فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الحلق والتقصير عند الإحلال

( قَولُهُ بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ)
قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ أَفْهَمَ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ لِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ وَمَا يُصْنَعُ عِنْدَ الْإِحْلَالِ وَلَيْسَ هُوَ نَفْسَ التَّحَلُّلِ وَكَأَنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاعِلِهِ وَالدُّعَاءُ يُشْعِرُ بِالثَّوَابِ وَالثَّوَابُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْعِبَادَةِ لَا عَلَى الْمُبَاحَاتِ وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُهُ الْحَلْقَ عَلَى التَّقْصِيرِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا تَتَفَاضَلُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إِلَّا رِوَايَةً مُضَعَّفَةً عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَقَدْ أَوْهَمَ كَلَام بن الْمُنْذِرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِهَا لَكِنْ حُكِيَتْ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ بَعْدَ بَابَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ لِابْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثًا فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ قَالَ نَافِعٌ كَانَ بن عُمَرَ يَقُولُ حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَوَّلُهُ لَمَّا نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ الْحَدِيثَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي لِابْنِ عُمَرَ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ وَسَيَأْتِي بَسْطُهُ وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ لِابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن نَافِع أَن عبد الله وَهُوَ بْنَ عُمَرَ قَالَ حَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَقَعْ لَهُ عَلَى شَرْطِهِ التَّصْرِيحُ بِمَحَلِّ الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ فَاسْتَنْبَطَ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرَّحَ بِأَنَّ حِلَاقَهُ وَقَعَ فِي حَجَّتِهِ وَالثَّالِثَ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ حَلَقَ وَبَعْضَهُمْ قَصَّرَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ حَلَقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ حَدِيثِ جُوَيْرِيَّةَ سَوَاءٌ وَزَادَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاع وَسَنذكر الْبَحْث فِيهِ مَعَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيه أَفَادَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ مُتَّصِلًا بِالْمَتْنِ الْمَذْكُورِ قَالَ وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي حَلَقَهُ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ وَبَيَّنَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَاف أَن قَائِل وَزَعَمُوا بن جُرَيْجٍ الرَّاوِي لَهُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ



[ قــ :1653 ... غــ :1727] .

     قَوْلُهُ  قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى الَّذِي تَوَلَّى السُّؤَالَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُقَصِّرِينَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ قُلْ وَالْمُقَصِّرِينَ أَوْ قُلْ وَارْحَمِ الْمُقَصِّرِينَ وَهُوَ يُسَمَّى الْعَطْفُ التَّلْقِينِيُّ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُقَصِّرِينَ إِعْطَاءُ الْمَعْطُوفِ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا السُّكُوتُ لِغَيْرِ عُذْرٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَالِكٍ إِعَادَةُ الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ مَرَّتَيْنِ وَعَطَفَ الْمُقَصِّرِينَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَانْفَرَدَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ دُونَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِإِعَادَة ذَلِك ثَلَاث مَرَّات نبه عَلَيْهِ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي وَأَغْفَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ بَلْ قَالَ فِيهِ إِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَى مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ رَاجَعْتُ أَصْلَ سَمَاعِي مِنْ مُوَطَّأِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ فَوَجَدْتُهُ كَمَا قَالَ فِي التَّقَصِّي .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَالشَّكُّ فِيهِ مِنَ اللَّيْثِ وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمْ مُوَافِقٌ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ الْعُمَرِيُّ وَرِوَايَتُهُ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِلَفْظِ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ فَذَكَرَ مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ سَوَاءً وَزَادَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَبَيَانُ أَنَّ كَوْنَهَا فِي الرَّابِعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُقَصِّرِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ صَرِيحًا فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ لِلْمُقَصِّرِينَ فِي الرَّابِعَةِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِأَنَّ مَنْ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ فَعَلَى مَا شَرَحْنَاهُ وَمَنْ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُقَصِّرِينَ مَعْطُوفٌ عَلَى الدَّعْوَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ أَرَادَ بِالثَّالِثَةِ مَسْأَلَةَ السَّائِلِينَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَمَا ثَبَتَ وَلَوْ لَمْ يَدْعُ لَهُمْ بَعْدَ ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مَا سَأَلُوهُ ذَلِكَ وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَرِوَايَةُ مَنْ جَزَمَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ شَكَّ





[ قــ :1654 ... غــ :178] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ الرَّقَّامُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن السَّكَنِ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ وَكَانَ الْقَابِسِيُّ يَشُكُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ فِيهِ فَيُهْمِلُ ضَبْطَهُ فَيَقُولُ عَبَّاسٌ أَوْ عَيَّاشٌ.

