فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [القيامة: 18] قال ابن عباس: {قرأناه} [القيامة: 18]: «بيناه»، {فاتبع} [القيامة: 18]: «اعمل به»

قَوْله فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه)
قَالَ بن عَبَّاسٍ قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ فَاتَّبِعْ اعْمَلْ بِهِ هَذَا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أخرجه بن أبي حَاتِم وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب عَن بن عَبَّاسٍ تَفْسِيرُهُ بِشَيْءٍ آخَرَ



[ قــ :4663 ... غــ :4929] .

     قَوْلُهُ  إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَوْطِئَةٌ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي النُّزُولِ وَكَانَتِ الشِّدَّةُ تَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِثِقَلِ الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ وَفِي حَدِيثِهَا فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَيْضًا وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الشِّدَّةَ فِي الْحَالَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَكِنَّ إِحْدَاهُمَا أَشَدُّ مِنَ الْأُخْرَى .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو عَوَانَةَ عَلَى ذِكْرِ الشَّفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ إِسْرَائِيلُ وَاقْتَصَرَ سُفْيَانُ عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ وَالْجَمِيعُ مُرَادٌ إِمَّا لِأَنَّ التَّحْرِيكَيْنِ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا أَوِ الْمُرَادُ يُحَرِّكُ فَمَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ وَاللِّسَانِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ اللِّسَانُ هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّطْقِ اقْتَصَرَ فِي الْآيَةِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْمُبَادَرَةِ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي يَجِدُهَا عِنْدَ النُّزُولِ فَكَانَ يَتَعَجَّلُ بِأَخْذِهِ لِتَزُولَ الْمَشَقَّةُ سَرِيعًا وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْسَاهُ حَيْثُ قَالَ فَقِيلَ لَهُ لَا تحرّك بِهِ لسَانك تخشي أَن ينفلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ كَانَ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ يَتَذَكَّرُهُ فَقِيلَ لَهُ إِنَّا سَنَحْفَظُهُ عَلَيْكَ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ عَجَّلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ حُبِّهِ إِيَّاهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِمَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْهُ أَوَّلًا فَأَوَّلًا مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهُ فَأُمِرَ أَنْ يَتَأَنَّى إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ النُّزُولُ وَلَا بُعْدَ فِي تَعَدُّدِ السَّبَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ أَنا أحركهما كَمَا رَأَيْت بن عَبَّاس يحركهما فَأطلق فِي خبر بن عَبَّاسٍ وَقُيِّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي خَبَرِ سَعِيدٍ لِأَنَّ بن عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ وَلَمْ يكن بن عَبَّاسٍ وُلِدَ حِينَئِذٍ وَلَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ بعد فيراه بن عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِسَنَدِهِ بِلَفْظ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُ لَكَ شَفَتَيَّ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِبْرَازَ الضَّمِيرِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ فِيهَا فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلشَّفَتَيْنِ ذِكْرٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الروَاة .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ اجْتِهَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَّزَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ أَنْ يَكُونَ أُذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِعْجَالِ إِلَى وَقْتِ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ لَكِنَّ الْقُرْآنَ يُرْشِدُ إِلَيْهِ بَلْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ تَفْسِيرُهُ بِالْحِفْظِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكِ وَرِوَايَةُ جَرِيرٍ أَوْضَحُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ مَعْنَى جَمْعَهُ تَأْلِيفَهُ .

