فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات، بأنفسهم خيرا} [النور: 12] إلى قوله: {الكاذبون} [النحل: 105]

( قَولُهُ بَابُ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا إِلَى قَوْلِهِ الْكَاذِبُونَ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ غَيْرِهِ سِيَاقُ آيَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ الْأُولَى .

     قَوْلُهُ  وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا إِلَى قَوْله عَظِيم وَالْأُخْرَى قَوْله لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء إِلَى قَوْلِهِ الْكَاذِبُونَ وَاقْتَصَرَ النَّسَفِيُّ عَلَى الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ سَاقَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ الْإِفْكِ بِطُولِهِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَشَايِخِهِ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ سَاقَهُ بِطُولِهِ أَيْضًا فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَفِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَوْرَدَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى بِاخْتِصَارٍ فَأَوَّلُ مَا أَخْرَجَهُ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ فِي الشَّهَادَاتِ ثُمَّ فِي التَّفْسِيرِ ثمَّ فِي الْإِيمَان وَالنّذر ثُمَّ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بِاخْتِصَارٍ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَأَخْرَجَهُ فِي التَّوْحِيدِ وَعَلَّقَهُ فِي الشَّهَادَاتِ بِاخْتِصَارٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ وَالْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ بِاخْتِصَارٍ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَيْضًا وَأخرج طرفا مِنْهُ مُعَلّقا فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ طَرَفًا آخَرَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ سَاقَهُ عَلَى لَفْظِ مَعْمَرٍ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحٍ وَصَالِحٍ بِإِسْنَادِهِمَا قَالَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ بَيَّنَ الِاخْتِلَافَ فِي احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ أَوْ اجْتَهَلَتْهُ وَفِي مُوغِرِينَ كَمَا سَيَأْتِي وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ زِيَادَةً كَمَا سَأُنَبِّهُ عَلَيْهَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ وَأَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَحْوِ نِصْفِ أَوَّلِهِ ثُمَّ قَالَ وسَاق الحَدِيث وَأخرج من طَرِيق بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَذَكَرَ آخَرَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ يَسْتَشِيرُهُمَا إِلَى قَوْلِهِ فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ أَخْرَجَهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد من طَرِيق بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ طَرَفًا مِنْهُ فِي السُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِوَحْيٍ يُتْلَى وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ يُونُسَ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ مُعَلَّقًا عَقِبَ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَهَذِهِ جَمِيعُ طُرُقِهِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ وَقَدْ جَاءَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَعَطَاءٍ الخرساني وَعقيل وبن جُرَيْجٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ طَرَفٌ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ هَذَا وَالطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا من رِوَايَة زِيَاد بن سعد وبن أَبِي عَتِيقٍ وَصَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ وَأَفْلَحَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافع وَيَعْقُوب بن عَطاء وَأخرجه بن مرْدَوَيْه من رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ كُلُّهُمْ وَعِدَّتُهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَفْسًا عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْهُمْ مَنْ طَوَّلَهُ وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ وَأَكْثَرُهُمْ يُقَدِّمُ عُرْوَةَ عَلَى سَعِيدٍ وَبَعْدَ سَعِيدٍ عَلْقَمَةُ وَيَخْتِمُ بِعُبَيْدِ الله وَقدم معمر وَيُونُس من رِوَايَة بن وهب عَنهُ وَعقيل وبن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ وَزِيَادٌ وَأَفْلَحُ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَعْقُوب سعيد بن الْمسيب على عُرْوَة وَقدم بن وهب عَلْقَمَة على عبيد الله وَقدم بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ وَثَنَّى بِسَعِيدٍ وَثَلَّثَ بِعُرْوَة وَآخر عبيد الله وَقدم عَطاء الخرساني عُبَيْدَ اللَّهِ عَلَى عُرْوَةَ فِي رِوَايَةٍ وَحَذَفَ مِنْ أُخْرَى سَعِيدًا وَكَذَا قَدَّمَ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عُبَيْدَ اللَّهِ لَكِنْ ثَنَّى بِأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَلَ سَعِيدٍ وَثَلَّثَ بِعَلْقَمَةَ وَخَتَمَ بِعُرْوَةَ وَاقْتَصَرَ بَكْرٌ عَلَى سَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ أَيْ بَعْضَهُ هُوَ مَقُولُ الزُّهْرِيِّ كَمَا فِي رِوَايَةِ فليح قَالَ الزُّهْرِيّ الخ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ قَالَ الزُّهْرِيُّ كُلٌّ حَدَّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ كُلَّ الَّذِي حَدَّثُونِي وَلما ضم بن إِسْحَاقَ إِلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَرْبَعَةِ رِوَايَتَهُ هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَ دَخَلَ حَدِيثُ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُحَدِّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدِّثْ صَاحِبُهُ وَكُلٌّ كَانَ ثِقَةً فَكُلٌّ حَدَّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ قَالَ فَذَكَرَهُ قَالَ عِيَاضٌ انْتَقَدُوا عَلَى الزُّهْرِيِّ مَا صَنَعَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مُلَفَّقًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَقَالُوا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْرِدَ حَدِيثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنِ الْآخَرِ انْتَهَى وَقَدْ تَتَبَّعْتُ طُرُقَهُ فَوَجَدْتُهُ مِنْ رِوَايَة عُرْوَة على انفرداه وَمن رِوَايَة عَلْقَمَة بن وَقاص على انفرداه وَفِي سِيَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالَفَاتٌ وَنَقْصٌ وَبَعْضُ زِيَادَةٍ لِمَا فِي سِيَاقِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْأَرْبَعَةِ فَأَمَّا رِوَايَةُ عُرْوَةَ فَأَخْرَجَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الشَّهَادَاتِ من رِوَايَة فليح بن سُلَيْمَان عَن هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَقِبَ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ مِثْلَهُ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ فَكَأَنَّ فُلَيْحًا تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ مِثْلَهُ وَقَدْ عَلَّقَهَا الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا لِأَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِتَمَامِهِ وَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ لِأَبِي أُسَامَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسُقْهُ بِتَمَامِهِ وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِتَمَامِهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَأبي أويس وَأبي عوَانَة وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَبُو عَوَانَةَ من رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَوَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ بِاخْتِصَارٍ فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ فَوَصَلَهَا الطَّبَرِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْهُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْهُمَا إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ وَأَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْقِ لَفْظَهُ أَخْرَجَهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَكَذَا رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَقِبَ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله بن الزبير ومقسم مولى بن عَبَّاسٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عَائِشَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَحَدِيثُهُ أَيْضًا عَقِبَ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الشَّهَادَاتِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَأُمُّ رُومَانَ قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ وَفِي الْمَغَازِي وَيَأْتِي بِاخْتِصَارٍ قَرِيبا وبن عَبَّاس وبن عمر وحديثهما عِنْد الطَّبَرَانِيّ وبن مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَبُو الْيُسْر وَحَدِيثه بِاخْتِصَار عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ فَجَمِيعُ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عَائِشَةَ سِتَّةٌ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ عَائِشَةَ عَشَرَةٌ وَأوردهُ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا بِإِسْنَادٍ وَاهٍ وَأَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ رِوَايَةِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ مُرْسَلًا أَيْضًا وَسَأَذْكُرُ فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا فِي رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا كَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ وَحَدِيثُ بَعْضِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ بَعْضَ حَدِيثِ كُلٍّ مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الرَّاوِي فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِهِ لِحُسْنِ سِيَاقِهِ وَجَوْدَةِ حِفْظِهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَمْيَزُ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ مَنْ جِهَةِ حِفْظِ أَكْثَرِهِ لَا أَنَّ بَعْضَهُمْ أَضْبَطُ مِنْ بَعْضٍ مُطْلَقًا وَلِهَذَا قَالَ أَوْعَى لَهُ أَيْ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ خَاصَّةً زَادَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَأَثْبَتُ اقْتِصَاصًا أَيْ سِيَاقًا وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ أَيِ الْقَدرَ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَمِيعَ الْحَدِيثِ عَنْ مَجْمُوعِهِمْ لَا أَنَّ مَجْمُوعَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَفْلَحَ وَبَعْضُ الْقَوْمِ أَحْسَنُ سِيَاقًا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ الْبَابِ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ فَهَكَذَا فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن يُونُس وَأما رِوَايَة بن الْمُبَارك وبن وَهْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيِّ فَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ يُونُسَ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ وَإِنَّمَا قَالُوا عَنْ عَائِشَةَ فَاقْتَضَتْ رِوَايَةُ اللَّيْثِ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ عَنْ عُرْوَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ وَفِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَحْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ الْقُرْعَةُ عِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ وَكَذَلِكَ أَفْرَدَهَا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ وَكَذَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عِنْد بن مَاجَهْ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ شُيُوخِ الزُّهْرِيِّ عَلَى بَعْضٍ فَلَوْ كَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي مُتَعَيِّنًا لَامْتَنَعَ تَقْدِيمُ غَيْرِ عُرْوَةَ عَلَى عُرْوَةَ وَلَأَشْعَرَ أَيْضًا أَنَّ الْبَاقِينَ لَمْ يَرْوُوا عَنْ عَائِشَةَ قِصَّةَ الْقُرْعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ قِصَّةَ الْقُرْعَةِ خَاصَّةً مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَسَتَأْتِي الْقِصَّةُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَحْدَهُ وَفِي سِيَاقِهِ مُخَالَفَةٌ كَثِيرَةٌ لِلسِّيَاقِ الَّذِي هُنَا لِلزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ مِمَّا يَتَأَيَّدُ بِهِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عُرْوَةُ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ عَائِشَةَ تَرْوِي عَنْ نَفْسِهَا بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَيْ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ ثُمَّ شَرَعَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ فَقَالَ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ وَالزَّعْمُ قَدْ يَقَعُ مَوضِع القَوْل وَأَن لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَرَدُّدٌ لَكِنْ لَعَلَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ مَشَايِخِ الزُّهْرِيِّ لَمْ يُصَرِّحُوا لَهُ بِذَلِكَ كَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْكَرْمَانِيُّ



[ قــ :4494 ... غــ :4750] .

     قَوْلُهُ  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ زَادَ مَعْمَرٌ سَفَرًا أَيْ إِلَى سَفَرٍ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ ضُمِّنَ يَخْرُجُ مَعْنَى يُنْشِئُ فَيَكُونُ سَفَرًا نَصْبًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا .

     قَوْلُهُ  أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقُرْعَةِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ مَنَعَ مِنْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِهَا وَحُكْمُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلَاتِ .

     قَوْلُهُ  فَأَيَّتُهُنَّ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحٍ فَأَيُّهُنَّ بِغَيْرِ مُثَنَّاةٍ وَالْأُولَى أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا هِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا أَفْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَخَرَجَ سَهْمُ عَائِشَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَصَابَتْ عَائِشَةَ الْقُرْعَةُ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَفِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْغَزْوَةِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ .

     قَوْلُهُ  فَخَرَجَ سَهْمِي هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَحْدَهَا لَكِنْ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهَا أَنَّهَا خَرَجَتْ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ أَيْضًا أُمُّ سَلَمَةَ وَكَذَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَقَعْ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة ذكر وَرِوَايَة بن إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ عَبَّادٍ ظَاهِرَةٌ فِي تَفَرُّدِ عَائِشَةَ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ فَخَرَجَ بِي مَعَه قَوْله بعد مَا نزل الْحجاب أَي بعد مَا نَزَلَ الْأَمْرُ بِالْحِجَابِ وَالْمُرَادُ حِجَابُ النِّسَاءِ عَنْ رُؤْيَةِ الرِّجَالِ لَهُنَّ وَكُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعْنَ وَهَذَا قَالَتْهُ كَالتَّوْطِئَةِ لِلسَّبَبِ فِي كَوْنِهَا كَانَتْ مُسْتَتِرَةً فِي الْهَوْدَجِ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى تَحْمِيلِهِ وَهِيَ لَيْسَتْ فِيهِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ فَلَعَلَّ النِّسَاءَ حِينَئِذٍ كُنَّ يَرْكَبْنَ ظُهُورَ الرَّوَاحِلِ بِغَيْرِ هَوَادِجَ أَوْ يَرْكَبْنَ الْهَوَادِجَ غَيْرَ مُسْتَتِرَاتٍ فَمَا كَانَ يَقَعُ لَهَا الَّذِي يَقَعُ بَلْ كَانَ يَعْرِفُ الَّذِي كَانَ يَخْدُمُ بَعِيرَهَا إِنْ كَانَتْ رَكِبَتْ أَمْ لَا .

     قَوْلُهُ  فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هودجي وَأنزل فِيهِ فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَكُنْتُ إِذَا رَحَّلُوا بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِأَسْفَلِ الْهَوْدَجِ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَالْهَوْدَجُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ مَحْمَلٌ لَهُ قُبَّةٌ تستر بالثياب وَنَحْوه يوضع عَن ظَهْرِ الْبَعِيرِ يَرْكَبُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهُنَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ بِلَفْظِ الْمِحَفَّةِ .

     قَوْلُهُ  فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ كَذَا اقتصرت الْقِصَّة لِأَن مُرَاد سِيَاقُ قِصَّةِ الْإِفْكِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا ذَكَرَتْ مَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ كَالتَّوْطِئَةِ لِمَا أَرَادَتِ اقْتِصَاصَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ذَكَرَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ فَاخْتَصَرَهُ الرَّاوِي لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْهَا فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَحَادِيثُ غَيْرُ هَذَا وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ عَبَّادٍ.

قُلْتُ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّتَاهُ حَدِّثِينَا عَن قصَّة الْإِفْك قَالَ نَعَمْ وَعِنْدَهُ فَخَرَجْنَا فَغَنَّمَهُ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ وَرَجَعْنَا .

     قَوْلُهُ  وَقَفَلَ بِقَافٍ وَفَاءٍ أَيْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَتِهِ .

     قَوْلُهُ  وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ أَيْ رَاجِعِينَ أَيْ أَنَّ قِصَّتَهَا وَقَعَتْ حَالَ رُجُوعِهِمْ مِنَ الْغَزْوَةِ قُرْبَ دُخُولِهِمُ الْمَدِينَةَ .

     قَوْلُهُ  آذَنَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ وَبِغَيْرِ مَدٍّ وَالتَّشْدِيدِ كِلَاهُمَا بِمَعْنى أعلم بالرحيل وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَبَاتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ ثُمَّ آذَنَ بِالرَّحِيلِ .

     قَوْلُهُ  بِالرَّحِيلِ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ الرَّحِيلَ بِغَيْرِ مُوَحَّدَةٍ وَبِالنَّصْبِ وَكَأَنَّهُ حِكَايَةُ قَوْلِهِمْ الرَّحِيلَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَمَشَيْتُ جتى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ أَيْ لِتَقْضِيَ حَاجَتَهَا مُنْفَرِدَةً .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي الَّذِي تَوَجَّهَتْ بِسَبَبِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ خِلَافُ مَا فِي الصَّحِيحِ وَأَنَّ سَبَبَ تَوَجُّهِهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا أَنَّ رَحْلَ أُمِّ سَلَمَةَ مَالَ فَأَنَاخُوا بَعِيرَهَا لِيُصْلِحُوا رَحْلَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ إِلَى أَنْ يُصْلِحُوا رَحْلَهَا قَضَيْتُ حَاجَتِي فتوجهت وَلم يعلمُوا بن فَقَضَيْتُ حَاجَتِي فَانْقَطَعَتْ قِلَادَتِي فَأَقَمْتُ فِي جَمْعِهَا وَنِظَامِهَا وَبَعَثَ الْقَوْمُ إِبِلَهُمْ وَمَضَوْا وَلَمْ يَعْلَمُوا بِنُزُولِي وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ .

     قَوْلُهُ  عِقْدٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قِلَادَةٌ تُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا .

     قَوْلُهُ  مِنْ جَزْعٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ خَرَزٌ مَعْرُوفٌ فِي سَوَادِهِ بَيَاض كالعروق قَالَ بن الْقَطَّاعِ هُوَ وَاحِدٌ لَا جَمْعَ لَهُ.

