فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الإمام للمتلاعنين: «إن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ الْإِمَامِ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ)
فِيهِ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ.

     وَقَالَ  عِيَاض وَتَبعهُ النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ أَحَدَكُمَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ النُّحَاةِ إِنَّ لَفْظَ أَحَدٍ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النَّفْيِ وَعَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْوَصْفِ وَأَنَّهَا لَا تُوضَعُ مَوْضِعَ وَاحِدٍ وَلَا تُوقَعُ مَوْقِعَهُ وَقَدْ أَجَازَهُ الْمُبَرِّدُ وَجَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا نَفْيٍ وَبِمَعْنًى وَاحِدٍ اه قَالَ الْفَاكِهِيُّ هَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا وَقَعَ لِلْقَاضِي مَعَ بَرَاعَتِهِ وَحِذْقِهِ فَإِنَّ الَّذِي قَالَهُ النُّحَاةُ إِنَّمَا هُوَ فِي أَحَدِ الَّتِي لِلْعُمُومِ نَحْوَ مَا فِي الدَّارِ مِنْ أَحَدٍ وَمَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٌ.
وَأَمَّا أَحَدٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِثْبَاتِ نَحْو قل هُوَ الله أحد وَنَحْو فشهادة أحدهم وَنَحْوُ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ مِنْكُمَا مِنْ تَائِبٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِرْشَادًا لَا أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا اعْتِرَافٌ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَكَذَبَ نَفْسَهُ كَانَتْ تَوْبَةً مِنْهُ



[ قــ :5026 ... غــ :5312] قَوْله سُفْيَان قَالَ عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ أَنْبَأَنَا عَمْرٌو فَذَكَرَهُ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو هَذَا كَلَامُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يُرِيدُ بَيَانَ سَمَاعِ سُفْيَانَ لَهُ مِنْ عَمْرٍو .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَيُّوبُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمُبْدَأِ بِهِ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ عِنْدَ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ أَيُّوب جَمِيعًا عَن بن عُمَرَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ وَحَدَّثَنَا أَيُّوبُ فِي مَجْلِسِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَحَدَّثَهُ عَمْرٌو بِحَدِيثِهِ هَذَا فَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ أَنْتَ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنِّي وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي الَّذِي قَبْلَهُ سَبَبَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ فِيهِ عِنْدَ عَمْرٍو مَا لَيْسَ عِنْدَ أَيُّوبَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ وَقَولُهُ وَفَرَّقَ سُفْيَانُ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَرَادَ بِهَا بَيَانَ الْكَيْفِيَّةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ بِذَلِكَ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَقَولُهُ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ هُوَ جَوَابُ السُّؤَالِ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ قَالَ عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنَ اللِّعَانِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَذِبِهِ التَّوْبَةُ مِنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ اللِّعَانِ تَحْذِيرًا لَهُمَا مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْلَى بِسِيَاقِ الْكَلَامِ.

قُلْتُ وَالَّذِي قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ أَوْلَى مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَشْرُوعِيَّةُ الْمَوْعِظَةِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ بَلْ هُوَ أَحْرَى مِمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ.
وَأَمَّا سِيَاق الْكَلَام فمحتمل فِي رِوَايَة بن عمر للأمرين وَأما حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَسِيَاقُهُ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ فَفِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ فَدَعَاهُمَا حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ فَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَقَالَ هِلَالٌ وَاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ قَدَّمْتُ أَنَّ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ فِي قِصَّةٍ غَيْرِ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وبن عمر فَيصح الْأَمْرَانِ مَعًا بِاعْتِبَار التَّعَدُّد