فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يكره من النياحة على الميت

باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ
وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ.


( باب ما يكره) كراهة تحريم ( من النياحة على الميت) و: من، لبيان الجنس، والنياحة، رفع الصوت بالندب قاله في المجموع وقيده غيره بالكلام المسجع.

( وقال عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) لما مات خالد بن الوليد، رضي الله عنه، سنة إحدى وعشرين بحمص، أو ببعض قراها، أو بالمدينة.
واجتمع نسوة المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر رضي الله عنه: أرسل إليهن فانههن.
فقال:
( دعهن يبكين على أبي سليمان) هي: كنية خالد ( ما لم يكن نقع) بفتح النون وسكون القاف آخره عين مهملة ( أو لقلقة) بلامين وقافين.
وهذا الأثر وصله المؤلّف في تاريخه الأوسط من طريق الأعمش عن شقيق.

قال المؤلّف، كالفراء: ( والنقع: التراب) أي: يوضع ( على الرأس، واللقلقة الصوت) المرتفع.

وقال الإسماعيلي: النقع هنا الصوت العالي، واللقلقة حكاية ترديد صوت النوّاحة، وحكى سعيد بن منصور: أن النقع شق الجيوب، وحكي في مصابيح الجامع، عن الأكثرين: أن النقع رفع الصوت بالبكاء.
قال الزركشي: والتحقيق أنه مشترك، يطلق على الصوت وعلى الغبار.
ولا يبعد أن يكونا مرادين.
يعني في قوله: ما لم يكن نقع أو لقلقة.
لكن حمله على وضع التراب أولى، لأنه قرن به اللقلقة، وهي الصوت، فحمل اللفظ على معنيين أولى من معنى واحد.


[ قــ :1243 ... غــ : 1291 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ».

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين ( قال حدّثنا سعيد بن عبيد) بكسر العين في الأول وضمها في الثاني مصغرًا غير مضاف، هو: أبو الهذيل الطائي ( عن علي بن ربيعة) بفتح الراء، الوالبي، بالموحدة، الأسدي ( عن المغيرة) بن شعبة.
( رضي الله عنه قال: سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) :
( إن كذبًا عليّ) بفتح الكاف وكسر الذال المعجمة ( ليس ككذب على أحد) غيري.

قال ابن حجر: معناه أن الكذب على الغير قد ألف واستسهل خطبه، وليس الكذب عليه بالغًا مبلغ ذلك في السهولة، وإذا كان دونه في السهولة، فهو أشهد منه في الإثم، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من أورد أن الذي يدخل عليه الكاف أتم، والله أعلم.

فإني ( من كذب عليّ متعمدًا فبيتبوّأ) فليتخذ ( مقعده) مسكنه ( من النار) فهو أشد في الإثم من الكذب على غيره، لكونه مقتضيًا شرعًا عامًا باقيًا إلى يوم القيامة.


( سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: من نيح عليه) بكسر النون وسكون التحتية وفتح الحاء، مبنيًّا للمفعول من الماضي.
( يعذب) بضم أوله، مبنيًّا للمفعول مجزوم.
فمن شرطية وفيه استعمال الشرط بلفظ الماضي، والجزاء بلفظ المضارع، ويروى: يعذب بالرفع، وهو الذي في اليونينية، فمن موصولة أو شرطية على تقدير: فإنه يعذب، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من يُنح.
بضم أوله وفتح النون وجزم المهملة، وللكشميهني: من يناح، بضم أوله وبعد النون ألف على أن من موصولة ( بما نيح عليه) بإدخال حرف الجر على: ما، فهي مصدرية غير ظرفية، أي: بالنياحة عليه، والنون مكسورة عند الجميع.
قال في الفتح: ولبعضهم: ما نيح، بغير موحدة على أن: ما ظرفية، قال العيني: ما في هذه الرواية للمدة، أي: يعذب مدة النوح عليه، ولا يقال: ما ظرفية.

وفي تقديم المغيرة قبل تحديثه بتحريم النوح: أن الكذب عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد من الكذب على غيره، إشارة إلى أن الوعيد على ذلك يمنعه أن يخبر عنه بما لم يقل.

ورواته الأربعة: كوفيون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول والسماع، وأخرجه مسلم في: الجنائز، وكذا الترمذي.




[ قــ :144 ... غــ : 19 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ».
تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ.
.

     وَقَالَ  آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ عَلَيْهِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبدان، قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عثمان بن جبلة، بالجيم والموحدة المفتوحتين ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن قتادة) بن دعامة ( عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر) بضم العين ( عن أبيه) عمر ( رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( الميت يعذب في قبره بما نيح عليه) بكسر النون وسكون التحتية وفتح المهملة وزيادة لفظه في قبره.

( تابعه) أي تابع عبدان ( عبد الأعلى) بن حماد، مما وصله أبو يعلى في مسنده، قال ( حدّثنا يزيد بن زريع) الأوّل من الزيادة والثاني تصغير زرع ( قال حدّثنا سعيد) هو: ابن أبي عروبة قال: ( حدّثنا قتادة) يعني: عن سعيد بن المسيب.

( وقال آدم) بن أبي إياس ( عن شعبة) بإسناد حديث الباب، لكن بغير لفظ متنه، وهو قوله:
"الميت يعذب ببكاء الحي عليه" وقد تفرد آدم بهذا اللفظ.


باب
هذا ( باب) بالتنوين، وهو ثابت في رواية الأصيلي، وهو بمنزلة الفصل من الباب السابق، وسقط لكريمة والهروي.


[ قــ :145 ... غــ : 193 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: ابْنَةُ عَمْرٍو -أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو- قَالَ: فَلِمَ تَبْكِي؟ أَوْ لاَ تَبْكِي، فَمَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ".

وبالسند قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة، قال: ( حدّثنا ابن المنكدر) محمد ( قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري ( رضي الله عنهما، قال) :
( جيء بأبي) عبد الله ( يوم) وقعة ( أحد) حال كونه ( قد مثل به) بضم الميم وتشديد المثلثة المكسورة، أي: جدع أنفه وأذنه، أو مذاكيره، أو شيء من أطرافه ( حتى وضع بين يدي رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد سجي ثوبًا) بضم السين المهملة وتشديد الجيم، وثوبًا نصب بنزع الخافض، أي: غطي بثوب ( فذهبت) حال كوني ( أريد أن أكشف عنه) الثوب، وأن: مصدرية.
أي: أريد كشفه ( فنهاني قومي، ثم ذهبت أكشف عنه) الثوب ( فنهاني قومي، فأمر رسول الله) وللكشميهني: فأمر به رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع) بضم الراء ( فسمع صوت) امرأة ( صائحة فقال) :
( من هذه) المرأة الصائحة؟ ( فقالوا: ابنة عمرو) فاطمة ( -أو أخت عمرو-) شك من سفيان، فإن كانت بنت عمرو، وتكون أخت المقتول عمة جابر، وإن كانت أخت عمرو، تكون عمة المقتول، وهو عبد الله ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( فلم تبكي؟) بكسر اللام وفتح الميم استفهام عن غائبة ( أو لا تبكي) شك من الراوي.
هل استفهم أو نهى ( فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها) وللحموي والمستملي: تظل بأجنحتها ( حتى رفع) فلا ينبغي أن يبكى عليه مع حصول هذه المنزلة، بل يفرح له بما صار إليه.

ومطابقة هذا الحديث للترجمة السابقة في قوله، عليه الصلاة والسلام، لما سمع صوت المرأة الصائحة: من هذه؟ لأنه إنكار في نفس الأمر وإن لم يصرح به.