فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الدعاء إذا انتبه بالليل

باب الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيْلِ
( باب) استحباب ( الدعاء إذا انتبه بالليل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من الليل.


[ قــ :5983 ... غــ : 6316 ]
- حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَى حَاجَتَهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ فَصَلَّى فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّى كُنْتُ أَتَّقِيهِ فَتَوَضَّأْتُ فَقَامَ يُصَلِّى، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأُذُنِى فَأَدَارَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلاَتُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ فَآذَنَهُ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِى دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَعَنْ يَمِينِى نُورًا، وَعَنْ يَسَارِى نُورًا، وَفَوْقِى نُورًا، وَتَحْتِى نُورًا، وَأَمَامِى نُورًا، وَخَلْفِى نُورًا، وَاجْعَلْ لِى نُورًا»، قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِى التَّابُوتِ فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ فَحَدَّثَنِى بِهِنَّ، فَذَكَرَ عَصَبِى وَلَحْمِى وَدَمِى وَشَعَرِى وَبَشَرِى وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ.

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا ابن مهدي) بفتح الميم عبد الرحمن ( عن سفيان) الثوري ( عن سلمة) بن كهيل ( عن كريب) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه ( قال: بت عند ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين خالة ابن عباس رضي الله عنهم ( فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتى حاجته غسل) ولأبي ذر: فغسل ( وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القِربة فأطلق شناقها) بكسر الشين المعجمة وبعد النون ألف فقاف رباطها ( ثم توضأ وضوءًا بين وضوءَين) بضم الواو، ولأبي ذر بفتحها من غير تقتير ولا تبذير كما فسره بقوله ( لم يكثر) بأن اكتفى بأقل من الثلاث في الغسل ( وقد أبلغ) أوصل الماء إلى ما يجب إيصاله إليه ( فصلّى فقمت فتمطيت) بالمثناة التحتية الساكنة وأصله تمطط أي تمدد وقيل هو من المطا وهو الظهر لأن المتمطي يمدّ مطاه أي ظهره ( كراهية أن يرى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أني كنت أنقيه) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فقاف مكسورة فتحتية ساكنة كذا في الفرع مصلحة على كشط، ولأبي ذر في هامشه كأصله أرقبه براء ساكنة بعد همزة مفتوحة وبعد القاف موحدة ولم يرقم عليه في اليونينية، وفي الفتح أتقيه بمثناة فوقية مشددة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة.
وقال الخطابي: أي أرتقبه.
وفي رواية أتنقبه بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش، وفي رواية القابسي أبغيه بموحدة ساكنة بعدها غين معجمة مكسورة ثم تحتية أي أطلبه قال: والأكثر أرقبه وهي أوجه ( فتوضأت فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يصلّي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامّت) بمثناتين تفاعل وهو لا يجيء إلا لازمًا أي تكاملت ( صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان) عليه الصلاة والسلام ( إذا نام نفخ فآذنه) بالمد أي أعلمه ( بلال بالصلاة فصلّى ولم يتوضأ) لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه ( وكان يقول في) جملة ( دعائه) :
( اللهم اجعل في قلبي نورًا) يكشف لي عن المعلومات ( وفي بصري نورًا) يكشف المبصرات ( وفي سمعي نورًا) مظهرًا للمسموعات ( وعن يميني نورًا وعن يساري) ولأبي ذر عن الكشميهني وعن شمالي ( نورًا) وخص القلب والبصر والسمع بفي الظرفية لأن القلب مقر الفكرة في آلاء الله والبصر مسارح آيات الله المصونة والأسماع مراسي أنوار وحي الله ومحط آياته المنزلة وخص اليمين والشمال بعن إيذانًا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من أتباعه قاله الطيبي ( وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا) ثم أجمل ما فصله بقوله ( واجعل لي نورًا) فذلك لذلك وتوكيدًا له، وقد سأل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النور في أعضائه وجهاته ليزداد في أفعاله وتصرفاته ومتقلباته نورًا على نور فهو دعاء بدوام ذلك، فإنه كان حاصلاً له لا محالة أو هو تعليم لأمته.

وقال الشيخ أكمل الدين: أما النور الذي عن يمينه فهو المؤيد له والمعين على ما يطلبه من النور الذي بين يديه، والذي عن يساره نور الوقاية، والذي خلفه فهو النور الذي يسعى بين يدي من يقتدي به ويتبعه فهو لهم من بين أيديهم وهو له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خلفه فيتبعونه على بصيرة، كما أن المتبع على بصيرة قال الله تعالى { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن}
[يوسف: 108] وأما النور الذي فوقه فهو تنزل نور إلهي قدسي بعلم غريب لم يتقدمه خبر ولا يعطيه نظر وهو الذي يعطي من العلم بالله ما ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيمان فإن كان لها إيمان نوراني قبلته بتأويل لتجمع بين الأمرين وقوله: واجعل لي نورًا يجوز أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلها يعني التي ذكرها هنا والتي لم يذكرها كأنوار السماء الإِلهية وأنوار الأرواح وغير ذلك.
وتحقيق هذا المقام يقتضي بسطًا يخرج عن غرض الاختصار.