     وَقَالَ  بن سِيدَهْ هُوَ جَمْعٌ وَاحِدَةُ جَزِعَةٌ وَهُوَ بِالْفَتْحِ فَأَمَّا الْجِزْعُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي وَنَقَلَ كُرَاعٌ أَنَّ جَانِبَ الْوَادِي بِالْكَسْرِ فَقَطْ وَأَنَّ الآخر يُقَال بِالْفَتْح وبالكسر وَأغْرب بن التِّينِ فَحَكَى فِيهِ الضَّمَّ قَالَ التّيفَاشِيُّ يُوجَدُ فِي مَعَادِنِ الْعَقِيقِ وَمِنْهُ مَا يُؤْتَى بِهِ من الصين قَالَ وَلَيْسَ فِي الْحِجَارَةِ أَصْلَبُ جِسْمًا مِنْهُ وَيَزْدَادُ حُسْنُهُ إِذَا طُبِخَ بِالزَّيْتِ لَكِنَّهُمْ لَا يَتَيَمَّنُونَ بِلُبْسِهِ وَيَقُولُونَ مَنْ تَقَلَّدَهُ كَثُرَتْ هُمُومُهُ وَرَأَى مَنَامَاتٍ رَدِيئَةً وَإِذَا عُلِّقَ عَلَى طِفْلٍ سَالَ لُعَابُهُ وَمِنْ مَنَافِعِهِ إِذَا أُمِرَّ عَلَى شَعْرِ الْمُطْلَقَةِ سَهُلَتْ وِلَادَتُهَا .

     قَوْلُهُ  جَزْعُ أَظْفَارٍ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَظْفَارٍ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ ظَفَارٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَصَالِحٍ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الرِّوَايَةُ أَظْفَارٍ بِأَلِفٍ وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَا يعرفونه بِأَلف وَيَقُولُونَ ظفار قَالَ بن قُتَيْبَةَ جَزْعٌ ظَفَارِيٌّ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ أَظْفَارٍ وَهِيَ خَطَأٌ.

قُلْتُ لَكِنَّهَا فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ حَتَّى إِنَّ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ جَزْعُ الْأَظَافِيرِ فَأَمَّا ظَفَارٌ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ فَاءٍ بَعْدَهَا رَاءٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ فَهِيَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ وَقِيلَ جَبَلٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ الْمَدِينَةُ وَهِيَ فِي أَقْصَى الْيَمَنِ إِلَى جِهَةِ الْهِنْدِ وَفِي الْمَثَلِ مَنْ دَخَلَ ظَفَارَ حَمَّرَ أَيْ تَكَلَّمَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا مِنْ حِمْيَرَ وَإِنْ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ أَنَّ جَزْعَ أَظْفَارٍ فَلَعَلَّ عِقْدَهَا كَانَ مِنَ الظُّفْرِ أَحَدِ أَنْوَاعِ الْقُسْطِ وَهُوَ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يُتَبَخَّرُ بِهِ فَلَعَلَّهُ عُمِلَ مِثْلَ الْخَرَزِ فَأَطْلَقَتْ عَلَيْهِ جَزْعًا تَشْبِيهًا بِهِ وَنَظَمَتْهُ قِلَادَةً إِمَّا لِحُسْنِ لَوْنِهِ أَوْ لِطِيبِ رِيحِهِ وَقَدْ حَكَى بن التِّينِ أَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَيْسَ جَزَعًا ظَفَارِيًّا إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِك ووفع فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ فَكَانَ فِي عُنُقِي عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ كَانَتْ أُمِّي أَدْخَلَتْنِي بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَيْ فَرَغْتُ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي أَيْ رَجَعَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ نَازِلَةً فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا عِقْدٌ لِي فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدِي .

     قَوْلُهُ  قَدِ انْقَطَعَ فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ قَدِ انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَأَنَا لَا أَدْرِي .

     قَوْلُهُ  فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَرَجَعت فَالْتمست وحبسني ابتغاؤه أَي طلبه وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلَى بَدْئِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْقَوْمَ لَوْ لَبِثُوا شَهْرًا لَمْ يَبْعَثُوا بَعِيرِي حَتَّى أَكُونَ فِي هَوْدَجِي .

     قَوْلُهُ  وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ هُوَ عَدَدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عشرَة وَقيل غير ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ وَلَمْ أَعْرِفْ مِنْهُمْ هُنَا أَحَدًا إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَبُو مَوْهُوبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَبُو مُوَيْهِبَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدِيثًا فِي مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَاتُهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَلَاذُرِيُّ شَهِدَ أَبُو مُوَيْهِبَةَ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ وَكَانَ يَخْدُمُ بَعِيرَ عَائِشَةَ وَكَانَ مِنْ مولدِي بني مزبنة وَكَأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ أَبُو مَوْهُوبَةَ وَيُصَغَّرُ فَيُقَالُ أَبُو مُوَيْهِبَةَ .

     قَوْلُهُ  يَرْحَلُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ رَحَلْتُ الْبَعِيرَ إِذَا شَدَدْتَ عَلَيْهِ الرَّحْلَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا بِالتَّشْدِيدِ فِي هَذَا وَفِي فرحلوه قَوْله إِلَى فِي رِوَايَة معمر بن وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَرْحَلُونَ لِي قَالَ وَهُوَ أَجْوَدُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ بِالْبَاءِ أَجْوَدُ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُهَا وَهِيَ فِي الْهَوْدَجِ فَشَبَّهَتِ الْهَوْدَجَ الَّذِي هِيَ فِيهِ بِالرَّحْلِ الَّذِي يوضع على الْبَعِير قَوْله فرحلوه فِي وَضَعُوهُ وَفِيهِ تَجَوُّزٌ وَإِنَّمَا الرَّحْلُ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ ثُمَّ يُوضَعُ الْهَوْدَجُ فَوْقَهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا قَالَتْ هَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ لَمْ يُثْقِلْهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ قَالَ بن أبي جَمْرَةَ لَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا لِأَنَّ كُلَّ سَمِينٍ ثَقِيلٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لِأَنَّ الْهَزِيلَ قَدْ يَمْتَلِئُ بَطْنُهُ طَعَامًا فَيَقِلُّ بَدَنُهُ فَأَشَارَتْ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ لَمْ يَكُونَا فِي نِسَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْلِهَا لَمْ يَغْشَهُنَّ أَيْ لَمْ يَكْثُرْ عَلَيْهِنَّ فَيَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَفِي رِوَايَة معمر لم يهبلهن وَضَبطه بن الخشاب فِيمَا حَكَاهُ بن الْجَوْزِيِّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَمِثْلُهُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنْ قَالَ وَضَمُّ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ لِأَنَّ مَاضِيهِ بِفَتْحَتَيْنِ مُخَفَّفًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ أَيْضًا وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ يُقَالُ هَبَّلَهُ اللَّحْمُ وَأَهْبَلَهُ إِذَا أَثْقَلَهُ وَأَصْبَحَ فُلَانٌ مُهَبَّلًا أَيْ كثير اللَّحْم أَو رام الْوَجْه قلت وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ اللَّحْمُ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ الْحَذَّاءِ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا وَأَشَارَ إِلَيْهَا بن الْجَوْزِيِّ.

     وَقَالَ  الْمُهَبَّلُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ الثَّقِيلُ الْحَرَكَةِ مِنَ السِّمَنِ وَفُلَانٌ مُهَبَّلٌ أَيْ مُهَيَّجٌ كَأَنَّ بِهِ وَرَمًا .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا يَأْكُلْنَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا إِنَّمَا نَأْكُلُ بِالنُّونِ أَوَّلِهِ وَبِاللَّامِ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  الْعُلْقَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ ثُمَّ قَافٍ أَيِ الْقَلِيلُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَأَنَّ الْمُرَادَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ الَّذِي يُسَكِّنُ الرَّمَقَ كَذَا قَالَ وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ الْعُلْقَةُ مَا فِيهِ بُلْغَةٌ مِنَ الطَّعَامِ إِلَى وَقت الْغَدَاء حَكَاهُ بن بَطَّالٍ قَالَ وَأَصْلُهَا شَجَرٌ يَبْقَى فِي الشِّتَاءِ تَتَبَلَّغُ بِهِ الْإِبِلُ حَتَّى يَدْخُلَ زَمَنُ الرَّبِيعِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَمَعْمَرٍ ثِقَلُ الْهَوْدَجِ وَالْأَوَّلُ أَوْضَحُ لِأَنَّ مُرَادَهَا إِقَامَةُ عُذْرِهِمْ فِي تَحْمِيلِ هَوْدَجَهَا وَهِيَ لَيْسَتْ فِيهِ فَكَأَنَّهَا تَقُولُ كَأَنَّهَا لِخِفَّةِ جِسْمِهَا بِحَيْثُ إِنَّ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ هَوْدَجَهَا لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ وُجُودِهَا فِيهِ وَعَدَمِهَا وَلِهَذَا أَرْدَفَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ أَيْ أَنَّهَا مَعَ نَحَافَتِهَا صَغِيرَةُ السِّنِّ فَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي خِفَّتِهَا وَقَدْ وُجِّهَتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَسْتَنْكِرُوا الثِّقَلَ الَّذِي اعْتَادُوهُ لِأَنَّ ثِقَلَهُ فِي الْأَصْلِ إِنَّمَا هُوَ رَكِبَ الْهَوْدَجَ مِنْهُ مِنْ خَشَبٍ وَحِبَالٍ وَسُتُورٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا هِيَ فَلِشِدَّةِ نَحَافَتِهَا كَانَ لَا يَظْهَرُ بِوُجُودِهَا فِيهِ زِيَادَةُ ثِقَلٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثِّقَلَ وَالْخِفَّةَ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَيَتَفَاوَتَانِ بِالنِّسْبَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُرْحِلُونَ بَعِيرَهَا كَانُوا فِي غَايَةِ الْأَدَبِ مَعَهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَرْكِ التَّنْقِيبِ عَمَّا فِي الْهَوْدَجِ بِحَيْثُ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهَا فِيهِ وَكَأَنَّهُمْ جَوَّزُوا أَنَّهَا نَائِمَةٌ .

     قَوْلُهُ  وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ هُوَ كَمَا قَالَتْ لِأَنَّهَا أُدْخِلَتْ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي شَوَّالٍ وَلَهَا تسع سِنِين وَأكْثر مَا قبل فِي الْمُريْسِيع كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا عِنْد بن إِسْحَاقَ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ فَتَكُونُ لَمْ تُكَمِّلْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِنْ كَانَتْ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَكُونُ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى فَائِدَةِ ذِكْرِهَا ذَلِكَ قَبْلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى بَيَانِ عُذْرِهَا فِيمَا فَعَلَتْهُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الْعِقْدِ الَّذِي انْقَطَعَ وَمِنِ اسْتِقْلَالِهَا بِالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَتَرْكِ إِعْلَامِ أَهْلِهَا بِذَلِكَ وَذَلِكَ لِصِغَرِ سِنِّهَا وَعَدَمِ تَجَارِبِهَا لِلْأُمُورِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ لَيْسَتْ صَغِيرَةً لَكَانَتْ تَتَفَطَّنُ لِعَاقِبَةِ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي ضَيَاعِ الْعِقْدِ أَيْضًا أَنَّهَا أَعْلَمَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ فَأَقَامَ بِالنَّاسِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ حَتَّى وَجَدَتْهُ وَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَظَهَرَ تَفَاوُتُ حَالِ مَنْ جَرَّبَ الشَّيْءَ وَمَنْ لَمْ يُجَرِّبْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ .

     قَوْلُهُ  فَبَعَثُوا الْجَمَلَ أَيْ أَثَارُوهُ قَوْله بعد مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ أَيْ ذَهَبَ مَاضِيًا وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنْ مَرَّ .

     قَوْلُهُ  فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَلَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ تَسْتَصْحِبْ عَائِشَةُ مَعَهَا غَيْرَهَا فَكَانَ أَدْعَى لِأَمْنِهَا مِمَّا يَقَعُ لِلْمُنْفَرِدِ وَلَكَانَتْ لَمَّا تَأَخَّرَتْ لِلْبَحْثِ عَنِ الْعِقْدِ تُرْسِلُ مَنْ رَافَقَهَا لِيَنْتَظِرُوهَا إِنْ أَرَادُوا الرَّحِيلَ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ حَدِيثَةُ السِّنِّ لِأَنَّهَا لَمْ يَقع لَهَا تَجْرِبَةٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَدْ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَتْ لِحَاجَتِهَا تَسْتَصْحِبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّتِهَا مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ وَقَولُهُ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي بِالتَّخْفِيفِ أَيْ قَصَدْتُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْأُولَى قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام قَالَ بن التِّينِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ فَتَيَمَّمْتُ .

     قَوْلُهُ  وَظَنَنْتُ أَنهم سيعقدونني فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ سَيَفْقِدُونِي بِنُونٍ وَاحِدَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ حُذِفَتْ تَخْفِيفًا أَوْ هِيَ مُثَقَّلَةٌ .

     قَوْلُهُ  فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَيَرْجِعُوا بِغَيْرِ نُونٍ وَكَأَنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَحْذِفُهَا مُطْلَقًا قَالَ عِيَاضٌ الظَّنُّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ فَإِنَّهُم أَقَامُوا إِلَى وَقت الظّهْر وَلم يرجح أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَتْ بِهِ وَلَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا لَاقَاهَا فِي الطَّرِيقِ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا اسْتَمَرُّوا فِي السَّيْرِ إِلَى قُرْبِ الظُّهْرِ فَلَمَّا نَزَلُوا إِلَى أَنْ يَشْتَغِلُوا بِحَطِّ رِحَالِهِمْ وَرَبْطِ رَوَاحِلِهِمْ وَاسْتَصْحَبُوا حَالَهُمْ فِي ظَنِّهِمْ أَنَّهَا فِي هَوْدَجِهَا لَمْ يَفْتَقِدُوهَا إِلَى أَنْ وَصَلَتْ عَلَى قُرْبٍ وَلَوْ فَقَدُوهَا لَرَجَعُوا كَمَا ظَنَّتْهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ وَعَرَفْتُ أَنْ لَوِ افْتَقَدُونِي لَرَجَعُوا إِلَيَّ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَمْ تَتَّبِعْهُمْ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ فَجِئْتُ فَاتَّبَعْتُهُمْ حَتَّى أَعْيَيْتُ فَقُمْتُ عَلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ بن صَفْوَانُ وَهَذَا السِّيَاقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَأَنَّهَا أَقَامَتْ فِي مَنْزِلِهَا إِلَى أَنْ أَصْبَحَتْ وَكَأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهَا أَنْ تَتْبَعَهُمْ فَلَا تَأْمَنُ أَنْ يَخْتَلِفَ عَلَيْهَا الطُّرُقُ فَتَهْلَكَ قَبْلَ أَنْ تُدْرِكَهُمْ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَتْ فِي اللَّيْلِ أَوْ تُقِيمَ فِي مَنْزِلِهَا لَعَلَّهُمْ إِذَا فَقَدُوهَا عَادُوا إِلَى مَكَانِهَا الَّذِي فَارَقُوهَا فِيهِ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ فَقَدْ شَيْئًا أَنْ يَرْجِعَ بِفِكْرِهِ الْقَهْقَرَى إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ وُجُودَهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْ هُنَاكَ فِي التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ وَأَرَادَتْ بِمَنْ يَفْقِدُهَا مَنْ هُوَ مِنْهَا بِسَبَبٍ كَزَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا وَالْغَالِبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَايِرَ بَعِيرَهَا وَيَتَحَدَّثُ مَعَهَا فَكَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَّفِقْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَلَمَّا لَمْ يَتَّفِقْ مَا تَوَقَّعَتْهُ مِنْ رُجُوعِهِمْ إِلَيْهَا سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَنْ حَمَلَهَا بِغَيْرِ حَوْلٍ مِنْهَا وَلَا قُوَّةٍ .