قُلْتُ لَمْ يُخَرِّجِ البُخَارِيّ للْعَبَّاس بِالْمُوَحَّدَةِ والمهملة بن الْوَلِيدِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ نَسَبَهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا النَّرْسِيُّ أَحَدُهَا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغَازِي وَالثَّالِثُ فِي الْفِتَنِ ذَكَرَهُ مُعَلَّقًا قَالَ.

     وَقَالَ  عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ.
وَأَمَّا الَّذِي بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَأَكْثَرَ عَنْهُ وَفِي الْغَالِبِ لَا يَنْسُبُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَهَا ثَلَاثًا أَيْ .

     قَوْلُهُ  اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاهِدَةٌ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ الْعُمَرِيَّ حَفِظَ الزِّيَادَةَ تَنْبِيهٌ لَمْ أَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْهُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ هَذِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي جَمِيعِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ فَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ عَنْ عُمَارَةَ وَمِنْ أَفْرَادِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَتَابَعَ أَبَا زُرْعَةَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي زُرْعَةَ أَتَمُّ وَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ تَقْصِيرٌ وَحَذْفٌ وَإِنَّمَا جَرَى ذَلِكَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ عَنِ الْبَيْتِ وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَشْهُورٌ من حَدِيث بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرْ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مرّة وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَصَّرَ آخَرُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ الْحَدِيثَ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَاضِي وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَتَجَوَّزَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ لِذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ وَقَعَ لَقَطَعْنَا بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ شَهِدَهَا وَلم يشْهد الْحُدَيْبِيَة وَلم يسق بن عبد الْبر عَن بن عُمَرَ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي صَدْرِ الْبَابِ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا يُومِئُ إِلَيْهِ صَنِيعَ البُخَارِيّ وَحَدِيث أبي سعيد الَّذِي أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ الصَّحَابَةَ حَلَقُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَّا عُثْمَانَ وَأَبَا قَتَادَةَ.
وَأَمَّا حَدِيث بن عَبَّاس فَأخْرجهُ بن ماجة من طَرِيق بن إِسْحَاق حَدثنِي بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْهُ وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَكَانَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ عَنْ حَبَشِيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأما قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ فَوَهْمٌ فَقَدْ وَرَدَ تَعْيِينُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي قُرَّةَ فِي السُّنَنِ وَمِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَمِنْ حَدِيث الْمسور بن مخرمَة عِنْد بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي وَوَرَدَ تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمِنْ حَدِيثِ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ الثَّقَفِيِّ عِنْد أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ عُمَارَةَ عِنْدَ الْحَارِثِ فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا تَعْيِينُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَكْثَرُ عَدَدًا وَأَصَحُّ إِسْنَادًا وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ عقب أَحَادِيث بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ الْحُصَيْنِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَجَزَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  عِيَاض كَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلذَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ.

قُلْتُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَّيَنُ لِتَظَاهُرِ الرِّوَايَاتِ بِذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ إِلَّا أَنَّ السَّبَبَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَالَّذِي فِي الْحُدَيْبِيَةِ كَانَ بِسَبَبِ تَوَقُّفِ مَنْ تَوَقَّفَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ الْإِحْلَالِ لِمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُزْنِ لِكَوْنِهِمْ مُنِعُوا مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ مَعَ اقْتِدَارِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ كَمَا سَتَأْتِي فِي مَكَانِهَا فَلَمَّا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْلَالِ تَوَقَّفُوا فَأَشَارَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنْ يَحِلَّ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهُمْ فَفَعَلَ فَتَبِعُوهُ فَحَلَقَ بَعْضُهُمْ وَقَصَّرَ بَعْضٌ وَكَانَ مَنْ بَادَرَ إِلَى الْحَلْقِ أَسْرَعَ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ مِمَّنِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّقْصِيرِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا السَّبَب فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَبْلُ فَإِنَّ فِي آخِرِهِ عِنْد بن مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُحَلِّقِينَ ظَاهَرْتَ لَهُمْ بِالرَّحْمَةِ قَالَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا.
وَأَمَّا السَّبَبُ فِي تَكْرِيرِ الدُّعَاء للمحلقين فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَلَمَّا أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَتَحَلَّلُوا مِنْهَا وَيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ شَقَّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنَ الطَّاعَةِ كَانَ التَّقْصِيرُ فِي أَنْفُسِهِمْ أَخَفَّ مِنَ الْحَلْقِ فَفَعَلَهُ أَكْثَرُهُمْ فَرَجَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَ مَنْ حَلَقَ لِكَوْنِهِ أَبَيْنَ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ انْتَهَى وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَإِنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ أَنَّ يُقَصِّرَ فِي الْعُمْرَةِ وَيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ إِذَا كَانَ مَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ مُتَقَارِبًا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ كَذَلِكَ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ تَوْفِيرَ الشَّعْرِ وَالتَّزَيُّنَ بِهِ وَكَانَ الْحَلْقُ فِيهِمْ قَلِيلًا وَرُبَّمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ مِنَ الشُّهْرَةِ وَمِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ فَلِذَلِكَ كَرِهُوا الْحَلْقَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى التَّقْصِيرِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ عَنِ الْحَلْقِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَعَيَّنُ فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ الْحَسَنِ خِلَافه قَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ فَإِنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ نَعَمْ روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ إِذَا حَجَّ الرَّجُلُ أَوَّلَ حِجَّةٍ حَلَقَ فَإِنْ حَجَّ أُخْرَى فَإِنْ شَاءَ حَلَقَ وَإِنْ شَاءَ قَصَّرَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْلِقُوا فِي أَوَّلِ حَجَّةٍ وَأَوَّلِ عُمْرَةٍ انْتَهَى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا لِلُّزُومِ نَعَمْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَحِلَّ تَعْيِينِ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُحْرِمُ لَبَّدَ شَعْرَهُ أَوْ ضَفَّرَهُ أَوْ عَقَصَهُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجُمْهُورِ.

     وَقَالَ  فِي الْجَدِيدِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا إِنْ نَذَرَهُ أَوْ كَانَ شَعْرُهُ خَفِيفًا لَا يُمْكِنُ تَقْصِيرُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ فَيُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَأَغْرَبَ الْخَطَّابِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَعَيُّنِ الْحَلْقِ لِمَنْ لَبَّدَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعِبَادَةِ وَأَبْيَنُ لِلْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ وَأَدَلُّ عَلَى صِدْقِ النِّيَّةِ وَالَّذِي يُقَصِّرُ يُبْقِي عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَتَزَيَّنُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَالِقِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّجَرُّدِ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ الصُّلَحَاءُ إِلْقَاءَ الشُّعُورِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُقَصِّرَ يُبْقِي عَلَى نَفْسِهِ الشَّعْرَ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ وَالْحَاجُّ مَأْمُورٌ بِتَرْكِ الزِّينَةِ بَلْ هُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَلْقَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَنِ الْأَمْرِ بِالتَّقَشُّفِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ عَقِبَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ الْمُحَلِّقِينَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الصِّيغَةُ.

     وَقَالَ  بِوُجُوبِ حَلْقِ جَمِيعِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاسْتَحَبَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَيُجْزِئُ الْبَعْضُ عِنْدَهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبُعُ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ فَقَالَ النِّصْفُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ أَقَلُّ مَا يَجِبُ حَلْقُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَفِي وَجْهٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّقْصِيرُ كَالْحَلْقِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَصِّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى دُونَهَا أَجْزَأَ هَذَا لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُرَتَّبٌ عِنْدَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْحَلْقِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ.
وَأَمَّا النِّسَاءُ فَالْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِنَّ التَّقْصِيرُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ حَدِيثٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَإِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا.

