فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيم مصلى)
وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا وَاتَّخِذُوا بِكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى الْأَمْرِ وَهِيَ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَالْأُخْرَى بِالْفَتْحِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْأَمْرُ دَالٌّ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ إِلَى جَمِيعِ جِهَاتِ الْكَعْبَةِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ إِلَى الْآنِ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ الْمُرَادُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ ثَبَتَ دَلِيلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  مُصَلًّى أَيْ قِبْلَةً قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ أَيْ مُدَّعًى يُدْعَى عِنْدَهُ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى فِيهِ بَلْ عِنْدَهُ وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْحَسَنِ بِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ أَيْضًا بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَلَوْ تَعَيَّنَ اسْتِقْبَالُ الْمَقَامِ لَمَا صَحَّتْ هُنَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِهِ وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي إِيرَاد حَدِيث بن عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْآنَ حَتَّى جَاءَ سَيْلٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَاحْتَمَلَهُ حَتَّى وُجِدَ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ فَأُتِيَ بِهِ فَرُبِطَ إِلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى قَدِمَ عُمَرُ فَاسْتَثْبَتَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَحَقَّقَ مَوْضِعَهُ الْأَوَّلَ فَأَعَادَهُ إِلَيْهِ وَبَنَى حَوْلَهُ فَاسْتَقَرَّ ثَمَّ إِلَى الْآنَ



[ قــ :390 ... غــ :395] .

     قَوْلُهُ  طَافَ بِالْبَيْتِ لِلْعُمْرَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ طَافَ بِالْبَيْتِ لِعُمْرَةٍ بِحَذْفِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ لِلْعُمْرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا لِيَصِحَّ الْكَلَامُ .

     قَوْلُهُ  أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ أَيْ هَلْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْجِمَاعُ وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَخَصَّ إِتْيَانَ الْمَرْأَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُحرمَات فِي الْإِحْرَام وأجابهم بن عُمَرَ بِالْإِشَارَةِ إِلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سِيَّمَا فِي أَمْرِ الْمَنَاسِكِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَأَجَابَهُمْ جَابِرٌ بِصَرِيحِ النَّهْيِ وَعَلَيْهِ أَكثر الْفُقَهَاء وَخَالف فِيهِ بن عَبَّاسٍ فَأَجَازَ لِلْمُعْتَمِرِ التَّحَلُّلَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى وَالْمُنَاسِبُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  وَصَلَّى خَلْفَ الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ يُشْعِرُ بِحَمْلِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ وَاتَّخِذُوا عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ خَلْفَ الْمَقَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَكَانِهِ فِي الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :391 ... غــ :397] .

     قَوْلُهُ  عَن سيف هُوَ بن سُلَيْمَان أَو بن أبي سُلَيْمَان الْمَكِّيّ قَوْله أَتَى بن عُمَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَأَجِدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَقْبَلْتُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ وَوَجَدْتُ وَكَأَنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الصُّورَةِ حَتَّى كَأَنَّ الْمُخَاطَبَ يُشَاهِدُهَا .

     قَوْلُهُ  قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَيْ الْمِصْرَاعَيْنِ وَحَمَلَهُ الْكِرْمَانِيُّ تَجْوِيزًا عَلَى حَقِيقَةِ التَّثْنِيَةِ.

     وَقَالَ  أَرَادَ بِالْبَابِ الثَّانِي الَّذِي لَمْ تَفْتَحْهُ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَتِ الْكَعْبَةَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ كَانَ إِخْبَارُ الرَّاوِي بِذَلِكَ بعد أَن فَتحه بن الزبير وَهَذَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون بن عُمَرَ وَجَدَ بِلَالًا فِي وَسَطِ الْكَعْبَةِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بَيْنَ النَّاسِ بِنُونٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَهِيَ أَوْضَحُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيره هَذَا مَعَ أَن الْمَشْهُور عَن بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى قَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْكَيْفِيَّةِ وَهِيَ تَعْيِينُ الْمَوْقِفِ فِي الْكَعْبَةِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالْكَمِّيَّةِ وَنَسِيَ هُوَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَن يُقَال يحْتَمل أَن بن عُمَرَ اعْتَمَدَ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَحَقِّقِ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ بِلَالًا أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَفَّلَ فِي النَّهَارِ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتِ الرَّكْعَتَانِ مُتَحَقِّقًا وُقُوعُهُمَا لِمَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ عَادَتِهِ فعلى هَذَا فَقَوله رَكْعَتَيْنِ من كَلَام بن عُمَرَ لَا مِنْ كَلَامِ بِلَالٍ وَقَدْ وَجَدْتُ مَا يُؤَيّد هَذَا وَيُسْتَفَاد مِنْهُ جمعا آخَرُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَاسْتَقْبَلَنِي بِلَالٌ فَقُلْتُ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَا هُنَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ لَفْظًا وَلَمْ يُجِبْهُ لَفْظًا وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْهُ صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بِإِشَارَتِهِ لَا بِنُطْقِهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ هَلْ زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ لَا.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ بن عُمَرَ نَسِيَ أَنْ يَسْأَلَ بِلَالًا ثُمَّ لَقِيَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَسَأَلَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِصَّةَ وَهِيَ سُؤال بن عُمَرَ عَنْ صَلَاتِهِ فِي الْكَعْبَةِ لَمْ تَتَعَدَّدْ لِأَنَّهُ أَتَى فِي السُّؤَالِ بِالْفَاءِ الْمُعَقِّبَةِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ فِي هَذِهِ فَأَقْبَلْتُ ثُمَّ قَالَ فَسَأَلْتُ بِلَالًا.