     قَوْلُهُ  فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ النَّوْمِ شِدَّةُ الْغَمِّ الَّذِي حَصَلَ لَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَمِنْ شَأْنِ الْغَمِّ وَهُوَ وُقُوعُ مَا يُكْرَهُ غَلَبَةُ النَّوْمِ بِخِلَافِ الْهَمِّ وَهُوَ تَوَقُّعُ مَا يُكْرَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي السَّهَرَ أَوْ لِمَا وَقَعَ مِنْ بَرْدِ السَّحَرِ لَهَا مَعَ رُطُوبَة بدنهَا وَصغر سنّهَا وَعند بن إِسْحَاقَ فَتَلَفَّفْتُ بِجِلْبَابِي ثُمَّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي أَوْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَطَفَ بِهَا فَأَلْقَى عَلَيْهَا النَّوْمَ لِتَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الِانْفِرَادِ فِي الْبَرِّيَّةِ بِاللَّيْلِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ السُّلَمِيُ بِضَمِّ الْمُهْملَة ثمَّ الذكوائي مَنْسُوبٌ إِلَى ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُثَلّثَة بن سُلَيْمٍ وَذَكْوَانُ بَطْنٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ صَحَابِيًّا فَاضِلًا أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ الْخَنْدَقُ وَعند بن الْكَلْبِيِّ الْمُرَيْسِيعُ وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ وَيَأْتِي أَيْضًا بَعْدَ خَمْسَةَ أَبْوَابٍ قَوْلُ عَائِشَةَ إِنَّهُ قُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمُرَادُهَا أَنَّهُ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّام وَقد ذكر بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ اسْتُشْهِدَ فِي غَزَاةِ أَرْمِينِيَّةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ بَلْ عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِ وَخَمْسِينَ فَاسْتُشْهِدَ بِأَرْضِ الرُّومِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ وَعَرَّسَ بِمُهْمَلَاتٍ مُشَدَّدًا أَيْ نَزَلَ قَالَ أَبُو زَيْدٍ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي السَّفَرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَصْلُهُ النُّزُولُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فِي السَّفَرِ لِلرَّاحَةِ وَوَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ بَيَانُ سَبَبِ تَأَخُّرِ صَفْوَانَ وَلَفْظُهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى السَّاقَةِ فَكَانَ إِذَا رَحَلَ النَّاسُ قَامَ يُصَلِّي ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ فَمَنْ سَقَطَ لَهُ شَيْءٌ أَتَاهُ بِهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ صَفْوَانُ يَتَخَلَّفُ عَنِ النَّاسِ فَيُصِيبُ الْقَدَحَ وَالْجِرَابَ وَالْإِدَاوَةَ وَفِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فَيَحْمِلُهُ فَيَقْدَمُ بِهِ فَيُعَرِّفُهُ فِي أَصْحَابِهِ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي أَدْلَجَ بِسُكُونِ الدَّالِ فِي رِوَايَتِنَا وَهُوَ كَادَّلَجَ بِتَشْدِيدِهَا وَقِيلَ بِالسُّكُونِ سَارَ مِنْ أَوَّلِهِ وَبِالتَّشْدِيدِ سَارَ مِنْ آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الَّذِي هُنَا بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَكَأَنَّهُ تَأَخَّرَ فِي مَكَانِهِ حَتَّى قَرُبَ الصُّبْحُ فَرَكِبَ لِيَظْهَرَ لَهُ مَا يَسْقُطُ مِنَ الْجَيْشِ مِمَّا يُخْفِيهِ اللَّيْلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَأْخِيرِهِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ مِنْ غَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِ فَفِي سُنَنِ أبي دَاوُد وَالْبَزَّار وبن سعد وصحيح بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ امْرَأَةَ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ وَيُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ قَالَ وَصَفْوَانُ عِنْدَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَمَّا قَوْلُهَا يَضْرِبُنِي إِذَا صَلَّيْتُ فَإِنَّهَا تَقْرَأُ سُورَتِي وَقَدْ نَهَيْتُهَا عَنْهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهَا يُفَطِّرُنِي إِذَا صُمْتُ فَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ لَا أَصْبِرُ.
وَأَمَّا قَوْلُهَا إِنِّي لَا أُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعُ الشَّمْسُ الْحَدِيثَ قَالَ الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثُ كَلَامُهُ مُنْكَرٌ وَلَعَلَّ الْأَعْمَشَ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَدَلَّسَهُ فَصَارَ ظَاهِرُ سَنَدِهِ الصِّحَّةَ وَلَيْسَ لِلْحَدِيثِ عِنْدِي أَصْلٌ انْتَهَى وَمَا أَعَلَّهُ بِهِ لَيْسَ بِقَادِحٍ لِأَن بن سعد صرح فِي رِوَايَتِهِ بِالتَّحْدِيثِ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ.
وَأَمَّا رِجَالُهُ فَرِجَالُ الصَّحِيحِ وَلَمَّا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ بَعْدَهُ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ جَيِّدَةٌ تُؤْذِنُ بِأَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا وَغَفَلَ مَنْ جَعَلَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ عِلَّةً لِلطَّرِيقِ الْأُولَى.
وَأَمَّا اسْتِنْكَارُ الْبَزَّارِ مَا وَقَعَ فِي مَتْنِهِ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْآتِي قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ قَالَتْ فَبَلَغَ الْأَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَالله مَا كشفت كنف أُنْثَى قَطُّ أَيْ مَا جَامَعْتُهَا وَالْكَنَفُ بِفَتْحَتَيْنِ الثَّوْبُ السَّاتِرُ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ مْ أَنْتَ فِي كَنَفِ اللَّهِ أَيْ فِي سِتْرِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ أَيْ بِزِنًا.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ مَا قِيلَ لَمَّا بَلَغَهُ الْحَدِيثَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَصَبْتُ امْرَأَةً قَطُّ حَلَالا وَلَا حَرَامًا وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَكَانَ لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا الْجَمْعُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ إِلَّا بِمَا جَاءَ عَن بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ حَصُورًا لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَاءَتِ امْرَأَتُهُ تَشْكُوهُ وَمَعَهَا ابْنَانِ لَهَا مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا أَشْبَهَ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنَدِ الْقُرْطُبِيِّ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَأُبَيِّنُ هُنَاكَ أَنَّ الْمَقُولَ فِيهِ ذَلِكَ غَيْرَ صَفْوَانَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ السَّوَادُ بِلَفْظٍ ضِدُّ الْبَيَاضِ يُطْلَقُ عَلَى الشَّخْصِ أَيُّ شَخْصٍ كَانَ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ رَأَى شَخْصَ آدَمِيٍّ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ أَهُوَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ .

     قَوْلُهُ  فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ وَجْهَهَا انْكَشَفَ لَمَّا نَامَتْ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَلَفَّفَتْ بِجِلْبَابِهَا وَنَامَتْ فَلَمَّا انْتَبَهَتْ بِاسْتِرْجَاعِ صَفْوَانَ بَادَرَتْ إِلَى تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قِدَمِ إِسْلَامِ صَفْوَانَ فَإِنَّ الْحِجَابَ كَانَ فِي قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ فِيهَا سَنَةُ أَرْبَعٍ وَصَحَّحَهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَقِيلَ بَلْ كَانَ فِيهَا سَنَةُ خَمْسٍ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا وَأَنَّ الْحِجَابَ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْهَا مَعَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا وَتَصْرِيحِهَا فِيهِ بِأَنَّ قِصَّةَ الْإِفْكِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْمُرَيْسِيعِ كَانَت بعد الْحجاب وَسلم من هَذَا بن إِسْحَاق قَالَ الْمُرَيْسِيعَ عِنْدَهُ فِي شَعْبَانَ لَكِنْ سَنَةَ سِتٍّ وَسَلِمَ الْوَاقِدِيُّ مِنَ التَّنَاقُضِ فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْآتِي ذِكْرُهَا نَعَمْ وَسَلِمَ مِنْهَا بن إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي الْقِصَّةِ أَصْلًا كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ صِحَّةَ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحِجَابَ كَانَ قَبْلَ قِصَّةِ الْإِفْكِ قَوْلُ عَائِشَةَ أَيْضًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْهَا وَفِيهِ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَكُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ حِينَئِذٍ زَوْجَتُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ آيَةَ الْحِجَابِ نَزَلَتْ حِينَ دُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا فَثَبَتَ أَنَّ الْحِجَابَ كَانَ قَبْلَ قِصَّةِ الْإِفْكِ وَقَدْ كُنْتُ أَمْلَيْتُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ أَنَّ قِصَّةَ الْإِفْكِ وَقَعَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ وَهُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ بَعْدَ نُزُولِ الْحِجَابِ فَلْيُصَلَّحْ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي أَيْ بِقَوْلِهِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَصَرَّحَ بِهَا بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَأَنَّهُ شَقَّ عَلَيْهِ مَا جَرَى لِعَائِشَةَ أَوْ خَشِيَ أَنْ يَقَعَ مَا وَقَعَ أَوْ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالِاسْتِرْجَاعِ رَافِعًا بِهِ صَوْتَهُ عَنْ مُخَاطَبَتِهَا بِكَلَامٍ آخَرَ صِيَانَةً لَهَا عَنِ الْمُخَاطَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِيقَاظِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فِطْنَةِ صَفْوَانَ وَحُسْنِ أَدَبِهِ .

     قَوْلُهُ  فَخَمَّرْتُ أَيْ غَطَّيْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي أَيِ الثَّوْبُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الطَّهَارَةِ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً عَبَّرَتْ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ اسْتَمَرَّ مِنْهُ تَرْكُ الْمُخَاطَبَةِ لِئَلَّا يُفْهَمُ لَوْ عَبَّرَتْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي اخْتِصَاصُ النَّفْيِ بِحَالِ الِاسْتِيقَاظِ فَعَبَّرَتْ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ حَتَّى للاصيلي وَحين لِلْبَاقِينَ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ مَعْمَرٍ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ أَنَّهُ كَلَّمَهَا بِغَيْرِ الِاسْتِرْجَاعِ لِأَنَّ النَّفْيَ عَلَى رِوَايَةِ حِينَ مُقَيَّدٌ بِحَال إناخة الرَّاحِلَة فَلَا يَمْنَعُ مَا قَبْلَ الْإِنَاخَةِ وَلَا مَا بَعْدَهَا وَعَلَى رِوَايَةِ حَتَّى مَعْنَاهَا بِجَمِيعِ حَالَاتِهِ إِلَى أَنْ أَنَاخَ وَلَا يَمْنَعُ مَا بَعْدَ الْإِنَاخَةِ وَقَدْ فَهِمَ كَثِيرٌ مِنَ الشُّرَّاحِ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَفْيُ الْمُكَالَمَةِ الْبَتَّةُ فَقَالُوا اسْتَعْمَلَ مَعَهَا الصَّمْتُ اكْتِفَاءً بِقَرَائِنِ الْحَالِ مُبَالَغَةً مِنْهُ فِي الْأَدَبِ وَإِعْظَامًا لَهَا وَإِجْلَالًا انْتَهَى وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن سحق أَنَّهُ قَالَ لَهَا مَا خَلْفَكِ وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا ارْكَبِي وَأَسْتَأْخِرَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَاسْتَرْجَعَ وَأَعْظَمَ مَكَانِي أَيْ حِينَ رَآنِي وَحْدِي وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُنِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرِي فَسَتَرْتُ وَجْهِي عَنْهُ بجلبابي وأخبرته بأَمْري فَقرب بعيره فوطيء عَلَى ذِرَاعِهِ فَوَلَّانِي قَفَاهُ فَرَكِبْتُ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ فَلَمَّا رَآنِي ظَنَّ أَنِّي رَجُلٌ فَقَالَ يَا نَوْمَانُ قُمْ فَقَدْ سَارَ النَّاسُ وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَاسْتَرْجَعَ وَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ.

     وَقَالَ  مَا شَأْنُكِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَدَّثته بِأَمْر القلادة قَوْله فوطيء عَلَى يَدِهَا أَيْ لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِرُكُوبِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَسِّهَا عِنْدَ رُكُوبِهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَغَطَّى وَجْهَهُ عَنْهَا ثُمَّ أَدْنَى بعيره مِنْهَا قَوْله فَانْطَلق يَقُود بن الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا فِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ مَعَهَا مُرْدِفًا لَهَا وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الصَّحِيحُ .

     قَوْلُهُ  بعد مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ نَازِلِينَ فِي وَقْتِ الْوَغْرَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ لَمَّا تَكُونُ الشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَمِنْهُ أُخِذَ وَغْرُ الصَّدْرِ وَهُوَ تَوَقُّدُهُ مِنَ الْغَيْظِ بِالْحِقْدِ وَأَوْغَرَ فُلَانٌ إِذَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَأَصْبَحَ وَأَمْسَى وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَن عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ.

قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مَا .

     قَوْلُهُ  مُوغِرِينَ قَالَ الْوَغْرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ مُوعِزِينَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَأَنَّهُ مِنْ وَعَزْتُ إِلَى فُلَانٍ بِكَذَا أَيْ تَقَدَّمْتُ وَالْأول أولى قَالَ وصحفه بَعضهم بمهلتين وَهُوَ غَلَطٌ.

قُلْتُ وَرُوِيَ مُغَوِّرِينَ بِتَقْدِيمِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالتَّغْوِيرُ النُّزُولُ وَقْتَ الْقَائِلَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ مُعَرِّسِينَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وَالتَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي النُّزُولِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ مُوغِرِينَ فَإِنَّ نَحْرَ الظَّهِيرَةِ أَوَّلُهَا وَهُوَ وَقْتُ شِدَّةِ الْحَرِّ وَنَحْرُ كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ كَأَنَّ الشَّمْسَ لَمَّا بَلَغَتْ غَايَتَهَا فِي الِارْتِفَاعِ كَأَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَى النَّحْرِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الصَّدْرِ وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاق فوَاللَّه مَا أدركنا النَّاس وَإِلَّا افْتُقِدْتُ حَتَّى نَزَلُوا وَاطْمَأَنُّوا طَلَعَ الرَّجُلُ يَقُودُنِي .

     قَوْلُهُ  فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ زَادَ صَالِحٌ فِي رِوَايَتِهِ فِي شَأْنِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَهُنَالِكَ قَالَ فِيَّ وَفِيهِ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَأَبْهَمَتِ الْقَائِلَ وَمَا قَالَ وَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِالْإِفْكِ وَخَاضُوا فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُمْ فَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عُرْوَةُ لَمْ يُسَمِّ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ أَيْضًا غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ إِلَّا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ وَمِسْطَحَ بْنَ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي نَاسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى وَالْعُصْبَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فِي عَدَدٍ وَزَادَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنِ سَالِمٍ فِيهِمْ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا أَحْمَدَ ابْنَا جَحْشٍ وَزَادَ فِيهِمُ الزَّمَخْشَرِيُّ زَيْدَ بْنَ رِفَاعَة وَلم أره لغيره وَعند بن مرْدَوَيْه من طَرِيق بن سِيرِينَ حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى يَتِيمَيْنِ كَانَا عِنْدَهُ خَاضَا فِي أَمْرِ عَائِشَةَ أَحَدُهُمَا مِسْطَحٌ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ رَفِيقِ مِسْطَحٍ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ فَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عمر فَقَالَ عبد الله بن أبي فجربها وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَأَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَشَاعَ ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَذَفَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ مَا بَرِئت عَائِشَة من صَفْوَان وَلَا بَرِيء مِنْهَا وَخَاضَ بَعْضُهُمْ وَبَعْضُهُمْ أَعْجَبَهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ أَيْ تَصَدَّى لِذَلِكَ وَتَقَلَّدَهُ وَكَبَّرَهُ أَيْ كَبَّرَ الْإِفْكَ وَكِبْرَ الشَّيْءَ مُعْظَمُهُ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَقَرَأَ حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ بِضَمِّهَا قَالَ الْفَرَّاءُ وَهِيَ قِرَاءَةٌ جَيِّدَةٌ فِي الْعَرَبيَّة وَقيل الْمَعْنى الَّذِي تولى أَئِمَّة .

     قَوْلُهُ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ تَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَقَدْ بَيَّنْتُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وَقَدِ اقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ قِصَّةِ الْإِفْكِ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ نَقْلُ الْخِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ فِي الْآيَةِ وَوَقَعَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيَتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ أَيْ يَسْتَخْرِجُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهُ وَالتَّفْتِيشِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبطه يقره بِفَتْح أَوله وَضم الْقَاف وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنَ الْخَزْرَجِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَلَا أشعر بِشَيْء من ذَلِك وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ وَقَدِ انْتَهَى الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَبَوَيَّ وَلَا يَذْكُرُونَ لِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِيهَا أَنَّهَا مَرِضَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ أَهْلِ الْإِفْكِ وَكَانَ شَدِيدُ الْغَيْرَةِ قَالَ لَا تَدْخُلُ عَائِشَةُ رَحْلِي فَخَرَجَتْ تَبْكِي حَتَّى أَتَتْ أَبَاهَا فَقَالَ أَنَا أَحَقُّ أَنْ أُخْرِجَكِ فَانْطَلَقَتْ تَجُولُ لَا يُؤْوِيهَا أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا وَإِنَّمَا ذكرته مَعَ ظُهُور نكارته لَا يُرَاد الْحَاكِمِ لَهُ فِي الْإِكْلِيلِ وَتَبِعَهُ بَعْضُ مَنْ تَأَخّر غير مُتَأَمِّلٍ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ فَشَاعَ ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ أَشَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ذَلِكَ فِي النَّاسِ فَاشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَولُهُ وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَخُوضُونَ مِنْ أَفَاضَ فِي قَوْلٍ إِذَا أَكثر مِنْهُ قَوْله وَهُوَ يريني فِي وَجَعِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ الرَّيْبِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ مِنَ الرُّبَاعِيِّ يُقَالُ رَابَهُ وَأَرَابَهُ وَقَدْ تقدم تَقْرِيبًا .

     قَوْلُهُ  اللُّطْفُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ وَالْمرَاد الرِّفْق وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَنْكَرَتْ بَعْضُ لُطْفِهِ .