( قال كريب) : مولى ابن عباس بالسند المذكور ( وسبع) من الكلمات أو الأنوار ( في التابوت) الصدر الذي هو وعاء القلب تشبيهًا بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع أو التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة أو الصندوق أي سبع مكتوبة عند كريب لم يحفظها ذلك الوقت أو المراد بالتابوت حينئذٍ أن السبعة بجسد الإنسان لا بالمعاني كالجهات الست قال كريب، أو سلمة بن كهيل: ( فلقيت رجلاً من ولد العباس) هو عليّ بن عبد الله بن العباس -رضي الله عنهم- ( فحدثني بهن فذكر عصبي) بفتح العين والصاد المهملتين ثم موحدة أطناب المفاصل ( ولحمي ودمي وشعري وبشري) ظاهر جلده الشريف ( وذكر خصلتين) أي العظم والمخ كما قاله السفاقسي والداودي، وقال في الكواكب: لعلهما الشحم والعظم وفي مسلم من طريق عقيل عن سلمة بن كهيل فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتسع عشرة كلمة حدثنيها كريب فحفظت منها عشرًا ونسيت ما بقي فذكر ما في رواية الثوري وزاد: في لساني نورًا بعد قوله في قلبي، وقال في آخره: واجعل لي في نفسي نورًا وأعظم لي نورًا.

وعند الترمذي وقال: غريب من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده سمعت نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة حين فرغ من صلاته يقول: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك" الحديث.
وفيه "اللهم اجعل لي نورًا في قبري" ثم ذكر القلب ثم الجهات الست والسمع والبصر ثم الشعر والبشر ثم اللحم والدم ثم العظام ثم قال في آخره "اللهم أعظم لي نورًا وأعطني نورًا واجعل لي نورًا".
وعند ابن أبي عاصم في كتاب الدعاء من طريق عبد الحميد بن عبد الرَّحمن عن كريب في آخر الحديث "وهب لي نورًا على نور".

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وفي الطهارة وأبو داود في الأدب والنسائي في الصلاة وابن ماجة في الطهارة.




[ قــ :5984 ... غــ : 6317 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِى مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ
خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد ( عبد الله بن محمد) المسندي قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: سمعت سليمان بن أبي مسلم) الأحول ( عن طاوس) هو ابن كيسان ( عن ابن عباس) أنه قال: ( كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من الليل يتهجد) حال من الضمير في قام ( قال) : في موضع نصب خبر كان أي كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند قيامه متهجدًا يقول:
( اللهم لك الحمد) وفي رواية مالك عن أبي الزبير عن طاوس إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل.
وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة والتهجد التيقظ من النوم والهجود النوم فمعناه التجنب عن النوم والحمد الوصف بالجميل على التفضيل والألف واللام فيه للاستغراق ( أنت نور السماوات والأرض) منوّرهما ( و) منوّر ( من فيهن) بنور هدايتك وعبر بمن دون ما تغليبًا للعقلاء على غيرهم ( ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن) المدبر لهم في جميع أحوالهم فلا يتصور وجود موجود إلا به ( ولك الحمد أنت الحق) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه ( ووعدك حق) ثابت لا يدخله شك في وقوعه وتحققه، ولأبي ذر: الحق بالتعريف ( وقولك حق) أي مدلوله ثابت، وفي رواية أبي ذر بالتعريف كالسابقة ( ولقاؤك) بعد الموت في القيامة ( حق والجنة حق والنار حق والساعة) وهو قيامها ( حق) فلا بد منه وهو مما يجب الاِيمان به فمنكره كافر ثبتنا الله على ذلك وعلى تصديق كل ما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ( والنبيون حق) لا يجوز إنكار واحد منهم ( ومحمد حق) عطفه عليهم إيذانًا بالتغاير إذ إنه فائق عليهم بخصوصيات اختص بها دونهم وجرده عن ذاته كأنه غيره ووجب عليه الإِيمان به وتصديقه مبالغة في إثبات نبوته وهذه كلها وسائل قدمت لتحقق المطلوب من قوله ( اللهم لك أسلمت) انقدت لأمرك ونهيك ( وعليك توكلت) أي فوضت الأمر إليك قاطعًا النظر عن الأسباب العادية ( وبك آمنت) صدقت بك وبما أنزلت ( وإليك أنبت) رجعت مقبلاً بالقلب وعليك ( وبك) بما أعطيتني من البرهان والسنان ( خاصمت) الخصم المعاند وقمعته بالحجة والسيف ( وإليك حاكمت) كل من جحد ( فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) أخفيت وأظهرت أو ما تحرك به لساني أو حدثت به نفسي قال: ذلك مع القطع له بالمغفرة تواضعًا وتعظيمًا لله تعالى وتعليمًا وإرشادًا للأمة ( أنت المقدم) لي في البعث في القيامة ( وأنت المؤخر) لي في البعث في الدنيا ( لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك) ولأبي ذر عن الكشميهني بإسقاط الألف من أو.

والحديث سبق في أول التهجد في آخر كتاب الصلاة.