فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: كيف الحشر

( قَولُهُ بَابُ الْحَشْرِ)
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحَشْرُ الْجَمْعُ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ حَشْرَانِ فِي الدُّنْيَا وَحَشْرَانِ فِي الْآخِرَةِ فَالَّذِي فِي الدُّنْيَا أَحَدُهُمَا الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر وَالثَّانِي الْحَشْرُ الْمَذْكُورُ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رَفَعَهُ إِنَّ السَّاعَةَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَهُ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مَرْفُوعًا تَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ فَتَسُوقُ النَّاسَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تُرَحِّلُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ.

قُلْتُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَمَّا أَسْلَمَ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمُغْرِبِ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ فِي بَابِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْحَاكِمِ رَفَعَهُ تُبْعَثُ نَارٌ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ فَتَحْشُرُهُمْ إِلَى الْمُغْرِبِ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَيَكُونُ لَهَا مَا سَقَطَ مِنْهُمْ وَتَخَلَّفَ تَسُوقُهُمْ سَوْقَ الْجَمَلِ الْكَسِيرِ وَقَدْ أَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَظَهَرَ لِي فِي وَجْهِ الْجَمْعِ أَنَّ كَوْنَهَا تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ لَا يُنَافِي حَشْرَهَا النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمُغْرِبِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهَا مِنْ قَعْرِ عَدَنَ فَإِذَا خَرَجَتِ انْتَشَرَتْ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ إِرَادَةُ تَعْمِيمِ الْحَشْرِ لَا خُصُوصِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ أَنَّهَا بَعْدَ الِانْتِشَارِ أَوَّلَ مَا تَحْشُرُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِتَنِ دَائِمًا مِنَ الْمَشْرِقِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.
وَأَمَّا جَعْلُ الْغَايَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ فَلِأَنَّ الشَّامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِقِ مَغْرِبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ النَّارُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِتَنِ الْمُنْتَشِرَةِ الَّتِي أَثَارَتِ الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَالْتَهَبَتْ كَمَا تَلْتَهِبُ النَّارُ وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ حَتَّى خَرِبَ مُعْظَمُهُ وَانْحَشَرَ النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إِلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ كَمَا شوهد ذَلِك مرَارًا من الْمغل مِنْ عَهْدِ جَنْكِزْخَانْ وَمَنْ بَعْدَهُ وَالنَّارُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَشْرُ الثَّالِثُ حَشْرُ الْأَمْوَاتِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَغَيْرُهَا بَعْدَ الْبَعْثِ جَمِيعًا إِلَى الْمَوْقِفِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَالرَّابِعُ حَشْرُهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ انْتَهَى مُلَخَّصًا بِزِيَادَاتٍ.

قُلْتُ الْأَوَّلُ لَيْسَ حَشْرًا مُسْتَقِلًّا فَإِنَّ الْمُرَادَ حَشْرُ كُلِّ مَوْجُودٍ يَوْمئِذٍ وَالْأَوَّلُ إِنَّمَا وَقَعَ لِفِرْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُهُ مِرَارًا تَخْرُجُ طَائِفَةٌ مِنْ بَلَدِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا إِلَى جِهَةِ الشَّامِ كَمَا وَقَعَ لِبَنِي أُمَيَّةَ أول مَا تولى بن الزُّبَيْرِ الْخِلَافَةَ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ وَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ أَحَدٌ حَشْرًا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6184 ... غــ :6522] .

     قَوْلُهُ  وهيب بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن خَالِد وبن طَاوُسٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ .

     قَوْلُهُ  عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ وَالطَّرَائِقُ جَمْعُ طَرِيقٍ وَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ .

     قَوْلُهُ  رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ رَاهِبِينَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى .

     قَوْلُهُ  وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ ثَلَاثَةُ عَلَى بَعِيرٍ أَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ عَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ كَذَا فِيهِ بِالْوَاوِ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِالْوَاوِ فِي الْجَمِيعِ وَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ .

     قَوْلُهُ  وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ هَذِهِ هِيَ النَّارُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ فِيهِ ذِكْرُ الْآيَاتِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَفِيهِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تُرَحِّلُ النَّاسَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى حَشْرِهِمْ .

     قَوْلُهُ  تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا إِلَخْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُلَازَمَةِ النَّارِ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَصِلُوا إِلَى مَكَانِ الْحَشْرِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَشْرُ يَكُونُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ أَحْيَاءً إِلَى الشَّامِ.
وَأَمَّا الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى الْمَوْقِفِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَى الْإِبِلِ وَالتَّعَاقُبِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هُوَ على مَا ورد فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً قَالَ وَقَولُهُ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَعْتَقِبُونَ الْبَعِيرَ الْوَاحِدَ يَرْكَبُ بَعْضٌ وَيَمْشِي بَعْضٌ.

