فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل ذكر الله عز وجل

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمَا ظَاهِرَانِ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الْإِتْيَانُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي قَوْلِهَا وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا مِثْلِ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَهِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا يَلْتَحِقُ بِهَا مِنَ الْحَوْقَلَةِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَسْبَلَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالدُّعَاءِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيُطْلَقُ ذِكْرُ اللَّهِ أَيْضًا وَيُرَادُ بِهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَهُ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ وَالتَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ الذِّكْرُ يَقَعُ تَارَةً بِاللِّسَانِ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ النَّاطِقُ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَعْنَاهُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ غَيْرَ مَعْنَاهُ وَإِنِ انْضَافَ إِلَى النُّطْقِ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ أَكْمَلُ فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ اسْتِحْضَارُ مَعْنَى الذِّكْرِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ ازْدَادَ كَمَالًا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ مَهْمَا فُرِضَ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ جِهَادٍ أَو غَيرهمَا ازْدَادَ كمالا فَإِن صَحِيح التَّوَجُّهَ وَأَخْلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَبْلَغُ الْكَمَالِ.

     وَقَالَ  الْفَخْرُ الرَّازِيُّ الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ التَّفَكُّرُ فِي أَدِلَّةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَفِي أَدِلَّةِ التَّكَالِيفِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى أَحْكَامِهَا وَفِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرِقَةً فِي الطَّاعَاتِ وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى اللَّهُ الصَّلَاةَ ذِكْرًا فَقَالَ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ قَالَ الذِّكْرُ عَلَى سَبْعَةِ أَنْحَاءٍ فَذِكْرُ الْعَيْنَيْنِ بِالْبُكَاءِ وَذِكْرُ الْأُذُنَيْنِ بِالْإِصْغَاءِ وَذِكْرُ اللِّسَانِ بِالثَّنَاءِ وَذِكْرُ الْيَدَيْنِ بِالْعَطَاءِ وَذِكْرُ الْبَدَنِ بِالْوَفَاءِ وَذِكْرُ الْقَلْبِ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَذِكْرُ الرُّوحِ بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَاءِ وَوَرَدَ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي الْحَدِيثَ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رَفَعَهُ يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَإِنْ قَامَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ الْحَدِيثَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ مَا اصْطَفَى لِمَلَائِكَتِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ الْحَدِيثَ وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رَفَعَهُ أَنَّهُ قَالَ لِجَمَاعَةٍ جَلَسُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَن الْحَارِث بن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ فِي حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ فَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي إثْرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ أَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ فَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا من ذكر الله أخرجه التِّرْمِذِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حبَان وَالْحَاكِم واخرج بن حِبَّانَ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَفِيهِ أَنَّهُ السَّائِلُ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حلق الذّكر واخرج التِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا أَلَا أُخْبِركُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ مُسْتَشْكَلًا فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ مَعَ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْمُجَاهِدِ أَنَّهُ كَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اللَّهِ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ الذِّكْرُ الْكَامِلُ وَهُوَ مَا يَجْتَمِعُ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ بِالتَّفَكُّرِ فِي الْمَعْنَى وَاسْتِحْضَارِ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ اسْتِحْضَارٍ لِذَلِكَ وَأَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْجِهَادِ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ الْمُجَرَّدِ فَمَنِ اتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ جَمَعَ ذَلِكَ كَمَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَاسْتِحْضَارِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ حَالَ صَلَاتِهِ أَوْ فِي صِيَامِهِ أَوْ تَصَدُّقِهِ أَوْ قِتَالِهِ الْكُفَّارَ مَثَلًا فَهُوَ الَّذِي بَلَغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى وَالْعِلْمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ مَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ إِلَّا وَالذِّكْرُ مُشْتَرَطٌ فِي تَصْحِيحِهِ فَمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ بِقَلْبِهِ عِنْدَ صَدَقَتِهِ أَوْ صِيَامِهِ مَثَلًا فَلَيْسَ عَمَلُهُ كَامِلًا فَصَارَ الذِّكْرُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ أَبْلَغُ مِنْ عمله الحَدِيث الأول



[ قــ :6070 ... غــ :6407] .

