فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قوله تعالى {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} [الكهف: 54]

باب قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54]
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] .

(باب قوله تعالى): وسقط لأبي ذر قوله تعالى: ({ وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54] ) جدلاً تمييز أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال إن فصلتها واحدًا بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء (وقوله تعالى: { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46] ) بالخصلة التي هي أحسن وهي مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم كما قال: { ادفع بالتي هي أحسن} [فصلت: 34] إلا الذين ظلموا منهم فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة، وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو الذين أثبتوا الولد والشريك، وقالوا: { يد الله مغلولة} [المائدة: 64] أو معناه لا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدّين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسيف، والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين وعلى جواز تعلم علم الكلام الذي به تتحقق المجادلة.


[ قــ :6954 ... غــ : 7347 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ ح.

حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ قَالَ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُمْ أَلاَ تُصَلُّونَ فَقَالَ عَلِىٌّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ: وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ: { وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54] .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ مَا أَتَاكَ لَيْلاً فَهْوَ طَارِقٌ، وَيُقَالُ الطَّارِقُ: النَّجْمُ، وَالثَّاقِبُ: الْمُضِىءُ.
يُقَالُ: أَثْقِبْ نَارَكَ لِلْمُوقِدِ.

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) بضم المعجمة وفتح المهملة ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم أبي بكر أحد الأعلام (ح) مهملة للتحويل من سند إلى آخر قال البخاري: (حدّثني) بالإفراد بغير واو ولأبي ذر وحدّثني (محمد بن سلام) بالتخفيف البيكندي الحافظ قال: (أخبرنا عتاب بن بشير) بفتح العين والفوقية المشددة وبعد الألف موحدة وبشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة الجزري بالجيم والزاي ثم الراء المكسورة (عن إسحاق) بن راشد الجزري أيضًا ولفظ الحديث له (عن الزهري) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (علي بن حسين) بضم الحاء وفتح السين المهملتين ابن علي بن أبي طالب (أن) أباه (حسين بن علي -رضي الله عنهما- أخبره أن) أباه (علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وفاطمة عليها السلام بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب فاطمة عطفًا على الضمير المنصوب في طرقه أي أتاهما ليلاً (فقال لهم): لعليّ وفاطمة ومن معهما يحضهم.

(ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (تصلون) وفي رواية شعيب بن أبي حمزة في التهجد فقال لهما: ألا تصليان بالتثنية (فقال علي فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله) استعارة لقدرته (فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) بفتح المثلثة فيهما أن يوقظنا للصلاة أيقظنا (فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مدبرًا (حين قال له) عليّ (ذلك ولم يرجع إليه شيئًا) أي لم يجبه بشيء.
وفيه التفات وفي رواية شعيب فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئًا (ثم سمعه وهو مدبر) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الموحدة مول ظهره ولأبي ذرّ وهو منصرف حال كونه (يضرب فخذه) بكسر الخاء وفتح الذال المعجمتين تعجبًا من سرعة جوابه (وهو) أي والحال أنه (يقول: { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} ) ويؤخذ من الحديث أن عليًّا ترك فعل الأولى وإن كان ما احتج به متجهًا، ومن ثم تلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآية، ولم يلزمه مع ذلك بالقيام إلى الصلاة ولو كان امتثل وقام لكان أولى، وفيه أن الإنسان جبل على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل، ويحتمل أن يكون عليّ امتثل ذلك إذ ليس في القصة تصريح بأن عليًّا امتنع، وإنما أجاب على ما ذكر اعتذارًا عن ترك القيام لغلبة النوم ولا يمتنع أنه صلّى عقب هذه المراجعة إذ ليس في الحديث ما ينفيه وفيه مشروعية التذكير للغافل لأن الغفلة من طبع البشر.

(قال أبو عبد الله) المؤلّف رحمه الله.
(يقال ما أتاك ليلاً فهو طارق) لاحتياجه إلى دق الباب
وسقط قال أبو عبد الله الخ لغير أبي ذر (ويقال: الطارق النجم والثاقب المضيء) لثقبه الظلام بضوئه (يقال: اثقب) بكسر القاف وجزم الموحدة فعل أمر (نارك للموقد) بكسر القاف الذي يوقد النار يشير إلى قوله تعالى: { والسماء والطارق} [الطارق: 1] الخ.
فأقسم بالسماء لعظم قدرها في أعين الخلق لكونها معدن الرزق ومسكن الملائكة وفيها الجنة وبالطارق، والمراد جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرمي بها لعظم منفعتها ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلاً طارق.




[ قــ :6955 ... غــ : 7348 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بَيْنَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ».
فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا».
فَقَالُوا: بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَلِكَ أُرِيدُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا».
فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَلِكَ أُرِيدُ».
ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ».

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام مولى بني فهم ( عن سعيد) بكسر العين المقبري ( عن أبيه) أبي سعيد كيسان ( عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه قال: ( بينا) بغير ميم ( نحن في المسجد خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) :
( انطلقوا إلى يهود.
فخرجنا معه)
عليه الصلاة والسلام ( حتى جئنا بيت المدراس) بكسر الميم وسكون الدال المهملة وهو الذي يدرس فيه عالمهم التوراة ( فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فناداهم فقال: يا معشر يهود أسلموا) بكسر اللام ( تسلموا) بفتحها الأول من الإسلام والثاني من السلامة ( فقالوا: بلغت) الرسالة ولأبي ذر قد بلغت ( يا أبا القاسم) ولم يذعنوا لطاعته ( قال: فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذلك) أي إقراركم بالتبليغ ( أريد) بضم الهمزة وكسر الراء أقصد وسقط لأبي ذر قوله لهم رسول الله إلى آخر التصلية: ( أسلموا تسلموا.
فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم.
فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذلك أريد.
ثم قالها)
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقالة المذكورة المرة ( الثالثة) وكرر للمبالغة في التبليغ { وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 15] ( فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: ( اعلموا أنما الأرض لله ورسوله) بفتح همزة أنما ولأبي ذر ولرسوله ( وإني أريد أن أجليكم) بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أطردكم ( من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله) الباء للبدلية أي بدل ماله ( شيئًا فليبعه) جواب من أي من كان له شيء مما لا يمكن نقله فليبعه ( وإلاّ) أي وإن لا تفعلوا ما قلت لكم ( فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله) يورثها للمسلمين.

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة وسبق في الجزية من كتاب الجهاد.