قُلْتُ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ إِلَى الْعَشَرَةِ إِيجَازًا وَاكْتِفَاءً بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَعْدَادِ مَعَ أَنَّ الِاعْتِقَابَ لَيْسَ مَجْزُومًا بِهِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ فِي الْبَعِيرِ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى حَمْلِ الْعَشَرَةِ وَمَالَ الْحَلِيمِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَشْرَ يَكُونُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخَالف حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ بَعْدَ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَشْرَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّشْرِ لِاتِّصَالِهِ بِهِ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْخَلْقِ مِنَ الْقُبُورِ حُفَاةً عُرَاةً فَيُسَاقُونَ وَيُجْمَعُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ لِلْحِسَابِ فَحِينَئِذٍ يُحْشَرُ الْمُتَّقُونَ رُكْبَانًا عَلَى الْإِبِلِ وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُور بِالْوَصْفِ الَّذِي فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ ثُمَّ يَفْتَرِقُ حَالُهُمْ مِنْ ثَمَّ إِلَى الْمَوْقِفِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْوَاجٍ فَوْجٍ طَاعِمِينِ كَاسِينَ رَاكِبِينَ وَفَوْجٍ يَمْشُونَ وَفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ الْحَدِيثَ وَصَوَّبَ عِيَاضٌ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَقَوَّاهُ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَبِقَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ تَقِيلُ مَعَهُمْ وَتَبِيتُ وَتُصْبِحُ وَتُمْسِي فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مُخْتَصَّةٌ بِالدُّنْيَا.

     وَقَالَ  بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ حَمْلُهُ عَلَى الْحَشْرِ مِنَ الْقُبُورِ أَقْوَى مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْحَشْرَ إِذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْحَشْرُ مِنَ الْقُبُورِ مَا لَمْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ ثَانِيهَا أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِي الْخَبَرِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْحَشْرِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ لِأَنَّ الْمُهَاجِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا أَوْ جَامِعًا بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاغِبًا رَاهِبًا فَقَطْ وَتَكُونُ هَذِهِ طَرِيقَةً وَاحِدَةً لَا ثَانِيَ لَهَا مِنْ جِنْسِهَا فَلَا ثَالِثُهَا حَشْرُ الْبَقِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَإِلْجَاءُ النَّارِ لَهُمْ إِلَى تِلْكَ الْجِهَةِ وَمُلَازَمَتُهَا حَتَّى لَا تُفَارِقَهُمْ قَوْلٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ التَّوْقِيفُ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ بِتَسْلِيطِ النَّارِ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَهْلِ الشَّنْوَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ رَابِعُهَا أَنَّ الْحَدِيثَ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَقَدْ وَقَعَ فِي الْحِسَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ثَلَاثًا عَلَى الدَّوَابِّ وَثَلَاثًا يَنْسِلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَثَلَاثًا عَلَى وُجُوهِهِمْ قَالَ وَنَرَى أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظِيرُ التَّقْسِيمِ الَّذِي وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وكنتم ازواجا ثَلَاثَة الْآيَاتِ فَ.