     قَوْلُهُ  مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ سَقَطَ لَفْظُ رَبَّهُ الثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيّ وَالْمَيِّت وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَرَّادٍ وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ وَمُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ فَتَوَارُدُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ شَيْخُ أَبِي أُسَامَةَ وَانْفِرَادُ الْبُخَارِيِّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ دُونَ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ أَبِي كُرَيْبٍ وَأَصْحَابِ أَبِي أُسَامَةَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ حِفْظِهِ أَوْ تَجَوَّزَ فِي رِوَايَتِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ حَقِيقَةً هُوَ السَّاكِنُ لَا السَّكَنُ وَأَنَّ إِطْلَاقَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِي وَصْفِ الْبَيْتِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ سَاكِنُ الْبَيْتِ فَشَبَّهَ الذَّاكِرَ بِالْحَيِّ الَّذِي ظَاهِرُهُ مُتَزَيِّنٌ بِنُورِ الْحَيَاةِ وَبَاطِنُهُ بِنُورِ الْمَعْرِفَةِ وَغَيْرَ الذَّاكِرِ بِالْبَيْتِ الَّذِي ظَاهِرُهُ عَاطِلٌ وَبَاطِنُهُ بَاطِلٌ وَقِيلَ مَوْقِعُ التَّشْبِيهِ بِالْحَيِّ وَالْمَيِّتِ لِمَا فِي الْحَيِّ مِنَ النَّفْعِ لِمَنْ يُوَالِيهِ وَالضُّرِّ لِمَنْ يُعَادِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ الْحَدِيثُ الثَّانِي قَوْله حَدثنَا قُتَيْبَة هُوَ بن سَعِيدٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي ذَر قَوْله جرير هُوَ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي صَالِحٍ لَمْ أَرَهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ إِلَّا بِالْعَنْعَنَةِ لَكِنِ اعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ عَلَى وَصْلِهِ لِكَوْنِ شُعْبَةَ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فَإِنَّ شُعْبَةَ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ شُيُوخِهِ الْمَنْسُوبِينَ لِلتَّدْلِيسِ إِلَّا بِمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا قَالَ جَرِيرٌ وَتَابَعَهُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاض عِنْد بن حِبَّانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هَكَذَا بِالشَّكِّ لِلْأَكْثَرِ وَفِي نُسْخَةٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِالشَّكِّ.

     وَقَالَ  شَكَّ الْأَعْمَشُ وَكَذَا قَالَ بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

     وَقَالَ  شَكَّ سُلَيْمَانُ يَعْنِي الْأَعْمَشَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ





[ قــ :6071 ... غــ :6408] .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ سِيَاقِ الْمَتْنِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ يَعْنِي بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَرْفَعْهُ هَكَذَا وَصَلَهُ أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مَوْقُوفًا .

     قَوْلُهُ  وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِهِ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَتِهِ مِنْ فَائِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ فَضْلًا وَكَذَا لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ مَا نَصُّهُ فِي رِوَايَتِنَا عَنْ أَكْثَرِهِمْ بِسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَرَوَاهُ الْعُذْرِيُّ وَالْهَوْزَنِيُّ فُضْلُ بِالضَّمِّ وَبَعْضُهُمْ بِضَمِّ الضَّادِ وَمَعْنَاهُ زِيَادَةٌ عَلَى كِتَابِ النَّاسِ هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ وَكَانَ هَذَا الْحَرْف فِي كتاب بن عِيسَى فُضَلَاءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الضَّادِ وَالْمَدِّ وَهُوَ وَهْمٌ هُنَا وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

     وَقَالَ  فِي الْإِكْمَالِ الرِّوَايَةُ فِيهِ عِنْدَ جُمْهُورِ شُيُوخِنَا فِي مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فَضْلًا أَيْ زِيَادَةً عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُرَتَّبِينَ مَعَ الْخَلَائِقِ وَيُرْوَى بِسُكُونِ الضَّادِ وَبِضَمِّهَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَالسُّكُونُ أَكْثَرُ وَأَصْوَبُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ ضَبَطُوا فَضْلًا عَلَى أَوْجُهٍ أَرْجَحُهَا بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَادَّعَى أَنَّهَا أَكْثَرُ وَأَصْوَبُ وَالثَّالِثُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَكَذَا الرِّوَايَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ شُيُوخِنَا فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالرَّابِعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِرَفْعِ اللَّامِ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ وَالْخَامِسُ فُضَلَاءُ بِالْمَدِّ جَمْعُ فَاضِلٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَعْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ زَائِدُونَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُرَتَّبِينَ مَعَ الْخَلَائِقِ لَا وَظِيفَةَ لَهُمْ إِلَّا حِلَقُ الذِّكْرِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ فُضْلًا بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ جَمْعُ فَاضِلٍ كمنزل وَنَازِلٍ انْتَهَى وَنِسْبَةُ عِيَاضٍ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلْبُخَارِيِّ وَهَمٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هُنَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ خَارِجَ الصَّحِيحِ وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَصْلًا وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ التِّرْمِذِيّ وَزَاد بن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي رِوَايَةَ جَرِيرٍ فَضْلًا عَنْ كِتَابِ النَّاسِ وَمِثْلَهُ لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَزَادَ سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ والإسماعيلي عَن كتاب الابدي وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ سَيَّارَةً فضلا قَوْله يطوفون فِي الطّرق يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ أَبِي يَعْلَى إِنَّ لِلَّهِ سَرَايَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَقِفُ وَتَحِلُّ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ فِي الْأَرْضِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فَإِذَا رَأَوْا قَوْمًا وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ .

     قَوْلُهُ  تَنَادَوْا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يَتَنَادَوْنَ .

     قَوْلُهُ  هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ بُغْيَتِكُمْ وَقَولُهُ هَلُمُّوا عَلَى لُغَةِ أَهْلِ نَجْدٍ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْحِجَازِ فَيَقُولُونَ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ هَلُمَّ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَقِيلَ هَلْ لَكِ فِي الْأَكْلِ أَمَّ أَيِ اقْصِدْ وَقِيلَ أَصْلُهُ لُمَّ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهَا لِلتَّنْبِيهِ حُذِفَتْ أَلِفُهَا تَخْفِيفًا .

     قَوْلُهُ  فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ أَيْ يَدْنُونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ حَوْلَ الذَّاكِرِينَ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ وَقِيلَ لِلِاسْتِعَانَةِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يملؤا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهِمْ كَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَرَدَتْ لِرَفْعِ التَّوَهُّمِ زَادَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَيَقُولُ اللَّهُ أَيَّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ .

     قَوْلُهُ  مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالَ تَقُولُ يُسَبِّحُونَكَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِالْإِفْرَادِ فِيهِمَا وَلِغَيْرِهِ قَالُوا يَقُولُونَ وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ يَقُولُونَ وَزَادَ سُهَيْلٌ فِي رِوَايَتِهِ فَإِذَا تَفَرَّقُوا أَيْ أَهْلُ الْمَجْلِسِ عَرَجُوا أَيِ الْمَلَائِكَةُ وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ .

     قَوْلُهُ  يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ زَادَ إِسْحَاقُ وَعُثْمَانُ عَنْ جَرِيرٍ وَيُمَجِّدُونَكَ وَكَذَا لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيَذْكُرُونَكَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالُوا رَبَّنَا مَرَرْنَا بِهِمْ وَهُمْ يَذْكُرُونَكَ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَيُعَظِّمُونَ آلَاءَكَ وَيَتْلُونَ كِتَابَكَ وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ وَيَسْأَلُونَكَ لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ الْمُرَادُ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَأَنَّهَا الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ بِأَنْوَاعِ الذِّكْرِ الْوَارِدَةِ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِي دُخُولِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَمُذَاكَرَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَجَالِسِ نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَجَالِسِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِمَا وَالتِّلَاوَةِ حَسْبُ وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْحَدِيثِ وَمُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُسَمَّى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ كَذَا ثَبَتَ لَفْظُ الْجَلَالَةِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْمَوَاضِعِ وَسَقَطَ لِغَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا زَادَ أَبُو ذَرٍّ فِي رِوَايَتِهِ وَتَحْمِيدًا وَكَذَا لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَشَدَّ لَكَ ذكرا وَفِي رِوَايَة بن أَبِي الدُّنْيَا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَقُولُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَيَقُولُ .

     قَوْلُهُ  فَمَا يَسْأَلُونِي فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَأَيَّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ .

     قَوْلُهُ  يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ .

     قَوْلُهُ  كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَة بن أَبِي الدُّنْيَا كَانُوا أَشَدَّ حِرْصًا وَأَشَدَّ طِلْبَةً وَأَعْظَمَ لَهَا رَغْبَةً .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَمِنْ أَيٍّ شَيْءٍ يَتَعَوَّذُونَ فَيَقُولُونَ مِنَ النَّارِ وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ.

     وَقَالَ  وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي قَالُوا مِنْ نَارِكَ .

     قَوْلُهُ  كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبَا وَأَشَدَّ مِنْهَا تَعَوُّذًا وَخَوْفًا وَزَادَ سُهَيْلٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قَالَ فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَيَقُولُ غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي .

     قَوْلُهُ  يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَيَقُولُونَ إِنَّ فِيهِمْ فُلَانًا الْخَطَّاءَ لَمْ يُرِدْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ قَالَ يَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ وَلَهُ قَدْ غَفَرْتُ .

     قَوْلُهُ  هُمُ الْجُلَسَاءُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ هُمُ الْقَوْمُ وَفِي اللَّامِ إِشْعَارٌ بِالْكَمَالِ أَيْ هُمُ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ .

     قَوْلُهُ  لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ لَا يَشْقَى لَهُمْ جَلِيسٌ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ الْكَمَالِ وَقَدْ أَخْرَجَ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ بَينا قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِمْ قَالَ فَنَزَلَتِ الرَّحْمَةُ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ فَقَالُوا رَبَّنَا فِيهِمْ عَبْدُكَ فُلَانٌ قَالَ غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ وَفِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مُبَالَغَةٌ فِي نَفْيِ الشَّقَاءِ عَنْ جَلِيسِ الذَّاكِرِينَ فَلَوْ قِيلَ لَسَعِدَ بِهِمْ جَلِيسُهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْفَضْلِ لَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِنَفْيِ الشَّقَاءِ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ تَنْبِيه اخْتَصَرَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ فَسَاقَ مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ثُمَّ قَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالذَّاكِرِينَ وَفَضْلُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ جَلِيسَهُمْ يَنْدَرِجُ مَعَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ إِكْرَامًا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي أَصْلِ الذِّكْرِ وَفِيهِ مَحَبَّةُ الْمَلَائِكَةِ بَنِي آدَمَ وَاعْتِنَاؤُهُمْ بِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ قَدْ يَصْدُرُ مِنَ السَّائِلِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ من الْمَسْئُول لإِظْهَار الْعِنَايَة بالمسؤول عَنْهُ وَالتَّنْوِيَهِ بِقَدْرِهِ وَالْإِعْلَانِ بِشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ وَقِيلَ إِنَّ فِي خُصُوصِ سُؤَالِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ عَنْ أَهْلِ الذِّكْرِ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِمْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بحَمْدك ونقدس لَك فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمُ انْظُرُوا إِلَى مَا حَصَلَ مِنْهُمْ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ مَعَ مَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَكَيْفَ عَالَجُوا ذَلِكَ وَضَاهَوْكُمْ فِي التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَقِيلَ إِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الذِّكْرَ الْحَاصِلَ مِنْ بَنِي آدَمَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ مِنَ الذِّكْرِ الْحَاصِلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِحُصُولِ ذِكْرِ الْآدَمِيِّينَ مَعَ كَثْرَةِ الشَّوَاغِلِ وَوُجُودِ الصَّوَارِفِ وَصُدُورِهِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِيهِ بَيَانُ كَذِبِ مَنِ ادَّعَى مِنَ الزَّنَادِقَةِ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى جَهْرًا فِي دَارِ الدُّنْيَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَمْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا وَفِيهِ جَوَازُ الْقَسَمِ فِي الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ تَأْكِيدًا لَهُ وَتَنْوِيهًا بِهِ وَفِيهِ أَنَّ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرَاتِ وَالنَّارُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَكْرُوهَاتِ فَوْقَ مَا وُصِفَتَا بِهِ وَأَنَّ الرَّغْبَةَ وَالطَّلَبَ مِنَ اللَّهِ وَالْمُبَالغَة فِي ذَلِك من أَسبَاب الْحُصُول