فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب حج أبي بكر بالناس في سنة تسع



[ قــ :4127 ... غــ :4363] حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ كَذَا جَزَمَ بِهِ وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَن صَحِيح بن حِبَّانَ أَنَّ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا قَفَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَأَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ قَالَ الْمُحِبُّ إِنَّمَا حَجَّ أَبُو بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَالْجِعْرَانَةُ كَانَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالَ وَإِنَّمَا حَجَّ فِيهَا عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ كَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ تَبِعَ الْمَاوَرْدِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَتَّابًا أَنْ يَحُجَّ بِالنَّاسِ عَامَ الْفَتْحِ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ خِلَافَهُ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى الْحَجِّ أَحَدًا وَإِنَّمَا وَلَّى عَتَّابًا إِمْرَةَ مَكَّةَ فَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ جَمِيعًا وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ عَتَّابٍ لِكَوْنِهِ الْأَمِيرَ.

قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَيِّ شَهْرٍ حَجَّ أَبُو بكر فَذكر بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ حَجَّةَ أَبِي بَكْرٍ وَقَعَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَوَافَقَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَمَنْ عَدَا هَذَيْنَ إِمَّا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ حَجَّةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فِي ذِي الْحَجَّةِ كَالدَّاوُدِيِّ وَبِهِ جَزَمَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ الرُّمَّانِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَتَبِعَهُمْ جَمَاعَةٌ وَإِمَّا سَاكِتٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَبِهِ جَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَن بن إِسْحَاقَ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ بَعْثَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ بَعْدَ انْسِلَاخِ ذِي الْقَعْدَةِ فَيَكُونُ حَجُّهُ فِي ذِي الْحَجَّةِ عَلَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ كَانَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حَجَّ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْفَرْضَ بَلْ كَانَ تَطَوُّعًا قَبْلَ فَرْضِ الْحَجِّ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَلِبَسْطِ تَقْرِير ذَلِك مَوضِع غير هَذَا.

     وَقَالَ  بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ وَيُسْتَفَادُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ تِسْعٍ لِأَنَّ حَجَّةَ الْوَدَاع كَانَت سنة عشر اتِّفَاقًا وَذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّ خُرُوجَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ خَرَجَ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَبَعَثَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ بَدَنَةً ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِّ مُشْرِكٌ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة تَامّ السِّيَاق وَيَأْتِي تَمام شَرحه هُنَاكَ ثَانِيهمَا حَدِيث الْبَرَاء آخِر سُورَة نَزَلَتْ كَامِلَة بَرَاءَة الحَدِيث وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا وَبَيَانُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ مِنْ قَوْلِهِ كَامِلَةً وَالْغَرَضُ مِنْهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ نُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بعد عَامهمْ هَذَا الْآيَةَ كَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَدَقَّقَ فِي ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ ذكر بن إِسْحَاقَ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ قَالَ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا علىالحج فَقِيلَ لَوْ بَعَثْتَ بِهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَقَالَ اخْرُجْ بِصَدْرِ بَرَاءَةٍ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى إِذَا اجْتَمَعُوا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحْرِزِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي الْحَدِيثَ وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ يَشِيعَ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ فِي الْحَجَّةِ قَالَ بِأَرْبَعٍ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَحَّحَهُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ هُنَا ذِكْرُ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ الْوُفُودِ وَالْوَاقِعُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْوُفُودِ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَمَا بعْدهَا بل ذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّ الْوُفُودَ كَانُوا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ نَعَمِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ فِي سنة تسع قَالَ بن هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ كَانَتْ سَنَةُ تِسْعٍ تُسَمَّى سَنَةَ الْوُفُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَلُومُ بِإِسْلَامِهَا الْفَتْحَ الْحَدِيثَ فَلَمَّا كَانَ الْفَتْحُ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ كَمَا قَدَّمْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَسَيَأْتِي نَظِيرُ هَذَا فِي تَقْدِيمِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَدْ سَرَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ الْوُفُودَ وَتَبِعَهُ الدِّمْيَاطِيُّ فِي السِّيرَة الَّتِي جمعهَا وَتَبعهُ بن سَيِّدِ النَّاسِ وَمُغْلَطَايُ وَشَيْخُنَا فِي نَظْمِ السِّيرَةِ ومجموع مَا ذَكرُوهُ يزِيد على السِّتين قَوْله