فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب تفسير المشبهات

( قَولُهُ بَابُ تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ)
بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَلِلنَّسَفِيِّ بِضَمَّتَيْنِ مُخَفَّفًا بِغَيْرِ مِيمٍ وَلِابْنِ عَسَاكِرَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَزِيَادَةِ تَاءٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ إِنَّ الشُّبُهَاتِ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْلَمُهَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُعَرِّفَ الطَّرِيقَ إِلَى مَعْرفَتهَا لتجتنب فَذكر أَو لَا مَا يَضْبِطُهَا ثُمَّ أَوْرَدَ أَحَادِيثَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مَرَاتِبُ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْهَا ثُمَّ ثَنَّى بِبَابٍ فِيهِ بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْهَا ثُمَّ ثَلَّثَ بِبَابٍ فِيهِ بَيَانُ مَا يُكْرَهُ وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلَهُ التَّحْرِيمُ أَوِ الْإِبَاحَةُ أَوْ يُشَكُّ فِيهِ فَالْأَوَّلُ كَالصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ قَبْلَ ذَكَاتِهِ فَإِذَا شَكَّ فِيهَا لَمْ يَزُلْ عَنِ التَّحْرِيمِ إِلَّا بِيَقِينٍ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَالثَّانِي كَالطَّهَارَةِ إِذَا حَصَلَتْ لَا تُرْفَعُ إِلَّا بِيَقِينِ الْحَدَثِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَعَبْدٌ وَشَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ وَهُمَا عَلَى مِلْكِهِ وَالثَّالِثُ مَا لَا يَتَحَقَّقُ أَصْلُهُ وَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيثِ التَّمْرَةِ السَّاقِطَةِ فِي الْبَابِ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  وقَال حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ هُوَ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْعُبَّادِ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا شَكَكْتَ فِي شَيْءٍ فَاتْرُكْهُ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ اجْتَمَعَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ فَقَالَ يُونُسُ مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيَّ مِنَ الْوَرَعِ فَقَالَ حَسَّانُ مَا عَالَجْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْهُ قَالَ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ تَرَكْتُ مَا يَرِيبُنِي إِلَى مَا لَا يَرِيبُنِي فَاسْتَرَحْتُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَكَلَّمَ حَسَّانُ عَلَى قَدْرِ مَقَامِهِ وَالتَّرْكُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَشَدُّ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ تَحَمُّلِ كَثِيرٍ مِنَ الْمَشَاقِّ الْفِعْلِيَّةِ وَقَدْ وَرَدَ .

     قَوْلُهُ  دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَمِنْ قَوْلِ بن عمر أَيْضا وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا .

     قَوْلُهُ  يَرِيبُكَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ يُقَالُ رَابَهُ يَرِيبُهُ بِالْفَتْحِ وَأَرَابَهُ يَرِيبُهُ بِالضَّمِّ رِيبَةً وَهِيَ الشَّكُّ وَالتَّرَدُّدُ وَالْمَعْنَى إِذَا شَكَكْتَ فِي شَيْءٍ فَدَعْهُ وَتَرْكُ مَا يُشَكُّ فِيهِ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْوَرَعِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ مَرْفُوعًا لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كُلُّ مَا شَكَكْتُ فِيهِ فَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ ثُمَّ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمَكْرُوهٌ فَالْوَاجِبُ اجْتِنَابُ مَا يَسْتَلْزِمُهُ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمِ وَالْمَنْدُوبُ اجْتِنَابُ مُعَامَلَةِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَالْمَكْرُوهُ اجْتِنَابُ الرُّخَصِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَطُّعِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي الرَّضَاعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ



[ قــ :1968 ... غــ :2052] .

     قَوْلُهُ  كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ أَمْرَهُ بِفِرَاقِ امْرَأَتِهِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ إِنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَيَرْتَكِبَ الْحَرَامَ فَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا احْتِيَاطًا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ بَلْ قَبِلَ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا عَلَى ذَلِكَ وَسَتَأْتِي مَبَاحِثُهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَة فِي قصَّة بن وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَسَتَأْتِي مَبَاحِثُهُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ





[ قــ :1969 ... غــ :053] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ مَعَ حُكْمِهِ بِأَنَّهُ أَخُوهَا لِأَبِيهَا لَكِنْ لِمَا رَأَى الشَّبَهَ الْبَيِّنَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ زَمْعَةَ أَمَرَ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ احْتِيَاطًا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَاعْتَرَضَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي شَيْء وَأجَاب بن التِّينِ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ مَا أَشْبَهَتِ الْحَلَالَ مِنْ وَجْهٍ وَالْحَرَامَ مِنْ وَجْهٍ وَبَيَانُهُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ إِلْحَاقَهُ بِزَمْعَةَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَحْتَجِبَ مِنْهُ سَوْدَةُ وَالشَّبَهُ بِعُتْبَةَ يقتضى أَن تحتجب.

     وَقَالَ  بن الْقَصَّارِ إِنَّمَا حَجَبَ سَوْدَةَ مِنْهُ لِأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ أَخِيهَا وَغَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِهَا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بَلْ وَجَبَ ذَلِكَ لِغِلَظِ أَمْرِ الْحِجَابِ فِي حَقِّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوِ اتَّفَقَ مِثْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجِبِ الِاحْتِجَابُ كَمَا وَقَعَ فِي حَقِّ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ لَهُ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّيْدِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ





[ قــ :1970 ... غــ :054] .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ فَبَيَّنَ لَهُ وَجْهَ الْمَنْعِ وَهُوَ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ وَأَبْعَدَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