فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب وقت العصر

( قَوْله بَابُ وَقْتِ الْعَصْرِ)
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا كَذَا وَقَعَ هَذَا التَّعْلِيقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَالصَّوَابُ تَأْخِيرُهُ عَنِ الْإِسْنَادِ الْمَوْصُولِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ عِيَاضٍ وَهُوَ أَبُو ضَمْرَةَ اللَّيْثِيُّ وَأَبَا أُسَامَة رويا الحَدِيث عَن هِشَام وَهُوَ بن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَزَادَ أَبُو أُسَامَةَ التَّقْيِيدَ بِقَعْرِ الْحُجْرَةِ وَهُوَ أَوْضَحُ فِي تَعْجِيلِ الْعَصْرِ مِنَ الرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ وَصَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ طَرِيقَ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ لَكِنْ بِلَفْظِ وَالشَّمْسُ وَاقِعَةٌ فِي حُجْرَتِي وَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي



[ قــ :529 ... غــ :544] قَوْلِهِ حُجْرَتِهَا لعَائِشَة وَفِيه نوع التفاف وَإِسْنَادُ أَبِي ضَمْرَةَ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ وَالْمُرَادُ بِالْحُجْرَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْبَيْتُ وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ ضَوْؤُهَا وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا أَيْ بَاقِيَةٌ وَقَولُهُ لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتِ الشَّمْسُ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ أَيْ تَرْتَفِعَ فَهَذَا الظُّهُورُ غَيْرُ ذَلِكَ الظُّهُورِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِ الشَّمْسِ خُرُوجُهَا مِنَ الْحُجْرَةِ وَبِظُهُورِ الْفَيْءِ انْبِسَاطُهُ فِي الْحُجْرَةِ وَلَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ اخْتِلَافٌ لِأَنَّ انْبِسَاطَ الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ خُرُوج الشَّمْس





[ قــ :531 ... غــ :546] قَوْله بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَن بن عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ سُفْيَانَ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنَ الزُّهْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ أَيْ ظَاهِرَةٌ .

     قَوْلُهُ  بَعْدُ بِالضَّمِّ بِلَا تَنْوِينٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال مَالِكٌ إِلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورِينَ رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَجَعَلُوا الظُّهُور للشمس وبن عُيَيْنَة جعله للفئ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَوْجِيهَ ذَلِكَ وَطَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ طَرِيقَ مَالِكٍ وَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ الْمَوَاقِيتِ.
وَأَمَّا طَرِيقُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ فَوَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ.
وَأَمَّا طَرِيقُ شُعَيْب وَهُوَ بن أَبِي حَمْزَةَ فَوَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَأما طَرِيق بن أَبِي حَفْصَةَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرَةَ فَرَوَيْنَاهَا من طَرِيق بن عَدِيٍّ فِي نُسْخَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنِ بن أَبِي حَفْصَةَ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهَا عُرْوَةُ وَاحْتَجَّ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي تَأْخِيرِهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَشَذَّ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحُجْرَةَ كَانَتْ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ فَلَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ تَحْتَجِبُ عَنْهَا إِلَّا بِقُرْبِ غُرُوبِهَا فَيَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ لَا عَلَى التَّعْجِيلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مَعَ اتِّسَاعِ الْحُجْرَةِ وَقَدْ عُرِفَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَنَّ حُجَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ مُتَّسِعَةً وَلَا يَكُونُ ضَوْءُ الشَّمْسِ بَاقِيًا فِي قَعْرِ الْحُجْرَةِ الصَّغِيرَةِ إِلَّا وَالشَّمْسُ قَائِمَةٌ مُرْتَفِعَةٌ وَإِلَّا مَتَى مَالَتْ جِدًّا ارْتَفَعَ ضَوْؤُهَا عَنْ قَاعِ الْحُجْرَةِ وَلَوْ كَانَتِ الْجُدُرُ قَصِيرَةً قَالَ النَّوَوِيُّ كَانَتِ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ كَانَ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ كَانَتِ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ اه وَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ لَهُ حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِهِ فِي تَعْيِينِ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَهُوَ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ اسْتَغْنَى بِهَذَا الْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مُصَرَّحَةً بِالْمَقْصُودِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ إِلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ خَالَفَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَصْحَابُهُ يَعْنِي الْآخِذِينَ عَنْهُ وَإِلَّا فَقَدِ انْتَصَرَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بَعْدَ ذَهَابِ اشْتِدَادِ الْحَرِّ وَلَا يَذْهَبُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرَ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ وَحِكَايَةُ مِثْلِ هَذَا تُغْنِي عَنْ رده





[ قــ :53 ... غــ :547] قَوْله أخبرنَا عبد الله هُوَ بن الْمُبَارَكِ وَعَوْفٌ هُوَ الْأَعْرَابِيُّ .