     قَوْلُهُ  وَقُرْآنَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَنْ تَقْرَأَهُ أَيْ أَنْتَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ وَتَقْرَأَهُ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  فَإِذا قرأناه أَي قَرَأَهُ عَلَيْك الْملك فَاتبع قرآنه فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ هَذَا تَأْوِيلٌ آخَرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ مِثْلُ رِوَايَةِ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ أَخَصُّ مِنَ الْإِنْصَاتِ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ الْإِصْغَاءُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ السُّكُوتِ الْإِصْغَاءُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْزَلْنَاهُ وَفِي قَوْلِهِ فَاسْتَمِعْ قَوْلَيْنِ وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ اسْتَمِعْ أتبع حَلَاله واجتنب حرَامه وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَاتَّبِعْ قرآنه لِجِبْرِيلَ وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا انْتَهَتْ قِرَاءَةُ جِبْرِيلَ فَاقْرَأْ أَنْت قَوْله ثمَّ إِن علينا بَيَانه عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ أَنْ تَقْرَأَهُ وَهِيَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِمَا تَقْتَضِيهِ ثُمَّ مِنَ التَّرَاخِي وَأَوَّلُ مَنِ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَتَبِعُوهُ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ الْبَيَانِ بِتَبْيِينِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِمْرَارُ حِفْظِهِ لَهُ وَظُهُورِهِ عَلَى لِسَانِهِ فَلَا قَالَ الْآمِدِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَيَانِ الْإِظْهَارُ لَا بَيَانُ الْمُجْمَلِ يُقَالُ بَانَ الْكَوْكَبُ إِذَا ظَهَرَ قَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ وَالْمُجْمَلُ إِنَّمَا هُوَ بَعْضُهُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِبَعْضِهِ بِالْأَمْرِ الْمَذْكُورِ دُونَ بَعْضٍ.

     وَقَالَ  أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْإِظْهَارُ وَالتَّفْصِيلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَيَانَهُ جِنْسٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَصْنَافِهِ مِنْ إِظْهَارِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ تَخْصِيصٍ وَتَقْيِيدٍ وَنَسْخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَأُعِيدَ بعضه هُنَا اسْتِطْرَادًا

( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ وَالْمُرْسَلَاتِ)

كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلْبَاقِينَ وَالْمُرْسَلَاتِ حَسْبُ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْمُرْسَلَاتُ عُرْفًا الْمَلَائِكَةُ أُرْسِلَتْ بِالْمَعْرُوفِ .

     قَوْلُهُ  جِمَالَاتٌ حِبَالٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ جِمَالَاتٌ حِبَالٌ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ كِفَاتًا أَحْيَاءً يَكُونُونَ فِيهَا وَأَمْوَاتًا يُدْفَنُونَ فِيهَا فُرَاتًا عَذْبًا جِمَالَاتٌ حِبَالُ الْجُسُورِ وَهَذَا الْأَخِيرُ وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا وَوَقَعَ عِنْدَ بن التِّينِ قَوْلُ مُجَاهِدٍ جِمَالَاتٌ جِمَالٌ يُرِيدُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا إِبِلٌ سُودٌ وَاحِدُهَا جِمَالَةٌ وَجِمَالَةٌ جَمْعُ جَمَلٍ مِثْلُ حِجَارَةٍ وَحَجَرٍ وَمَنْ قَرَأَ جِمَالَاتٌ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْحِبَالِ الْغِلَاظِ وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَلِجَ الْجمل فِي سم الْخياط هُوَ حَبْلُ السَّفِينَةِ وَعَنِ الْفَرَّاءِ الْجِمَالَاتُ مَا جمع من الحبال قَالَ بن التِّينِ فَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ فِي الْأَصْلِ بِضَمِّ الْجِيم قلت هِيَ قِرَاءَة نقلت عَن بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا جُمَالَةٌ بِالْإِفْرَادِ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي تَفْسِيرهَا عَن بن عَبَّاسٍ بِنَحْوِ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي آخِرِ السُّورَةِ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ كِفَاتًا فَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ وَقَوله فراتا عذبا وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ ارْكَعُوا صَلُّوا لَا يَرْكَعُونَ لَا يُصَلُّونَ سَقَطَ لَا يَرْكَعُونَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا قَالَ صَلُّوا .

     قَوْلُهُ  وَسُئِلَ بن عَبَّاسٍ لَا يَنْطِقُونَ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين الْيَوْم نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَقَالَ إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ مَرَّةً يَنْطِقُونَ وَمَرَّةً يَخْتِمُ عَلَيْهِمْ سَقَطَ لَفْظُ على أَفْوَاههم لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهَذَا تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ فُصِّلَتْ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ وَعَطِيَّةَ أَتَيَا بن عَبَّاس فَقَالَا يَا بن عَبَّاسٍ أَخْبِرْنَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَقَولُهُ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تختصمون وَقَوله وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين وَقَوله وَلَا يكتمون الله حَدِيثا قَالَ وَيحك يَا بن الْأَزْرَقِ إِنَّهُ يَوْمٌ طَوِيلٌ وَفِيهِ مَوَاقِفُ تَأْتِي عَلَيْهِمْ سَاعَةٌ لَا يَنْطِقُونَ ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَخْتَصِمُونَ ثُمَّ يَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ يَحْلِفُونَ وَيَجْحَدُونَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُؤْمَرُ جَوَارِحُهُمْ فَتَشْهَدُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بِمَا صَنَعُوا ثُمَّ تَنْطِقُ أَلْسِنَتُهُمْ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا صَنَعُوا وَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثا وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ.