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ يُرِيدُ بِهِ عَوَامَّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ مَنْ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَيَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ يَخَافُونَ عَاقِبَةَ سَيِّئَاتِهِمْ وَيَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ بِإِيمَانِهِمْ وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَقَولُهُ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ السَّابِقِينَ وَهُمْ أَفَاضِلُ الْمُؤْمِنِينَ يُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَقَوله وتحشر بَقِيَّتهمْ النَّار يُرِيد بِهِ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَرُكُوبُ السَّابِقِينَ فِي الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ دَفْعَةً وَاحِدَةً تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْبَعِيرَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ مِنْ بَدَائِعِ فِطْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَقْوَى عَلَى مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ الْبُعْرَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّعَاقُبُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنِ الْوَاحِدِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ لِمَنْ فَوْقَهُمْ فِي الْمَرْتَبَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ لِيَقَعَ الِامْتِيَازُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَمَنْ دُونَهُ مِنَ السَّابِقِينَ فِي الْمَرَاكِبِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَرَاتِبِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ وَرَجَّحَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَأَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ ثَابِتٌ فَقَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ وُقُوعُ الْحَشْرِ فِي الدُّنْيَا إِلَى جِهَةِ الشَّامِ وَذَكَرَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الَّذِي نَبَّهْتُ عَلَيْهِ قَبْلُ وَحَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ جَدِّ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ رَفَعَهُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَتَجُرُونَ عَلَى وُجُوهكُمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَحَدِيثَ سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ وَتَنْحَازُ النَّاسُ إِلَى مُهَاجَرِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ إِلَّا شِرَارُهَا تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَأَضَعَنَّ عَلَيْكِ عَرْشِي وَلَأَحْشُرَنَّ عَلَيْكِ خَلْقِي وَفِي تَفْسِير بن عُيَيْنَة عَن بن عَبَّاس من شكّ ان الْمَحْشَر هَا هُنَا يَعْنِي الشَّامَ فَلْيَقْرَأْ أَوَّلَ سُورَةِ الْحَشْرِ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ اخْرُجُوا قَالُوا إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَحَدِيثَ سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ ثُمَّ حَكَى خِلَافًا هَلِ الْمُرَادُ بِالنَّارِ نَارٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفِتْنَةِ الشَّدِيدَةِ كَمَا يُقَالُ نَارُ الْحَرْبِ لِشِدَّةِ مَا يَقَعُ فِي الْحَرْبِ قَالَ تَعَالَى كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّارِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَارَ الْآخِرَةِ وَلَوْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الَّذِي زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ لَقِيلَ تَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ إِلَى النَّارِ وَقَدْ أَضَافَ الْحَشْرَ إِلَى النَّارِ لَكَوْنِهَا هِيَ الَّتِي تَحْشُرُهُمْ وَتَخْتَطِفُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وعَلى تَقْدِير أَن تكون النَّار كِنَايَة عَن الْفِتْنَةِ فَنِسْبَةُ الْحَشْرِ إِلَيْهَا سَبَبِيَّةٌ كَأَنَّهَا تَفْشُو فِي كُلِّ جِهَةٍ وَتَكُونُ فِي جِهَةِ الشَّامِ أَخَفَّ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا فَكُلُّ مَنْ عَرَفَ ازْدِيَادَهَا فِي الْجِهَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا أَحَبَّ التَّحَوُّلَ مِنْهَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ شَدِيدَةً فَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى الرَّحِيلِ إِلَى الشَّامِ وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْأَمْرَيْنِ وَإِطْلَاقُ النَّارِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ وَعَلَى الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ الْفِتْنَةُ إِذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَيُؤَيِّدُ الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ وَالْجَوَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الثَّانِي أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِي آيَاتِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ وَرَدَ عَلَى الْقَصْدِ مِنَ الْخَلَاصِ مِنَ الْفِتْنَةِ فَمَنِ اغْتَنَمَ الْفُرْصَةَ سَارَ عَلَى فُسْحَةٍ مِنَ الظَّهْرِ وَيَسَرَةٍ فِي الزَّادِ رَاغِبًا فِيمَا يَسْتَقْبِلُهُ رَاهِبًا فِيمَا يَسْتَدْبِرُهُ وَهَؤُلَاءِ هُمُ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ فِي الْحَدِيثِ وَمَنْ تَوَانِي حَتَّى قَلَّ الظَّهْرُ وَضَاقَ عَنْ أَنْ يَسْعَهُمْ لِرُكُوبِهِمُ اشْتَرَكُوا وَرَكِبُوا عَقِبَهُ فَيَحْصُلُ اشْتِرَاكُ الِاثْنَيْنِ فِي الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ وَكَذَا الثَّلَاثَةُ وَيُمْكِنُهُمْ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فِي الْوَاحِدِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمُ التَّعَاقُبُ وَقَدْ يُمْكِنُهُمْ إِذَا كَانُوا خِفَافًا أَوْ أَطْفَالًا.
وَأَمَّا الْعَشَرَةُ فَبِالتَّعَاقُبِ وَسَكَتَ عَمَّا فَوْقَهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْمُنْتَهَى فِي ذَلِكَ وَعَمَّا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا وَهَؤُلَاءِ هُمُ الصِّنْفُ الثَّانِي فِي الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّالِثُ فَعَبِّرْ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ تَحْصِيلِ مَا يَرْكَبُونَهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ حَالِهِمْ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ يَمْشُونَ أَوْ يُسْحَبُونَ فِرَارًا مِنَ النَّارِ الَّتِي تَحْشُرُهُمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُعْتَرِضِ وَفِيهِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَن السَّبَب فِي مشي الْمَذْكُورين فَقَالَ يلقى الله الآفة على الظّهْر حَتَّى لَا يبْقى ذَاتُ ظَهْرٍ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيُعْطَى الْحَدِيقَةَ الْمُعْجَبَةَ بِالشَّارِفِ ذَاتَ الْقَتَبِ أَيْ يَشْتَرِي النَّاقَةَ الْمُسِنَّ لِأَجْلِ كَوْنِهَا تَحْمِلُهُ عَلَى الْقَتَبِ بِالْبُسْتَانِ الْكَرِيمِ لِهَوَانِ الْعَقَارِ الَّذِي عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ عَنْهُ وَعِزَّةِ الظَّهْرِ الَّذِي يُوصِلُهُ إِلَى مَقْصُودِهِ وَهَذَا لَائِقٌ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا وَمُؤَكِّدٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَيَتَنَزَّلُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي مِنَ الْمَصَابِيحِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَوْجٌ طَاعِمِينِ كَاسِينَ رَاكِبِينَ مُوَافِقٌ لِقولِهِ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَقَولُهُ وَفَوْجٌ يَمْشُونَ مُوَافِقٌ لِلصِّنْفِ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ عَلَى الْبَعِيرِ فَإِنَّ صِفَةَ الْمَشْيِ لَازِمَةٌ لَهُمْ.
وَأَمَّا الصِّنْفُ الَّذِينَ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ فَهُمُ الَّذِينَ تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجَوَابُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ الثَّالِثِ أَنَّهُ تَبَيَّنَ مِنْ شَوَاهِدِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّارِ نَارَ الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا هِيَ نَارٌ تَخْرُجُ فِي الدُّنْيَا أَنْذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهَا وَذَكَرَ كَيْفِيَّةَ مَا تَفْعَلُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الرَّابِعِ أَنَّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة عَليّ بن زَيْدٍ مَعَ ضَعْفِهِ لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي لَفْظِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا لَا بَعْدَ الْبَعْثِ فِي الْحَشْرِ إِلَى الْمَوْقِفِ إِذْ لَا حَدِيقَةَ هُنَاكَ وَلَا آفَةَ تُلْقَى عَلَى الظَّهْرِ حَتَّى يعز ويقل وَوَقع فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ لَا عِوَجَ فِيهَا وَلَا أَكَمَةَ وَلَا حَدَبَ وَلَا شَوْكَ وَأَشَارَ الطِّيبِيُّ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ الَّذِي مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَلَى مَنْ يُحْشَرُ مِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى مَكَانِ الِاسْتِقْرَارِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالرُّكْبَانِ السَّابِقِينَ الْمُتَّقِينَ وَهُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا أَيْ رُكْبَانًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ مَرْيَمَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ مَا يُحْشَرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ وَلَا يُسَاقُونَ سَوْقًا وَلَكِنْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ تَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ وَأَزِمَّتُهَا الزَّبَرْجَدُ فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ وَالْمُرَادُ سَوْقُ رَكَائِبِهِمْ إِسْرَاعًا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْكَرَامَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْعَادَةِ بِمَنْ يَشْرُفُ وَيَكْرُمُ مِنَ الْوَافِدِينَ عَلَى الْمُلُوكِ قَالَ وَيُسْتَبْعَدُ أَنْ يُقَالَ يَجِيءُ وَفْدُ اللَّهِ عَشْرٌ عَلَى بَعِيرٍ جَمِيعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ حَالَ الْمَحْشُورِينَ عِنْدَ انْقِرَاضِ الدُّنْيَا إِلَى جِهَةِ أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَحَالُ الْمَحْشُورِينَ فِي الْأُخْرَى إِلَى مَحِلِّ الِاسْتِقْرَارِ انْتَهَى كَلَامُ الطَّيِّبِيِّ عَنْ جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا بِزِيَادَاتٍ فِيهِ لَكِنْ تَقَدَّمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ لَيْسَ فِي الْمَحْشُورِينَ مِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى مَحِلِّ الِاسْتِقْرَارِ ثُمَّ خَتَمَ كَلَامَهُ بِأَنْ قَالَ هَذَا مَا سَنَحَ لِي عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْمَحْشَرِ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ فَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ.

قُلْتُ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ على لفظ يَوْم الْقِيَامَة لافي صَحِيحِهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ فِيهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَعَمْ ثَبَتَ لَفْظُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ قَبْلُ وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْقُبُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِمَا وَقَعَ فِيهِ أَنَّ الظَّهْرَ يَقِلُّ لِمَا يُلْقَى عَلَيْهِ مِنَ الْآفَةِ وَأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي الشَّارِفَ الْوَاحِدَ بِالْحَدِيقَةِ الْمُعْجَبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي أَنَّهُ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَا بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَقَدْ أَبْدَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ احْتِمَالَيْنِ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  رَاغِبِينَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الْأَبْرَارِ وَقَولُهُ رَاهِبِينَ إِشَارَةً إِلَى الْمُخَلَّطِينَ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالَّذِينَ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ هُمُ الْكُفَّارُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ حَذَفَ ذِكْرَ قَوْلِهِ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ صِفَتَانِ لِلصِّنْفَيْنِ الْأَبْرَارِ وَالْمُخَلَّطِينَ وَكِلَاهُمَا يُحْشَرُ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ إِلَخْ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ حَشْرِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْفَوْجِ الْأَوَّلِ الْأَبْرَارَ وَبِالْفَوْجِ الثَّانِي الَّذِينَ خَلَّطُوا فَيَكُونُونَ مُشَاةً وَالْأَبْرَارُ رُكْبَانًا وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْكُفَّارِ أَعْيَا مِنْ بَعْضٍ فَأُولَئِكَ يُسْحَبُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَمَنْ دُونَهُمْ يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ مَعَ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْفُسَّاقِ وَقْتَ حَشْرِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ.
وَأَمَّا الظَّهْرُ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُحْيِهِ اللَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنَ الدَّوَابِّ فَيَرْكَبُهَا الْأَبْرَارُ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ وَيُلْقِي اللَّهُ الْآفَةَ عَلَى بَقِيَّتِهَا حَتَّى يَبْقَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُخَلَّطِينَ بِلَا ظَهْرٍ.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيُعْطِيَ الْحَدِيقَةَ الْمُعْجَبَةَ بِالشَّارِفِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ لِلَّذِينَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ عُرَاةً حُفَاةً حَدَائِقَ حَتَّى يَدْفَعُوهَا فِي الشَّوَارِفِ فَالرَّاجِحُ مَا تَقَدَّمَ وَكَذَا يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَحْتَاجَ مَنْ يُسَاقُ مِنَ الْمَوْقِفِ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَى التَّعَاقُبِ عَلَى الْأَبْعِرَةِ فَرَجَحَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :6185 ... غــ :653] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَيُونُسُ هُوَ الْمُؤَدِّبُ وشيبان هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ حُذِفَ أَدَاتُهُ وَوَقَعَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ كَيْفَ يُحْشَرُ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَالْكَافِرُ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى الَّذِينَ يحشرون على وُجُوههم إِلَى جَهَنَّم الْآيَةَ وَقَولُهُ تَعَالَى وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوههم عميا الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ كَيْفَ يُحْشَرُ أَهْلُ النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ .

     قَوْلُهُ  أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ إِلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْيِ حَقِيقَتُهُ فَلِذَلِكَ اسْتَغْرَبُوهُ حَتَّى سَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ مَثَلٌ وَأَنَّهُ كَقَوْلِهِ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أهْدى أَمن يمشي سويا قَالَ مُجَاهِدٌ هَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ.

قُلْتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى فَالْجَوَابُ الصَّادِرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ الْمَشْيِ عَلَى حَقِيقَتِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَتَادَةُ بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَالْحِكْمَةُ فِي حَشْرِ الْكَافِرِ عَلَى وَجْهِهِ أَنَّهُ عُوقِبَ عَلَى عَدَمِ السُّجُودِ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُسْحَبَ عَلَى وَجْهِهِ فِي الْقِيَامَةِ إِظْهَارًا لِهَوَانِهِ بِحَيْثُ صَارَ وَجْهُهُ مَكَانَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ فِي التَّوَقِّي عَنِ الْمُؤْذِيَاتِ الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير





[ قــ :6186 ... غــ :654] قَوْله على هُوَ بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَمْرٌو الْقَائِلُ هُوَ سُفْيَانُ وَحَاكِي ذَلِكَ عَنْهُ هُوَ عَلِيٌّ وَكَانَ سُفْيَانُ كَثِيرًا مَا يَحْذِفُ الصِّيغَةَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى اسْمِ الرَّاوِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَدَقَةَ الَّتِي بَعْدَهَا عَنْ عَمْرٍو وَكَذَا لِمُسْلِمٍ عَنْ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَن سُفْيَان وَعَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ قُتَيْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِيرَاده لرِوَايَة قُتَيْبَةَ بَعْدَ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ .

     قَوْلُهُ  إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّهِ أَيْ فِي الْمَوْقِفِ بَعْدَ الْبَعْثِ .

     قَوْلُهُ  حُفَاةً بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ جَمْعُ حَافٍ أَيْ بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ وَقَولُهُ مُشَاةً لَمْ أَرَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ هُنَا مُشَاةً وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  عَلَى الْمِنْبَرِ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ





[ قــ :6187 ... غــ :655] قَالَ سُفْيَانُ إِلَخْ هُوَ مَوْصُولٌ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُعَلَّقٌ عَنْ سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  هَذَا مِمَّا نَعُدُّ أَنَّ بن عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ بن عَبَّاسٍ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ لَكِنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يُرْسِلُ مَا يَسْمَعُهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَذْكُرُ الْوَاسِطَةَ وَتَارَةً يَذْكُرُهُ بِاسْمِهِ وَتَارَةً مُبْهَمًا كَقَوْلِهِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ أَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ فَأَمَّا مَا صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ لَهُ فَقَلِيلٌ وَلِهَذَا كَانُوا يَعْتَنُونَ بَعْدَهُ فَجَاءَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي صَرَّحَ بن عَبَّاسٍ بِسَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةٌ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَنِ تِسْعَةٌ وَأَغْرَبَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَلَّدَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ تَأَخَّرُوا عَنْهُ فَقَالَ لم يسمع بن عَبَّاسٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ.

     وَقَالَ  بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْعِشْرِينَ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ.

قُلْتُ وَقَدِ اعْتَنَيْتُ بِجَمْعِهَا فَزَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ صَحِيحٍ وَحَسْنٍ خَارِجًا عَنِ الضَّعِيفِ وَزَائِدًا أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ فِي حُكْمِ السَّمَاعِ كَحِكَايَتِهِ حُضُورَ شَيْءٍ فُعِلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ الْتَبَسَ عَلَيْهِ مَا قَالُوا أَن أَبَا الْعَالِيَة سَمعه من بن عَبَّاس وَقيل خَمْسَة وَقيل أَرْبَعَة





[ قــ :6188 ... غــ :656] .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَقَعَ لِمُسْلِمٍ بَدَلَ قَوْلِهِ يَخْطُبُ بِمَوْعِظَةٍ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ هُنَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ انكم زَاد بن الْمُثَنَّى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ .

     قَوْلُهُ  تُحْشَرُونَ فِي رِوَايَة الْكشميهني مَحْشُورُونَ وَهِي رِوَايَة بن الْمُثَنَّى .

     قَوْلُهُ  حُفَاةً لَمْ يَقَعْ فِيهِ أَيْضًا مُشَاةً .

     قَوْلُهُ  عُرَاةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا.

     وَقَالَ  سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحْشَرُ عَارِيًا وَبَعْضَهُمْ كَاسِيًا أَوْ يُحْشَرُونَ كُلُّهُمْ عُرَاةً ثُمَّ يُكْسَى الْأَنْبِيَاءُ فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ بِالثِّيَابِ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا ثُمَّ تَتَنَاثَرُ عَنْهُمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْحَشْرِ فَيُحْشَرُونَ عُرَاةً ثُمَّ يَكُونُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمَ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُزَمَّلُوا فِي ثِيَابِهِمْ وَيُدْفَنُوا فِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعَهُ فِي الشَّهِيدِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَمِمَّنْ حَمَلَهُ على عُمُومه معَاذ بن جبل فَأخْرج بن أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ دَفَنَّا أُمَّ مُعَاذَ بْنِ جَبَلٍ فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِّنَتْ فِي ثِيَابٍ جُدُدٍ.