     قَوْلُهُ  دَخَلْتُ أَنَا وَأبي زَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ زمن أخرج بن زِيَادٍ مِنَ الْبَصْرَةِ.

قُلْتُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَسَلَامَةُ وَالِدُ سَيَّارٍ حَكَى عَنْهُ وَلَدُهُ هُنَا وَلَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ وَقَدْ وَقَعَتْ لِابْنِهِ عَنْهُ رِوَايَةٌ فِي الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ .

     قَوْلُهُ  الْمَكْتُوبَةَ أَيِ الْمَفْرُوضَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ لِكَوْنِ أَبِي بَرْزَةَ لَمْ يَذْكُرْهُ وَفِيهِ بَحْثٌ .

     قَوْلُهُ  كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ أَيْ صَلَاةَ الْهَجِيرِ وَالْهَجِيرُ وَالْهَاجِرَةُ بِمَعْنًى وَهُوَ وَقْتُ شِدَّةِ الْحَرِّ وَسُمِّيَتِ الظُّهْرُ بِذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ حِينَئِذٍ .

     قَوْلُهُ  تَدْعُونَهَا الْأُولَى قِيلَ سُمِّيَتِ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةِ النَّهَارِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَيَّنَ لَهُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ أَيْ تَزُولُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّحْضِ وَهُوَ الزَّلْقُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْإِبْرَادِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْبَرْدِ أَوْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ أَوْ عِنْدَ فَقْدِ شُرُوطِ الْإِبْرَادِ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِشِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِظَاهِرِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِتَقْدِيمِ مَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ مِنْ طَهَارَةٍ وَسَتْرٍ وَغَيْرِهِمَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ التَّقْرِيبُ فَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ لِمَنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِغَيْرِ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى رَحْلِهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَسْكَنِهِ .

     قَوْلُهُ  فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ صِفَةٌ لِلرَّحْلِ .

     قَوْلُهُ  وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَيْ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْمُرَادُ بِحَيَاتِهَا قُوَّةُ أَثَرِهَا حَرَارَةً وَلَوْنًا وَشُعَاعًا وَإِنَارَةً وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بَعْدَ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيِ الشَّيْءِ اه وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ خَيْثَمَةَ أَحَدِ التَّابِعِينَ قَالَ حَيَاتُهَا أَنْ تَجِدَ حَرَّهَا .

     قَوْلُهُ  وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ سَيَّارٌ بَيَّنَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ أَيْ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ قَلِيلًا لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بَعْضٌ مُطْلَقٌ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى قِلَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ وَقْتِ الْعِشَاءِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ التَّأْخِيرَ إِنَّمَا كَانَ لِانْتِظَارِ مَنْ يَجِيءُ لِشُهُودِ الْجَمَاعَةِ .

     قَوْلُهُ  الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ لَعَلَّ تَقْيِيدَهُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ دُونَ غَيْرِهِمَا لِلِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهِمَا فَتَسْمِيَةُ الظُّهْرِ بِالْأُولَى يُشْعِرُ بِتَقْدِيمِهَا وَتَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ يُشْعِرُ بِتَأْخِيرِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ يَنْفَتِلُ أَيْ يَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ يَلْتَفِتُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أَيِ الصُّبْحِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظ الروَاة فِيهِ وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى التَّعْجِيلِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ مَعْرِفَةِ الْإِنْسَانِ وَجْهَ جَلِيسِهِ يَكُونُ فِي أَوَاخِر الْغَلَس وَقد صرح بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ فِيهَا مُغَلِّسًا وَادَّعَى الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي حَيْثُ قَالَتْ فِيهِ لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي بَرْزَةَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْرِفَةِ مَنْ هُوَ مُسْفِرٌ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِ الْمُصَلِّي فَهُوَ مُمْكِنٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْ هُوَ مُتَلَفِّفٌ مَعَ أَنَّهُ عَلَى بُعْدٍ فَهُوَ بَعِيدٌ .