     قَوْلُهُ  الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي أَيْ حِينَ أَمْرَضُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ كَيْفَ تيكم وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَكَانَ إِذَا دَخَلَ قَالَ لِأُمِّي وَهِيَ تُمَرِّضُنِي كَيْفَ تِيكُمْ بِالْمُثَنَّاةِ الْمَكْسُورَةِ وَهِيَ لِلْمُؤَنَّثِ مِثْلُ ذَاكُمْ لِلْمُذَكَّرِ وَاسْتَدَلَّتْ عَائِشَةُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَنَّهَا اسْتَشْعَرَتْ مِنْهُ بَعْضَ جَفَاءٍ وَلَكِنَّهَا لما لم تكن تَدْرِي السَّبَب لم تُبَالِغْ فِي التَّنْقِيبِ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى عَرَفَتْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَهُوَ مَارٌّ كَيْفَ تِيكُمْ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدِي وَلَا يَعُودُنِي وَيَسْأَلُ عَنِّي أَهْلَ الْبَيْتِ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ وَكُنْتُ أَرَى مِنْهُ جَفْوَةً وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  نَقَهْتُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَالنَّاقِهُ بِكَسْرِ الْقَافِ الَّذِي أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ وَلَمْ تَتَكَامَلْ صِحَّتُهُ وَقِيلَ إِنَّ الَّذِي بِكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى فَهِمْتُ لَكِنَّهُ هُنَا لَا يُتَوَجَّهُ لِأَنَّهَا مَا فَهِمَتْ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا بَعْدُ وَقَدْ أَطْلَقَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فِي بَرَأَ مِنَ الْمَرَضِ وَهُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ كَمَالُ صِحَّتِهِ .

     قَوْلُهُ  فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَقُلْتُ يَا أُمَّ مِسْطَحٍ خُذِي الْإِدَاوَةَ فَامْلَئِيهَا مَاءً فَاذْهَبِي بِنَا إِلَى الْمَنَاصِعِ .

     قَوْلُهُ  قِبَلَ الْمَنَاصِعِ أَيْ جِهَتَهَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ وَأَنَّ الْمَنَاصِعَ صَعِيدُ أَفْيَحٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  مُتَبَرَّزُنَا بِفَتْحِ الرَّاءِ قَبْلَ الزَّايِ مَوْضِعُ التَّبَرُّزِ وَهُوَ الْخُرُوجُ إِلَى الْبِرَازِ وَهُوَ الْفَضَاءُ وَكُلُّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْكُنُفُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ كَنِيفٍ وَهُوَ السَّاتِرُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمَكَانُ الْمُتَّخَذُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ الْكُنُفُ الَّتِي يَتَّخِذُهَا الْأَعَاجِمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ صِفَةُ الْعَرَبِ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ صِفَةُ الْأَمْرِ قَالَ النَّوَوِيُّ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ تُرِيدُ أَنَّهُمْ لم يتخلقوا بأخلاق الْعَجم قلت ضَبطه بن الْحَاجِبِ بِالْوَجْهِ الثَّانِي وَصَرَّحَ بِمَنْعِ وَصْفِ الْجَمْعِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ إِنْ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ خَرَجَتْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ اسْمُ جَمْعٍ تَحْتَهُ جُمُوعٌ فَتَصِيرُ مُفْرَدَةً بِهَذَا التَّقْدِيرِ .

     قَوْلُهُ  فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فِي الْبَرِّيَّةِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ أَوْ فِي التَّنَزُّهِ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ زَايٍ ثَقِيلَةٍ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ وَالتَّنَزُّهُ طَلَبُ النَّزَاهَةِ وَالْمُرَادُ الْبُعْدُ عَنِ الْبُيُوتِ .

     قَوْلُهُ  فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الطَّاءِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَاتٍ قِيلَ اسْمُهَا سَلْمَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَلْمَى اسْمُ أُمِّ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنْ لَا وَهْمَ فِيهِ فَإِنَّ أُمَّ أَبِي بَكْرٍ خَالَتُهَا فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهَا .

     قَوْلُهُ  وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْهَاء قَوْله بن عَبْدِ مَنَافٍ كَذَا هُنَا وَلَمْ يَنْسُبْهُ فُلَيْحٌ وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْمُ أَبِي رُهْمٍ أُنَيْسٌ .

     قَوْلُهُ  وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بن عَامر أَي بن كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ مِنْ رَهْطِ أَبِي بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ  خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ اسْمُهَا رَائِطَةُ حَكَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمُثَلَّثَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَة بَينهمَا ألف بن عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ الْمُطَّلِبِيُّ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمِسْطَحُ عُودٌ مِنْ أَعْوَادِ الْخِبَاءِ وَهُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَوْفٌ وَقِيلَ عَامِرٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمد وَقد أخرج الْحَاكِم من حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يُعَاتِبُ مِسْطَحًا فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ يَا عَوْفُ وَيْحَكَ هَلْ لَا قُلْتَ عَارِفَةً من الْكَلَام وَلم تبتغ بِهِ طعما وَكَانَ هُوَ وَأُمُّهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَكَانَ أَبُوهُ مَاتَ وَهُوَ صَغِيرٌ فَكَفَلَهُ أَبُو بَكْرٍ لِقَرَابَةِ أُمِّ مِسْطَحٍ مِنْهُ وَكَانَتْ وَفَاةُ مِسْطَحٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ .

     قَوْلُهُ  فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنَنَا فَعَثَرَتْ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا وَطِئَتْ عَلَى عَظْمٍ أَوْ شَوْكَةٍ وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهَا عَثَرَتْ بَعْدَ أَنْ قَضَتْ عَائِشَةُ حَاجَتَهَا ثُمَّ أَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ بعد ذَلِك لكني فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ قَرِيبًا أَنَّهَا عَثَرَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ عَائِشَةُ حَاجَتَهَا وَأَنَّهَا لَمَّا أَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ رَجَعَتْ كَأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ لَا تَجِدُ مِنْهُ لَا قَلِيلًا وَلَا كثيرا وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا قَدَرْتُ أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتي وَفِي رِوَايَة بن أُوَيْسٍ فَذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ مِنَ الْغَائِطِ وَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلَى بَدْئِي وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى وَتَقَلَّصَ مَا كَانَ مِنِّي وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا وَقَدْ فَرَغْنَا من شَأْننَا أَي من شَأْن الْمسير لاقضاء الْحَاجَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ كُبَّ لِوَجْهِهِ أَوْ هَلَكَ وَلَزِمَهُ الشَّرُّ أَوْ بَعُدَ أَقْوَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا أَيْضًا فِي الْجِهَادِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهَا عَثَرَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ تَقُولُ تَعِسَ مِسْطَحُ وَأَنَّ عَائِشَةَ تَقُولُ لَهَا أَيْ أُمَّ أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ وَأَنَّهَا انْتَهَرَتْهَا فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقُلْتُ أَتَسُبِّينَ ابْنَكِ وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَفِي رِوَايَةِ بن حَاطِبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ فَقُلْتُ أَتَقُولِينَ هَذَا لِابْنِكِ وَهُوَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَأَعَدْتُ عَلَيْهَا فَحَدَّثَتْنِي بِالْخَبَرِ فَذَهَبَ عَنِّي الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ حَتَّى مَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبَى جَمْرَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أُمِّ مِسْطَحٍ هَذَا عَمْدًا لِتَتَوَصَّلَ إِلَى إِخْبَارِ عَائِشَةَ بِمَا قِيلَ فِيهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اتِّفَاقًا أَجْرَاهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهَا لِتَسْتَيْقِظَ عَائِشَةُ مِنْ غَفْلَتِهَا عَمَّا قِيلَ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ أَيْ هَنْتَاهْ أَيْ حَرْفُ نِدَاءٍ لِلْبَعِيدِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلْقَرِيبِ حَيْثُ يَنْزِلُ مِنْهُ منزل الْبَعِيدِ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ هُنَا أَنَّ أُمَّ مِسْطَحٍ نَسَبَتْ عَائِشَةَ إِلَى الْغَفْلَةِ عَمَّا قِيلَ فِيهَا لِإِنْكَارِهَا سَبَّ مِسْطَحٍ فَخَاطَبَتْهَا خِطَابَ الْبَعِيدِ وَهَنْتَاهْ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَقَدْ تُفْتَحُ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ وَآخِرُهُ هَاءٌ سَاكِنَةٌ وَقَدْ تُضَمُّ أَيْ هَذِهِ وَقِيلَ امْرَأَةٌ وَقِيلَ بُلْهَى كَأَنَّهَا نَسَبَتْهَا إِلَى قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ بِمَكَائِدِ النَّاسِ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ نَكِرَةٍ وَإِذا خُوطِبَ الْمُذكر قيل ياهنة وَقَدْ تُشْبَعُ النُّونُ فَيُقَالُ يَا هَنَاهُ وَحَكَى بَعْضُهُمْ تَشْدِيدُ النُّونِ فِيهِ وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ.

قُلْتُ وَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَقَالَتْ لَهَا إِنَّكِ لَغَافِلَةٌ عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ وَفِيهَا أَنَّ مِسْطَحًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَتَحَدَّثُونَ عَنْكِ وَعَنْ صَفْوَانَ يَرْمُونَكِ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَشْهَدُ أَنَّكِ مِنَ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فَنَقَّرَتْ لِي الْحَدِيثَ وَهِيَ بِنُونٍ وَقَافٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ شَرَحَتْهُ وَلِبَعْضِهِمْ بِمُوَحَّدَةٍ وَقَافٍ خَفِيفَةٍ أَيْ أَعْلَمَتْنِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَت وَمَا تدرين مَا قَالَ قَالَت لَا وَاللَّهِ فَأَخْبَرَتْهَا بِمَا خَاضَ فِيهِ النَّاسُ فَأَخَذَتْهَا الْحُمَّى وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَيُّوب عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا بَلَغَنِي مَا تَكَلَّمُوا بِهِ هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ قَلِيبًا فَأَطْرَحَ نَفْسِي فِيهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَدَخَلَ قِيلَ الْفَاءُ زَائِدَةٌ وَالْأَوْلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ فَلَمَّا دَخَلْتُ بَيْتِي اسْتَقْرَيْتُ فِيهِ فَدَخَلَ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْمُعَلَّقَةِ فَقُلْتُ أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ وَسَيَأْتِي نَحْوَهُ مَوْصُولًا فِي الِاعْتِصَامِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْغُلَامِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ .

     قَوْلُهُ  وَضِيئَةٌ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ مِنَ الْوَضَاءَةِ أَيْ حَسَنَةٌ جميلَة وَعند مُسلم من رِوَايَة بن مَاهَانَ حَظِيَّةٌ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مِنَ الْحَظْوَةِ أَيْ رَفِيعَةِ الْمَنْزِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ مَا كَانَتِ امْرَأَةً حَسْنَاءَ .

     قَوْلُهُ  ضَرَائِرُ جَمْعُ ضَرَّةٍ وَقِيلَ لِلزَّوْجَاتِ ضَرَائِرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يَحْصُلُ لَهَا الضَّرَرُ مِنَ الْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ .

     قَوْلُهُ  أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ كَثَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ أَيِ القَوْل فِي عيبها وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ فِطْنَةِ أُمِّهَا وَحُسْنِ تَأَتِّيهَا فِي تَرْبِيَتِهَا مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ يَعْظُمُ عَلَيْهَا فَهَوَّنَتْ عَلَيْهَا الْأَمْرَ بِإِعْلَامِهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَتَأَسَّى بِغَيْرِهِ فِيمَا يَقَعُ لَهُ وَأَدْمَجَتْ فِي ذَلِكَ مَا تُطَيِّبُ بِهِ خَاطِرَهَا مِنْ أَنَّهَا فَائِقَةٌ فِي الْجَمَالِ وَالْحَظْوَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يُعْجِبُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُوصَفَ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ عَائِشَةُ ضَرَّةَ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهَا إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا مُتَّصِلٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدُ قِصَّتَهَا بِعَيْنِهَا بَلْ ذَكَرَتْ شَأْنَ الضَّرَائِرِ.
وَأَمَّا ضَرَائِرُهَا هِيَ فَإِنَّهُنَّ وَإِنْ كُنَّ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُنَّ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِمَّا يَصْدُرُ مِنَ الضَّرَائِرِ لَكِنْ لَمْ يُعْدَمُ ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُنَّ بِسَبِيلٍ كَمَا وَقَعَ مِنْ حَمْنَةَ لِأَنَّ وَرَعَ أُخْتِهَا مَنَعَهَا مِنَ الْقَوْلِ فِي عَائِشَةَ كَمَا مَنَعَ بَقِيَّةَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ زَيْنَبُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ تُضَاهِي عَائِشَةَ فِي الْمَنْزِلَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَبَلَغَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ نَعَمْ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ فَقُلْتُ وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي قَالَتْ نَعَمْ قلت وَرَسُول الله قلت نَعَمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ فَقُلْتُ لِأُمِّي غَفَرَ اللَّهُ لَكِ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا وَلَا تَذْكُرِينَ لِي وَفِي رِوَايَةِ بن حَاطِبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ وَرَجَعْتُ إِلَى أَبَوَيَّ فَقُلْتُ أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّهَ فِيَّ وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا وَلَمْ تُعْلِمَانِي وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَاسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ فَقَالَ لِأُمِّي مَا شَأْنُهَا فَقَالَتْ بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعَتْ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقَالَتْ أُمِّي لَمْ تَكُنْ عَلِمْتُ مَا قِيلَ لَهَا فَأَكَبَّتْ تَبْكِي سَاعَةً ثُمَّ قَالَ اسْكُتِي يَا بُنَيَّةُ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ اسْتَغَاثَتْ بِاللَّهِ مُتَعَجِّبَةً مِنْ وُقُوعِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا مَعَ بَرَاءَتِهَا الْمُحَقَّقَةِ عِنْدَهَا .

     قَوْلُهُ  لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ بِالْقَافِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ لَا يَنْقَطِعُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ اسْتِعَارَةٌ لِلسَّهَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ أُمِّ رُومَانَ كَمَا مَضَى فِي الْمَغَازِي فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَمَا اسْتَفَاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ فَأَلْقَتْ عَلَيَّ أُمِّي كُلَّ ثَوْبٍ فِي الْبَيْتِ تَنْبِيهٌ طُرُقُ حَدِيثِ الْإِفْكِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ بَلَغَهَا الْخَبَرَ مِنْ أُمِّ مِسْطَحٍ لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ رُومَانَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ وَفَعَلَ فَقُلْتُ وَمَا ذَاكَ قَالَتِ ابْنِي وَمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ قَالَتْ وَمَا ذَلِكَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا هَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَغَازِي وَلَفْظُهُ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ قَالَتْ إِنَّه ثمى الْحَدِيثَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَيُّ حَدِيثٍ فَأَخْبَرَتْهَا قَالَتْ فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَتْ نَعَمْ قَالَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا سَمِعَتْ ذَلِكَ أَوَّلًا مِنْ أُمِّ مِسْطَحٍ ثُمَّ ذَهَبَتْ لِبَيْتِ أُمِّهَا لِتَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا بِالْأَمْرِ مُجْمَلًا كَمَا مَضَى مِنْ قَوْلِهَا هَوِّنِي عَلَيْكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْأَنْصَارِيَّةُ فَأَخْبَرَتْهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ أُمِّهَا فَقَوِيَ عِنْدَهَا الْقَطْعُ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فَسَأَلَتْ هَلْ سَمِعَهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا تَرَجِّيًا مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَا سَمِعَا ذَلِكَ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهَا فَلَمَّا قَالَتْ لَهَا إِنَّهُمَا سَمِعَاهُ غُشِيَ عَلَيْهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ وَلَا عَلَى اسْمِ وَلَدِهَا .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا ظَاهره أَن السُّؤَال وَقع بعد مَا عَلِمَتْ بِالْقِصَّةِ لِأَنَّهَا عَقَّبَتْ بُكَاءَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِهَذَا ثُمَّ عَقَّبَتْ هَذَا بِالْخُطْبَةِ وَرِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ تُشْعِرُ بِأَنَّ السُّؤَالَ وَالْخُطْبَةَ وَقَعَا قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ عَائِشَةُ بِالْأَمْرِ فَإِنَّ فِي أَوَّلِ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَذَكَرَ قِصَّةَ الْخُطْبَةِ الْآتِيَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَدَعَا عَاطِفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ سَمِعَ مَا قِيلَ فَدَعَا عَلِيَّ .

