنع لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحة وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع بل فيه إشارة إلى أنه ترك الأولى في القول للمريض إما بالتأنيس والملاطفة وإما بالدعاء والتوجع.

والحديث سبق في الجهاد.