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ هَذَا يَوْمُ لَا ينطقون فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ حَالَاتٌ وَتَارَاتٌ فِي حَالٍ لَا يَنْطِقُونَ وَفِي حَالٍ يَنْطِقُونَ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ إِنَّهُ يَوْمٌ ذُو أَلْوَانٍ



[ قــ :4664 ... غــ :4930] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مَحْمُود هُوَ بن غَيْلَانَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى هُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ هَذَا بِوَاسِطَةٍ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ فِي غَارٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ كَمَا سَيَأْتِي بِمِنًى وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط من طَرِيق أبي وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِرَاءَ .

     قَوْلُهُ  فَخَرَجَتْ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ الْآتِيَةِ إِذْ وَثَبَتْ .

     قَوْلُهُ  فَابْتَدَرْنَاهَا فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهَا فَابْتَدَرْنَاهَا .

     قَوْلُهُ  فَسَبَقَتْنَا أَيْ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَسْبِقُوهَا فَسَبَقَتْهُمْ وَقَولُهُ فَابْتَدَرْنَاهَا أَيْ تَسَابَقْنَا أَيُّنَا يُدْرِكُهَا فَسَبَقَتْنَا كُلَّنَا وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَالْأَوَّلُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ يُرِيدُ أَنَّ يَحْيَى بْنَ آدَمَ زَادَ لِإِسْرَائِيلَ فِيهِ شَيْخًا وَهُوَ الْأَعْمَشُ .

     قَوْلُهُ  وَتَابَعَهُ أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَصَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ بِهِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَافَقَ إِسْرَائِيلَ عَلَى هَذَا شَيْبَانُ وَالثَّوْرِيُّ وَوَرْقَاءُ وَشَرِيكٌ ثُمَّ وَصَلَهُ عَنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  وقَال حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ يُرِيدُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ خَالَفُوا رِوَايَةَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي شَيْخِ إِبْرَاهِيمَ فَإِسْرَائِيلُ يَقُولُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْأَسْوَدُ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَافَقَهُمْ عَن الْأَعْمَش فَأَما رِوَايَة حَفْص وَهُوَ بن غِيَاثٍ فَوَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَسَتَأْتِي بَعْدَ بَابٍ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ وَصَلَهَا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَكَذَا رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَصْرِيٌّ ضَعِيفُ الْحِفْظِ وَتَفَرَّدَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بِتَسْمِيَةِ أَبِيهِ مُعَاذًا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُعَلَّقِ .

     قَوْلُهُ  وقَال يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ يَعْنِي بن مِقْسَمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ يُرِيدُ أَنَّ مُغِيرَةَ وَافَقَ إِسْرَائِيلَ فِي شَيْخِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّهُ عَلْقَمَةُ وَرِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ هَذِهِ وَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ بِهِ وَلَفْظُهُ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلَاتِ الْحَدِيثَ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

     وَقَالَ  حَمَّادٌ أَنْبَأَنَا أَبُو عَوَانَةَ وَهُوَ غلط قَوْله.

     وَقَالَ  بن إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يُرِيدُ أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا عَنِ الْأَسْوَدِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُور وَرِوَايَة بن إِسْحَاقَ هَذِهِ وَصَلَهَا أَحْمَدُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَخْرَجَهَا بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَلَفْظُهُ نَزَلَتْ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا بِحِرَاءَ لَيْلَةَ الْحَيَّةِ قَالُوا وَمَا لَيْلَةُ الْحَيَّةِ قَالَ خَرَجَتْ حَيَّةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهَا فَتَغَيَّبَتْ فِي جُحْرٍ فَقَالَ دَعُوهَا الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

     وَقَالَ  أَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ تَصْحِيف وَالصَّوَاب بن إِسْحَاقَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ صَاحِبُ الْمَغَازِي ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَة بِتَمَامِهِ