     قَوْلُهُ  عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَشِيرَ أَحَدًا فِي أَمْرِ أَهْلِهِ لَمْ يَعُدَّ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْعَرَبِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ دَعْهَا فَلَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ لَكَ فِيهَا أَمْرًا وَأَظُنُّ فِي قَوْله بن ثَابت تَغْيِير وَأَنه كَانَ فِي الأَصْل بن حَارِثَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ أَيْمَنَ فَبَرَّأَتْهَا وَأُمُّ أَيْمَنَ هِيَ وَالِدَةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ بِالرَّفْعِ أَيْ طَالَ لَبِثَ نُزُولَهُ وَبِالنَّصْبِ أَيِ اسْتَبْطَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُزُولَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ عَدَلَتْ عَنْ قَوْلِهَا فِي فِرَاقِي إِلَى قَوْلِهَا فِرَاقِ أَهْلِهِ لِكَرَاهَتِهَا التَّصْرِيحُ بِإِضَافَةِ الْفِرَاقِ إِلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  أَهْلُكَ بِالرَّفْعِ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ هُمْ أَهْلُكَ وَلَوْ لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَجَازَ النَّصْبُ أَيْ أَمْسِكْ وَمَعْنَاهُ هُمْ أَهْلُكُ أَيِ الْعَفِيفَةُ اللَّائِقَةُ بِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ مُتَبَرِّئًا مِنَ الْمَشُورَةِ وَوَكَّلَ الْأَمْرَ إِلَى رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ فَقَالَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَإِطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى الزَّوْجَةِ شَائِعٌ قَالَ بن التِّينِ أَطْلَقَ عَلَيْهَا أَهْلًا وَذَكَرَهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ حَيْثُ قَالَ هُمْ أَهْلُكَ إِشَارَةً إِلَى تَعْمِيمِ الْأَزْوَاجِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ لِإِرَادَةِ تَعْظِيمِهَا .

     قَوْلُهُ .
وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ مَعَ أَنَّ لَفْظَ فَعِيلٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ إِفْرَادًا وَجَمْعًا وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ قَدْ أَحَلَّ لَكَ وَأَطَابَ طَلِّقْهَا وَانْكِحْ غَيْرَهَا وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَه عَليّ حمله عَلَيْهِ تَرْجِيح جانبا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى عِنْده من القلق بِسَبَبِ الْقَوْلِ الَّذِي قِيلَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدُ الْغَيْرَةِ فَرَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُ إِذَا فَارَقَهَا سَكَنَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقَلَقِ بِسَبَبِهَا إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ بَرَاءَتُهَا فَيُمْكِنُ رَجْعَتُهَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِذَهَابِ أَشَدِّهِمَا.

     وَقَالَ  الثَّوْريّ رأى ذَلِكَ هُوَ الْمَصْلَحَةُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنِ انْزِعَاجِهِ فَبَذَلَ جَهْدَهُ فِي النَّصِيحَةِ لِإِرَادَةِ رَاحَة خاطره صلى الله عَلَيْهِ سلم.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ لَمْ يَجْزِمْ عَلِيٌّ بِالْإِشَارَةِ بِفِرَاقِهَا لِأَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فَفَوَّضَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى نَظَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنْ أَرَدْتَ تَعْجِيلَ الرَّاحَةِ فَفَارِقْهَا وَإِنْ أَرَدْتَ خِلَافَ ذَلِكَ فَابْحَثْ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ إِلَى أَنْ تَطَّلِعَ عَلَى بَرَاءَتِهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ بَرِيرَةَ لَا تُخْبِرُهُ إِلَّا بِمَا عَلِمَتْهُ وَهِيَ لَمْ تَعْلَمْ مِنْ عَائِشَةَ إِلَّا الْبَرَاءَةَ الْمَحْضَةَ وَالْعِلَّةُ فِي اخْتِصَاص على أُسَامَة بِالْمُشَاوَرَةِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عِنْدَهُ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ مِنْ حَالِ صِغَرِهِ ثُمَّ لَمْ يُفَارِقْهُ بَلْ وَازْدَادَ اتِّصَالُهُ بِتَزْوِيجِ فَاطِمَةُ فَلِذَلِكَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالْمُشَاوَرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ لِمَزِيدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى أَحْوَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَكَانَ أَهْلُ مَشُورَتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
وَأَمَّا أُسَامَةُ فَهُوَ كَعَلِيٍّ فِي طُولِ الْمُلَازَمَةِ وَمَزِيدِ الِاخْتِصَاصِ وَالْمَحَبَّةِ وَلِذَلِكَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَصَّهُ دُونَ أَبِيهِ وَأُمَّهُ لِكَوْنِهِ كَانَ شَابًّا كَعَلِيٍّ وَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ أَسَنَّ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ لِلشَّابِّ مِنْ صَفَاءِ الذِّهْنِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ جُرْأَةٍ عَلَى الْجَوَابِ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْمُسِنِّ لِأَنَّ الْمُسِنَّ غَالِبًا يَحْسُبُ الْعَاقِبَةَ فَرُبَّمَا أخْفى مَا يظْهر لَهُ رِعَايَة للقائل تَارَة والمسؤول عَنْهُ أُخْرَى مَعَ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ اسْتَشَارَ غَيْرَهُمَا تَنْبِيهٌ وَقَعَ بِسَبَبِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ عَلِيٍّ نِسْبَةُ عَائِشَةَ إِيَّاهُ إِلَى الْإِسَاءَةِ فِي شَأْنِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْمَغَازِي وَمَا رَاجَعَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ ذَلِكَ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَقَدْ وَضَحَ عُذْرُ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَن عَائِشَة أرسل إِلَى بَرِيرَة خَادِمهَا فَسَلْهَا فَعَسَى أَنْ تَكُونَ قَدِ اطَّلَعَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا .

     قَوْلُهُ  فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكسر الرَّاء تقدم ضَبطهَا فِي الْعتْق وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ فَأَرْسَلَ إِلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ لَهَا أَتَشْهَدِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَائِلُكِ عَنْ شَيْءٍ فَلَا تَكْتُمِينَهُ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ عَائِشَةَ مَا تَكْرَهِينَهُ قَالَتْ لَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّ تَسْمِيَتَهَا هُنَا وَهَمٌ لِأَنَّ قِصَّتَهَا كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا لَمَّا خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ زَوْجُهَا يَبْكِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ تَكُونَ بَرِيرَةُ كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ وَهِيَ فِي رِقِّ مَوَالِيهَا.
وَأَمَّا قِصَّتُهَا مَعًا فِي مُكَاتَبَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ أَوْ أَنَّ اسْمَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَافَقَ اسْمَ بَرِيرَةَ الَّتِي وَقَعَ لَهَا التَّخْيِيرُ وَجَزَمَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا اسْتَدْرَكَتْهُ عَائِشَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ بِبَرِيرَةَ مُدْرَجَةٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَأَنَّهَا جَارِيَة أُخْرَى وَأَخذه من بن الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ تَسْمِيَتُهَا بِبَرِيرَةَ وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَإِنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَمَّا كَاتَبَتْهَا عَقِبَ شِرَائِهَا وَعَتَقَتْ خُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ قَوْلَ عَلِيٍّ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ أَنَّهَا بَرِيرَةُ فغلط قَالَ وَهَذَا نوع غامض لَا ينتبه لَهُ إِلَّا الْحُذَّاقُ.

قُلْتُ وَقَدْ أَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ بِالْأُجْرَةِ وَهِيَ فِي رِقِّ مَوَالِيهَا قَبْلَ وُقُوعِ قِصَّتِهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ وَتَغْلِيطِ الْحُفَّاظِ .

     قَوْلُهُ  أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اصْدُقِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ شَأْنُكَ بِالْجَارِيَةِ فَسَأَلَهَا عَلِيٌّ وَتَوَعَّدَهَا فَلَمْ تُخْبِرْهُ إِلَّا بِخَيْرٍ ثُمَّ ضَرَبَهَا وَسَأَلَهَا فَقَالَتْ وَالله مَا علمت على عَائِشَة سَوَاء وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَقَامَ إِلَيْهَا عَلِيٌّ فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا يَقُولُ اصْدُقِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ يُقَالُ أَسْقَطَ الرَّجُلُ فِي الْقَوْلِ إِذَا أَتَى بِكَلَامٍ سَاقِطٍ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِ لِلْحَدِيثِ أَوِ الرَّجُلِ الَّذِي اتَّهَمُوهَا بِهِ وَحكى عِيَاض أَن فِي رِوَايَة بن مَاهَانَ فِي مُسْلِمٍ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَاتَهَا بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ وَزِيَادَةِ أَلِفٍ بَعْدَ الْهَاءِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَسْقَطُوا لَهَاتَهَا لَمْ تَسْتَطِعِ الْكَلَامَ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا تَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْد الطبرائي فَقَالَ لست عَن هَذَا أَسأَلك قَالَت نعْمَة فَلَمَّا فَطِنَتْ قَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ حَتَّى صَرَّحُوا لَهَا بِالْأَمْرِ فَلهَذَا تعجبت.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيّ أسقطوا لَهَا بِهِ أَي صَرَّحُوا بهَا بِالْأَمر وَقيل جاؤوا فِي خِطَابِهَا بِسَقْطٍ مِنَ الْقَوْلِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ عُرْوَةُ فعيب ذَلِك على من قَالَه.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَقَطَ إِلَيَّ الْخَبَرُ إِذَا عَلِمْتُهُ قَالَ الشَّاعِرُ إِذَا هُنَّ سَاقَطْنَ الْحَدِيثَ وَقُلْنَ لِي قَالَ فَمَعْنَاهُ ذَكَرُوا لَهَا الْحَدِيثَ وَشَرَحُوهُ .

     قَوْلُهُ  إِنْ رَأَيْتَ عَلَيْهَا أَمْرًا أَيْ مَا رَأَيْتَ فِيهَا مِمَّا تَسْأَلُونَ عَنْهُ شَيْئًا أَصْلًا.
وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهَا مَا ذَكَرْتُ مِنْ غَلَبَةِ النَّوْمِ لِصِغَرِ سِنِّهَا وَرُطُوبَةِ بَدَنِهَا .

     قَوْلُهُ  أَغْمِصُهُ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ أَعِيبُهُ .

     قَوْلُهُ  سِوَى أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ مَا كُنْتُ أَعِيبُ عَلَيْهَا إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَعْجِنُ عَجِينِي وَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامَ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ مَا رَأَيْتُ مِنْهَا مُذْ كُنْتُ عِنْدَهَا إِلَّا أَنِّي عَجَنْتُ عَجِينًا لِي فَقُلْتُ احْفَظِي هَذِهِ الْعَجِينَةَ حَتَّى أَقْتَبِسَ نَار إِلَّا خبزها فَغَفَلَتْ فَجَاءَتِ الشَّاةُ فَأَكَلَتْهَا وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ حَتَّى تَأْتِي الدَّاجِنُ وَهِيَ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ الشَّاةُ الَّتِي تَأْلَفُ الْبَيْتَ وَلَا تَخْرُجُ إِلَى الْمَرْعَى وَقِيلَ هِيَ كُلُّ مَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ مُطْلَقًا شَاةً أَو طيرا قَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْبَدِيعِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الْعَيْبِ فَغَفَلْتُهَا عَنْ عَجِينِهَا أَبْعَدُ لَهَا مِنْ مِثْلِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَكَذَا فِي قَوْلِهَا فِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة مَا علمت إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ أَيْ كَمَا لَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ إِلَّا الْخُلُوصُ مِنَ الْعَيْبِ فَكَذَلِكَ أَنَا لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا الْخُلُوصُ مِنَ الْعَيْبِ وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْحَبَشِيَّةُ وَاللَّهِ لَعَائِشَةُ أَطْيَبُ مِنَ الذَّهَبِ وَلَئِنْ كَانَتْ صَنَعْتِ مَا قَالَ النَّاسُ لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ قَالَتْ فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ فِقْهِهَا .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ ثُمَّ خَرَجَ حِينَ سَمِعَ مِنْ بَرِيرَةَ مَا قَالَتْ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَامَ فِينَا خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ وَزَاد عَطاء الخرساني عَن الزُّهْرِيّ هُنَا قبل قَوْله فَقُمْ وَكَانَتْ أُمُّ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّةُ قَالَتْ لِأَبِي أَيُّوبَ أَمَا سَمِعْتَ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ فَحَدَّثَتْهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَقَالَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم.

قُلْتُ وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ مُخْتَصَرَةً وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلَامُ.

     وَقَالَ  رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ فَيُسْتَفَادُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ هَذِهِ وَرَوَى الطَّبَرِيّ مِنْهُ حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ قَالَ أُسَامَةُ مَا يَحِلُّ لَنَا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ الْآيَةَ لَكِنَّ أُسَامَةَ مُهَاجِرِيٌّ فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى التَّوَارُدِ وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ وروى الطَّبَرِيّ أَيْضا من طَرِيق بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ أَيُّوبَ أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ قَالَ بَلَى وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَكُنْتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَا أُمَّ أَيُّوبَ قَالَتْ لَا وَاللَّهِ قَالَ فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ قَالَتْ فَنَزَلَ الْقُرْآن لَوْلَا إِذْ سمعتموه الْآيَةَ وَلِلْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ نَحْوَهُ وَلَهُ مِنْ طَرِيق أُخْرَى قَالَ قَالَت أم طفيل لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَيْ طَلَبَ مَنْ يَعْذِرُهُ مِنْهُ أَيْ يُنْصِفُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَنْ يَقُومُ بِعُذْرِهِ فِيمَا رَمَى أَهْلِي بِهِ مِنَ الْمَكْرُوِهِ وَمَنْ يَقُومُ بِعُذْرِي إِذَا عَاقَبْتُهُ عَلَى سُوءِ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا الثَّانِي وَقِيلَ معنى من يعذرني من ينصرني والعزيز النَّاصِرُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ يَنْتَقِمُ لِي مِنْهُ وَهُوَ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ سَعْدٍ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسِ أَبَنُوا أَهْلِي وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ لُغَةٌ وَمَعْنَاهُ عَابُوا أَهْلِي أَوِ اتَّهَمُوا أَهْلِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْأَبَنَ بِفتْحَتَيْنِ التُّهْمَة.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيّ المُرَاد رموا أَهلِي بِالْقَبِيحِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الشَّمَائِلِ فِي ذِكْرِ مَجْلِسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تؤين فِيهِ الْحُرَمُ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسٍ بِتَقْدِيمِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّ التَّأْنِيبَ هُوَ اللَّوْمُ الشَّدِيدُ وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَامُوهُمْ أَشَدُّ اللَّوْمِ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ صَنَعُوهُ وَهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ صُورَةِ الْحَالِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ النَّوَوِيُّ التَّخْفِيفُ أشهر وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ مَا بَالُ أُنَاسٌ يُؤْذُونِي فِي أَهْلِي وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ مَنْ يَعْذُرُنِي فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي وَيَجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْغَسَّانِيِّ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي وَزَادَ فِيهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ .

     قَوْلُهُ  وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا زَادَ الطَّبَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ صَالِحًا وَزَادَ أَبُو أُوَيْسٍ فِي رِوَايَتِهِ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ قَعَدَ لِحَسَّانٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَهُوَ يَقُولُ تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ مِنِّي فَإِنَّنِي غُلَامٌ إِذَا هُوَ جِئْتُ لَسْتُ بِشَاعِرٍ فَصَاحَ حَسَّانُ فَفَرَّ صَفْوَانُ فَاسْتَوْهَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَسَّانَ ضَرْبَةَ صَفْوَانَ فَوَهَبَهَا لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ كَذَا هُنَا وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ فَقَامَ سَعْدٌ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَقَامَ سَعْدٌ وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَقَدْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ سَعْدُ بْنُ معَاذ لما وَقع فِي رِوَايَة الْبَاب وَغَيره وَأما قَوْله شَيْخِ شُيُوخِنَا الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ سَمَاعِنَا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَقَامَ سَعْدُ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آخَرَ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَإِنَّ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمْ سَعْدًا مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيُّ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ عَلَى سَبَايَا قُرَيْظَةَ الَّذِينَ بِيعُوا بِنَجْدٍ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ مِنْهَا فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ.

قُلْتُ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْإِشْكَالِ فِي ذكر سعد بن معَاذ فِي هَذِه الْقِصَّة وَالَّذِي جَوَّزَهُ مَرْدُودٌ بِالتَّصْرِيحِ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ فَأَذْكُرُ كَلَامَ عِيَاضٍ وَمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهُ قَالَ عِيَاضٌ فِي ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ لَمْ يَتَكَلَّمِ النَّاسُ عَلَيْهِ وَنَبَّهَنَا عَلَيْهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَذَلِكَ أَنَّ الْإِفْكَ كَانَ فِي الْمُرَيْسِيعِ وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ فِيمَا ذَكَرَ بن إِسْحَاقَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ الَّتِي رُمِيَهَا بِالْخَنْدَقِ فَدَعَا اللَّهُ فَأَبْقَاهُ حَتَّى حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمَّ انْفَجَرَ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهَا وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا مَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ قَالَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَمْ يذكرهُ بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ وَجَعَلَ الْمُرَاجَعَةَ أَوَّلًا وَثَانِيًا بَيْنَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ.

