فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: الولاء لمن أعتق، وميراث اللقيط

( قَولُهُ بَابُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ)
وَقَالَ عُمَرُ اللَّقِيطُ حُرٌّ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِمِيرَاثِ اللَّقِيطِ فَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ إِنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَى مَا جَاءَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّ وَلَاءَهُ لِلَّذِي الْتَقَطَهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي جَمِيلَةَ فِي الَّذِي الْتَقَطَهُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْأَثَرُ مُعَلَّقًا بِتَمَامِهِ فِي أَوَائِلِ الشَّهَادَاتِ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَنْ وَصَلَهُ وَأَجَبْتُ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لَكَ وَلَاؤُهُ أَيْ أَنْتَ الَّذِي تَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ وَالْقِيَامَ بِأَمْرِهِ فَهِيَ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ لَا وِلَايَةُ الْعِتْقِ وَالْحُجَّةُ لِذَلِكَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَاقْتَضَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتِقْ لَا وَلَاءَ لَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ مِلْكٍ وَاللَّقِيطُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يملكهُ المتلقط لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ إِذْ لَا يَخْلُو المنبوذ أَن يكون بن حرَّة فَلَا يسترق أَو بن أَمَةِ قَوْمٍ فَمِيرَاثُهُ لَهُمْ فَإِذَا جُهِلَ وُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا رِقَّ عَلَيْهِ لِلَّذِي الْتَقَطَهُ وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ اللَّقِيطَ مَوْلَى مَنْ شَاءَ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنْ يُعْقَلَ عَنْهُ فَلَا يُنْتَقَلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ عُقِلَ عَنْهُ وَقَدْ خَفِيَ كُلُّ هَذَا عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ ذِكْرُ مِيرَاثِ اللَّقِيطِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرٌ وَلَا عَلَيْهِ دلَالَة يُرِيد أَن حَدِيث عَائِشَة وبن عُمَرَ مُطَابِقٌ لِتَرْجَمَةِ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ مِيرَاثِ اللَّقِيطِ وَقَدْ جَرَى الْكِرْمَانِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ فَإِنْ قُلْتَ فَأَيْنَ ذِكْرُ مِيرَاثِ اللَّقِيطِ.

قُلْتُ هُوَ مَا تَرْجَمَ بِهِ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ إِيرَادُ الْحَدِيثِ فِيهِ.

قُلْتُ وَهَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ.
وَأَمَّا بِحَسَبِ تَدْقِيقِ النَّظَرِ وَمُنَاسَبَةِ إِيرَادِهِ فِي أَبْوَابِ الْمَوَارِيثِ فَبَيَانُهُ مَا قَدَّمْتُ وَاللَّهُ اعْلَم قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ إِلَّا رِوَايَةً عَنِ النَّخَعِيِّ وَعَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ وَعَنْهُ كَالْمَنْقُولِ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ شُرَيْحٍ نَحْوُ الْأَوَّلِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ



[ قــ :6399 ... غــ :6751] .

     قَوْلُهُ  الحكم هُوَ بن عُتَيْبَةَ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرٌ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ بن يَزِيدَ وَالثَّلَاثَةُ تَابِعِيُّونَ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْحَكَمُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا هُوَ مَوْصُولٌ إِلَى الْحَكَمِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ مُدْرَجًا فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْحَكَمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الْأَسْوَدَ قَالَهُ أَيْضًا فَهُوَ سَلَفُ الْحَكَمِ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ أَيْ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ إِلَى عَائِشَةَ رَاوِيَةِ الْخَبَرِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ الْمَرْفُوعِ قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ رَأَيْتُهُ عَبْدًا زَادَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَقَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَمْ يَصِلْهُ بِذكر عَائِشَة فِيهِ وَقَول بن عَبَّاسٍ أَصَحُّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ رَآهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ حَضَرَ الْقِصَّةَ وَشَاهَدَهَا فَيَتَرَجَّحُ .

     قَوْلُهُ  عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَإِنَّ الْأَسْوَدَ لَمْ يَدْخُلِ الْمَدِينَةَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا الْحَكَمُ فَوُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَعْبِيرِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ جَوَازُ إِطْلَاقِ الْمُنْقَطِعِ فِي مَوْضِعِ الْمُرْسَلِ خِلَافًا لِمَا اشْتُهِرَ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ تَخْصِيصِ الْمُنْقَطِعِ بِمَا يَسْقُطُ مِنْهُ مِنْ أَثْنَاءِ السَّنَدِ وَاحِدٌ إِلَّا فِي صُورَةِ سُقُوطِ الصَّحَابِيِّ بَيْنَ التَّابِعِيِّ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى عِنْدَهُمُ الْمُرْسَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالتَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّابِعِيِّ الصَّغِيرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَكَمَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ وَالْأَجْرُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاء