فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

( قَولُهُ بَابُ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ)
هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبَى دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَسَنُبَيِّنُ مَا بَيْنَهُا وَبَيْنَ لَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ التَّفَاوُتِ



[ قــ :202 ... غــ :206] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا هُوَ بن أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ وَزَكَرِيَّا مُدَلِّسٌ وَلَمْ أَرَهُ مِنْ حَدِيثِهِ إِلَّا بِالْعَنْعَنَةِ لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ زَكَرِيَّا وَالْقَطَّانُ لَا يَحْمِلُ مِنْ حَدِيثِ شُيُوخِهِ الْمُدَلِّسِينَ إِلَّا مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُمْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَأَهْوَيْتُ أَيْ مَدَدْتُ يَدِيَ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَهْوَيْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا أَوْمَأْتُ بِهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَهْوَيْتُ قَصَدْتُ الْهَوَاءَ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الْقعُود وَقيل الْأَهْوَاء الامالة قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ خِدْمَةُ الْعَالِمِ وَأَنَّ لِلْخَادِمِ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى مَا يَعْرِفُ مِنْ عَادَةِ مَخْدُومِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ وَفِيهِ الْفَهْمُ عَنِ الْإِشَارَةِ وَرَدُّ الْجَوَابِ عَمَّا يُفْهَمُ عَنْهَا لِقَوْلِهِ فَقَالَ دَعْهُمَا .

     قَوْلُهُ  فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا أَيِ الْقَدَمَيْنِ طَاهِرَتَيْنِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ وَلِأَبِي دَاوُدَ فَإِنِّي أَدْخَلْتُ الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ وَلِلْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَمْسَحُ أَحَدُنَا عَلَى خُفَّيْهِ قَالَ نَعَمْ إِذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا نَحْنُ أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثَلَاثًا إِذَا سَافَرْنَا وَيَوْما وَلَيْلَة إِذا أَقَمْنَا قَالَ بن خُزَيْمَةَ ذَكَرْتُهُ لِلْمُزَنِيِّ فَقَالَ لِي حَدِّثْ بِهِ أَصْحَابَنَا فَإِنَّهُ أَقْوَى حُجَّةً لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَحَدِيثُ صَفْوَانَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ اللُّبْسِ وَأَشَارَ الْمُزَنِيُّ بِمَا قَالَ إِلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ حَمَلُوا الطَّهَارَةَ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَخَالَفَهُمْ دَاوُدُ فَقَالَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رِجْلَيْهِ نَجَاسَةٌ عِنْدَ اللُّبْسِ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ وَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ لَبِسَهُمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ وَخَالَفَهُمْ أَصْبَغُ وَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ لَبِسَهُمَا ثُمَّ أَكْمَلَ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ لَمْ يَبُحِ الْمَسْحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى إِيجَابِ التَّرْتِيبِ وَكَذَا عِنْدَ مَنْ لَا يُوجِبُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ شَرْطُ إِبَاحَةُ الْمَسْحِ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْكَامِلَةِ وَقْتُ الْحَدَثِ لَا وَقت اللّبْس فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِذَا كَمَّلَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَحْدَثَ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَدَثِ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الطَّهَارَةَ قَبْلَ لُبْسِ الْخُفِّ شَرْطًا لِجَوَازِ الْمَسْحِ وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِوُجُودِ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَقَدْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ وَلَوْ تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَبَقِيَ غَسْلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَلَبِسَ ثُمَّ غَسَلَ الثَّانِيَةَ وَلَبِسَ لَمْ يَبُحْ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَأَجَازَهُ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَمُطَرِّفٌ صَاحِبُ مَالك وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ لِصِدْقِ أَنَّهُ أَدْخَلَ كُلًّا مِنْ رِجْلَيْهِ الْخُفَّيْنِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى التَّثْنِيَةِ غَيْرُ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْوحدَة واستضعفه بن دَقِيقِ الْعِيدِ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ بَاقٍ قَالَ لَكِنْ إِنْ ضُمَّ إِلَيْهِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ اتَّجَهَ فَائِدَةٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَاصٌّ بِالْوُضُوءِ لَا مَدْخَلَ لِلْغُسْلِ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ فَائِدَةٌ أُخْرَى لَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِالتَّوْقِيتِ أَعَادَ الْوُضُوءَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمَا وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ إِلَّا إِنْ تَطَاوَلَ.

     وَقَالَ  الْحسن وبن أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُ قَدَمَيْهِ وَقَاسُوهُ عَلَى مَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ حَلَقَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْمَسْحِ وَفِيهِ نظر فَائِدَةٌ أُخْرَى لَمْ يُخْرِجِ الْبُخَارِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى تَوْقِيتِ الْمَسْحِ.

     وَقَالَ  بِهِ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ فَقَالَ يَمْسَحُ مَا لَمْ يَخْلَعْ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ التَّوْقِيتَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَفِي الْبَابِ عَن أبي بكرَة وَصَححهُ الشَّافِعِي وَغَيره