     وَقَالَ  لِي بَعْضُ شُيُوخِنَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَعْدُ مَوْجُودًا فِي الْمُرَيْسِيعِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَارِيخِ غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَكَذَلِكَ الْخَنْدَقُ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَهَا لِأَنَّ بن إِسْحَاقَ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ وَأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ فَإِنْ كَانَا مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَقَامَ أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْهَدَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ انْتَهَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمَغَازِي أَنَّ الصَّحِيحَ فِي النَّقْلِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّهَا سَنَةُ أَرْبَعٍ سَبْقَ قَلَمٍ نَعَمْ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْخَنْدَقَ أَيْضًا كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ خِلَافًا لِابْنِ إِسْحَاقَ فَيَصِحُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُريْسِيع سَنَةَ خَمْسٍ الطَّبَرِيُّ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ أَصْلًا وَذَلِكَ أَنَّ بن عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُوَ الْمُرَيْسِيعُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ فِي الْمَغَازِي وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ عُرِضَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ فَلَمْ يُجِزْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُرِضَ فِي الْخَنْدَقِ فَأَجَازَهُ فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَهِدَ الْمُرَيْسِيعَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ وَيُمْكِنُ الْجَواب بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون بن عُمَرَ كَانَ مَعَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنْ يَكُونَ أُجِيزَ فِي الْقِتَالِ فَقَدْ يَكُونُ صَحِبَ أَبَاهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الْقِتَالَ كَمَا ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَحُ الْمَاءَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا بِاتِّفَاقٍ وَقَدْ سَلَكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَصْلِ الْإِشْكَالِ جَوَابًا آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ قَبْلَ الْمُرَيْسِيعِ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمْ يَنْفَجِرْ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ بَلْ تَأَخَّرَ زَمَانًا ثُمَّ انْفَجَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكُونُ مُرَاجَعَتُهُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَشْهَدْ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ لِمَرَضِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُ أَنْ يُجِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْإِفْك مِمَّا أَجَابَهُ.
وَأَمَّا دَعْوَى عِيَاضٌ أَنَّ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا لَمْ يَتَكَلَّمُوا عَلَى الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فَمَا أَدْرِي مَنِ الَّذِينَ عَنَاهُمْ فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنَ الْقُدَمَاءِ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فَقَالَ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَشْكَلَهُ بن حَزْمٍ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْخَنْدَقَ قَبْلَ الْمُرَيْسِيعِ وَتَعَرَّضَ لَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّ سعد بن معَاذ رَاجِح فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهَمٌ خطأ وَإِنَّمَا رَاجَعَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أُسَيْدُ بْنُ حضير كَمَا ذكره بن إِسْحَاقَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَاتَ فِي مُنْصَرَفِهِمْ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُدْرِكْ الْمُرَيْسِيعَ وَلَا حضرها وَبَالغ بن الْعَرَبِيِّ عَلَى عَادَتِهِ فَقَالَ اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى أَن ذكر بن مُعَاذٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَهَمٌ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَعْذِرُكَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَقَالَ أَنَا وَاللَّهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَعْذِرُكَ مِنْهُ بِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ يَعْنِي قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .

     قَوْلُهُ  ضَرَبْنَا عُنُقَهُ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ضَرَبْتُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّدَهُمْ فَجَزَمَ بِأَنَّ حُكْمَهُ فِيهِمْ نَافِذٌ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ مِنَ الْأُولَى تبعضية وَالْأُخْرَى بَيَانِيَّةٌ وَلِهَذَا سَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ قَوْله أمرتنا فَفَعَلْنَا أَمرك فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَتَيْنَاكَ بِهِ فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ بِنْتُ عَمِّهِ مِنْ فَخْذِهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ انْتَهَى وَأُمُّ حَسَّانَ اسْمُهَا الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ لوذان بن عبد ود بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَقَولُهُ مِنْ فَخْذِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِنْتُ عَمِّهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَ عَمِّهِ لَحًّا لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي ثَعْلَبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُ نَسَبِهِ فِي الْمَنَاقِبِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا أَيْ كَامِلُ الصَّلَاحِ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ وَكَانَ صَالِحًا لَكِنَّ الْغَضَبَ بَلَغَ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَغْمِصْ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ احْتَمَلَتْهُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ مِيمٍ أَيْ أَغْضَبَتْهُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَذَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ اجْتَهَلَتْهُ بِجِيمٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَصَوَّبَهَا الْوَقْشِيُّ أَيْ حَمَلَتْهُ عَلَى الْجَهْلِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لِسَعْدٍ أَيِ بن مُعَاذٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ الْعَمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْبَقَاءُ وَهُوَ الْعُمْرُ بِضَمِّهَا لَكِنْ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ إِلَّا بِالْفَتْح قَوْله وَلَا تقدر على قَتله ولوكان من رهطك مَا أَحْبَبْت أَن يقتل فَسَّرَ قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْمَهُ يَمْنَعُونَهُ مِنْ قَتْلِهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكِ فَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ كَذَبْتَ أَيْ فِي قَوْلِكِ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتَ عُنُقَهُ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَأَنَّهُ جَزَمَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ كَانَ مِنْ رَهْطِهِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ رَهْطِهِ إِنْ أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ وَإِلَّا فَلَا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ بَلِ الَّذِي نعتقده على الْعَكْس بِمَا نَطَقْتَ بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ إِنْ كَانَ مِنْ رَهْطِكِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ وَلَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ رَهْطِكِ فَأَنْتَ تُحِبُّ أَنْ يُقْتَلَ وَهَذَا بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَذَبْتَ لَا تَقْتُلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْعَل حِكْمَة إِلَيْك فَذَلِك لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَهُوَ حَمْلٌ جَيِّدٌ وَقَدْ بَيَّنَتِ الرِّوَايَاتُ الْأُخْرَى السَّبَبَ الْحَامِلَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مَا قَالَ فَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَا.

قُلْتُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَّا أَنَّكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ مِنَ الْخَزْرَج وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا بْنَ مُعَاذٍ وَاللَّهِ مَا بِكِ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا ضَغَائِنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِحَنٌ لَمْ تَحْلُلْ لنا من صدوركم فَقَالَ بن مُعَاذٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَدْتُ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ إِنَّمَا طَلَبْتَ بِهِ دُخُولَ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ بن التِّين قَول بن مُعَاذٍ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوْسَ قَوْمُهُ وَهُمْ بَنو النجار وَلم يقل فِي الْخَزْرَجِ لِمَا كَانَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ التَّشَاحُنِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ بِحُكْمِ الْأَنَفَةِ قَالَ فَتَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِحُكْمِ الْأَنَفَةِ وَنَفَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ مِنَ الْأَوْسِ قَالَ وَلَمْ يُرِدْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الرِّضَا بِمَا نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَإِنَّمَا بِمَعْنى قَوْلِ عَائِشَةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا أَيْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُقُوفِ مَعَ أَنَفَةِ الْحَمِيَّةِ وَلَمْ تَرِدْ أَنَّهُ نَاضَلَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ بَنِي النَّجَّارِ قَوْمُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ رَهْطِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَلَمْ يَجْرِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ذِكْرٌ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ مَا دَارَ بَيْنَ السَّعْدَيْنِ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ فَارْتَكَبَ شَطَطًا فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَا تَقْتُلْهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ أَيْ إِنْ كَانَ من الْأَوْس وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن بن مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ فِي الْخَزْرَجِيِّ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْأَوْسِيِّ فَدَلَّ عَلَى أَن بن عُبَادَةَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً لِقَوْمِهِ إِذْ لَوْ كَانَ حَمِيَّةً لَمْ يُوَجِّهْهَا رَهْطَ غَيْرِهِ قَالَ وَسَبَبُ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي خَاضَ فِي الْإِفْكِ كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَرَادَ أَنَّ بَقِيَّةَ قَوْمِهِ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُ إِذَا أَرَادَ قَتْلَهُ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَقُلْ مَا لَا تَفْعَلُ وَلَا تَعُدِّ بِمَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ مُنْزَعِجَةُ الْخَاطِرِ لِمَا دَهَمَهَا مِنَ الْأَمْرِ فَقَدْ يَقَعُ فِي فَهْمِهَا مَا يَكُونُ أَرْجَحُ مِنْهُ وَعَنْ قَوْلِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ الْآتِي بِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ بن عُبَادَةَ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ مَحْمَلًا سَائِغًا انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّعَسُّفِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ وَقَولُهُ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ وَهِيَ مُنْزَعِجَةُ الْخَاطِرِ مَرْدُودٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَتْ حَدَّثَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا إِنَّمَا حَدَّثَتْ بِهَا بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ حَتَّى سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهَا عُرْوَةُ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ كَمَا قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ وَحِينَئِذٍ كَانَ ذَلِك الانزعاج وَزَالَ وَانْقَضَى وَالْحَقُّ أَنَّهَا فَهِمَتْ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِهِ بِقَرَائِنِ الْحَالِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ مَعَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ بِقَتْلِهِ كَمَا قَالَ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَوْسِ فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فهم أَن قَول بن مُعَاذٍ أَمَرْتَنَا بِأَمْرِكَ أَيْ إِنْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرِكَ أَيْ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِهِ قَتَلْنَاهُ وَإِنْ أَمَرْتَ قَوْمُهُ بِقَتْلِهِ قَتَلُوهُ فَنَفَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قُدْرَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَلَى قَتْلِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ غَيْرَ قَوْمِهِ بِقَتْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَيْأَسَهُ مِنْ مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ وَذَلِكَ بِحُكْمِ الْحَمِيَّةِ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا عَائِشَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا فَهِمَهُ الْمَذْكُورُ أَنَّهُ يَرُدُّ أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ وَلَا يَمْتَثِلُهُ حَاشَا لِسَعْدٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدِ اعْتَذَرَ الْمَازِرِيُّ عَنْ قَوْلِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ إِنَّكَ مُنَافِقٌ أَنَّ ذَلِك وَقَعَ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي زَجْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنِ الْمُجَادَلَةِ عَن بن أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُرِدِ النِّفَاقَ الَّذِي هُوَ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ قَالَ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِ شَرْحِهِ زِيَادَةٌ فِي هَذَا .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِ وَفِي أَبِيهِ وَأَبُوهُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ تَقَدَّمَ نَسَبُهُ فِي المناقب قَوْله وَهُوَ بن عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَيْ مِنْ رَهْطِهِ وَلم يكن بن عَمِّهِ لَحًّا لِأَنَّهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ إِنَّمَا يَجْتَمِعَانِ فِي امْرِئِ الْقِيسِ وَهُمَا فِي التَّعَدُّدِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ أَيْ وَلَوْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ إِذَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَلَيْسَتْ لَكُمْ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِنَا مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَطْلَقَ أُسَيْدُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي زَجْرِهِ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ أَيْ تَصْنَعُ صَنِيعَ الْمُنَافِقِينَ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَقَابَلَ قَوْلَهُ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَذَبْتَ لَا تَقْتُلْهُ بِقَوْلِهِ هُوَ كَذَبْتَ لَنَقْتُلَنَّهُ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ إِطْلَاقُ أُسَيْدٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ نِفَاقَ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الْمَوَدَّةَ لِلْأَوْسِ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ضِدُّ ذَلِكَ فَأَشْبَهَ حَالَ الْمُنَافِقِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ إِظْهَارُ شَيْءٍ وَإِخْفَاءُ غَيْرِهِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي تَرْكُ إِنْكَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَتَثَاوَرَ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ تَفَاعَلَ مِنَ الثَّوْرَةِ وَالْحَيَّانِ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ تَثْنِيَةُ حَيٍّ وَالْحَيُّ كَالْقَبِيلَةِ أَيْ نَهَضَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الْغَضَبِ وَوَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَسَلَّ سَيْفَهُ قَوْله حَتَّى هموا أَن يقتتلوا زَاد بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ هُنَا قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَوْعِدُكُمُ الْحِرَّةُ أَيْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ لِتَتَقَاتَلُوا هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَفِي رِوَايَة بن حَاطِب فَلم يزل يوميء بِيَدِهِ إِلَى النَّاس هَا هُنَا حَتَّى هَدَأَ الصَّوْتُ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَكَّتَهُمْ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ نَزَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا ليكمل تسكيتهم وَوَقع فِي رِوَايَة عَطاء الخرساني عَنِ الزُّهْرِيِّ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ .

     قَوْلُهُ  فَمَكَثْتُ يَوْمِي ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَكَيْتُ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمَا .

     قَوْلُهُ  فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي أَي أَنَّهُمَا جاآ إِلَى الْمَكَان الَّذِي هِيَ بِهِ من بَينهمَا لَا أَنَّهَا رَجَعَتْ مِنْ عِنْدِهِمَا إِلَى بَيْتِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَأَنَا فِي بَيْتِ أَبَوَيَّ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا أَيِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَخْبَرَتْهَا فِيهَا أُمُّ مِسْطَحٍ الْخَبَرَ وَالْيَوْمُ الَّذِي خَطَبَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ وَاللَّيْلَةُ الَّتِي تَلِيهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتِي وَيَوْمًا وَكَأَنَّ الْيَاءَ مُشَدَّدَةٌ وَنَسَبَتْهُمَا إِلَى نَفْسِهَا لِمَا وَقَعَ لَهَا فيهمَا قَوْله فبيناهما وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَيْنَمَا هُمَا .

     قَوْلُهُ  يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقِ كَبِدِي فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ حَتَّى أَظُنُّ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يَظُنُّونَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَأْذَنَتْ كَذَا فِيهِ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَاسْتَأْذَنَتْ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ إِذِ اسْتَأْذَنَتْ .

     قَوْلُهُ  امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا .

     قَوْلُهُ  فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِك وَهِي رِوَايَة فليح وَالْأول رِوَايَةُ صَالِحٍ .

     قَوْلُهُ  دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بِلَفْظِ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ وَقد اكتنفني أبواي عَن يَمِيني وَعَن شمَالي وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ وَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ وِجَاهِي وَفِي حَدِيثِ أُمِّ رُومَانَ أَنَّ عَائِشَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَانَتْ بِهَا الْحُمَّى النَّافِضُ وَأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ فَوَجَدَهَا كَذَلِكَ قَالَ مَا شَأْنُ هَذِهِ قَالَتْ أَخَذتهَا الْحمى بناقض قَالَ فَلَعَلَّهُ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ قَالَتْ نَعَمْ فَقَعَدت عَائِشَةُ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحى إِلَيْهِ فِي شأني حكى التسهيلي أَنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ ذَكَرَ أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فَأَلْغَى الْكَسْرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة وَعند بن حَزْمٍ أَنَّ الْمُدَّةَ كَانَتْ خَمْسِينَ يَوْمًا أَوْ أَزْيَدَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُدُومِهِمْ الْمَدِينَةَ وَنُزُولُ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالشَّهْرِ فَهُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَوَّلُهَا إِتْيَانُ عَائِشَةَ إِلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا حِينَ بَلَغَهَا الْخَبَرَ .

     قَوْلُهُ  فَتَشَهَّدَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا هُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ مِنَ الْإِفْكِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ التَّصْرِيحَ فَلَعَلَّ الْكِنَايَةَ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ بن إِسْحَاقَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ قَدْ كَانَ مَا بَلَغَكَ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ فَاتَّقِ اللَّهَ وَإِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا فَتُوبِي .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ أَيْ بِوَحْيٍ يُنَزِّلُهُ بِذَلِكَ قُرْآنًا أَوْ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ أَيْ وَقَعَ مِنْكِ عَلَى خِلَافِ الْعَادة وَهَذَا حَقِيقَة الإدام وَمِنْهُ أَلَمَّتْ بِنَا وَاللَّيْلُ مُرْخٍ سُتُورَهُ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ ثُمَّ تُوبِي إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ إِنَّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ إِنْ كُنْتِ أَخْطَأْتِ فَتُوبِي .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ أَمَرَهَا بِالِاعْتِرَافِ وَلَمْ يَنْدُبْهَا إِلَى الكتمان المفرق بَيْنَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِنَّ فَيَجِبُ عَلَى أَزْوَاجِهِ الِاعْتِرَافُ بِمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ وَلَا يَكْتُمْنَهُ إِيَّاهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِنَبِيٍّ إِمْسَاكُ مَنْ يَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ بِخِلَافِ نسَاء النَّاس فأنهن تدين إِلَى السَّتْرِ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالِاعْتِرَافِ وَإِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَغْفِرَ اللَّهِ وَتَتُوبُ إِلَيْهِ أَيْ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْأَمْرِ لَهَا بِأَنْ تَعْتَرِفَ عِنْدَ النَّاسِ بِذَلِكَ وَسِيَاقُ جَوَابِ عَائِشَةَ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ لَكِنَّ الْمُعْتَرِفُ عِنْدَهُ لَيْسَ إِطْلَاقه فَلْيتَأَمَّل وَيُؤَيّد مَا قَالَه عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ حَاطِبٍ قَالَتْ فَقَالَ أَبِي إِنْ كُنْتِ صَنَعْتِ شَيْئًا فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَإِلَّا فَأَخْبِرِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُذْرِكِ .

     قَوْلُهُ  قَلَصَ دَمْعِي بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ أَيِ اسْتَمْسَكَ نُزُولُهُ فَانْقَطَعَ وَمِنْه قلص الظل إِذَا شُمِّرَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ سَبَبُهُ أَنَّ الْحُزْنَ وَالْغَضَبَ إِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا فُقِدَ الدَّمْعُ لِفَرْطِ حَرَارَةِ الْمُصِيبَةِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى مَا أُحِسُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أَجِدُ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ قِيلَ إِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ لِأَبِيهَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ عَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَهُوَ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ قَالَتْهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْبَاطِنِ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الَّذِي هُوَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ بَرِّئْنِي بِمَا شِئْتَ وَأَنْتَ عَلَى ثِقَةٍ مِنَ الصِّدْقِ فِيمَا تَقُولُ وَإِنَّمَا أَجَابَهَا أَبُو بَكْرٍ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرُ الِاتِّبَاعِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَ بِمَا يُطَابِقُ السُّؤَالَ فِي الْمَعْنَى وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَحَقَّقُ بَرَاءَتَهَا لَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُزَكِّيَ وَلَدَهُ وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أُمِّهَا لَا أَدْرِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةُ فَقَالَ مَاذَا أَقُولُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ.

قُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ قَالَتْ هَذَا تَوْطِئَةً لِعُذْرِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَسْتَحْضِرِ اسْمَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا سَيَأْتِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةُ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثمَّ قلت أما بعد وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَلَمَّا اسْتَعْجَمَا عَلَيَّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ ثُمَّ.

قُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَتُوبُ مِمَّا ذَكَرُوا أَبَدًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ وَقَرَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ ثَبَتَ وَزْنًا وَمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  وَصَدَقْتُمْ بِهِ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ قَالَتْ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْقِيبِ عَنْ ذَلِكَ وَهِيَ كَانَتْ لِمَا تَحَقَّقَتْهُ مِنْ بَرَاءَةِ نَفْسِهَا وَمَنْزِلَتِهَا تَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ سَمِعَ عَنْهَا ذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ بِكَذِبِهِ لَكِنَّ الْعُذْرَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ نَفْيِ مَا قَالُوا وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ بَلْ تَعَيَّنَ التَّنْقِيبُ عَلَيْهِ لِقَطْعِ شُبَهِهِمْ أَوْ مُرَادِهَا بِمَنْ صَدَّقَ بِهِ أَصْحَابُ الْإِفْكِ لَكِنْ ضَمَّتْ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يُكَذِّبْهُمْ تَغْلِيبًا .

     قَوْلُهُ  لَا تُصَدِّقُونَنِي بِذَلِكَ أَيْ لَا تَقْطَعُونَ بِصِدْقِي وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ .

     وَقَالَتْ  فِي الشق الآخر لنصدقني وَهُوَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَالْأَصْلُ تُصَدِّقُونَنِي فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَإِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْءَ مُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ رُومَانَ لَئِنْ حَلَفْتَ لَا تُصَدِّقُونَنِي وَلَئِنْ قُلْتَ لَا تَعْذِرُونَنِي .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَفُلَيْحٍ وَمَعْمَرٍ مَا أَجِدُ لَكُمْ وَلِي مَثَلًا .

     قَوْلُهُ  إِلَّا قَوْلَ أبي يُوسُف زَاد بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ وَاخْتَلَسَ مِنِّي اسْمُهُ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ نَسِيتُ اسْمَ يَعْقُوبَ لِمَا بِي مِنَ الْبُكَاءِ وَاحْتِرَاقِ الْجَوْفِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ رُومَانَ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ وَهِيَ بِالْمَعْنَى لِلتَّصْرِيحِ فِي حَدِيثِ هِشَامِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَحْضِرِ اسْمَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي زَاد بن جُرَيْجٍ وَوَلَّيْتُ وَجْهِي نَحْوَ الْجُدُرِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي ببراءتي زعم بن التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئُنِي بِنُونٍ قَبْلَ الْيَاءِ وَبَعْدِ الْهَمْزَةِ قَالَ وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ لِأَنَّ نُونَ الْوِقَايَةِ تَدْخُلُ فِي الْأَفْعَالِ لِتَسْلَمَ مِنَ الْكَسْرِ وَالْأَسْمَاءُ تُكْسَرُ فَلَا تَحْتَاجُ إِلَيْهَا انْتَهَى وَالَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مُبَرِّئِي بِغَيْرِ نُونٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ مَا ذُكِرَ فَقَدْ سُمِعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ زَادَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ يُتْلَى وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي وَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُصَلَّى بِهِ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ فَارَقَ وَمَصْدَرُهُ الرَّيْمُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ بِخِلَافِ رَامَ بِمَعْنَى طَلَبَ فَمَصْدَرُهُ الرَّوْمُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الْمُضَارِعِ يُقَالُ رَامَ يَرُومُ رَوْمًا وَرَامَ يَرِيمُ رَيْمًا وَحُذِفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْفَاعِلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَفُلَيْحٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمْ مَجْلِسَهُ أَيْ مَا فَارَقَ مَجْلِسَهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَيِ الَّذِينَ كَانُوا حِينَئِذٍ حُضُورًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَاعَتِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مَدٍّ هِيَ شِدَّةُ الْحُمَّى وَقِيلَ شِدَّةُ الْكَرْبِ وَقِيلَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَمِنْهُ بَرِحَ بِي الْهَمُّ إِذَا بَلَغَ مِنِّي غَايَتَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ وَهُوَ الْعَرَقُ وَبِهِ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ غَالِبًا لِأَنَّ الْبُرَحَاءَ شِدَّةُ الْكَرْبِ وَيكون عِنْده الْعرق غَالِبا وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ وَشَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى السَّقْفِ وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْحَاكِمُ فَأَتَاهُ الْوَحْيُ وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْوَحْي أَخذه السبل وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَسُجِّيَ بِثَوْبٍ وَوَضَعْتُ تَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةً مِنْ أُدْمٍ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى إِنَّهُ لِيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْجُمَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ اللُّؤْلُؤُ وَقِيلَ حَبٌّ يُعْمَلُ مِنَ الْفِضَّةِ كَاللُّؤْلُؤِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ خَرَزٌ أَبْيَضُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَشُبِّهَتْ قَطَرَاتِ عَرَقِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجمان لمشابهتها فِي الصفاء وَالْحسن وَزَاد بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْشَى أَنْ يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ مَا لَا مَرَدَّ لَهُ وَأَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ عَائِشَةَ فَإِذَا هُوَ مُنَبِّقٌ فَيُطْمِعُنِي ذَلِكَ فِيهَا وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ مَا فَزِعْتُ قَدْ عَرَفْتُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ ظَالِمِي.
وَأَمَّا أَبَوَايَ فَمَا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنْتُ لتخْرجن أَنْفسهَا فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ اللَّهِ تَحْقِيقُ مَا يَقُولُ النَّاسُ وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا سُرِّيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ كُشِفَ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ يَضْحَكُ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَرُفِعَ عَنْهُ وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا زَالَ يَضْحَكُ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى نَوَاجِذِهِ سُرُورًا ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ يَا عَائِشَةُ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ أَنْ قَالَ لِي يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكَ زَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَبْشِرِي وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْبُشْرَى يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ أَيْ بِمَا أَنْزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ أُمِّي قَوْمِي إِلَيْهِ قَالَ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فَقَالَتْ لِي أُمِّي قَوْمِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُهُ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَحْمَدُ اللَّهَ لَا إياكما وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ فَقُلْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَذَمِّكُمَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ نَحْمَدُ اللَّهَ وَلَا نَحْمَدُكُمْ وَفِي رِوَايَةِ أُمِّ رُومَانَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَتْ نَحْمَدُ اللَّهَ لَا نَحْمَدُكَ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَذَا عِنْد الْوَاقِدِيّ وَفِي رِوَايَة بن حَاطِبٍ وَاللَّهِ لَا نَحْمَدُكَ وَلَا نَحْمَدُ أَصْحَابَكَ وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ وَالْأَسْوَدِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ وَلَا نَحْمَدُكَ وَلَا نَحْمَدُ أَصْحَابَكَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَانْتَزَعْتُ يَدِي مِنْهُ فَنَهَرَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُذْرُهَا فِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَتْهُ مِنَ الَّذِي خَامَرَهَا مِنَ الْغَضَبِ مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يُبَادِرُوا بِتَكْذِيبِ مَنْ قَالَ فِيهَا مَا قَالَ مَعَ تَحَقُّقِهِمْ حسن طريقتها قَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا قَالَتْ ذَلِكَ إِدْلَالًا كَمَا يَدُلُّ الْحَبِيبُ عَلَى حَبِيبِهِ وَقِيلَ أَشَارَتْ إِلَى إِفْرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهَا فَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي فَنَاسَبَ إِفْرَادُهُ بِالْحَمْدِ فِي الْحَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ الْحَمْدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَعَ ذَلِكَ تَمَسَّكَتْ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا احْمَدِي اللَّهَ فَفَهِمَتْ مِنْهُ أَمْرَهَا بِإِفْرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَمْدِ فَقَالَتْ ذَلِكَ وَمَا أَضَافَتْهُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مِنْ بَاعِثِ الْغَضَبِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا نَزَلَ عُذْرُهَا فَقَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَهَا فَقُلْتُ أَلَا عَذَرْتَنِي فَقَالَ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا.

قُلْتُ مَا لَا أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم الْعَشْرُ الْآيَاتُ كُلُّهَا.

قُلْتُ آخِرُ الْعَشَرَةِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ لَكِن وَقع فِي رِوَايَة عَطاء الخرساني عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ جاؤوا إِلَى قَوْلِهِ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُور رَحِيم وَعدد الْآي إِلَى هَذَا الْموضع ثَلَاث عشر آيَةً فَلَعَلَّ فِي قَوْلِهَا الْعَشْرَ الْآيَاتِ مَجَازًا بِطَرِيقِ إِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ عتيبة مُرْسلا عَن الطَّبَرِيِّ لَمَّا خَاضَ النَّاسُ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَفِي آخِرِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ سُورَةِ النُّورِ حَتَّى بلغ الخبيثات للخبيثين وَهَذَا فِيهِ تَجَوُّزٌ وَعِدَّةُ الْآيِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ سِتَّ عَشْرَةَ وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ فَنَزَلَتْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً مُتَوَالِيَةً كَذَّبَتْ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ إِن الَّذين جاؤوا إِلَى قَوْله رزق كريم وَفِيهِ مَا فِيهِ أَيْضًا وَتَحْرِيرُ الْعِدَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّغْلِيظِ فِي مَعْصِيةٍ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَشْبَعِهَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْعِتَابِ الْبَلِيغِ وَالزَّجْرِ الْعَنِيفِ وَاسْتِعْظَامُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ وَاسْتِشْنَاعِهِ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَسَالِيبٍ مُتْقَنَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ فِي بَابِهِ بَلْ مَا وَقَعَ مِنْهَا مِنْ وَعِيدِ عبدةِ الْأَوْثَانِ إِلَّا بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِإِظْهَارِ عُلُوِّ مَنْزِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَطْهِيرِ مَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ من الشَّيْطَان الرَّجِيم إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ عِنْدَ عَائِشَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَرَأَهَا عَلَى النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ مَا دَامَ احْتِمَالُ عَدَمِهِ مَوْجُودًا لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْطَعْ نَفَقَةَ مِسْطَحٍ إِلَّا بَعْدَ تَحْقِيق ذَنْبِهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ قَبْلُ .

     قَوْلُهُ  وَفَقْرِهِ عِلَّةٌ أُخْرَى لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ أَيْ عَنْ عَائِشَةِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بن عُرْوَة فخلف أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَأْتَلِ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَاب مُفْرد قَرِيبا قَوْله وليعفوا وليصفحوا قَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ هَذِهِ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ انْتَهَى وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْقَائِلُ فَإِنَّ قَدْرَ الذَّنْبِ مِنْ مِسْطَحٍ يَحُطُّ قَدْرَ النَّجْمِ مِنْ أُفُقِهِ وَقَدْ جَرَى مِنْهُ الَّذِي قَدْ جَرَى وَعُوتِبَ الصِّدِّيقُ فِي حَقِّهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بَلَى وَاللَّهِ يَا رَبَّنَا إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا .

     قَوْلُهُ  فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ أَيْ رَدَّهَا إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ صَارَ يُعْطِيهِ ضِعْفَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَيْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي أَيْ مِنَ الْحِمَايَةِ فَلَا أَنْسُبُ إِلَيْهِمَا مَا لَمْ أَسْمَعْ وَأُبْصِرْ .

     قَوْلُهُ  وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي أَيْ تُعَالِينِي مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ أَيْ تُطْلَبُ مِنَ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ وَالْحَظْوَةِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَطْلُبُ أَوْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي لَهَا عِنْدَهُ مِثْلُ الَّذِي لِي عِنْدَهُ وَذَهِلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ سَوْمِ الْخَسْفِ وَهُوَ حمل الْإِنْسَان على مَا يكرههُ وَالْمعْنَى تغايظني وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ فِي مِثْلِهِ سَامَ وَلَكِنْ سَاوَمَ .

     قَوْلُهُ  فَعَصَمَهَا اللَّهُ أَيْ حَفِظَهَا وَمَنَعَهَا .

     قَوْلُهُ  بِالْوَرَعِ أَيْ بِالْمُحَافَظَةِ على دينهَا وبجانبه مَا تَخْشَى سُوءِ عَاقِبَتِهِ .

     قَوْلُهُ  وَطَفِقَتْ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَيْ جَعَلَتْ أَوْ شَرَعَتْ وَحَمْنَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَانَتْ تَحْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  تُحَارِبُ لَهَا أَي تجَادل لَهَا وتنعصب وَتَحْكِي مَا قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ لِتَنْخَفِضَ مَنْزِلَةَ عَائِشَةَ وَتَعْلُو مَرْتَبَةُ أُخْتِهَا زَيْنَبَ .