     قَوْلُهُ  وَيَقْرَأُ أَيْ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ يَعْنِي مِنَ الْآيِ وَقَدَّرَهَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بِسُورَةِ الْحَاقَّةِ وَنَحْوِهَا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ وَقْتِ الظُّهْرِ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ وَأَشَارَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَقُولَ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالْمِائَةِ لِأَنَّ لَفْظَ بَيْنَ يَقْتَضِي الدُّخُولَ عَلَى مُتَعَدِّدٍ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَفَوْقَهَا إِلَى الْمِائَةِ فَحُذِفَ لَفْظُ فَوْقَهَا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَفِي السِّيَاقِ تَأَدُّبُ الصَّغِيرِ مَعَ الْكَبِيرِ وَمُسَارَعَةُ الْمَسْئُولِ بِالْجَوَابِ إِذَا كَانَ عَارِفًا بِهِ





[ قــ :533 ... غــ :548] .

     قَوْلُهُ  إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَيْ بِقُبَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَنَازِلَهُمْ وَإِخْرَاجُ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا الْحَدِيثِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا مُسْنَدٌ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِضَافَتِهِ إِلَى زمن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا هُوَ مَوْقُوفٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَوْرَدَهُ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ كَوْنَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد روى بن الْمُبَارَكِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَتْ مَنَازِلُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَصْرَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَغِلُونَ بِأَعْمَالِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَعْجِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَسَيَأْتِي فِي طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ





[ قــ :534 ... غــ :549] .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ هُوَ أَسْعَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ عَمُّ الرَّاوِي عَنْهُ وَفِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا تَبَعًا لِسَلَفِهِ إِلَى أَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ فِي الْعَصْرِ دُونَ الظُّهْرِ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَيْضًا وَهُوَ عِنْدَ انْتِهَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلِهَذَا تَشَكَّكَ أَبُو أُمَامَةَ فِي صَلَاةِ أَنَسٍ أَهِيَ الظُّهْرُ أَوِ الْعَصْرُ فَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَقَولُهُ لَهُ يَا عَمُّ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْقِيرِ وَلِكَوْنِهِ أَكْبَرَ سِنًّا مِنْهُ مَعَ أَنَّ نَسَبَهُمَا مُجْتَمع فِي الْأَنْصَار لكنه لَيْسَ عَمه علىالحقيقة وَاللَّهُ أَعْلَمُ



( قَولُهُ بَابُ وَقْتِ الْعَصْرِ)
كَذَا وَقع فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي دُونَ غَيْرَةِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ



[ قــ :535 ... غــ :550] .

     قَوْلُهُ  وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَقَاءِ حَرِّهَا وَضَوْئِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَيْ دُونَ ذَلِكَ الِارْتِفَاعِ لَكِنَّهَا لَمْ تَصِلْ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي تُوصَفُ بِهِ بِأَنَّهَا مُنْخَفِضَةٌ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَعْجِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ لِوَصْفِ الشَّمْسِ بِالِارْتِفَاعِ بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَبْيَضِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُحَلِّقَةٌ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى قَوْمِي فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ فَأَقُولُ لَهُمْ قُومُوا فَصَلُّوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى قَالَ الطَّحَاوِيُّ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ أُولَئِكَ يَعْنِي قَوْمَ أَنَسٍ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا إِلَّا قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَجِّلُهَا .

     قَوْلُهُ  وَبَعْضُ الْعَوَالِي كَذَا وَقَعَ هُنَا أَيْ بَيْنَ بَعْضِ الْعَوَالِي وَالْمَدِينَةِ الْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ الصَّغَانِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ وَبُعْدُ الْعَوَالِي بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاعْتِصَامِ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَكِنْ قَالَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَفْظُهُ وَالْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَة على ثَلَاثَة أَمْيَال وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْمَحَامِلِيِّ عَنْ أَبِي عُتْبَةَ الْمَذْكُورِ بِسَنَدِهِ فَوَقَعَ عِنْدَهُ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَتَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَقْرَبَ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ مَسَافَةُ مِيلَيْنِ وَأَبْعَدُهَا مَسَافَةُ سِتَّةِ أَمْيَالٍ إِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْمَحَامِلِيِّ مَحْفُوظَةً وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ أَبْعَدُ الْعَوَالِي مَسَافَةُ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ قَالَ عِيَاضٌ كَأَنَّهُ أَرَادَ مُعْظَمَ عِمَارَتِهَا وَإِلَّا فَأَبْعَدُهَا ثَمَانِيَة أَمْيَال انْتهى وَبِذَلِك جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ آخِرُهُمْ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ أَبْعَدُ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهَا الذَّاهِبُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَة وَالْعَوَالِي عِبَارَةٌ عَنِ الْقُرَى الْمُجْتَمِعَةِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ نَجْدِهَا.
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ تِهَامَتِهَا فَيُقَالُ لَهَا السَّافِلَةُ تَنْبِيهٌ .

     قَوْلُهُ  وَبَعْضُ الْعَوَالِي إِلَخْ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بَيَّنَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَلَمْ يَقِفِ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ هُوَ إِمَّا كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَوْ أَنَسٍ أَوِ الزُّهْرِيِّ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ أَيْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ الْأُخْرَى وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِهِ





[ قــ :536 ... غــ :551] .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ كَأَنَّ أَنَسًا أَرَادَ بِالذَّاهِبِ نَفْسَهُ كَمَا تُشْعِرُ بِذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي الْأَبْيَضِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى قُبَاءٍ وَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ بَلْ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِلَى الْعَوَالِي وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ وَقَوْلُ مَالِكٍ إِلَى قُبَاءٍ وَهْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنِ بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَى قُبَاءٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَنِسْبَةُ الْوَهْمِ فِيهِ إِلَى مَالِكٍ مُنْتَقَدٌ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ وَهْمًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَ بِهِ مَالِكًا وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ إِلَى الْعَوَالِي كَمَا قَالَ الْجَمَاعَةُ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ وَتُوبِعَ عَنِ الزُّهْرِيّ بِخِلَاف مَا جزم بِهِ بن عَبْدِ الْبَرِّ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْعَوَالِي فَصَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ لَكِنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ أَخَصُّ لِأَنَّ قُبَاءً مِنَ الْعَوَالِي وَلَيْسَتِ الْعَوَالِي كُلَّ قُبَاءٍ وَلَعَلَّ مَالِكًا لَمَّا رَأَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ إِجْمَالًا حَمَلَهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُفَسَّرَةِ وَهِيَ رِوَايَتُهُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ فِيهَا ثُمَّ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ أَهْلُ قُبَاءٍ فَبَنَى مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا حَدَّثَاهُ عَنْ أَنَسٍ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ فَهَذَا الْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ الْجَزْمِ بِأَنَّ مَالِكًا وَهِمَ فِيهِ وَأما اسْتِدْلَال بن بَطَّالٍ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِمَّنْ دُونَ مَالِكٍ بِرِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَالِكًا أَثْبَتَهُ فِي الْمُوَطَّأِ بِاللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ كَافَّةُ أَصْحَابِهِ فَرِوَايَةُ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْهُ شَاذَّةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ وَهْمٌ بَلْ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَهْمٌ فَهُوَ مِنْ مَالِكٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَوْ مِنَ الزُّهْرِيِّ حِينَ حَدَّثَهُ بِهِ وَالْأَوْلَى سُلُوكُ طَرِيقِ الْجَمْعِ الَّتِي أوضحناها وَالله الْمُوفق قَالَ بن رَشِيدٍ قَضَى الْبُخَارِيُّ بِالصَّوَابِ لِمَالِكٍ بِأَحْسَنِ إِشَارَةٍ وَأَوْجَزِ عِبَارَةٍ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَوَّلًا الْمُجْمَلَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِحَدِيثِ مَالِكٍ الْمُفَسَّرِ الْمُعَيِّنِ تَنْبِيهٌ قُبَاءٌ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ أَيْ أَهْلَ قُبَاءٍ وَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلِ الْقرْيَة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ الْمُبَادَرَةُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِيلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَتَغَيَّرْ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ فِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَقد مضى ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي قبله