     وَقَالَ  جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ حَلَقَتْ أَجْزَأَهَا وَيُكْرَهُ.

     وَقَالَ  الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ لَا يَجُوزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ لِمَنْ فَعَلَ مَا شُرِعَ لَهُ وَتَكْرَارُ الدُّعَاءِ لِمَنْ فَعَلَ الرَّاجِحَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُخَيَّرِ فِيهِمَا وَالتَّنْبِيهُ بِالتَّكْرَارِ عَلَى الرُّجْحَانِ وَطَلَبِ الدُّعَاءِ لِمَنْ فَعَلَ الْجَائِزَ وَإِن كَانَ مرجوحا





[ قــ :1656 ... غــ :1730] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ يحيى بن سعيد عَن بن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْنَادُ سِوَى أَبِي عَاصِمٍ مَكِّيُّونَ وَفِيهِ رِوَايَةُ صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ وَمُعَاوِيَة هُوَ بن أَبِي سُفْيَانَ الْخَلِيفَةُ الْمَشْهُورُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ .

     قَوْلُهُ  قَصَّرْتُ أَيْ أَخَذْتُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نُسُكٍ إِمَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ حَلَقَ فِي حَجَّتِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةٍ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَرْوَةِ وَلَفْظُهُ قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ أَوْ رَأَيْتُهُ يُقَصَّرُ عَنْهُ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ أَوِ الْجِعْرَانَةِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ طَاوُسٍ بِلَفْظِ أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ عَلَى الْمَرْوَةِ فَقُلْتُ لَهُ لَا أَعْلَمُ هَذِهِ إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكَ وَبَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ فَقُلْتُ لَهُ لَا الخ يَقُول بن عَبَّاسٍ وَهَذِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ الْمُتْعَةِ وَقَدْ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  وَأَوَّلُ من نهى عَنْهَا مُعَاوِيَة قَالَ بن عَبَّاسٍ فَعَجِبْتُ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقص انْتهى وَهَذَا يدل على أَن بن عَبَّاسٍ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِقَوْلِهِ لِمُعَاوِيَةَ إِنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْكَ إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ لَمَا كَانَ فِيهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ حُجَّةٌ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ بِمِشْقَصٍ مَعِي وَهُوَ مُحْرِمٌ وَفِي كَوْنِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَكَيْفَ يُقَصِّرُ عَنْهُ عَلَى الْمَرْوَةِ وَقَدْ بَالَغَ النَّوَوِيُّ هُنَا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَصَّرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ قَارِنًا وَثَبَتَ أَنَّهُ حَلَقَ بِمِنًى وَفَرَّقَ أَبُو طَلْحَةَ شَعْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ تَقْصِيرِ مُعَاوِيَةَ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ سَبْعٍ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُسْلِمًا إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ فَقَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ.

قُلْتُ وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّيْخُ هُنَا مَا مَرَّ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَالَّذِي رَجَّحَهُ مِنْ كَوْنِ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ السَّنَدِ لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ خُفْيَةً وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِظْهَارِهِ إِلَّا يَوْم الْفَتْح وَقد أخرج بن عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ مِنْ تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ تَصْرِيحَ مُعَاوِيَةَ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْقَضِيَّةِ وَأَنَّهُ كَانَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ خَوْفًا مِنْ أَبَوَيْهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ مَكَّةَ خَرَجَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا عَنْهَا حَتَّى لَا يَنْظُرُونَهُ وَأَصْحَابَهُ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فَلَعَلَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ بِمَكَّةَ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ وَلَا يُعَارِضُهُ أَيْضًا قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَعَلْنَاهَا يَعْنِي الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ بِضَمَّتَيْنِ يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ يُشِيرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا اسْتَصْحَبَهُ مِنْ حَالِهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى إِسْلَامِهِ لِكَوْنِهِ كَانَ يُخْفِيهِ وَيُعَكِّرُ عَلَى مَا جوزوه أَنَّ تَقْصِيرَهُ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يَسْتَصْحِبْ أَحَدًا مَعَهُ إِلَّا بَعْضَ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ فَقَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ وَرَجَعَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ فَأَصْبَحَ بِهَا كَبَائِتٍ فَخَفِيَتْ عُمْرَتُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ كَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَعُدْ مُعَاوِيَةُ فِيمَنْ صَحِبَهُ حِينَئِذٍ وَلَا كَانَ مُعَاوِيَةُ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِمَكَّةَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ حَتَّى يُقَالَ لَعَلَّهُ وَجَدَهُ بِمَكَّةَ بَلْ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ وَأَعْطَاهُ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَبَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ مَعَ جُمْلَةِ الْمُؤَلَّفَةِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ فِي آخِرِ قِصَّةِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ أَنَّ الَّذِي حَلَقَ رَأْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ الَّتِي اعْتَمَرَهَا مِنَ الْجِعْرَانَةِ أَبُو هِنْدٍ عَبْدُ بَنِي بَيَاضَةَ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا وَثَبَتَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ حِينَئِذٍ مَعَهُ أَوْ كَانَ بِمَكَّةَ فَقَصَّرَ عَنْهُ بِالْمَرْوَةِ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ مُعَاوِيَةُ قَصَّرَ عَنْهُ أَوَّلًا وَكَانَ الْحَلَّاقُ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ ثُمَّ حَضَرَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُكْمِلَ إِزَالَةَ الشَّعْرَ بِالْحَلْقِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ فَفَعَلَ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَقَ فِيهَا جَاءَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِعَيْنِهِ وَحَصَلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا وَهَذَا مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِهِ فِي هَذَا الْفَتْح وَللَّه الْحَمد ثمَّ لله الْحَمْدُ أَبَدًا قَالَ صَاحِبُ الْهَدْيِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ وَهُوَ خَبَرٌ لَا يَدْخُلُهُ الْوَهْمُ بِخِلَافِ خَبَرِ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ مُعَاوِيَةَ قَصَّرَ عَنْهُ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ فَنَسِيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّتِهِ انْتَهَى وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا إِلَّا رِوَايَةُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمَةُ لِتَصْرِيحِهِ فِيهَا بِكَوْنِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ إِلَّا أَنَّهَا شَاذَّةٌ وَقَدْ قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَقِبَهَا وَالنَّاسُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ انْتَهَى وَأَظُنُّ قَيْسًا رَوَاهَا بِالْمَعْنَى ثُمَّ حَدَّثَ بِهَا فَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِ مُعَاوِيَةَ قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِشْقَصٍ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ قَصَّرْتُ أَنَا شَعْرِي عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَن بن عَبَّاس.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاوِيَةُ قَصَّرَ عَنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ شَعْرٍ لَمْ يَكُنِ الْحَلَّاقُ اسْتَوْفَاهُ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ بِأَنَّ الْحَالِقَ لَا يُبْقِي شَعْرًا يُقَصَّرُ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ وَأَيْضًا فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْعَ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا سَعْيًا وَاحِدًا فِي أَوَّلِ مَا قَدِمَ فَمَاذَا يَصْنَعُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فِي الْعَشْرِ.

قُلْتُ وَفِي رِوَايَةِ الْعَشْرِ نَظَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَشَارَ النَّوَوِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ كَوْنِهِ فِي الْجِعْرَانَةِ وَصَوَّبَهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ وبن الْقَيِّمِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّهُ حَلَقَ فِي الْجِعْرَانَةِ وَاسْتِبْعَادُ بَعْضِهِمْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَصَّرَ عَنْهُ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  بِمِشْقَصٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ الْقَزَّازُ هُوَ نَصْلٌ عَرِيضٌ يُرْمَى بِهِ الْوَحْشُ.

     وَقَالَ  صَاحِبِ الْمُحْكَمِ هُوَ الطَّوِيلُ مِنَ النِّصَالِ وَلَيْسَ بِعَرِيضٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالله أعلم