     قَوْلُهُ  فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ أَيْ حَدَّثَتْ فِيمَن حدث أَو أئمت مَعَ مَنْ أَثِمَ زَادَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وفليح وَمعمر وَغَيرهم قَالَ بن شِهَابٍ فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا مِنْ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ الرَّهْط زَاد صَالح بن كيسَان عَن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَبْلُ قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي سَنَةِ قَتْلِهِ وَفِي الْغَزَاةِ الَّتِي اسْتُشْهِدَ فِيهَا فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي آخِرِ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَكَانَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ الله بن أُبَيٍّ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوْشِيهِ وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ هُوَ وَحَمْنَةُ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ وَحَسَّانُ وَكَانَ كِبْرُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَعِنْدَ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِالْإِفْكِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَدْيِ فَأَبْدَى الْحِكْمَةَ فِي تَرْكِ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَفَاتَهُ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ أَيْضًا فِيمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدِّ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَنْ حَسَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ صَحَّحَ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّهُمْ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ إِنَّهُ حَدَّهُمْ وَمَا ضَعَّفَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ الْحَدِيثِ عَنْ جَمَاعَةٍ مُلَفَّقًا مُجْمَلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقُرْعَةُ حَتَّى بَيْنَ النِّسَاءِ وَفِي الْمُسَافَرَةِ بِهِنَّ وَالسَّفَرُ بِالنِّسَاءِ حَتَّى فِي الْغَزْوِ وَجَوَازُ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ لِلْمَرْءِ مِنَ الْفَضْلِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَدْحُ نَاسٍ وَذَمُّ نَاسٍ إِذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ إزلة تَوَهُّمِ النَّقْصِ عَنِ الْحَاكِي إِذَا كَانَ بَرِيئًا عِنْدَ قَصْدِ نُصْحِ مَنْ يَبْلُغُهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ سَبْقٍ وَأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالسَّلَامَةِ مِنْ وُقُوعِ الْغَيْرِ فِي الْإِثْمِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ يَقَعُ فِي الْإِثْمِ وَتَحْصِيلُ الْأَجْرِ لِلْمَوْقُوعِ فِيهِ وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّوْطِئَةِ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ وَأَنَّ الْهَوْدَجَ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيْتِ فِي حَجْبِ الْمَرْأَةِ وَجَوَازُ رُكُوبِ الْمَرْأَةِ الْهَوْدَجَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ حَيْثُ يَكُونُ مُطِيقًا لِذَلِكَ وَفِيهِ خِدْمَةُ الْأَجَانِبِ لِلْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَجَوَازُ تَسَتُّرُ الْمَرْأَةِ بِالشَّيْءِ الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْبَدَنِ وَتَوَجُّهُ الْمَرْأَةِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَحْدَهَا وَبِغَيْرِ إِذْنٍ خَاصٍّ مِنْ زَوْجِهَا بَلِ اعْتِمَادًا عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ الْمُسْتَنِدِ إِلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ وَجَوَازُ تَحَلِّي الْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ بِالْقِلَادَةِ وَنَحْوِهَا وَصِيَانَةُ الْمَالِ وَلَوْ قَلَّ لِلنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَإِنَّ عِقْدَ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَفِيهِ شُؤْمُ الْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُطِلْ فِي التَّفْتِيشِ لَرَجَعَتْ بِسُرْعَةٍ فَلَمَّا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَثَّرَ مَا جَرَى وَقَرِيبٌ مِنْهُ قِصَّةُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ حَيْثُ رُفِعَ عِلْمُ لَيْلَةِ الْقَدرِ بِسَبَبِهِمَا فَإِنَّهُمَا لَمْ يَقْتَصِرَا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ بَلْ زَاد فِي الْخِصَامِ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَأَثَّرَ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ الْمَذْكُورِ وَتَوَقُّفُ رَحِيلِ الْعَسْكَرِ عَلَى إِذْنِ الْأَمِيرِ وَاسْتِعْمَالِ بَعْضِ الْجَيْشِ سَاقَةً يَكُونُ أَمِينًا لِيَحْمِلَ الضَّعِيفَ وَيَحْفَظَ مَا يَسْقُطُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَتَغْطِيَةِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا عَنْ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِطْلَاقِ الظَّنِّ عَلَى الْعِلْمِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ قَدَّمْتُهُ وَإِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ وَعَوْنِ الْمُنْقَطِعِ وَإِنْقَاذِ الضَّائِعِ وَإِكْرَامِ ذَوِي الْقَدرِ وَإِيثَارِهِمْ بِالرُّكُوبِ وَتَجَشُّمُ الْمَشَقَّةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَحُسْنِ الْأَدَبِ مَعَ الْأَجَانِبِ خُصُوصًا النِّسَاءَ لَا سِيَّمَا فِي الْخَلْوَةِ وَالْمَشْيِ أَمَامَ الْمَرْأَةِ لِيَسْتَقِرَّ خَاطِرُهَا وَتَأْمَنَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَظَرِهِ لِمَا عَسَاهُ يَنْكَشِفُ مِنْهَا فِي حَرَكَةِ الْمَشْيِ وَفِيهِ مُلَاطَفَةُ الزَّوْجَةِ وَحُسْنُ مُعَاشَرَتِهَا وَالتَّقْصِيرُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ إِشَاعَةِ مَا يَقْتَضِي النَّقْصُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ تَتَفَطَّنَ لِتَغْيِيرِ الْحَالِ فَتَعْتَذِرُ أَوْ تَعْتَرِفُ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْمَرِيضِ أَنْ يُعْلِمُوهُ بِمَا يُؤْذِي بَاطِنَهُ لِئَلَّا يَزِيدُ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ وَفِيهِ السُّؤَالُ عَنِ الْمَرِيضِ وَإِشَارَةً إِلَى مَرَاتِبِ الْهِجْرَانِ بِالْكَلَامِ وَالْمُلَاطَفَةِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ مُحَقَّقًا فَيُتْرَكُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا فَيُخَفَّفُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فِيهِ أَوْ مُحْتَمَلًا فَيَحْسُنُ التَّقْلِيلُ مِنْهُ لَا لِلْعَمَلِ بِمَا قِيلَ بَلْ لِئَلَّا يُظَنُّ بِصَاحِبِهِ عَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِمَا قِيلَ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ تَسْتَصْحِبُ مَنْ يُؤْنِسُهَا أَوْ يَخْدِمُهَا مِمَّنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَفِيهِ ذَبُّ الْمُسْلِمُ عَنِ الْمُسْلِمِ خُصُوصًا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَرَدْعِ مَنْ يُؤْذِيهِمْ وَلَوْ كَانَ مِنْهُمْ بِسَبِيلٍ وَبَيَان مزِيد فَضِيلَةِ أَهْلِ بَدْرٍ وَإِطْلَاقِ السَّبِّ عَلَى لَفْظِ الدُّعَاءِ بِالسُّوءِ عَلَى الشَّخْصِ وَفِيهِ الْبَحْثُ عَنِ الْأَمْرِ الْقَبِيحِ إِذَا أُشِيعَ وَتُعْرَفُ صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ بِالتَّنْقِيبِ عَلَى مَنْ قِيلَ فِيهِ هَلْ وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يُشْبِهُهُ أَوْ يَقْرَبُ مِنْهُ وَاسْتِصْحَابُ حَالِ مَنِ اتُّهِمَ بِسُوءٍ إِذَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ عَنْهُ بِالْبَحْثِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَفِيهِ فَضِيلَة قَوِيَّة لأم مسطح لأنهالم تُحَابِ وَلَدَهَا فِي وُقُوعِهِ فِي حَقِّ عَائِشَةَ بَلْ تَعَمَّدَتْ سَبَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمُ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَأَنَّ الرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ تَقَعُ مِنْهُمْ لَكِنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْمَغْفِرَةِ تَفْضِيلًا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ وَمَرْجُوحِيَّةُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَصَمَهُمْ فَلَا يَقَعُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ سَمَاعَ مَا يَعْتَقِدُ السَّامِعُ أَنَّهُ كَذِبٌ وَتَوْجِيهُهُ هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُنَزَّهُ أَنْ يَحْصُلَ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْنِيسٌ فَيُشْرَعُ شُكْرَهُ بِالتَّنْزِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَفِيهِ تَوَقُّفُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا عَلَى إِذْنِ زَوْجِهَا وَلَوْ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ أَبَوَيْهَا وَفِيهِ الْبَحْثُ عَنِ الْأَمْرِ الْمَقُولِ مِمَّنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقُول فِيهِ والتوقف فِي خير الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ صَادِقًا وَطَلَبُ الِارْتِقَاءِ مِنْ مَرْتَبَةِ الظَّنِّ إِلَى مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا جَاءَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَفَادَ الْقَطْعُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ لَأَسْتَيْقِنُ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ الْمَرْءُ أَهْلَ بِطَانَتِهِ مِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ بِقَرَابَةٍ وَغَيْرِهَا وَتَخْصِيصُ مَنْ جُرِّبَتْ صِحَّةُ رَأْيِهِ مِنْهُمْ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَقْرَبَ وَالْبَحْثُ عَنْ حَالِ مَنِ اتُّهِمَ بِشَيْءٍ وَحِكَايَةُ ذَلِكَ لِلْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غِيبَةً وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ لَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا فِي التَّزْكِيَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حَقِّ مَنْ سَبَقَتْ عَدَالَتُهُ مِمَّنْ يُطَّلَعُ عَلَى خَفِيِّ أَمْرِهِ وَفِيهِ التَّثَبُّتُ فِي الشَّهَادَةِ وَفِطْنَةُ الْإِمَامِ عِنْدَ الْحَادِثِ الْمُهِمِّ وَالِاسْتِنْصَارُ بِالْأَخِصَّاءِ عَلَى الْأَجَانِبِ وَتَوْطِئَةُ الْعُذْرِ لِمَنْ يُرَادُ إِيقَاعُ الْعِقَابِ بِهِ أَوِ الْعِتَابِ لَهُ وَاسْتِشَارَةُ الْأَعْلَى لِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَاسْتِخْدَامُ مَنْ لَيْسَ فِي الرِّقِّ وَأَنَّ مَنِ اسْتَفْسَرَ عَنْ حَالِ شَخْصٍ فَأَرَادَ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنْ عَيْبٍ فَلْيُقَدِّمْ ذِكْرَ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ يَعْلَمُهُ كَمَا قَالَتْ بَرِيرَة فِي عَائِشَة حَيْثُ عاتبها بِالنَّوْمِ عَنِ الْعَجِينِ فَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْزِمْ فِي الْقِصَّةِ بِشَيْءٍ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَنَّ الْحَمِيَّةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تُذَمُّ وَفِيهِ فَضَائِلُ جَمَّةٌ لِعَائِشَةَ وَلِأَبَوَيْهَا وَلِصَفْوَانَ وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَفِيهِ أَنَّ التَّعَصُّبَ لِأَهْلِ الْبَاطِلِ يُخْرِجُ عَنِ اسْمِ الصَّلَاحِ وَجَوَازُ سَبِّ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلْبَاطِلِ وَنِسْبَتُهُ إِلَى مَا يَسُوءُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ فِيهِ لَكِنْ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ جَازَ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ تَغْلِيظًا لَهُ وَإِطْلَاقُ الْكَذِبِ عَلَى الْخَطَأِ وَالْقَسَمُ بِلَفْظِ لَعَمْرِ اللَّهِ وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى قَطْعِ الْخُصُومَةِ وَتَسْكِينِ ثَائِرَةِ الْفِتْنَةِ وَسَدِّ ذَرِيعَةِ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ بِزَوَالِ أَغْلَظِهِمَا وَفَضْلُ احْتِمَالُ الْأَذَى وَفِيهِ مُبَاعَدَةُ مَنْ خَالَفَ الرَّسُولَ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا حَمِيمًا وَفِيهِ أَنَّ مَنْ آذَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُقْتَلُ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ مُسَاعَدَةُ مَنْ نَزَلَتْ فِيهِ بَلِيَّةٌ بِالتَّوَجُّعِ وَالْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ وَفِيهِ تَثَبُّتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْأُمُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَعَ تَمَادِي الْحَالِ فِيهَا شَهْرًا كَلِمَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا مَا وَرَدَ عَنْهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ مَا قِيلَ لَنَا هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَكيف بعد أَن أعزانا الله بِالْإِسْلَامِ وَقع ذَلِك فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِيهِ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ بِالتَّشَهُّدِ وَالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَقَوْلُ أَمَّا بَعْدُ وَتَوْقِيفُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ ذَنْبٌ عَلَى مَا قِيلَ فِيهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَأَنَّ قَوْلَ كَذَا وَكَذَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْأَحْوَالِ كَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْأَعْدَادِ وَلَا تَخْتَصُّ بِالْأَعْدَادِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّوْبَةِ وَأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنَ الْمُعْتَرِفِ الْمُقْلِعِ الْمُخْلِصِ وَأَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِرَافِ لَا يُجْزِئُ فِيهَا وَأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِمَا لَمْ يَقَعْ لَا يَجُوزُ وَلَوْ عُرِفَ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُؤَاخَذُ عَلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى اعْتِرَافِهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ أَوْ يسكت وَأَن الصَّبْر يحمد عَاقِبَتُهُ وَيُغْبَطُ صَاحِبُهُ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْكَبِيرِ فِي الْكَلَامِ وَتَوَقُّفُ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ فِي الْكَلَامِ وَفِيهِ تَبْشِيرُ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ وَفِيهِ الضَّحِكُ وَالْفَرَحُ وَالِاسْتِبْشَارُ عِنْدَ ذَلِكَ وَمَعْذِرَةُ مَنِ انْزَعَجَ عِنْدَ وُقُوعِ الشِّدَّةِ لِصِغَرِ سِنٍّ وَنَحْوِهِ وَإِدْلَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَأَبَوَيْهَا وَتَدْرِيجُ مَنْ وَقَعَ فِي مُصِيبَةٍ فَزَالَتْ عَنْهُ لِئَلَّا يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِهِ الْفَرَحُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ فَيُهْلِكُهُ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنِ ابْتِدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ بِالضَّحِكِ ثُمَّ تَبْشِيرِهَا ثُمَّ إِعْلَامِهَا بِبَرَاءَتِهَا مُجْمَلَةً ثُمَّ تِلَاوَتِهِ الْآيَاتِ عَلَى وَجْهِهَا وَقَدْ نَصَّ الْحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ لَا يُمَكَّنُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الرَّيِّ فِي الْمَاءِ لِئَلَّا يُفْضِي بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْهَلَكَةِ بَلْ يُجَرَّعُ قَلِيلًا قَلِيلًا وَفِيهِ أَنَّ الشِّدَّةَ إِذَا اشْتَدَّتْ أَعْقَبَهَا الْفَرَجُ وَفُضِّلَ مَنْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ لِرَبِّهِ وَأَنَّ مَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ خَفَّ عَنْهُ الْهَمُّ وَالْغَمُّ كَمَا وَقَعَ فِي حَالَتَيْ عَائِشَةَ قَبْلَ اسْتِفْسَارِهَا عَنْ حَالِهَا وَبَعْدَ جَوَابِهَا بِقَوْلِهَا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ خُصُوصًا فِي صِلَةِ الرَّحِمِ وَوُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ أَوْ صَفَحَ عَنْهُ وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ الخنث وَجَوَازُ الِاسْتِشْهَادِ بِآيِ الْقُرْآنِ فِي النَّوَازِلِ وَالتَّأَسِّي بِمَا وَقَعَ لِلْأَكَابِرِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ التَّسْبِيحُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَاسْتِعْظَامِ الْأَمْرِ وَذَمُّ الْغِيبَةِ وَذَمُّ سَمَاعِهَا وَزَجْرُ مَنْ يَتَعَاطَاهَا لَا سِيَّمَا إِنْ تَضَمَّنَتْ تُهْمَةُ الْمُؤْمِنِ بِمَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ وَذَمُّ إِشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ وَتَحْرِيمِ الشَّكِّ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ وَفِيهِ تَأْخِيرُ الْحَدِّ عَمَّنْ يُخْشَى مِنْ إِيقَاعِهِ بِهِ الْفِتْنَةُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بن بَطَّالٍ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ مِمَّنْ قَذَفَ عَائِشَةَ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِمَّنْ حُدَّ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قَذَفَ بَلِ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَخْرِجُهُ وَيَسْتَوْشِيهُ.

قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قَذَفَ صَرِيحًا وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي مُرْسل سعيد بن جُبَير عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ بِلَفْظِ فَرَمَاهَا عبد الله بن أبي وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظٍ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ مِمَّنْ جُلِدَ الْحَدَّ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا مُرْسَلًا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ فَإِنْ ثَبَتَا سَقَطَ السُّؤَالُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتَا فَالْقَوْلُ مَا قَالَ عِيَاضٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتُ خَبَرٌ بِأَنَّهُ قَذَفَ صَرِيحًا ثُمَّ لَمْ يُحَدُّ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ إِنْكَارَ وُقُوعِ الْحَدِّ بِالَّذِينَ قَذَفُوا عَائِشَةَ أَصْلًا كَمَا تَقَدَّمَ وَاعْتَلَّ قَائِلُهُ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ إِلَّا بِقِيَامِ بَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ وَزَادَ غَيْرُهُ أَوْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ يَأْتِي إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْعِ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ لِمَا بَدَا مِنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَالَةَ الْغَضَبِ حَتَّى كَادُوا يَقْتَتِلُونَ قَالَ فَإِنَّ الْغَضَبَ يُخْرِجُ الْحَلِيمَ الْمُتَّقِي إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْغَضَبُ قَوْمًا مِنْ خِيَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَالا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا مِنْهُمْ زَلَّةٌ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَلَمْ تَثْبُتْ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُؤْخَذُ مِنْ سِيَاقِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَمِيعُ قِصَّتِهَا الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى بَرَاءَتِهَا بَيَانُ مَا أُجْمِلَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ لِسِيَاقِ أَسْبَابِ ذَلِكَ وَتَسْمِيَةُ مَنْ يُعْرَفُ مِنْ أَصْحَابِ الْقَصَصِ لِمَا فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ الْأَحْكَامِيَّةِ وَالْآدَابِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ يُعْرَفُ قُصُورُ مَنْ قَالَ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ ثَابِتَة بِصَرِيح الْقُرْآن فِي فَائِدَة لسياق قصَّتهَا