     وَقَالَ  أَحْسِنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ فِيهَا قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْعَمَلِ وَإِطْلَاقِ الثِّيَابِ عَلَى الْعَمَلِ وَقَعَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير وَقَوله تَعَالَى وثيابك فطهر عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ قَالَ مَعْنَاهُ وَعَمَلَكَ فَأَخْلِصْهُ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ رَفَعَهُ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ الْحَمْلَ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وَقَوله تَعَالَى كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِذِكْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ حُفَاةً عُرَاةً قَالَ فَيُحْمَلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ بِثِيَابِهِمْ فَيُبْعَثُونَ فِيهَا تَمْيِيزًا لَهُمْ عَن غَيرهم وَقد نَقله بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إِنَّ الْمَلَابِسَ فِي الدُّنْيَا أَمْوَالٌ وَلَا مَالَ فِي الْآخِرَةِ مِمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا وَلِأَنَّ الَّذِي يَقِي النَّفْسَ مِمَّا تَكْرَهُ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابٌ بِحُسْنِ عَمَلِهَا أَوْ رَحْمَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنَ اللَّهِ.
وَأَمَّا مَلَابِسُ الدُّنْيَا فَلَا تُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إِلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَوْرَدَهُ بِزِيَادَةٍ لَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلًا وَهِيَ فَإِنَّ أُمَّتِي تُحْشَرُ فِي أَكْفَانِهَا وَسَائِرُ الْأُمَمِ عُرَاةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الشُّهَدَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ حَتَّى لَا تَتَنَاقَضَ الْأَخْبَارُ .

     قَوْلُهُ  غُرْلًا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الْأَقْلَفُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ مَنْ بَقِيَتْ غُرْلَتُهُ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ مِنَ الذَّكَرِ قَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ لَا تَلْتَقِي اللَّامُ مَعَ الرَّاءِ فِي كَلِمَةٍ إِلَّا فِي أَرْبَعٍ أُرُلٌ اسْمُ جَبَلٍ وَوَرَلٌ اسْمُ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ وَحَرَلٌ ضَرْبٌ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْغُرْلَةِ وَاسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ كَلِمَتَانِ هَرَلٌ وَلَدُ الزَّوْجَةِ وَبَرَلٌ الدِّيكُ الَّذِي يَسْتَدِيرُ بعنقه والستة حوشية الا الغرلة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ يُحْشَرُ الْآدَمِيُّ عَارِيًا وَلِكُلٍّ مِنَ الْأَعْضَاءِ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ وُلِدَ فَمَنْ قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ يُرَدُّ حَتَّى الْأَقْلَفُ.

     وَقَالَ  أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ حَشَفَةُ الْأَقْلَفِ مُوَقَّاةٌ بِالْقُلْفَةِ فَتَكُونُ أَرَقَّ فَلَمَّا أَزَالُوا تِلْكَ الْقِطْعَةَ فِي الدُّنْيَا أَعَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيُذِيقَهَا مِنْ حَلَاوَةِ فَضْلِهِ .

     قَوْلُهُ  كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نعيده الْآيَة سَاق بن الْمثنى الْآيَة كلهَا إِلَى قَوْله فاعلين وَمثله كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ وَمِنْهُ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مرّة وَوَقع فِي حَدِيث أم سَلمَة عِنْد بن أَبِي الدُّنْيَا يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً كَمَا بدأوا .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَلَائِقِ مَنْ عَدَا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَدْخُلْ هُوَ فِي عُمُومِ خِطَابِ نَفْسِهِ.
وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي التَّذْكِرَةِ فَقَالَ هَذَا حَسَنٌ لَوْلَا مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ يَعْنِي الَّذِي أخرجه بن الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِبْطِيَّتَيْنِ ثُمَّ يُكْسَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً حِبَرَةً عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.

قُلْتُ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مطولا مَرْفُوعا واخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنَ الْجَنَّةِ إِبْرَاهِيمُ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ وَيُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ثُمَّ يُؤْتَى بِي فَأُكْسَى حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ لَا يَقُومُ لَهَا الْبَشَرُ ثُمَّ يُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَفِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَلَا أَرَى خَلِيلِي عُرْيَانًا فَيُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ثَوْبًا أَبْيَضَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى أَنَّهُ جُرِّدَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اسْتَنَّ التَّسَتُّرَ بِالسَّرَاوِيلِ وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ أَخْوَفُ لِلَّهِ مِنْهُ فَعُجِّلَتْ لَهُ الْكِسْوَةُ أَمَانًا لَهُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْحَلِيمِيِّ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقُرْطُبِيّ قلت وَقد اخْرُج بن مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ حَيْدَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ رَفَعَهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ اللَّهُ اكْسُوَا خَلِيلِي لِيَعْلَمَ النَّاسُ الْيَوْمَ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُطْلَقًا وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَالْحُلَّةُ الَّتِي يُكْسَاهَا حِينَئِذٍ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ خُلْعَةُ الْكَرَامَةِ بِقَرِينَةِ إِجْلَاسِهِ عَلَى الْكُرْسِيِّ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ فَتَكُونُ أَوَّلِيَّةُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْكِسْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْخَلْقِ وَأَجَابَ الْحَلِيمِيُّ بِأَنَّهُ يُكْسَى أَوَّلًا ثُمَّ يُكْسَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ لَكِنَّ حُلَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى وَأَكْمَلُ فَتَجْبُرُ نَفَاسَتُهَا مَا فَاتَ مِنَ الْأَوَّلِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أَيْ إِلَى جِهَةِ النَّارِ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ النَّارِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ فَإِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفَتْهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقُلْتُ إِلَى أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ الْحَدِيثَ وَبَيَّنَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَوْضِعَ وَلَفْظُهُ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتَلَجُوا دُونِي الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ .

     قَوْلُهُ  فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَلَأَقُولَنَّ وَفِي رِوَايَةِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ أُصَيْحَابِي بِالتَّصْغِيرِ وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَؤُلَاءِ .

     قَوْلُهُ  فَيَقُولُ اللَّهُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا أَيْ بُعْدًا بُعْدًا وَالتَّأْكِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي بَابِ صِفَةِ النَّارِ أَيْضًا فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فَلَا أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَفَعَهُ لَيَرِدَنَّ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِمَّنْ صَحِبَنِي وَرَآنِي وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ وَزَادَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ لَسْتَ مِنْهُمْ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا إِلَى قَوْله الْحَكِيم كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ زِيَادَةُ مَا دُمْتُ فِيهِمْ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَنْ يَزَالُوا وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ مَرْيَمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْفَرَبْرِيُّ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي حَتَّى قُتِلُوا وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الاعراب مِمَّن لانصرة لَهُ فِي الدِّينِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ وَيَدُلُّ .

     قَوْلُهُ  أُصَيْحَابِي بِالتَّصْغِيرِ عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُرَادُ بِأُمَّتِي أَمَّةُ الدَّعْوَةِ لَا أَمَّةُ الْإِجَابَةِ وَرُجِّحَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَقُولُ بُعْدًا لَهُمْ وَسُحْقًا وَيُؤَيِّدُهُ كَوْنُهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَالُهُمْ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لَعَرَفَ حَالَهُمْ بِكَوْنِ أَعْمَالِهِمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ وَهَذَا يَرُدُّهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَنَسٍ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة.

     وَقَالَ  بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ وَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَالْبِدَعِ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ قِيلَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَّةِ فَيُنَادِيهِمْ مِنْ أَجْلِ السِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ أَيْ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى ظَاهِرِ مَا فَارَقْتَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا فَيَذْهَبُ عَنْهُمُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَيُطْفَأُ نُورُهُمْ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِمُ السِّيمَا بَلْ يُنَادِيهِمْ لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ إِسْلَامِهِمْ وَقِيلَ هُمْ أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ وَالْبِدَعِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُقْطَعُ بِدُخُولِ هَؤُلَاءِ النَّارَ لِجَوَازِ أَنْ يُذَادُوا عَنِ الْحَوْضِ أَوَّلًا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يُرْحَمُوا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ فَعَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا سَوَاءٌ كَانُوا فِي زَمَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَرَجَّحَ عِيَاضٌ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَا قَالَ قَبِيصَةُ رَاوِي الْخَبَرِ إِنَّهُمْ مَنِ ارْتَدَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمُ السِّيمَا لِأَنَّهَا كَرَامَةٌ يَظْهَرُ بِهَا عَمَلُ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدُّ قَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ فَقَدْ يَكُونُ عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لَا بِصِفَتِهِمْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِمْ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَعْرِفُ أَعْيَانَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تِلْكَ السِّيمَا فَمَنْ عَرَفَ صُورَتَهُ نَادَاهُ مُسْتَصْحِبًا لِحَالِهِ الَّتِي فَارَقَهُ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا.
وَأَمَّا دُخُولُ أَصْحَابِ الْبِدَعِ فِي ذَلِكَ فَاسْتُبْعِدَ لِتَعْبِيرِهِ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ أَصْحَابِي وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ إِنَّمَا حَدَثُوا بَعْدَهُ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الصُّحْبَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَاسْتُبْعِدَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَدِعًا سُحْقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ عَلَى مَعْصِيَةٍ ثُمَّ يَنْجُو بِالشَّفَاعَةِ فَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  سُحْقًا تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ مَعَ بَقَاءِ الرَّجَاءِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ لَيْسَ .

     قَوْلُهُ  مُرْتَدِّينَ نَصًّا فِي كَوْنِهِمُ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ عُصَاةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُرْتَدُّونَ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ يُبَدِّلُونَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِالسَّيِّئَةِ انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذكر حَدِيثًا فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَإِذَا جِئْتُمْ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ.

     وَقَالَ  آخر أَنا فلَان بن فُلَانٍ فَأَقُولُ أَمَّا النَّسَبُ فَقَدْ عَرَفْتُهُ وَلَعَلَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ بَعْدِي وَارْتَدَدْتُمْ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَسَأَذْكُرُ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ النَّارِ مَا يُحْتَاجُ إِلَى شَرْحِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْرَّابِعُ





[ قــ :6189 ... غــ :657] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ هُوَ الْقُشَيْرِيُّ يُكَنَّى أَبَا يُونُسَ وَأَبُوهُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَزْنُ كَبِيرَةٍ وَضِدُّهَا وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً كَذَا فِيهِ أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ مُشَاةً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ عُرَاةً حُفَاةً غُرْلًا بُهْمًا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ قُلْنَا وَمَا بُهْمًا قَالَ لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ وَوَقَعَ عِنْد بن مَاجَهْ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ عَنْ حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ عَنْ عَائِشَةَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ حُفَاةً عُرَاةً وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ سَنَدُهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَلَمْ يَسُقِ الْمَتْنَ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ يَدْخُلْنَ فِي الضَّمِيرِ الْمُذَكَّرِ الْآتِي بِالْوَاوِ وَكَأَنَّهُ بِالتَّغْلِيبِ كَمَا فِي قَوْلِهَا بَعْضُهُمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ حُفَاةً عُرَاةً.

قُلْتُ وَالنِّسَاءُ قَالَ وَالنِّسَاءُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَلِكَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ يُقَالُ أَهَمَّهُ الْأَمر وَجوز بن التِّينِ فَتْحَ أَوَّلِهِ وَضَمَّ ثَانِيهِ مِنْ هَمَّهُ الشَّيْءُ إِذَا آذَاهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حَاتِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ يَا عَائِشُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.