     وَقَالَ  فِي الْأُخْرَى فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ وَاحِدًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثَانِيهُمَا أَن رَاوِي قَول بن عُمَرَ وَنَسِيتُ هُوَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ وَيَبْعُدُ مَعَ طُولِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ إِلَى وَقْتِ مَوْتِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى حِكَايَةِ النِّسْيَانِ وَلَا يَتَعَرَّضَ لِحِكَايَةِ الذِّكْرِ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ أَنَّ قَوْلَهُ رَكْعَتَيْنِ غَلَطٌ مِنْ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان لِأَن بن عُمَرَ قَدْ قَالَ نَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى قَالَ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدُ فَهُوَ كَلَامٌ مَرْدُودٌ وَالْمُغَلِّطُ هُوَ الْغَالِطُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلُ وَبَعْدُ فَلَمْ يَهِمْ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِذَلِكَ حَتَّى يُغَلَّطَ فَقَدْ تَابَعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عَاصِم عِنْد بن خُزَيْمَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كُلُّهُمْ عَنْ سَيْفٍ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ سَيْفٌ أَيْضًا فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلم ينْفَرد بِهِ مُجَاهِد عَن بن عمر فقد تَابعه عَلَيْهِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ وَمِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَقَالُوا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ السَّارِيَةِ الْوُسْطَى أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْ حَدِيثِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ لَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْعَمُودَيْنِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فَالْعَجَبُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى تَغْلِيطِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْحِفْظِ بِقَوْلِ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَوْ سَكَتَ لَسَلِمَ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ .

     قَوْلُهُ  فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ أَيْ مُوَاجِهُ بَابِ الْكَعْبَةِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الظَّاهِرُ مِنَ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ أَيْ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَابِ.

قُلْتُ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا مُنَاسَبَةَ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ اسْتِقْبَال الْمقَام غير وَاجِب وَنقل عَن بن عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ مَنْ صَلَّى فِيهَا فَقَدْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا خَلْفَهُ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ أَيْضًا فِي إِيرَادِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ





[ قــ :39 ... غــ :398] .

     قَوْلُهُ  إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ كَذَا وَقَعَ مَنْسُوبًا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نعيم وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّرْقِيُّ فِي الْأَطْرَافِ لَهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إِسْحَاقَ غَيْرَ مَنْسُوبٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ شَيْخِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ فِيهِ بِإِسْنَادِهِ هَذَا فَجعله من رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَسَيَأْتِي وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ رِوَايَةِ بِلَالٍ الْمُثْبِتَةِ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّافِيَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ أَيْ مُقَابِلِهَا أَوْ مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْهَا وَهُوَ وَجههَا وَهَذَا مُوَافق لرِوَايَة بن عُمَرَ السَّالِفَةِ .

     قَوْلُهُ  هَذِهِ الْقِبْلَةُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ قِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَقْرِيرُ حُكْمِ الِانْتِقَالِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ حُكْمَ مَنْ شَاهَدَ الْبَيْتَ وُجُوبُ مُوَاجَهَةِ عَيْنِهِ جَزْمًا بِخِلَافِ الْغَائِبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ لَيْسَ هُوَ الْحَرَمَ كُلَّهُ وَلَا مَكَّةَ وَلَا الْمَسْجِدَ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ بَلِ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى وَجْهِ الْكَعْبَةِ أَيْ هَذَا مَوْقِفُ الْإِمَامِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ أَيهَا النَّاس أَن الْبَاب قبْلَة الْبَيْت وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ وَاللَّهُ أعلم قَولُهُ بَابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ أَيْ حَيْثُ وُجِدَ الشَّخْصُ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ كَمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي فِي الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو هُرَيْرَةَ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَقَدْ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