قُلْتُ يَا رَسُول الله فَمَا نستحي قَالَ يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَهَمُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَلِلنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالْعَوْرَاتِ قَالَ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَظِيِّ قَرَأَتْ عَائِشَةُ وَلَقَدْ جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة فَقَالَت واسوأتاه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يُحْشَرُونَ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سوأة بَعْضٍ فَقَالَ لِكُلِّ امْرِئٍ الْآيَةَ وَزَادَ لَا يَنْظُرُ الرِّجَالُ إِلَى النِّسَاءِ وَلَا النِّسَاءُ إِلَى الرِّجَالِ شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ سَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُحْشَرُ النَّاسُ قَالَ حُفَاةً عُرَاةً قَالَتْ وَاسَوْأَتَاهْ قَالَ قَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ لَا يَضُرُّكِ كَانَ عَلَيْك ثِيَاب اولا لِكُلِّ امْرِئٍ الْآيَةَ وَفِي حَدِيثِ سَوْدَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ نَحْوُهُ أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ عَطاء بن يسَار عَنْهَا وَأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بَدَلَ سَوْدَةَ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ





[ قــ :6190 ... غــ :658] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَمُحَمّد بن بشار شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ كِلَاهُمَا عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ صَرَّحَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِسَمَاعِهِ مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَسَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ .

     قَوْلُهُ  عَن عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ الْمَذْكُورَةِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَفِي رِوَايَةِ يُوسُفَ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضِيفٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانِيٍّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَسْنَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِمِنًى إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ .

     قَوْلُهُ  أَتَرْضَوْنَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ إِذْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَلَا تَرْضَوْنَ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ أَلَيْسَ تَرْضَوْنَ وَفِي رِوَايَة مَالك بن مغول اتحبون قَالَ بن التِّينِ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِإِرَادَةِ تَقْرِيرِ الْبِشَارَةِ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ بِالتَّدْرِيجِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِسُرُورِهِمْ .

     قَوْلُهُ  قُلْنَا نَعَمْ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ قَالُوا بَلَى وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَكَبَّرْنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَزَاد فحمدنا وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَفَرِحُوا وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَبْشَرُوا بِمَا بَشَّرَهُمْ بِهِ فَحَمِدُوا اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ الْعُظْمَى وَكَبَّرُوهُ اسْتِعْظَامًا لِنِعْمَتِهِ بَعْدَ اسْتِعْظَامِهِمْ لِنِقْمَتِهِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَإِسْرَائِيلَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ.

     وَقَالَ  نِصْفَ بَدَلَ شَطْرَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إِنِّي لَأَطْمَعُ بَدَلَ لَأَرْجُو وَوَقَعَ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَن بن عَبَّاسٍ فِي نَحْوِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَلْ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ الْكَلْبِيَّ وَاهٍ وَلَكِنْ اخْرُج احْمَد وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخَرِينَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ فَنَزَلَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخَرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَلْ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَلْ أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتُقَاسِمُونَهُمْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَنْتُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ ثُلُثُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ ثُلُثًا أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ مُرْسَلِ مُجَاهِدٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْكَلْبِيِّ وَفِيهِ مَعَ إِرْسَالِهِ أَبُو حُذَيْفَةَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ أُمَّتِي مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيث بن مَسْعُودٍ بِنَحْوِهِ وَأَتَمُّ مِنْهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْكَلْبِيِّ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَا رَحْمَةَ رَبِّهِ أَنْ تَكُونَ أُمَّتُهُ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَعْطَاهُ مَا ارْتَجَاهُ وَزَادَهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبك فترضى .

     قَوْلُهُ  وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ مَا أَنْتُمْ فِيمَا سِوَاكُمْ مِنَ الْأُمَمِ .

     قَوْلُهُ  كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ لَكِنْ قَدَّمَ السَّوْدَاءَ عَلَى الْبَيْضَاءِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ الْأَبْيَضِ بَدَلَ الْأَحْمَرِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الْأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ أَوْ كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ قَالَ بن التِّينِ أَطْلَقَ الشَّعْرَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْوَحْدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ثَوْرٌ لَيْسَ فِي جِلْدِهِ غَيْرُ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ وَالرَّقْمَةُ قِطْعَةٌ بَيْضَاءُ تَكُونُ فِي بَاطِنِ عُضْوِ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَتَكُونُ فِي قَوَائِمِ الشَّاةِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ الرَّقْمَة شَيْء مستدير لاشعر فِيهِ سَمِعت بِهِ لِأَنَّهُ كَالرَّقْمِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ





[ قــ :6191 ... غــ :659] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَأَخُوهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ وَسُلَيْمَانُ هُوَ بن بِلَالٍ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وثور هُوَ بن زَيْدٍ الدِّيلِيُّ وَأَبُو الْغَيْثِ هُوَ سَالِمٌ وَالْكُلُّ مَدَنِيُّونَ وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَخِيهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ وَكَذَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرٍ وَلَكِنَّ إِسْمَاعِيلَ أَصْغَرُ مِنْ أَخِيهِ وَسُلَيْمَانُ أَصْغَرُ مِنْ ثَوْرٍ وَسَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ إِلَخْ يَأْتِي شَرْحَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى